غربة الإسلام - وصيام عاشوراء

أسامة محمد موسى
1438/01/05 - 2016/10/06 12:13PM
غربة الإسلام – وصيام عاشوراء
جامع النور – 1438/01/06
إن دين الإسلام منذ أن بزغ فجرُه، واستفاضَ نوره وحتى يومنا هذا ما زال يُحارب من قبل أعدائه من الكفار والمنافقين، بشتى الوسائل والأساليب، على اختلاف الأزمنة والعصور: فاحتلوا الديار، وغيروا الأفكار، ودنّسوا المقدسات، وانتهكوا الحرمات، واستباحوا الأعراض والأموال والمقدّرات.
وما زالت الحربُ على هذا الإسلام العظيم ظاهرةً سافرة، لم تتوقف ولم تنقطع، ولو لم يكُن هذا الدين هو دينُ ربّ العالمين الذي تكفّل بحفظه وظهوره لضاع واندثر وأصبح حكايةً تروى منذ قرون!
إيها الإخوة .. إننا سنتكلّم اليوم عن غربة الإسلام، الغربةُ التي يعيشُها الإسلام في هذا الزمان كما أخبر بذلك الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في صحيح مسلمٍ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بدأَ الإسلامُ غريبًا، وسيعودُ كما بدأَ غريبًا، فطوبى للغرباءِ" وفي رواية أخرى : قيل من هُم يا رسول الله؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس"
إن غربة الإسلام –أيها الأحبة- تنقسم إلى قسمين: أولهما: غربة الإسلام بين غيره من الأديان، وهذه غربةٌ واضحةُ المعالم في هذا الزمان، فلم يبقَ فظيعةٌ من الفظائعِ إلا واتهم الإسلام بها، فرُمي بالإرهاب، ووُصف بالتطرّف، وحورب من الشرق والغرب، يقول تعالى: "وما أكثر الناس ولو حرصتَ بمؤمنين" ويقول سبحانه: "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" "وقليلٌ من عبادي الشكور" فالمسلمون في غربةٍ كبيرة بين أصناف الكفار والملحدين وعبّاد البقر والشمس وغيرها من دون الله جل وعلا. أما القسم الثاني: فهي غربةُ أهل السنة بين أهل الإسلام .. يقول سفيان الثوري رحمه الله: استوصوا بأهل السنّة خيراً فإنهم غرباء .. ونحنُ نعيش هذه الغربة بكامل قسوتها إذ يذبحُ أبناء أهل السنّة بسكّين حبّ الحسين –رضي الله عنه-، ويهجّرون من بلادهم بدعوى حبّ آل البيت رضوان الله عليهم ..
عباد الله .. إن أعداء الإسلام خططوا وما زالوا يخططون، ومكروا ولا زالوا يمكرون، وإنني سأبيّن لكم سرّ ما يريدون وما يودّون! إنهم يريدون أن يفصلوكم عن هذا الدين، ويسلخونكم عن عقيدتِكُم، هذا ليس استنتاجاً فردياً، ولا خبراً عادياً، بل إنه كلامُ العليم الخبير إذ يقول: "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق" ويقول سبحانه وتعالى عنهم: "ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء" أي سواءً في الكفر –والعياذ بالله-، فوالله أيها المسلم مهما تشبّهت بهم في عاداتهم وتقاليدهم، ومهما تغرّبتَ في شكلِك ومظهرك، ومهما خلع المسلماتُ حجاب الفضيلة والطهر، فإن أعداء الإسلام لا يرضيهم ولن يرضيهم إلا أن تنسلخوا عن دينِكم، وكلّنا يحفظ قول الله: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبعَ ملّتهم" يريدون أن يقتلعوا جذور هذا الدين العظيم من قلبِ كل مسلم، ولن يكون لهم هذا بوعدِ الله جل في علاه: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً" يقول الله:" يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"
فالواجبُ عليكم –أيها المسلمون- عظيم، والمسؤولية كبيرة، فإياك أن يؤتى الإسلامُ من قِبَلك، والإسلامُ ظاهرٌ منصور وما عداه مغلوب مقهورٌ مدحور، لكن أنت من تحدّد موقعَك في نصرِ هذا الدين، وحذارِ أن تكون من المتخلّفين والمتخاذلين والمثبطين،
أقم شعائر هذا الدين في قلبك –أولاً- ، وطبّقه على نفسِك في ظاهرك وتعامُلك وأخلاقك، حافظ على عبادتِك المفروضة نقيةً من شوائب الجهل والبدع، وأكثر من النوافل فنبيّنا –صلى الله عليه وسلم- يرشدُنا في آخر الزمان فيقول: "العبادةُ في الهرج (أي في الفتن واختلاط الأمور) كهجرةٍ إليّ" تكونُ كمن هاجَر في غربة الإسلام الأولى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمالِ فتنًا كقطعِ الليلِ المظلمِ، يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا، يبيعُ دينَه بعرضٍ من الدنيا" فبعملِك الصالح –يا عبد الله- تتقي الفتن، وترفعُ علمَ الإسلام.
واللهَ اللهَ في رعيّتك، وأهل بيتك، وأبنائك، فإنك –واللهِ- مسؤول عن تمسّكهم بهذا الدين "والرجلُ راعٍ في أهلِهِ ومسؤولٌ عن رعيتِهِ" أياك أن تدعَ مسؤولية تربيتهم للمدرسة أو الجامعة أو التلفاز! لقد اعترض الجميعُ على تغيير المناهج الدراسية ثم يأتي البعضُ ويلقي بأبنائه أمام أوحال القنوات الهابطة والمواقع التي لا تعرفُ العفة ولا الطهارة فضلاً عن أن تعرف الدينَ والصراط المستقيم، فلا تلقي اللومَ على غيرك إن كنتَ أنت المقصّر وإن كنتَ أنت المُهمل لأبنائك، كن أنت المربّي .. كن أنت القدوة ، اسألهم عن صلاتِهم وأمرهم بها فإن الله قد امتدح نبيّه اسماعيل فقال: "وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً" اغرس في أبنائك القيم، ازرع بهم حبّ المقدسات، عرّفهم بعدوّهم الحقيقي وغاصبِ بلادهم، والله بعد ذلك لن يضرّك عبث العابثين، وتربص المتربصين، ولا يمنعُك أحدٌ عن ذلك! اقتنِ كتاب (رياض الصالحين) مثلاً واقرأ على أهل بيتِك كل يوم ثلاثة أحاديث من كلام خير البرية ونبيّ الأمة صلى الله عليه وسلم فلا يمضي العامُ إلا وقد رويتَ مسامعَهم وأغثتَ أرواحَهم بأكثر من ألفِ حديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. شاهِد مع أهلِ بيتك برامجَ هادفة، تغرسُ حبّ هذا الإسلام في النفوس، كم منا من حمل همّ الإسلام ؟ إياك أن يكون الإسلامُ غريباً في بيتِك! واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو إنك بهذا تكونُ قد كوّنتَ مشروعاً للنصر تلاقي به وجه الله، وترفعُ به شأنَ هذه الأمة، فتصنعُ من أبنائك رجالاً صادقين وأمهاتٍ مربيات صالحات يغيرون المجتمع ويسعون لرفعةِ هذا الدين، وتكون بهذا أكثر ما تغيظ أعداء الإسلام، والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "مثل أمتي مثل المطر لا يُدرَى أوّلُه خير أم آخره".
وإن وجدتَ شباباً من جيرانِك أو زملائك في العمل أو مَن حولك قد بدَت عليهم مظاهرُ غربة الدين في نفوسهم، وأغرتهم الحياةُ بفتنها وتقلباتها فأمُرهم بالمعروف وانهَهم عن المنكر، كن مشعلاً لهذا الدين يضئ للسائرين، كُن ممن استعملهُم الله في نصرة الإسلام، ولتعلم أن الله سينصرُ دينه بك أو بغيرك، لكن أنت من تختارُ شرف حمل الرسالة، وهم الأمة "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم"
وأختمُ ببشارةٍ إلى كلّ من تمسّك بهذا الإسلام، وحافظ على الإسلام في نفسِه وبيتِه، وتمسّك بالقرآن العزيز، وأقام الصلاة فإن الله لن يضيع أجرَه العظيم قال تعالى: "والذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيعُ أجرَ المصلحين" والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول عن أيام الفتن: " إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ ، لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم ، قالوا ، يا نبيَّ اللهِ أو منهم ؟ قال ، بل منْكم" فالمتمسّك بما كان عليه صحابةُ رسول الله له أجرُ خمسينَ ممّن صحبَ النبي صلى الله عليه وسلم. نسأل الله أن يجعلنا ممن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقومون بحمل همّ هذا الإسلام، إنه وليّ ذلك والقادر عليه
أقول ما تسمعون وأستغفر الله..

الخطبة الثانية:
عباد الله .. إن التذكير بمواسِم الطاعات وأيام الله الخالدة سنّة الأنبياء والمرسلين، وإننا نعيشُ موسماً عظيماً مباركاً من مواسم الخيرات، شهرُ الله المحرَم هو رأس العام ومن أشهُر الله الحرُم وعبادةُ الصيام فيه أفضلُ ما تكون بعد صيام شهر رمضان ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضلُ الصيامِ ، بعدَ رمضانَ ، شهرُ اللهِ المحرمِ . وأفضلُ الصلاةِ ، بعدَ الفريضَةِ ، صلاةُ الليلِ" وأما اليوم العاشر من هذا الشهر، يومُ عاشوراء، فهو يومٌ عظيم، يومُ إهلاك فرعون ومن معه، ونجاةِ موسى وقومِه، ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، فرأَى اليهودَ تصومُ يومَ عاشوراءَ، فقال : ( ما هذا ) . قالوا : هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومَ نجَّى اللهُ بني إسرائيلَ من عدُوِّهم، فصامه موسى . قال : ( فأنا أحقُّ بموسى منكم ) . فصامه وأمَر بصيامِه، وقال كما في صحيح مسلم: "لئن بقِيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسِعَ" أي اليوم الذي قبله.
وأخبرَ -صلوات الله وسلامه عليه- عن عِظَم ثواب صيام هذا اليوم فقال: "صيامُ يوم عاشوراء أحتسِبُ على الله أن يُكفِّرَ السَّنةَ التي قبله" فاحرصوا على هذا الأجر الجزيل من الربّ الكريم واسألوا الله أن ينجّي المسلمين وينصر دينه كما نجّى الله موسى وقومّه، وأن يهلِك الأعداء المتربصين كما أهلك فرعون وقومه ..

المشاهدات 1186 | التعليقات 0