غراس الجنة

هلال الهاجري
1438/04/07 - 2017/01/05 11:07AM
إِنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
(يَا أَيُّهاَ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .. أَمَّا بَعْدُ:

أعظمُ اجتماعٍ في تاريخِ هذه الأمَّةِ، بل قد يكونُ في تاريخِ البشريةِ جَمْعاءَ، حضرَه ثلاثةٌ من العظماءِ، وانتهى في وقتٍ قصيرٍ جداً، وطُرحَ فيه موضوعٌ واحدٌ فقطْ، ولكنَّه موضوعٌ تشرَّفَ التاريخُ بتسجيلِه للأجيالِ المُتعاقبةِ إلى يومِ القيامةِ، ومما يزيدُ شرفَ الاجتماعِ هو وقتُ ومكانُ انعقادِه .. فما هذا الاجتماعُ؟

قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في قصَّةِ المِعراجِ: (ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟، قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟، قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ).

فالاجتماعُ عُقدَ في ليلةِ الإسراءِ، في السَّماءِ السَّابعةِ عندَ البيتِ المعمورِ، وحضرَه خليلا الرَّحمنِ وروحُ القُدسِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، فما هو الموضوعُ الذي طُرحَ في الاجتماعِ؟، هل تحدَّثوا عما كانَ يُعانيه النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ من قومِه من عظيمِ البلاءِ، أو عن موتِ عمِّه أبي طالبٍ الذي كانَ يُدافعُ عنه، أو عن موتِ خديجةَ رضيَ اللهُ عنها التي كانتْ تواسيه وتُخفِّفُ عنه، أو عن شديدِ الأذى والعذابِ لبعضِ أصحابِه في مكةَ، أو عن هجرةِ بعضِهم للحبشةِ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ).

وعليكم السَّلامُ ورحمةِ اللهِ وبركاتِه يا خليلَ الرَّحمنِ، فلا زِلتَ نعمَ النَّاصحُ لخيرِ أمَّةٍ حتى قبلَ وجودِها، ومن ينسى بركةَ دعائكَ حينَ قلتَ: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فاستجابَ اللهُ تعالى لكَ، فبعثَ إلينا خيرَ الرُّسلِ وآخرَها، فجزاكَ اللهُ عن أمةِ الإسلامِ خيراً.

وها هو إبراهيمُ عليه السَّلامُ حتى بعدَ موتِه، يُرسلُ لنا نصيحةً مع نبيِّنا عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولا عجبَ في ذلكَ فهو الأبُّ الشَّفيقُ لهذه الأمَّةِ كما قالَ تعالى: (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ)، فما بالُكم بنصيحةٍ جاءتْ من أبٍّ رحيمٍ، ونبيٍّ كريمٍ، وقد رأى بعدَ موتِه الوعدَ الحقَّ المُبينَ، خبيرٌ بالأعمالِ التي يُحبُّها العزيزُ الكبيرُ، عالمٌ بما فيه الصَّلاحُ للعبدِ الفقيرِ.

فسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ .. هي وصيةُ خليلِ الرَّحمنِ لكم، وكفى بها وصيةً.

أليسَ ذكرُ اللهِ تعالى من أفضلِ الأقوالِ وأزكى الأعمالِ؟، قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم، وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم؟، قالوا: بلَى، قالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى)، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.

أيُّها المؤمنُ باللهِ ربَّاً وخالقاً ورازقاً وإلاهاً، ما هو إحساسُكَ عندما تتلوا قولَه تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)، وأنتَ تعلمُ أنَّه ليسَ بينَك وبينَ أن يذكرَكَ اللهُ تعالى وهو فوق سبعِ سمواتٍ، إلا أن تفتحَ شفتيكَ وتُحرِّكَ لسانَك وتقولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يقولُ اللهُ تعالى في الحديثِ القدسيِّ: (أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإ خَيْرٍ مِنْهُمْ)، وهذه أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها تصفُ لنا حالَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ فتقول: (كانَ يَذكرُ اللهَ تعالى على كلِّ أحيانِه).

