عيد الإسبوع
حسام الحجي
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَفَّقَ مَنْ شَاءَ بِفَضْلِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا خَيْرُ أَنْبِيَائِهِ وَأَفْضَلُ رُسُلِهِ، فَصَلَوَاتُ رَبِّي عَلَيْهِ، وَعَلَى صَحَابَتِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللَّهَ، (وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
عِبَادَ اللهِ: سِنُونَ عَدَدًا وَنَحْنُ نَعِيشُ أَيَّامَهُ، وَمِرَارًا وَتِكْرَارًا تُطْوَى سَاعَاتُهُ مِنْ أَعْمَارِنَا، وَكَمْ أَشْرَقَتْ شَمْسُهُ وَغَرَبَتْ وَالصَّالِحُونَ فِي جِدٍّ وَاجْتِهَادٍ، وَالْغَافِلُونَ فِي سُبَاتٍ وَغَفْلَةٍ وَابْتِعَادٍ، إِنَّهُ سَيِّدُ الْأَيَّامِ، بَلْ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، إِنَّهُ عِيدُ أهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُتَكَرِّرِ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ.
أَخَرَجَ الْإمَامُ أَحَمْدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: (مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)، وَكَمْ هِي مِنَّةُ اللهِ عَلَى أُمَّتِهِ بِهَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ الَّذِي أَضَلَّ عَنْهُ الْأُمَمَ وَهَدَانَا إِلَيْهِ، صَحَّ فِي مُسْلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ)، وَصَحَّ فِي مُسْلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ (خَيرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليهِ الشَّمْسُ يَومُ الجُمُعَةِ، فيهِ خُلِقَ آدَمُ، وفِيهِ أُدْخِلَ الجنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنهَا، ولا تَقُومُ السَاعةُ إلا فِي يومِ الجُمُعَةِ).
وَلِهَذَا وَذَاكَ كَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ تَعْظِيمُ هَذَا الْيَوْمِ، وَتَشْرِيفُهُ وَتَخْصِيصُهُ بخصَائِصَ وَعِبَادَاتٍ يَخْتَصُّ بِهَا دُونَ غَيْرِهِ.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ خَصَائِصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ استِحبَابُ كَثْرَةِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو داوودَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (إِنَّ مِنْ أفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ).
قَالَ الْإمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: رَسُولُ اللهِ ﷺ سَيِّدُ الْأَنَامِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ، فَلِلصَّلَاةٍ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَزِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ.
وَمِنْ خَصَائِصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ: أَنَّ اللهَ جَعَلَ فِيهِ سَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَأَرْجَى السَّاعَاتِ لِلْإِجَابَةِ سَاعَتُكُمْ هَذِهِ، مِنْ حِينِ يَجْلِسُ الْإمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ تَنْتَهِي الصَّلَاةُ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: (هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ).
وَكَذَلِكَ آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو داوودَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (الْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ)، وَقَدْ رَجَّحَ الْإمَامُ أَحَمَدُ رَحِمَهُ اللهُ هَذَا، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ (وَالحَقُّ أَنَّ كِلْتَا السَّاعَتَيْنِ، تُرْجَى فِيهِمَا إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، فَاجْتَهِدُوا فِي هَاتَيْنِ السَّاعَتَيْنِ فِي الدُّعَاءِ، لَعَلَّكُمْ تُوَافِقُونَ إِجَابَةً تَلْحَقُونَ بِهَا السُّعَدَاءَ)، وَوَاللَّهِ إِنَّ مِنْ تَفْوِيتِ الْفُرَصِ إِضَاعَةُ مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْانشِغَالُ وَقْتَهَا فِي ذَهَابٍ وَإيَابٍ وَقِيلَ وَقَالَ.
قُلْتُ مَا سُمِعتُم وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ فَإِنَّهُ غَفَّارٌ تَوَّابٌ لِمَنْ تَابَ وَأَنَابَ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ لِلهِ خَيْرِ الرَّاحِمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى المَبْعُوْثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ، أَمَّا بَعْدُ:
وَمِنَ الخَصائِصِ الْعَظِيمَةِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّ فِيهِ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، وَفَرْضُهَا مُتَقَرِّرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْكُهَا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، صَحَّ عِنْدَ مُسْلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ تَرْكِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قَلُوبِهِمْ، فَلَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ).
وَلِأهَمِّيَّةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ الْعَظِيمَةِ شُرِعَ لَهَا الاغْتِسَالُ بَلِ اسْتُحِبَّ استِحْبَابًا مُؤَكَّدًا لِقَوْلِهِ ﷺ: (إذا أَتَى أحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ).
كَمَا أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ التَّطَيُّبُ لَهَا وَلُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيْبٍ إِن كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ وَيَرْكَعَ إِنْ بَدَا لَهُ وَلَمْ يُؤْذِ أحَدًا، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّي، كَانَ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى).
كَمَا أَنَّ مِنَ السُّنَنِ الْعَظِيمَةِ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ التَبكِيرُ لَهَا، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (إذا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا خَرَجَ الْإمَامُ أَوْ جَلَسَ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ).
وَإِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنْ يَقِلَّ اهْتِمَامُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُصَلِّيْنَ بالتبكيرِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَأْتِي إِلَيْهَا إِلَّا عِنْدَ دُخُولِ الْإمَامِ أَوْ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ، وَيَأْتِي يَتَخَطَّى الرِّقَابَ وَيُؤْذِي الْمُسْلِمِيْنَ.
وَكَمْ مِنْ جُمُعَةٍ يَا عِبَادَ اللهِ تَطْوِي الْمَلَائِكَةُ فِيهَا صُحُفَهَا وَلَمْ تُسَجِّلْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ إِلَّا الْقَلِيلَ، وَلَقَدْ قَالَ ﷺ: (لا يَزالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ).
وَأَقَلُّ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ إِدْرَاكُ رَكْعَةٍ مَعَ الْإمَامِ، فَمَنْ جَاءَ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَقَدْ فَاتَتْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَرْبَعًا.