عيد الفطر يوم التمايز
علي القرني
1434/09/29 - 2013/08/06 23:36PM
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ما قام قائم وسجد، الله أكبر ما خضع مؤمن وعبد، الله أكبر ما بحّت بالتكبير الحناجر، الله أكبر ما تعطرت بالتكبير المنابر، الله أكبر ما بكى باكٍ وناح، الله أكبر ما طلع فجر ولاح، الله أكبر ما اجتمعت القلوب في هذا الصباح. أيها المؤمنون: ليوم عيد الفطر في إسلامنا العظيم إشراقات جليلة، لا بد لنا أنْ نتفهمها، وأنْ نستشعرها ونحياها، وأنْ نعيشها ونطبقها حتى نجعل من عيدنا عيداً إسلامياً حقاً، فما هي هذه الإشراقات؟ نعم، رحل رمضان ولم يبق لنا منه إلا هتاف علي -رضي الله عنه-: "ألا ليت شعري! من المقبول فنهنيه؟! ومَن المحروم فنعزيه؟!".
نعم، رحل رمضان ولم يبقَ لنا من رحيله إلا قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أيها المقبول: هنيئًا لك! أيها المردود: جبَر الله مصيبتك!".
أيها المؤمنون: أولى هذه الإشراقات لعيد الفطر: أنّ يوم عيد الفطر يوم التمايز، نعم، يوم التمايز لهذه الأمة المحمدية، ففي الحديث الصحيح عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ"؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ". وبذلك يكون يوم عيد الفطر يوم تتميز فيه الأمة عن غيرها من الأمم، فلا توجد أمة اليوم على وجه الأرض كلها عيدها هو تشريع من عند الله إلا هذه الأمة المحمدية، فهكذا أرادها ربها سبحانه وتعالى أنْ تكون، أمة متميزة في عقيدتها، وفي أنظمتها، وفي عباداتها، وفي شريعتها،
أيها المؤمنون: وثاني إشراقات عيد الفطر، أنّ يوم عيد الفطر هو يوم التكبير. قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، قال السعدي في معنى هذه الآية: "هي أمر بتكميل عدته، وبشكر الله تعالى عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده، وبالتكبير عند انقضائه، ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد". وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ)، حقاً إنه ليوم جليل، يوم يكبّر فيه المسلمون، يوم يستفتحه الموحّدون في مشارق الأرض ومغاربها بتكبيرات صادقة، ترتج لها السموات والأرض والجبال، تقشعر منها الأبدان لحظة أن تسمع تكبيرات الكهول والشيوخ والشباب والأطفال، تكبيرات تدوّي في أفق السماء: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
الله أكبر، تلكم هي تكبيرة الجهاد والمجاهدين، التي كانت وما زالت وستبقى تزلل كيان الأعداء، وترتعد منها فرائصهم حينما يُدوّي بها المجاهدون المخلصون، أيها المؤمنون: أنّ يوم عيد الفطر هو يوم التزاور، نعم، يوم تلتقي فيه الأسرة مع بعضها بعضاً لقاءً له طعمه الخاص ومذاقه الطيب، يشعر فيه أفراد الأسرة كأنهم لأول مرة يلتقون، لقاء يختلف عن كل اللقاءات، وليس ذلك إلا رحمة من الله وكرامة وجزاء وبركة من بركات طاعتهم لله تعالى . وأعظم الصلة في هذا اليوم: صلة الوالدين والبر بهما ومجالستهما، ويكفيك في ذلك حديث واحد قاله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ". قَالَ: "فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ"؟. قَالَ: "نَعَمْ، بَلْ كِلاَهُمَا". قَالَ: "فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا".
ولعِظَم صلة الأرحام ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه قامت الرَّحِمُ فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟" قالت: بلى يا رب، قال: "فذاك لك".