وهكذا وصفَ اللهُ تعالى أتباعَه أولي الألبابِ والعقولِ بقولِه: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، قالَ يحيى بنُ معاذٍ رحمَه اللهُ: يا غفولُ، يا جهولُ، لو سَمعتَ صَريرَ الأقلامِ في اللوحِ المحفوظِ وهي تكتبُ اسمَك عندَ ذكرِك لمولاك؛ لمِتَّ شوقًا إلى مولاك.

بل ستجعلُ لكَ بهذه الكلماتِ منْ يُذِّكرُ باسمِكَ فوقَ السمواتِ وحولَ العرشِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لا يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ؟).

وكثرةُ ذكرِ اللهِ تعالى أمانٌ من النِّفاقِ، فإنَّ المنافقينَ قليلو الذِّكرِ للهِ عزَّ وجلَّ .. قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ في المنافقينَ: (وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا)، ولذلكَ خاطبَ اللهُ تعالى أهلَ الإيمانِ فقالَ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما: (إنَّ اللهَ تعالى لم يفرضْ على عبادِه فريضةً، إلاَّ جعلَ لها حدًّا معلومًا، ثم عذرَ أهلَها في حالِ العذرِ، غيرَ الذِّكرِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى لم يجعلْ له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذرْ أحدًا في تركِه، إلاَّ مغلوبًا على تركِه، فقالَ: (فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)، بالليلِ والنهارِ، في البرِّ والبحرِ، وفي السفرِ والحضرِ، والغِنَى والفقرِ، والسَّقمِ والصحةِ، والسرِّ والعلانيةِ، وعلى كلِّ حالٍ.

بل كثرةُ ذكرِ اللهِ علامةٌ ظاهرةٌ لمعرفةِ اللهِ تعالى ومحبتهِ، يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُرَيْدِيَّ: سَمِعْتُ أبَا حَمْزَةَ يَقُولُ: مَنِ الْمُحَالِ أَنْ تَعْرِفَهُ ثُمَّ لا تُحِبُّهُ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ تُحِبَّهُ ثُمَّ لا تَذْكُرُهُ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ تَذْكُرَهُ ثُمَّ لا يُوجِدُكَ طَعْمَ ذِكْرِهِ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يُوجِدَكَ طَعْمَ ذِكْرِهِ ثُمَّ لا يُشْغِلُكَ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ.

قَصَّ الحَلَّاقُ شَارِبَ مَعْرُوفٍ الكَرْخِيِّ، فَلَمْ يَفْتُرْ مِنَ الذِّكْرِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَقُصُّ؟، فَقَالَ: أَنْتَ تَعْمَلُ، وَأَنَا أَعْمَلُ.

هل تُلاحظونَ في هذا الزَّمانِ، مع كثرةِ المشاغلِ والهمومِ، كيفَ تشتَّتتْ النُّفوسُ، وضاقتْ الصُّدورُ، وتفرَّقتْ الأرواحُ، وأصبحَ القلبُ شَـذَرَ مـَـذَرَ في كلِّ وادٍ منه قطعةٌ، فإذا وجدتَ هذا الشُّعورَ، فقل: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لأنَّ سبحانَه وتعالى قالَ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمَه اللهُ: الذكرُ للقلبِ مثلُ الماءِ للسمكِ، فكيفَ يكونُ حالُ السمكِ إذا فارقَ الماءَ؟.

فالذي لا يذكرُ ربَّه فهو في عِدادِ الأمواتِ، ولو كانَ يتنفَّسُ ويتكلمُ ويأكلُ ويشربُ، عَنْ أبِي مُوسَى رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ)، فأيُّ حياةٍ تلكَ دونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.

