عيد الفطر 1440

أيها الإخوة: العيد جزءٌ من نِظام أمَّة الإسلام، يصِل ماضيَها بحاضِرِها وقريبَها بِبعيدِها، ويربط أفراحَها بشرائعِها وابتهاجَها بشعائرِها، والفرحُ بالعيد من سُنَن المرسلين، وإظهارُ السرور في الأعياد من شعائر الدين، والعيد: في معناه الزمني قطعة من الزمن خُصِّصت لنسيان الهموم، واطِّرَاح الكُلَف، واستجمام القوى الجاهدة في الحياة.أمّا ما في الأمة من مشكلات وابتلاءات وهمومٍ وما في النّاس من قصور وتقصيرٍ وخطايا فلا ينبغي أن يمنع الفرحِ والابتهاج، فالابتلاءات والهمومُ من سنن الله في الخليقة كُلِّها وفي جميع أعصارها وأمصارها، في مؤمنها وكافرها، وصالحها وفاسدها، علوٌّ وهبوط، وتمكينٌ واستِضعاف، والأيام أيامُ الله يداولها بين الناس...

 الله أكبر الله أكبر كَبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.أيها الأحبة: كم عندنا من فضل الله الذي نفرَح به: فرحٌ:

بالهدَى والتوفيق يومَ ضلَّت فئام من البشَر عن صراط الله المستقيم...فرحٌ: في كمالِ العِدّة، وفرحٌ بالفِطر، فللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة بلقاء ربه.الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.أيها الأحبة: ونحن نعيش أيام العيد ولياليه الجميلة أرى أنه من الواجب علينا أن نتحدث مع أنفسنا حديثاً لا تنقصه الصراحة.. حديثُ أملٍ نعمرُ به القلوب، وحديثُ فأل نذكي به النفوس.. حديث يشعل في نفوسنا فتيل الجد لمستقبل واعد بالخير فقد «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ..» (رواه ابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وقال الألباني حسن صحيح).أقول هذا لأننا بحاجة إلى أن نجعل من هذا العيد فرصة لدفق الأمل في قلوبٍ أحبطها اليأس، وأحاط بها القنوط، وتبدّت مظاهر اليأس في صور شتى، منها: سرعة تصديق كواذب الأخبار، ورواية أضغاث الأحلام، التي تطلقها بعض وسائل الإعلام سواء التقليدية أو وسائل الإعلام الحديث بما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي، ويتلقاها ممن يسمى بالخبراء بشئون الشرق الأوسط أو بالمحللين السياسيين، وقد تلقفها هؤلاء من كتابات في صحف غربية أو تصريحات لمسئولين أو غيرهم، وقد يكون كثير منها أطلقته الاستخبارات المعادية سواء اليهودية أو الباطنية ويسمونها استراتيجيات ويأخذها هؤلاء بالتسليم ويبدءون بالتحدث عنها بوسائلهم الخاصة وتتلقاها الشعوب كأنها مسلمات عن حسن نية، وكأنها وحي من السماء جاء به رسول أمين..لقد قسموا بلادنا بين الظالمين ووزعوا مأرز الإسلام على الباطنيين والمارقين وَكَأَنَّهُم مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ وَمَا أَحْدَاثُ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ إِلَّا الْفَضَائِحُ الَّتِي كَشَفَتِ المَسْتُورَ، وَأَظْهَرَتِ الْحَقَائِقَ، وَأَزَالَتِ الْأَغْشِيَةَ الرَّقِيقَةَ عَنِ الْأَبْصَارِ؛ لِتُبْصِرَ الْحَقَّ وَتَسْلُكَ طَرِيقَهُ، وَأَمَّا عُبَّادُ الْأَهْوَاءِ وَعَبِيدُ الدُّنْيَا فَلَنْ يَتْرُكُوا بَاطِلَهُمْ، وَلَنْ يَتَّبِعُوا الْحَقَّ (وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس: 97]...وبفعلهم هذا قتلوا الأمل في نفوس بعض المسلمين ووأدوا العزة فيها.. وأشاعوا الخوف وفقد الثقة بمن ولاه الله أمرنا.. والحقيقة أن هذه الأخبار إن صحت ما هي إلا أَمَانٍ لأعداءِ الأمة تروى على شكل أخبار من مصادر موهومة تسمى موثوقة..فيا أمة الإسلام: أبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فعُمر الإسلام أطول من أعمارنا، وأفق الإسلام أوسع من أوطاننا، وليست أمانيَ القوم وخططهم التي يشيعون ضربة لازب، لا تحول ولا تزول، وأنها واقعة لا محالة..الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.أيها الإخوة والأخوات: لقد وعد سبحانه بأنه سيظهر هذا الدين وينصره "بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ" رغم جهود أعدائه للنيل منه والقضاء عليه قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32].وأكد بأن الباطل مهما صال وجال فأمره إلى تباب وخسار بحول الله.. وأن العاقبة لأهل الإسلام الصحيح أهلِ السنة والجماعة، وأن هذا الدين سيظهر وينتصر فقال: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51]، ولم يكتفِ سبحانه بالالتزام بالوعد بظهور هذا الدين وتمكين أهله.! بل شهد سبحانه -وكفى به شهيداً- بأنه سيُظهره ويمكِّنه ويوالي نصره وأولياءه ويخذل أعداءه وتوعد الكافرين بالخسارة والحسرة والهزيمة في الدنيا وجهنم في الآخرة إن لم يسلموا يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36].وَيَقُولُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ" (رواه أحمد عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وإسناده صحيح على شرط مسلم).والمطلع على تاريخ الأمة وتقلباتها منذ ظهور الإسلام إلى يومنا هذا يرى أن المسلمين حُوصروا في الخندق وبعد سُنيّاتٍ فتحوا مكة.. وسقطت بغداد، ثم بعد نحو قرنين فُتِحت القسطنطينية، والله -عز وجل- لا يعجل لعجلتنا، ولا تتحوّل سننه لأهوائنا، فسنن الله لا تحابي أحداً، ولنتذكر في هذا العيد ما أبقى الله لنا من خير، وما تطول به علينا من فضل.ونحن نقول: لئن حلت بنا محن فقد أبقى الله لنا منحاً، ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعماً، وإن تعدوا نعم الله لا تحصوها، ونحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل، لا ينصب همنا لما يخططون ويتمون لينصب همنا إلى إصلاح أنفسنا ومن تحت أيدينا وننظر إلى أي مدى تقدمنا بطاعة الله، وماذا قدمنا لديننا من دعوة كثرت سبلها وأسهلها الدعاء كذلك نحن بحاجة إلى فأل ينتج إنجازاًأما المهموم المحزون فهو غارق في آلامه، متعثر في أحزانه مدفون في هموم يومه، لا يرجو خيراً ولا يأتي بخير، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.أيها الآباء أيها الأمهات: ماذا ننتظر من طفل يجلس لساعات يهرب يقتل يدمر يفجر.. يطارد ويُطارد..وماذا ننتظر من طفل يتمركز فكره بأن يحتال يقسو يضرب بلا رحمة..!وماذا ننتظر من طفل يفقد مشاعره الإنسانية لساعات طويلة على جهاز الألعاب الإلكترونية..!أيها الآباء أيها الأمهات: الخطر يداهم أبناءنا في منازلنا وتحت نظرنا من الفكر المتطرف المجرد من قيم الإسلام والإنسانية..! ونحن لا نعلم ماذا ينظرون.؟ ولا ماذا يتلقون من رسائل سلبية من هذه الألعاب..لنتابعهم ونناقشهم ونشاركهم أفكارهم، وننظم أوقات استخدامهم للألعاب الإلكترونية ونوجههم للألعاب التي تنمي عندهم التخيل والإبداع لا التي تنمي عندهم القسوة والظلم والحيل، ونحميهم من الغرباء الذين نشتري شرهم بريالاتنا، كونوا معهم ليكون بإذن الله في أمان...الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.

