عيد الفطر 1446

خُطْبَةِ عِيدٍ الْفِطْرِ الْـمُبَارَكِ 1446

 يكبرُ (خمساً)

 اللـهُ أَكْبَرُ مَا تَوَالَتِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ، وَمَا تَعَاقَبَتِ السِّنُونَ وَالأَعْوَامُ، اللـهُ أَكْبَرُ مَا ارتَفَعَ صَوْتٌ بِالحَمْدِ وَالتَّكْبِيرِ، وَمَا عَنَتِ الوُجُوهُ لِلمَلِكِ القَدِيرِ، اللـهُ أَكْبَرُ مَا عَمَّتِ الفَرْحَةُ المُؤْمِنِينَ صَبَاحَ العِيدِ، وَمَا تَصَافَتِ القُلُوبُ وَوُصِلَتِ الأَرْحَامُ فِي هَذَا اليَوْمِ المَجِيدِ.

     اللـهُ أَكبَرُ مِلءَ السَّمعِ رَدَّدَهَا     فِي مَسمَعِ البِيدِ ذَاكَ الذَّرُّ وَالحَجَرُ

 الحَمْدُ للـهِ الَّذِي وَفَّقَنَا لِصِـيَامِ رَمَضَانَ، وَأَعَانَنَا فِيهِ عَلَى الإِحْسَانِ، وَفَتَحَ لَنَا فِيهِ أَبْوَابَ الجِنَانِ. ونَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللـهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الملكُ العلامُ، ونَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، أَفْضَلُ مِن صَلَّى وَصَامَ، وَأَنْفَقَ وَقَامَ، وَحَافَظَ عَلَى شَعَائِرِ الدِّينِ العِظَامِ، صَلَّى اللَّـهَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ، وعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِم وَاقْتَفَى أَثَرَهُم إِلى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللـهَ تَعَالَى فِي جَمِيعِ أَوقَاتِكُمْ، وَاشكُرُوهُ عَلَى نَعْمَائِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ، وَاقْدِرُوا نِعْمَةَ هَذَا العِيدِ الـمُبَارَكِ قَدْرَهَا، فَقَدْ أَشْرَقَتْ شَمْسُ هَذَا اليَوْمِ السَّعِيدِ وَهِيَ تَحْمِلُ لَكُمْ جَائِزَةَ اللـهِ(لِكُلِّ أَمَةٍ عِيدًا وَهَذا عيدُنا) فهَذَا يَوْمُ الْأُعْطِيَاتِ، وَمَوْسِمُ الْـمَكْرُمَاتِ، يومٌ تَوَّجَ اللـهُ بِهِ شهرَ الصيامِ وافتتحَ بِهِ أشهرَ الحجِّ إِلَى بَيْتِهِ الحرامِ، إنَّه يومُ الجوائزِ.

  عَنْ ابنِ عباسٍ t يرفَعُهُ قالَ: {إِذَا كَانَتْ غَدَاةُ الْفِطْرِ بَعَثَ اللَّـهُ الْـمَلَائِكَةَ فِي كُلِّ بِلَادٍ، فَيَهْبِطُونَ الْأَرْضَ، فَيَقُومُونَ عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَيُنَادُونَ بِصَوْتٍ يُسْمِعَ مَنْ خَلَقَ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، فَيَقُولُونَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، اخْرُجُوا إِلَى رَبِّكُمْ رَبٍّ كَرِيمٍ يُعْطِي الْـجَزِيلَ وَيَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ، فَإِذَا بَرَزُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ يَقُولُ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ: مَا جَزَاءُ الْأَجِيرِ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟ قَالَ:" فَتَقُولُ الْـمَلَائِكَةُ: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا جَزَاؤُهُ أَنْ تُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ"، قَالَ: "فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَايَ وَمَغْفِرَتِي، وَيَقُولُ: عِبَادِي، سَلُونِي، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئًا فِي جَمْعِكُمْ لِآخِرَتِكُمْ إِلَّا أَعْطَيْتُكُمْ، وَلَا لِدُنْيَاكُمْ إِلَّا نَظَرْتُ لَكُمْ انْصَرَفُوا مَغْفُورًا لَكُمْ "  رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِهِ وَغَيْرهمَا.