يوم عيد الفطر يوم تكثر فيه الزيارات، فكن أيها المسلم ممن يبادر بزيارة إخوانه وأحبابه وجيرانه وأقاربه ابتغاء وجه الله تعالى؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضاً أو زار أخاً في الله ناداه مناد: أنْ طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً". أيها المؤمنون: أنّ يوم عيد الفطر هو يوم التصافي، نعم، هو يوم كريم طيب عزيز علينا، لا بد لنا فيه من أن نتسامح مع بعضنا البعض، وأن نسمح ونعفو عن بعضنا البعض، وأن تتصافى قلوبنا وتزكو أنفسنا. أيها المسلمون: إن بعض المسلمين اليوم وللأسف قد امتلأ قلبه حقداً وبغضاً وغلاً وكراهيةً، لكن على مَنْ؟ هل على اليهود؟ على الشيطان؟ على أعداء الدين؟ على الطغاة والقتلة؟ لا هذا ولا ذاك، ولكن امتلأ قلبه بكل ذلك السوء على أخيه المسلم وعلى جاره المسلم،وعلى أقاربه! يقول الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ". ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ". وأما أنت يا صاحب الحق، فكن من السابقين ومن الفائزين ومن الكرماء، فاعف واصفح وسامح، واقبل الصلح وقم بزيارة من ظلمك، وافعل ذلك فقط لأجل الله تعالى، افعل ذلك فقط لتكن من أصحاب الآية الكريمة: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [
أيها المؤمنون: أنّ يوم عيد الفطر هو يوم التوسعة والسرور، نعم يا عباد الله، في يوم العيد يُستحب التوسعة على الأهل بالطعام والشراب، وباللعب المباح، والمرح المشروع.
يا أيها المؤمنون: تذكروا وأنتم تجتمعون مع أسركم، أنّ هناك أطفالاً يعودون إلى بيوتهم دون صحبة آبائهم، يعودون إلى بيوتهم فلا يجدون والداً بانتظارهم، ولا أُمّاً تحتضنهم، فهم قد فقدوا الأب أو الأم أو كلاهما. وتذكروا أنّ هناك آباء لنْ يعودوا اليوم إلى بيوتهم ليجالسوا أولادهم، فهم إما قضوا على يد الأعداء، وأما وقعوا في الأسر، وإما مرابطون يجاهدون في سبيل الله، ألا فلندعوا لهم ولا ننساهم أبدا
الحمد لله الذي يهدي السبيل، ويجزي بالجزيل على القليل، أحمده على فضله، وأشكره على منته، وهو الملك الجليل.
والصلاة والسلام على زينة الأعياد، وسيد كل حاضر وباد، سيدنا محمد سيد العباد، وإمام العُبّاد، صلى الله عليه صلاة دائمة لا انقطاع لها إلى يوم التناد.
معاشر الأحباب: لقد رسم شهر رمضان في الكثير من النفوس أثر الإقبال على العبادة،
لقد ارتقت النفوس في رمضان، وتطهرت وسمت، ولا شك أن كل واحد منا وجد أثر ذلك في نفسه، ونتساءل: هل يمكن أن تستمر هذه المعاني بعد رمضان؟!
إن الصيام الذي خلق في النفوس روحانية عجيبة لا زال اليوم موجودًا، والمسلم مدعو لامتثال قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال فكأنما صام الدهر".
ثم يبدأ بعد ذلك في تحقيق وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو في صيام الاثنين والخميس، وعن سر الصوم فيهما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الأعمال تعرض فيها على الله، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".
والصلاة التي وجد فيها سر المناجاة بين العبد وبين خالقه لا زالت هي هي، لم يغلق بابها، وفرص المناجاة لا تزال مفتوحة، فهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ينزل الله -تعالى- في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا فيقول: هل مِن داعٍ فأجيبه؟! هل مِن سائلٍ فأعطيه؟! هل من مستغفِرٍ فأغفر له؟!". فمَن يحول بينك وبين تلك المناجاة
إن إزالة الأذى عن الطريق صدقة، وحينما يجد أخاه في الطريق فيبتسم له تعبيرًا منه على صدق المودة صدقة بل يصل المعنى الذي قرره شيخ الإسلام إلى أن مداعبة الرجل لأهله على سبيل المزاح أمر يؤجر عليه المسلم، ويحصل به خيرٌ كثيرٌ عند ربه -جل وعلا- حين قال -صلى الله عليه وسلم-: "حتى اللقمة يرفعها إلى في زوجته له بها أجر"، إلى غير ذلك من أنواع العبادات التي حث الشرع عليها، وأرشد لها.إنَّ الحزينَ على فراق رمضان يمكنه أن يعيش في ظل الإيمان، والبحث على الخير، والمحافظة على المعروف، حتى يصل بذلك إلى أرقى معاني العبودية بينه وبين ربه -تبارك وتعالى-.