هل رأيتُم الدُّنيا وجمالَها وزينتَها؟، هل تمنيتَ يوماً أن تملكَ ما طلعتْ عليه الشَّمسُ؟، هل أحسستُم بالجاذبيةِ الموجودةِ في شَهواتِها ولذَّاتِها؟، ولا عجبَ، فقد قالَ عزَّ وجلَّ: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)، ولكنْ اسمعْ هذا الحديثَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ)، لأنَّ ما طلعتَ عليه الشَّمسُ زائلٌ، وهذه الكلماتُ من الباقياتِ الصَّالحاتِ، تجني بها الحسناتِ، وتزرعُ بها الجنَّاتِ، ولذلكَ قالَ اللهُ تعالى بعدَ هذه الشَّهواتِ: (ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، فعليكَ بغِراسِ الجنةِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.

عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟)، قُلْتُ: غِرَاسًا لِي، قَالَ: (أَلا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟)، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ).

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، ونفعنا بهديِ سيدِ المرسلينِ، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كل ِّذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أعدَّ اللهُ للذاكرينَ اللهَ كثيراً والذاكراتِ أجراً عظيماً، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، يعلمُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، أنزلَ عليه الكتابَ والحكمةَ وعلمَه ما لم يكن يعلمُ وكانَ فضلُ اللهِ عليه عظيماً، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلمَ تسليماً كثيراً، أما بعد:

فيا عبادَ اللهِ ..

كلُّنا يسعى أن يكونَ له عملٌ يحجِزُه عن النَّارِ يومَ القيامةِ، فأنصتوا إلى هذا الحديثِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (خُذُوا جُنَّتَكُمْ – أيْ: ما يسترَكم ويقيَكم-)، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ حَضَرَ؟، فَقَالَ: (خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ، قُولُوا: سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَلا إِلَهَ إِلا الله وَالله أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ القِيَامَةَ مُسْتَقْدِمَاتٍ وَمُسْتَأْخِرَاتٍ وَمُنجيَاتٍ وَهُنَّ البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ)، وقد قالَ اللهُ تعالى: (وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً).

ألكَ سيئاتٌ وتريدُ تكفيرًها؟، ألكَ ذنوبٌ وتريدُ تساقطَها؟، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الوَرَقِ فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الوَرَقُ، فَقَالَ: (إِنَّ الحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ العَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ).

أتعلمونَ ما هو أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ؟، اسمعوا لسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهوَ يَقُولُ: قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ).

فانظر ما الذي تحرِّكُ به لسانَكَ في يومِكَ وليلتِك، فالموفَّقُ واللهِ هو من وفَّقَه الله تعالى لطاعتِه وشغلَ لسانَه بذكرِه، والتَّوفيقُ ليس بيتًا تَسكنُه، ولا شخصًا تعاشرُه، ولا ثوبًا ترتديه، ولكنَّ التَّوفيقَ غيثٌ إنْ أذنَ اللهُ بهطولِه على حياتِكَ ما شَقيتَ أبداً، وانظرْ إلى الذِّكرِ من أسهلِ الطَّاعاتِ، لكن لا يُوفَّقُ له إلا قَليلٌ، جعلني اللهُ وإياكم منهم.

اللَّهُمَّ اشْغَلْ قُلُوبَنَا بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا بِذِكْرِكَ، وَأَبْدَانِنَا بِطَاعَتِكَ، اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى شَهَوَاتِ أَنْفُسِنَا، وَقَسْوَةِ قُلُوبِنَا، وَضَعْفِ إِرَادَتِنَا، وَلا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا وَلا إِلَى أَحَدٍ غَيْرَكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلا تُـهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلا تُؤْثِرْ عَلَينَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأَبْصَارِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَلا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، ولا تَفْتِنَّا فِي دِينِنَا، وَاجْعَلْ يَوْمَنَا خَيْراً مِنْ أَمْسِنَا، وَاجْعَلْ غَدَنَا خَيْراً مِنْ يَوْمـِنَا، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِيمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا يا ربَّ العالمينَ.
المرفقات

غراس الجنة.docx

غراس الجنة.docx

المشاهدات 3146 | التعليقات 2

بارك الله فيك يا شيخ هلال ونفع الله بك


جزاك الله خيرا