فَمُبَارَكٌ عَلَيْكُمُ الْفَرْحَةُ، وَهَنِيئًا لَكُمُ الصِّيَامُ وَالقِيَامُ والتَّمَامُ، وَلَكُمْ مِنَّا التَّهْنِئَةُ وَالتَّحِيَّةُ وَالسَّلَامُ وتقبّلَ اللـهُ منّا ومنْكُم صالحَ القولِ والعملِ.

 أَيُّهَا الْـمُؤْمِنُونَ: أُولى معانِي العيدِ فِي الإسلام توحيدُ اللـهِ فِي ألوهيتِه وربوبيتِه واسمائِه وصفاتِه والتوحيدُ هُوَ حَقٌّ اللـهُ عَلَى الْعِبَادِ ( وما خُلِقَتْ الْجِنِّ وَالْإِنْسُ إلَّا لِيَعْبُدُونِ ) وَأَصْلُ دَعْوَةُ الرُّسُلِ أَجْمَعِينَ هِيَ الدعوةُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّـهَ تَعَالَى وإفرادُه بِالْعِبَادَةِ ،فَحَقِّقُوا تَوْحِيدِ اللَّـهَ فِي حَيَاتِكُمْ تسعدوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلْبَسُوا إيمَانِهِمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنِ وَهْمٍ مُهْتَدُونَ ) فاحْذَرُوا الشركَ فإنَّه أكبرُ الآثامِ (إنَّه مَنْ يشركْ باللـهِ فَقَدْ حرمَ اللـهُ عَلَيْهِ الجنةَ وَمَأْوَاهُ النارُ وما للظالمينَ مَنْ أَنْصَارَ ) (وَمَنٍّ أَتَى كاهناً أَوْ عرافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُوْل فَقَدْ كفرَ بِمَا أُنزل عَلَى محمدٍ r.   

  وقرينُ التوحيدِ أن تشهدَ أن محمداً رسولُ اللـهِ صلواتُ اللـهِ وسلامُه عَلَيْهِ فحققوها بطاعتِه فِيْمَا أَمر واجتنابِ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ وتصديقِه فِيْمَا أَخْبَرَ وألا يعبدَ اللـهَ إلَّا بِمَا شرعَ مَعَ محبتِه وَتَوْقِيرُهُ، وَالْزَمُوا مَا جاءَ بِهِ r، فإنّه لاَ طريقَ للجنةِ إلاّ مَنْ طريقتِه، ولا فلاحَ فِي الدُّنْيَا والآخرةِ إلاّ باتبِاعه وطاعتِه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).  

  مَعَاشِرَ الْـمُسْلِمِينَ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّـهَ ، فَتَقْوَى اللـهِ جِمَاعُ الخَيْرَاتِ، وَمَنْبَعُ البَرَكَاتِ، وَهِيَ مَنَاطُ الفَوْزِ فِي العُقْبَى (ولقد وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَنْ قِبَلِكُمْ وإياكم إن اتَّقُوا اللَّـهَ ).  

  الصلاةُ عمادُ الدِّينِ وعصامُ اليقينِ، هِيَ ناصيةُ القرباتِ وغُرَّةُ الطاعاتِ وخيرُ الأعمالِ، فرأسُ الأمرِ الإسلامِ، وعمودُه الصلاةُ، مَنْ حافظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نوراً وبرهاناً ونجاةً يومَ القيامةِ (إنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنْ الفحشاءِ والمنكرِ).

