عوامل بناء الأسرة المسلمة: اختيار الزوجة - خطب مختارة

الفريق العلمي
1439/11/05 - 2018/07/18 12:17PM

مقاييس كثيرة هي التي يتزوج الناسُ على أساسها في زماننا هذا؛ فيختارون الغنية، ويبحثون عن عائلة كبيرة عريقة يتزوجون منها، ويشترطونها ابنة ذي سلطان ومنصب، ويفضلونها موظفة ذات دخل شهري، وحبذا لو كانت لطيفة جذابة منمقة الحديث خفيفة الظل، وفوق هذا كله أن تكون جميلة ملفتة للأنظار أخَّاذة للألباب... إلى غيرها من صفات كثيرة تُطلَب في الزوجة في هذا الزمان.

 

ولو كانت هذه المقاييس في مجتمع بوذي أو يهودي أو نصراني لما تعجبنا؛ فإن من ضل عن ربه وخالقه ليس بعجيب أن يضل في أمر دنياه، ولكن العجب كله والغرابة كلها أن تكون مقاييس اختيار الزوجة هذه سائدة ورائجة في مجتمعاتنا الإسلامية التي تمتلك بين يديها القرآن والسنة! كيف كيف وديننا قد جعل لنا الأسس والضوابط في اختيار الزوجة، وأخبرنا أن من اختار على غير أساسها خاسر ضال سيعود بالندم!

 

فعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل" (ابن ماجه)، وإن قلت لي: هذا الحديث ضعيف! أجبتك: ألا تدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا على من تزوج امرأة لغير دينها، والحديث هذه المرة في الصحيحين وهو مشهور محفوظ، يرويه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك" (متفق عليه)؛ أي: إن لم تفعل.

 

أما سألت نفسك يومًا: ما معنى: "تربت يداك" في هذا الحديث وغيره! فلندع ابن حجر العسقلاني يجيبك فيقول: "قوله: تربت يداك: أي افتقرت فامتلأت ترابًا، وقيل: المراد ضعف عقلك بجهلك بهذا، وقيل: افتقرت من العلم" (فتح الباري للعسقلاني)، والمعنى: تزوج ذات الدين واختر ذات الدين فإن لم تفعل فتربت يداك. وإن لم يقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- نفس الدعاء؛ لأنها كلمة دارجة على ألسنة العرب، فقد قصد -صلى الله عليه وسلم- الحث والحض الشديدين على تزوج ذات الدين.

 

وإذا قررنا هذا، فهل نحن بحاجة إلى أن نؤكد أن المسلمة أفضل من المشركة! وليس بعد بيان الله -تعالى- بيان: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) [البقرة: 221]، فإن كنا نفضل ونقدِّم المسلمة المتدينة على المسلمة غير المتدينة، فكيف بالكافرة!

 

***

 

نعود فنقول: إن الإسلام لا ينكر على المسلم أن يختار زوجة جميلة وغنية ومثقفة ومن عائلة شريفة... بشرط: ألا يكون هذا هو أول متطلباته وغاية أهدافه وذروة أمنياته في زوجة المستقبل، بل لا بد أن تكون كل هذه الصفات "الدنيوية الأرضية" في الدرجة الثانية بعد الشرط السماوي الأساسي في الزوجة، وهو أن تكون: "ذات دين"؛ ملتزمة بتعاليمه داعية إليه مصلية متبتلة حافظة للقرآن تالية له عاملة به ملتزمة في زيها ومن معاملاتها متزينة بخلق العفة والصيانة والأمانة...

 

***

 

ولك أن تقول: وماذا لو وجدت من المتدينات الملتزمات بدينهن كثيرات، كيف أفاضل بينهن وكيف اختار منهن؟! وأقول لك: لن تجد كثيرات، بل هن قليلات عزيزات ككل شيء غال وثمين في هذه الأرض؛ فإنه نادر... فإن عدتَ فقلتَ: وماذا لو كان أمامي أكثر من واحدة من ذوات الدين كيف أفاضل بينهن؟

 

وأجيبك: حتى هذه لم يتركها الإسلام بلا جواب، فبعد شرط "الدين"، وبعد أن تحصر -أيها المقبل على الزواج- المتدينات، لك أن تخاير وتفاضل بينهن على الأسس والقواعد التالية في اختيار الزوجة:

 القاعدة الأولى: الودود دمثة الخلق أفضل من العصبية الجافية: ولعل هذه مما لا يحتاج إلى دليل، فما بعد الدين إلا الخلق، وإن الحياة قد لا تستقيم مع حادة الطباع متقلبة المزاج وإن كانت متدينة، أما اللينة الودود طيبة القلب فتلك شبيهة نساء الجنة، يروي عبد الله بن عباس فيقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة: الودود، الولود، العؤود على زوجها، التي إذا آذت أو أوذيت، جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول: والله لا أذوق غمضًا حتى ترضى" (النسائي).