أيها الأحباب: في غمرة الفرحة والبشرى بفضل الله وبرحمته وتوفيقه نمد أبصارنا نحو أمتنا الإسلامية، فنشعر بالحزن والأسى والألم لما نراه من معاناة المسلمين، فكثيرٌ منهم لا يستشعر حلاوة العيد ولا لذته، بعضهم يعاني من مجاعات طاحنة، يموت المسلمون جوعًا ولا يجدون ما يسدون به الرمق، وآخرون دماؤهم تسيل في الطرقات، إن هذا الواقع يفرض علينا أن لا ننساهم ونحن في غمرة فرحتنا، فندعو الله لهم في كل وقت وحين أن يرفع عنهم البلاء واللأواء والظلم. كما يجب علينا إزاء واقعهم أن نستحضر فضل الله علينا، وما بسط علينا من الخير والأمن، سالكين مسلك دوام هذه النعمة، المتمثل بالطاعة لله، والإذعان لأمره، واجتناب محاربته والتكبر على شرعه، مستحضرين كيف فعل الله -سبحانه وتعالى- بأقوام وأفراد طغوا وبغوا وظلموا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
ألا فاتقوا الله -عباد الله-، واستمروا على طاعة ربكم، فإن السعيد من أقام على طاعة ربه في كل وقت وحين، فما بال أقوام إذا خرج رمضان هجروا المساجد، وقطعوا الصلة بالراكع والساجد؟! إنَّه مظهر مؤلم، ، مظهرٌ لا يليق بالموصولين بالله فراقِبوا أنفسكم، وأصلحوا أمركم، وجددوا مع الله عهدكم، وأقبلوا على ربكم، وتعرضوا لنفحاته في هذا اليوم الأغر، وأحسنوا به ظنكم، عساه يتولاكم، وأبشروا برحمة منه وفضل، فقد أمرتم بالصيام فصمتم، ودعيتم إلى القيام فقمتم، فأملوا الخير من رب كريم، يجزي بالحسنة إحسانًا، وبالسيئة تجاوزًا وغفرانًا.
نعم، رحل رمضان ولم يبقَ لنا من رحيله إلا قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أيها المقبول: هنيئًا لك! أيها المردود: جبَر الله مصيبتك!".
أيها المؤمنون: أولى هذه الإشراقات لعيد الفطر: أنّ يوم عيد الفطر يوم التمايز، نعم، يوم التمايز لهذه الأمة المحمدية، ففي الحديث الصحيح عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ"؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ". وبذلك يكون يوم عيد الفطر يوم تتميز فيه الأمة عن غيرها من الأمم، فلا توجد أمة اليوم على وجه الأرض كلها عيدها هو تشريع من عند الله إلا هذه الأمة المحمدية، فهكذا أرادها ربها سبحانه وتعالى أنْ تكون، أمة متميزة في عقيدتها، وفي أنظمتها، وفي عباداتها، وفي شريعتها،
أيها المؤمنون: وثاني إشراقات عيد الفطر، أنّ يوم عيد الفطر هو يوم التكبير. قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، قال السعدي في معنى هذه الآية: "هي أمر بتكميل عدته، وبشكر الله تعالى عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده، وبالتكبير عند انقضائه، ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد". وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ)، حقاً إنه ليوم جليل، يوم يكبّر فيه المسلمون، يوم يستفتحه الموحّدون في مشارق الأرض ومغاربها بتكبيرات صادقة، ترتج لها السموات والأرض والجبال، تقشعر منها الأبدان لحظة أن تسمع تكبيرات الكهول والشيوخ والشباب والأطفال، تكبيرات تدوّي في أفق السماء: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
الله أكبر، تلكم هي تكبيرة الجهاد والمجاهدين، التي كانت وما زالت وستبقى تزلل كيان الأعداء، وترتعد منها فرائصهم حينما يُدوّي بها المجاهدون المخلصون، أيها المؤمنون: أنّ يوم عيد الفطر هو يوم التزاور، نعم، يوم تلتقي فيه الأسرة مع بعضها بعضاً لقاءً له طعمه الخاص ومذاقه الطيب، يشعر فيه أفراد الأسرة كأنهم لأول مرة يلتقون، لقاء يختلف عن كل اللقاءات، وليس ذلك إلا رحمة من الله وكرامة وجزاء وبركة من بركات طاعتهم لله تعالى . وأعظم الصلة في هذا اليوم: صلة الوالدين والبر بهما ومجالستهما، ويكفيك في ذلك حديث واحد قاله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ". قَالَ: "فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ"؟. قَالَ: "نَعَمْ، بَلْ كِلاَهُمَا". قَالَ: "فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا".