صُومُوا شهرَكم وَمَنٍّ أفطرَ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أن يقضيَ عدّةَ مَا أَفْطَرَ مَنْ أَيَّامٍ أُخَر، ومَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ  

أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ، ولا تتهاونوا فِي أداءِ فريضةِ اللـهِ فِي الْـحَجِّ (ولِلّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)  

الأمرُ بِالْمَعْرُوفِ والنهيُ عَنْ الْمُنْكَرِ أصلٌ عظيمٌ مَنْ أصولِ الشَّرِيعَةِ وركنٌ مشيدٌ مَنْ أَرْكَانِهَا الْمَنِيعَةِ "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمـَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ"

    اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لِكُلِّ أمةٍ عِيدًا وَهَذا عيدُنا)

 إِنَّ القِيَمَ وَالأَخْلاقَ الرَّفِيعَةَ هِيَ دَعَائِمُ المُجتَمَعَاتِ الخَيِّرَةِ، وقِيمَةُ كُلِّ فَرْدٍ فِي مُجتَمَعِهِ بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ أَخْلاقٍ حَمِيدَةٍ، وَآدَابٍ مَجِيدَةٍ، وكَمَالُ إِيْمَانِ المَرْءِ إِنَّمَا يُقَاسُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ، فَقَدْ سُئِلَ e: (أَيُّ المُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيْمَانًا؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا).  

 فعلِّموا الْـجَاهِلَ ، وأرشِدوا السَّائِلَ ، وعِظوا الْغَافِلَ ، وَكُونُوا رحماءَ فِي نُصحِكم، رُفقاءَ فِي تَعْلِيمِكُمْ وإرشادِكم.

ومَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه مِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ ثم طرحَ في النَّارِ.

 والْـمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْـمُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ ويَدِهِ، والْـمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّـهُ عَنْهُ . ولا يَزَالُ الْـمُؤْمِنِ فِي فُسحةٍ مَنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِب دمًا حرامًا، وَلزَوَالِ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّـهِ مَنْ قَتْل مؤمنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَ ؛ فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارِ. وكُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَعِرْضُهُ، وَمَالُهُ. وإنَّ اللـهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أجْسَادِكُمْ، وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ.

وإن الشَّيْطَانِ يَئِسَ أن يَعْبُدُهُ المُصلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ،  يُغري بَعْضهُمْ بِبَعْضِ بِمَا يُوجِبُ الفُرقةَ، وتنافُرَ الْقُلُوبِ، وَحُصُولَ الهُجرانِ، وَسُوءَ الظَّنِّ، وتبادلَ التُّهَمِ، والتلاسنَ وَالْفُجُورَ فِي الْـخُصُومَةِ، فكفُّوا عَنْ اللَّغَا وَالْخِصَامِ، وَاعْفُوا وَاصْفَحُوا، ولا تَكُونُوا مِمَّنْ يُصِرُّ عَلَى البغيَّةِ، فَمَا يُبقي للحُسنى بقيَّةً (فمن عفى وأصلحَ فأجره على اللـهِ) ، أقيلوا العَثراتِ، واقبلوا المعذرةَ من الزلاّتِ، فبجميلِ الكلامِ تدومُ المودةُ، وبحسنِ الخلُقِ يطيبُ العيشُ، وبلينِ الجانبِ تستقيمُ الأمورُ (أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضاعِفٍ، لَوْ أقْسَمَ علَى اللَّـهِ لَأَبَرَّهُ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ) فتقاربوا ولا تباعَدوا، تآلفوا ولا تنافَروا، فهذا يومُ التّصافحِ، فتصافَحوا يَذهبُ الغلَّ، وتسامحوا تَذهَبُ الشّحناءَ، وخيرهُما الذي يبدأُ بالسلامِ .

عُودُوا الْـمَرِيضَ، وصِلوا الرَّحِمَ، أطعِموا الْـجَائِعَ، وَأَعْطَوْا الْفَقِيرِ، وفُكُّوا الْعَانِيَ الْأَسِيرَ، ووفُّوا حَقَّ الْأَجِيرِ، واحنُوا عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وأحسِنوا إلَيْهِمَا أحياءً وأمواتاً، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيرًا، عامِلُوهن بِالْـمَحَبَّةِ وَالتَّقْدِير، وَالْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ، وَاحْذَرُوا التسرُّعَ فِي الْفِرَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَاحْفَظُوا أَوْلَادَكُمْ، وأحسِنوا أَدَّبَهُمْ وَتَرْبِيَتَهُمْ وما نَحَلَ والِدٌ ولدَه، أَفْضَلَ من أَدَبٍ حَسَنٍ .

غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَاحْفَظُوا فُروجَكم، وَاتَّقَوْا الدُّنْيَا، وَاتَّقَوْا النِّسَاءَ، فَإِن فِتْنَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ، وما خَلَا رجلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثُهُمَا.

اقْصُدُوا الرِّزْقَ الْـحَلَالَ، وَلَا تَتَخَوَّضُوا فِي مَالِ اللَّـهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فإنَّه لاَ يدخُلُ الجنَّةَ لحمٌ ودمٌ نبَتا عَلَى سُحتٍ النَّارُ أَوْلى بِهِ.

وَالرَّاشِي والمُرتشي وَالسَّاعِي بَيْنَهُمَا وآكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ جميعاً لعنوا عَلَى لِسَانِ رَسُولُ اللَّـهَ. وَمَن غَشَّ الْـمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَالْخِدَاعُ وَالْـمَكْرُ فِي النَّارِ، وما أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإزَارِ فَفِي النَّارِ. ومَن شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْها؛ حُرِمَها في الآخِرَةِ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللـهُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللـهِ الحَمْدُ (لِكُلِّ أمةٍ عِيدًا وَهَذا عيدُنا)

عِبَادِ اللَّـهَ: أَبوابُ الفواحِشِ فِي هَذَا الزَّمَنِ قَدْ أُشْرِعَتْ.. وأَسبابُها فِيْهِ قَدْ هُيِئَتْ، وشياطِينُ الجِنِّ والإِنسِ عَلَى نَشْرِ الفاحِشَةِ وبَثِّ أَسبابِها قَد تآزَروا، وَعَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهَا وتَيْسِير دُرُوبِها قَدْ تَظَافَرُوا.

وَمَنْ نَشَرَ صُوَرَ الفُحْشِ أَوْ بَثَّ رَوَابِطَها، أَوْ عَرَّفَ عَلَيْهَا أَوْ أَحبَّ إِشَاعَتَها. كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ آثامِ مَنْ فُتِنوا، وَهْوَ مُتَوَعَّدٌ بالعذابِ الأليمِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَة (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

فَإِذَا كانَ هَذَا الوَعِيْدُ، لِمُجَرَّدِ مَحَبَّةِ أَنْ تَشِيْعَ الفَاحِشَةُ، وَاسْتِحْلاءِ ذَلِكَ بِالقَلْب، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، مِنْ إِظْهَارِهِ وَنَقْلَهُ؟ قَالَ e"لاَ أحَدَ أغيَرُ مِنَ اللَّـهِ؛ ولذلك حَرَّمَ الفواحِشَ مَا ظهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"خ.م.

وَوِقَايَةُ الأَهَلِ، وَتَبصِيرُ النَّشْءِ، والنُّصْحُ للأمةِ مِن الفُروُضِ والوَاجِبَاتِ عَلَى الآبَاءِ والأُمهاتِ، والمُرَبِّينَ والمُرَبِّيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا...).وما رَبِّيَتِ النُّفوسُ بأَعظَمَ مِن تَرْسِيْخِ مَعَانِي المراقَبَةِ الصادِقَةِ لِلَّـهِ فِي السِّرِّ والعَلَنِ (يابُني إنَّهَا أن تَكُ حَبَّةً مَنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْض يَأْتِ بِهَا اللَّـهَ )

يَا مَنْ ابتُلِي بِالذُّنُوبِ وَالْـمَعَاصِيَ! أقبِل عَلَى مَوْلَاك مُنكسرًا، ولُذ بِبَابِ جُوده مُعتذرًا، وابسط كفَّ اضطراركَ مُفتقرًا، فَمَا لِلْعَبْدِ سِوَى مَوْلَاهُ، أَدْنَاهُ فضلاً مِنْهُ أَوْ أَقْصَاهُ (ففروا إلى الله )