 الخطبة الثانية

أَيَّتُهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ، أَيَّتُهَا الصَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ: إِنَّ الْحَمَلَاتِ المَسْعُورَةَ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ وَحِجَابِهَا وَنِقَابِهَا وَمَا خَصَّهَا اللهُ -تَعَالَى- بِهِ مِنَ السَّتْرِ وَالْحَيَاءِ وَالْعَفَافِ يِزْدَادُ أَوَارُهَا، وَيَتَفَنَّنُ مَرْضَى الْقُلُوبِ فِي إِشْعَالِهَا، وَيُحَاصِرُونَ الْفَتَاةَ المُسْلِمَةَ بِالمَقَالَاتِ وَالْقِصَصِ وَالرِّوَايَاتِ وَالمُسَلْسَلَاتِ وَالْحِوَارَاتِ وَغَيْرِهَا.وَيَسْتَأْجِرُونَ لِهَذِهِ المُهِمَّةِ الْقَذِرَةِ عملاء مأجورون تَشْتَرِي بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا؛ لِإِقْنَاعِ المُسْلِمَةِ بِأَنَّ أَحْكَامَ دِينِهَا مُجَرَّدُ عَادَاتٍ لَا تَمُتُّ إِلَى الْإِسْلَامِ بِصِلَةٍ؛ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الْفَتَاةَ المُسْلِمَةَ يَهُمُّهَا أَمْرُ دِينِهَا، وَلَا تُرِيدُ إِغْضَابَ رَبِّهَا، وَلَا مُخَالَفَةَ نَبِيِّهَا؛ وَلِذَا يُهَوِّنُونَ عَلَيْهَا الْوُقُوعَ فِي الْمُحَرَّمِ بِهَذِهِ الْحِيَلِ الشَّيْطَانِيَّةِ.وَإِنَّهُ لَيَجِبُ عَلَى كُلِّ فَتَاةٍ مُؤْمِنَةٍ أَنْ تَرُدَّ الْأَعَادِيَ مِنْ مَرْضَى الْقُلُوبِ عَنْ دِينِهَا، وَأَنْ تَذُبَّ عَنْ حِجَابِهَا وَعَفَافِهَا، وَأَنْ تُلْقِمَ أَعْدَاءَ اللهِ -تَعَالَى- أَحْجَارًا تَرُدُّهُمْ عَنْ غَيِّهِمْ. فَإِذَا مَا خَرَجَ مُفْسِدٌ يَدْعُو لِهَذَا الِانْحِرَافِ رَدَّ قَوْلَهُ مِئَاتُ الْفَتَيَاتِ بَلْ أُلُوفٌ وَمَلَايِينُ؛ لِيَعْلَمَ الْأَعْدَاءُ أَنَّ سُور المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ حَصِينٌ، وَأَنَّ دِرْعَهَا مَنِيعٌ، وَأَنَّ دِينَهَا مَتِينٌ، فَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَى حِمَاهَا.يَجِبُ أَنْ يَنْتَشِرَ بَيْنَ الْفَتَيَاتِ المُسْلِمَاتِ ثَقَافَةُ رَدِّ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَدَحْضِهِ بِالْحَقِّ، وَلَا تَحْتَقِرِ الْفَتَاةُ كَلِمَاتٍ تُلْقِيهَا، أَوْ أَسْطُرًا تَخُطُّهَا فِي الذَّبِّ عَنْ دِينِهَا وَعَفَافِهَا؛ فَلَعَلَّ اللهَ -تَعَالَى- يُوجِبُ لَهَا بِهَا رِضَاهُ سُبْحَانَهُ.وَلْتَحْذَرْ مِنْ تَأْيِيدِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فِي بَاطِلِهِمْ وَلَوْ أَحَاطُوهُ بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ المُؤَيِّدَ لِلْبَاطِلِ وَالرَّاضِي بِهِ كَالدَّاعِي إِلَيْهِ. وَرُبَّمَا أَوْجَبَ سَخَطَ اللهِ -تَعَالَى- عَلَيْهَا مَوْقِفٌ تَقِفُهُ، أَوْ رَأْيٌ تُبْدِيهِ، وَلَكِنَّهُ مُعَارِضٌ لِشَرْعِ اللهِ -تَعَالَى-، مُوجِبٌ لِغَضَبِهِ. حَفِظَ اللهُ -تَعَالَى- فَتَيَاتِ المُسْلِمِينَ وَنِسَاءَهُمْ، وَجَعَلَهُنَّ أَنْصَارًا لِدِينِهِ، حِرَابًا فِي صُدُورِ أَعْدَائِهِ.  اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

المرفقات

الفطر-جديد1440

الفطر-جديد1440

المشاهدات 887 | التعليقات 0