 

وعن أبي هريرة قال: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره" (النسائي وأحمد).

 

وإن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمر أولياء المرأة بمراعاة الخلق بعد الدين عند الاختيار لفتياتهم فقال: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" (ابن ماجه)، فمن باب أولى أن نجعل ذلك مقياسًا هنا؛ فنطلب بعد الدين: "الخلق".

 

القاعدة الثانية: البكر أفضل من الثيب: أفضل لها وأفضل له؛ أفضل لها لأنه لم يسبق لها الزواج، فهي أولى بالزوج من غيرها، أما أنها أفضل له، فنترك بيان أسباب ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: "تزوجوا الأبكار؛ فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحامًا، وأرضى باليسير" (الطبراني في معجميه الكبير والأوسط).

 

فإن كان لديك من الأسباب ما يستدعي أن تتزوج ثيبًا فلا حرج ولا إثم ولا ضير؛ فإن جابر بن عبد الله يحكي فيقول: تزوجت امرأة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلقيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "يا جابر، تزوجت؟" قلت: نعم، قال: "بكر، أم ثيب؟" قلت: ثيب، قال: "فهلا بكرًا تلاعبها؟" قلت: يا رسول الله: إن لي أخوات، فخشيت أن تدخل بيني وبينهن، قال: "فذاك إذن..." (مسلم)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج بكرًا إلا عائشة.

 

القاعدة الثالثة: الولود أفضل من العقيم: أليس: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46]، أليس من أهداف الزواج في الإسلام إنجاب ولد صالح يدعو لوالديه وينفع مجتمعه... لذلك فإن الولود أفضل من العقيم وإن وجد فيها من المميزات الكثير؛ فقد جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب، إلا أنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فنهاه، فقال: "تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم" (النسائي).

 

القاعدة الرابعة: الغريبة أفضل من القريبة: فقد كانت العرب تقول: "اغتربوا ولا تضووا"؛ أي: تزوجوا من الغرائب؛ فإن القرائب يضوين الأولاد، فيخرجون ضعافًا مرضى. (المجالسة وجواهر العلم للدينوري).

 

ودليلنا على هذه من الطب والمشاهدة؛ أما الأطباء فيقولون: أن الزواج من الأقارب يزيد من احتمالية ظهور الأمراض الوراثية في النسل والذرية، وأما المشاهدة فقد رأينا كثيرًا ممن تزوجوا قريباتهم وقد ابتلوا بنسل ضعيف مصاب في عقله أو في بنيته وجسده، ويقل ذلك بشكل ملحوظ عند من اغتربوا في الزواج.

 

ثم أليس قد قال الله -عز وجل-: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [الحجرات: 13]، فالزواج والمصاهرة من وسائل التعارف والتماسك بين المجتمعات، وهي وسيلة استخدمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليوطد دعائم الود والأخوة كما في زواجه -صلى الله عليه وسلم- من عائشة وحفصة، وليؤلف قلوب الناس ويجذبهم إلى الإسلام كما في صفية بنت حيي بن أخطب و جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق أيمن امرأة على قومها...

 

القاعدة الخامسة: المترعرعة في بيئة الإيمان والتقى أفضل ممن نشأت بين الأوحال: وهذه -حقًا- لا تحتاج إلى دليل، إن النفس لتعاف أن تأكل حبة الفاكهة التي رويت شجرتها بماء آسن غير نظيف، وتحتقر الهدية التي قدمت إليها وقد غُلِفت بغلاف رث غير مرتب، فكذلك لا تنكح امرأة خرجت من أصل غير كريم؛ من أسرة لا تصلي أو تشرب الخمور أو تأتي الفواحش... وهذا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم" (ابن ماجه)، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- بسنده ضعيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم وخضراء الدمن"، فقيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ قال: "المرأة الحسناء في المنبت السوء" (مسند الشهاب للقضاعي).

 

***

 

وما هذه الأوصاف التي قدمناها لزوجة المستقبل إلا قليل من كثير وقطرة من غيث، ولنزيد الأمر وضوحًا فقد أحضرنا لك ها هنا مجموعة طيبة من أجمل الخطب المنبرية، فإليك فانتفع بها:

 

مقومات اختيار الزوج لزوجته - ماجد عبدالرحمن الفريان

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/308821

آداب مطلوبة.. للخاطب والمخطوبة - محمد صالح المنجد

https://khutabaa.com/?p=182886

كيف نختار الزوجة والزوج؟ - محمد بن مبارك الشرافي

https://khutabaa.com/?p=181379

فاظفر بذات الدين قصص وعبر - الشيخ سامي بن خالد الحمود

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/174583

اختيار الزوجة - د. محمد خير الشعال

 https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/308832

الخطبة واختيار الزوجة - جمعية التنمية الأسرية بالمنطقة الشرقية (وئام)

https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/308844

المشاهدات 1012 | التعليقات 0