أَلَا فَاتَّقُوا اللَّـهَ عِبَادِ اللَّـهَ وَاعْرِفُوا فَضْلِ اللَّـهَ عَلَيْكُمْ ووَاصِلُوا فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَعَضُّوا بِالنَّواجِذِ عَلَى أَسْبَابِ الطَّاعَاتِ، واستَمِرُّوا فِي دَرْبِ البِرِّ والقُرُبَاتِ واعلموا أن السُّنَّةِ لِمَنْ خَرَجَ إِلَى مُصَلَّى الْعِيدِ مَنْ طَرِيق أن يَرْجِعُ مَنْ طَرِيق آخَر إن تَيَسَّرَ ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامِ وَإِظْهَارًا لِشَعَائِرِ اللَّـهَ (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِي يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهَ وأولئك هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ )... اللَّهُمَّ تُقْبَلُ مِنَّا...

 

 

 

الْـخُطْبَةِ الثَّانِيَةُ لِعِيدٍ الْفِطْرِ

الْحَمْدُ للهِ العَزِيزِ الغَفَّارِ، رَتَّبَ عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ وَالأَوْزَارِ، سُبْحَانَهُ، أَثْنَى عَلَى العَابِدِينَ وَبَوَّأَهُمْ دَارَ القَرَارِ، جَنَّاتِ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْـتِهَا الأَنْهَارُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، حَثَّ عَلَى العِبَادَةِ فِي الإِقْبَالِ وَالإِدْبَارِ، وَجَعَلَ مَوَاسِمَ الخَيْرِ عَلَى الدَّوَامِ وَالاستِمْرَارِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَفْضَلُ مَنْ صَامَ وَحَجَّ وَبَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ فِي الجَهْرِ وَالإِسْرَارِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ المُصْطَفَى المُخْتَارِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ البَرَرَةِ الأَخْيَارِ، مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الأَبْرَارِ إِلَى يَوْمِ القَرَارِ. أما بعد:

 فإنَّ الشَّبَابَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ عَصَبُ حَيَاتِهَا، وَمَصْدَرُ قُوَّتِهَا وَرَجَائِهَا، وَهَبَهُمُ اللـهُ أَسْبَابَ القُوَّةِ، وَمَنَحَهُمُ العَزْمَ وَالهِمَّةَ، لِيَكُونُوا سَبَبًا فِي رُقِيِّ مُجتَمَعَاتِهِمْ، وَازْدِهَارِ أَوْطَانِهِمْ.

وإِنَّنَا بِحَاجَةٍ إِلَى تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ والتَّرْكِيزِ عَلَى إِيجَابِيَّاتِهِمْ، وَرَفْعِ مَعْنَوِيَّاتِهِمْ، مَعَ الانتِبَاهِ لِظُرُوفِ عَصْرِنَا كَمَا انتَبَهَ مَنْ سَبَقَنَا لِظُرُوفِ عُصُورِهِمْ، إِذْ إِنَّنَا نَعِيشُ فِي عَالَمٍ مُمْـتَلِئٍ بِالتَّحَدِّيَاتِ، مُزْدَحِمٍ بِالمُؤَثِّرَاتِ، فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نُحَصِّنَ شَبَابَنَا مِنْ جَمِيعِ الأَفْكَارِ وَالتَّصَرُّفَاتِ المُخَالِفَةِ لِقِيَمِنَا وَأَمْنِ مُجتَمَعِنَا .

وَالحِصْنُ الَّذِي يَدْرَءُ عَنِ الشَّابِ تَيَّارَ هَذِهِ المُشْكِلاتِ أَنْ يُرَبَّى عَلَى طَاعَةِ اللـهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَأَنْ تُغْرَسَ فِي قَلْبِهِ العَقِيْدَةُ السَّـلِيْمَةُ فَهِيَ أَسَاسُ الصَّلاَحِ والاسْتِقَامَةِ.