ولعِظَم صلة الأرحام ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه قامت الرَّحِمُ فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟" قالت: بلى يا رب، قال: "فذاك لك".
يوم عيد الفطر يوم تكثر فيه الزيارات، فكن أيها المسلم ممن يبادر بزيارة إخوانه وأحبابه وجيرانه وأقاربه ابتغاء وجه الله تعالى؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضاً أو زار أخاً في الله ناداه مناد: أنْ طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً". أيها المؤمنون: أنّ يوم عيد الفطر هو يوم التصافي، نعم، هو يوم كريم طيب عزيز علينا، لا بد لنا فيه من أن نتسامح مع بعضنا البعض، وأن نسمح ونعفو عن بعضنا البعض، وأن تتصافى قلوبنا وتزكو أنفسنا. أيها المسلمون: إن بعض المسلمين اليوم وللأسف قد امتلأ قلبه حقداً وبغضاً وغلاً وكراهيةً، لكن على مَنْ؟ هل على اليهود؟ على الشيطان؟ على أعداء الدين؟ على الطغاة والقتلة؟ لا هذا ولا ذاك، ولكن امتلأ قلبه بكل ذلك السوء على أخيه المسلم وعلى جاره المسلم،وعلى أقاربه! يقول الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ". ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ". وأما أنت يا صاحب الحق، فكن من السابقين ومن الفائزين ومن الكرماء، فاعف واصفح وسامح، واقبل الصلح وقم بزيارة من ظلمك، وافعل ذلك فقط لأجل الله تعالى، افعل ذلك فقط لتكن من أصحاب الآية الكريمة: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [
أيها المؤمنون: أنّ يوم عيد الفطر هو يوم التوسعة والسرور، نعم يا عباد الله، في يوم العيد يُستحب التوسعة على الأهل بالطعام والشراب، وباللعب المباح، والمرح المشروع.
يا أيها المؤمنون: تذكروا وأنتم تجتمعون مع أسركم، أنّ هناك أطفالاً يعودون إلى بيوتهم دون صحبة آبائهم، يعودون إلى بيوتهم فلا يجدون والداً بانتظارهم، ولا أُمّاً تحتضنهم، فهم قد فقدوا الأب أو الأم أو كلاهما. وتذكروا أنّ هناك آباء لنْ يعودوا اليوم إلى بيوتهم ليجالسوا أولادهم، فهم إما قضوا على يد الأعداء، وأما وقعوا في الأسر، وإما مرابطون يجاهدون في سبيل الله، ألا فلندعوا لهم ولا ننساهم أبدا
الحمد لله الذي يهدي السبيل، ويجزي بالجزيل على القليل، أحمده على فضله، وأشكره على منته، وهو الملك الجليل.
والصلاة والسلام على زينة الأعياد، وسيد كل حاضر وباد، سيدنا محمد سيد العباد، وإمام العُبّاد، صلى الله عليه صلاة دائمة لا انقطاع لها إلى يوم التناد.
معاشر الأحباب: لقد رسم شهر رمضان في الكثير من النفوس أثر الإقبال على العبادة،
لقد ارتقت النفوس في رمضان، وتطهرت وسمت، ولا شك أن كل واحد منا وجد أثر ذلك في نفسه، ونتساءل: هل يمكن أن تستمر هذه المعاني بعد رمضان؟!
إن الصيام الذي خلق في النفوس روحانية عجيبة لا زال اليوم موجودًا، والمسلم مدعو لامتثال قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال فكأنما صام الدهر".
ثم يبدأ بعد ذلك في تحقيق وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو في صيام الاثنين والخميس، وعن سر الصوم فيهما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الأعمال تعرض فيها على الله، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".