أَلَا فَاتَّقُوا اللـهَ معاشرَ الشبابِ فِي أَنْفُسِكُم وفِي أَهْلِيكُم وفِي أَصْدِقَائِكُم، وكونوا للمسؤوليةِ أهْلاً، وعَنِ الرزايَا والمنكراتِ أشدَّ الناسِ بُعدًا، وللمكارمِ وخصالِ الخيرِ أكثرَ تمسُّكًا وفِعلاً، وشرفُ النفسِ صونُها عَنْ الرذائلِ والدَّنايا "إنَّ اللـهَ كريمٌ يحبُّ الْكَرْمِ، ويحبُ معاليَ الأخلاقِ، وَيُكْرَه سَفْسافَها.

أيَّتُها الأخواتُ الشريفاتُ: فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الأَغَرِّ خَطَبَ r الرِّجَالَ، ثُمَّ خَطَبَ النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطُبُ جَهَنَّمَ» فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الـْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللـهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» قَالَ: «فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ». م. " "وإذا صلّتْ المرأةُ خمْسَها وأحصنتْ فرجها وصامتْ شهرها وأطاعتْ بعْلها فلتَدْخُل من أي أبوابِ الجنةِ شاءتْ". فَأَيُّ نَعِيمٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا؟

فيَا أَيَّتُهَا الصَّائِمَاتُ الْقَائِمَاتُ: اتَّقِينَ اللـهَ فِي أَنْفُسِكُنَّ، وَاتَّقِينَهُ فِي دِينِكُنَّ، اِمْلَأْنَ قُلُوبَكُنَّ وَقُلُوبَ أَوْلَادِكُنَّ بِمَحَبَّةِ اللـه تعالى وَتَعْظِيمِهِ، وَشِدَّةِ التَّعَلُّقِ بِهِ، وَحُسْنِ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَسُرْعَةِ الْإِنَابَةِ إِلَيْهِ.وَلَنْ تَتَعَلَّقَ امْرَأَةٌ بِاللـهِ إِلَّا تَمَسَّكَتْ بِدِينِهِ، وَحَافَظَتْ عَلَى أَوَامِرِهِ، وَاجْتَنَبَتْ نَوَاهِيَه، فصَانَتْ عَفَافَهَا، وَتَفَقَّدَتْ حَيَاءَهَا، وَسَتَرَتْ جَسَدَهَا، وَتَلَفَّعَتْ بِجِلْبَابِهَا، وَجَانَبَتْ مُخَالَطَةَ الرِّجَالِ

يَا أَهْلَ الْعِيدِ السَّعِيدِ: اجْعَلُوا هَذَا اليَوْمَ فُسْحَةً بَعْدَ الصِّيَامِ، وَفَرْحَةً بَعْدَ نِعْمَةِ التَّمَامِ، بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، بِالفَرَحِ المَشْرُوعِ، وَالْـحَذَرِ مِنَ المَمْنُوعِ، أَطْلِقُوا الفَرَحَ وَالاِبْتِسَامَةَ، وَابْتَعِدُوا عَنِ الْعِتَابِ وَالْـمَلَامَةِ، وَبِهَذَا تَتَصَافَحُ النُّفُوسُ المُطْمَئِنَّةُ، وَتَتَلَاقَى القُلُوبُ المُؤْمِنَةُ، جَعَلَ اللـهُ عِيدَكُمْ سَعِيدًا، وَعَمَلَكُمْ صَالِحًا رَشِيدًا.      

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لِكُلِّ أَمَةٍ عِيدًا وَهَذا عيدُنا)

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا...........

المرفقات

1743281265_خطبة عيد الفطر 1446-نواااف-المعتمدة.doc

1743281266_خطبة عيد الفطر 1446-نواااف-المعتمدة.pdf

المشاهدات 653 | التعليقات 0