والصلاة التي وجد فيها سر المناجاة بين العبد وبين خالقه لا زالت هي هي، لم يغلق بابها، وفرص المناجاة لا تزال مفتوحة، فهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ينزل الله -تعالى- في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا فيقول: هل مِن داعٍ فأجيبه؟! هل مِن سائلٍ فأعطيه؟! هل من مستغفِرٍ فأغفر له؟!". فمَن يحول بينك وبين تلك المناجاة
إن إزالة الأذى عن الطريق صدقة، وحينما يجد أخاه في الطريق فيبتسم له تعبيرًا منه على صدق المودة صدقة بل يصل المعنى الذي قرره شيخ الإسلام إلى أن مداعبة الرجل لأهله على سبيل المزاح أمر يؤجر عليه المسلم، ويحصل به خيرٌ كثيرٌ عند ربه -جل وعلا- حين قال -صلى الله عليه وسلم-: "حتى اللقمة يرفعها إلى في زوجته له بها أجر"، إلى غير ذلك من أنواع العبادات التي حث الشرع عليها، وأرشد لها.إنَّ الحزينَ على فراق رمضان يمكنه أن يعيش في ظل الإيمان، والبحث على الخير، والمحافظة على المعروف، حتى يصل بذلك إلى أرقى معاني العبودية بينه وبين ربه -تبارك وتعالى-.
أيها الأحباب: في غمرة الفرحة والبشرى بفضل الله وبرحمته وتوفيقه نمد أبصارنا نحو أمتنا الإسلامية، فنشعر بالحزن والأسى والألم لما نراه من معاناة المسلمين، فكثيرٌ منهم لا يستشعر حلاوة العيد ولا لذته، بعضهم يعاني من مجاعات طاحنة، يموت المسلمون جوعًا ولا يجدون ما يسدون به الرمق، وآخرون دماؤهم تسيل في الطرقات، إن هذا الواقع يفرض علينا أن لا ننساهم ونحن في غمرة فرحتنا، فندعو الله لهم في كل وقت وحين أن يرفع عنهم البلاء واللأواء والظلم. كما يجب علينا إزاء واقعهم أن نستحضر فضل الله علينا، وما بسط علينا من الخير والأمن، سالكين مسلك دوام هذه النعمة، المتمثل بالطاعة لله، والإذعان لأمره، واجتناب محاربته والتكبر على شرعه، مستحضرين كيف فعل الله -سبحانه وتعالى- بأقوام وأفراد طغوا وبغوا وظلموا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
ألا فاتقوا الله -عباد الله-، واستمروا على طاعة ربكم، فإن السعيد من أقام على طاعة ربه في كل وقت وحين، فما بال أقوام إذا خرج رمضان هجروا المساجد، وقطعوا الصلة بالراكع والساجد؟! إنَّه مظهر مؤلم، ، مظهرٌ لا يليق بالموصولين بالله فراقِبوا أنفسكم، وأصلحوا أمركم، وجددوا مع الله عهدكم، وأقبلوا على ربكم، وتعرضوا لنفحاته في هذا اليوم الأغر، وأحسنوا به ظنكم، عساه يتولاكم، وأبشروا برحمة منه وفضل، فقد أمرتم بالصيام فصمتم، ودعيتم إلى القيام فقمتم، فأملوا الخير من رب كريم، يجزي بالحسنة إحسانًا، وبالسيئة تجاوزًا وغفرانًا.
المشاهدات 2402 | التعليقات 2
صدقت أخي الكريم بورك فيك وشكرا على توجيهك
رشيد بن ابراهيم بوعافية
بارك الله فيك أخانا أبا عبد الملك :
خطبة جميلةٌ متكاملة تحتاج إلى تعميق الإشادة بالتوحيد وإظهار ذلك خاصّةً في المطلع ، و قد جاء التذكير فيها منسجمًا : فالعيد يوم التمايز ، وهو يوم التزاور ، وهو يوم التصافي ، وهو يوم التوسعة والسرور و تذكر اليتيم والفقير . ثم جاء التذكير في الخطبة الثانية بوجوب الاستمرار على الطاعات ةنبذ التعبّد الموسمي ، ولم تنسَ أن تذكر بجراح الأمّة و ووجوب الدعاء لها بالفرَج القريب .
فجزاكم الله كل خير ، ولا تنسَ أخي تعميق الإشادة بالتوحيد فهو من معالم خطب العيدِ العوالي .
تعديل التعليق