عوامل النصر وأسباب القوة " قصة موسى عليه السلام مع فرعون أنموذجاً "
مريزيق بن فليح السواط
1433/01/06 - 2011/12/01 23:45PM
أن الحمد لله....
عباد الله :
إن سوءَ الأحوال التي يعيشها المسلمون اليوم، والضعفَ الذي يعانون منه، والفرقةَ الحاصلة بينهم، وتسلطَ الأعداء عليهم، وتحكمهم حتى في لقمة العيش التي تصل لهم، يجعل المسلم يسأل نفسه كيف لهذه الأمة أن تستعيدَ قوتُها، وأن يعودَ إليها عزُّها ومجدُها؟؟ وهذا أمر سهل المراد إذا خلصت النياتُ، وصدقَ العمل، وجُعلَ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، دستوراً ومنهج حياة.
نقول هذا وقد بدأت أمتنا تلتمسُ الطريق، وتعودُ الى الجادة، بعد ان سقطت عروش الطغيان، وتهاوت أنظمة البغي والأستبداد، وأضحت أمتنا أكثرُ وعيا، وأشدُّ معرفة بمكر الأعداء وتأمرهم، وكيدهم وتربصهم، قد رفع أبنائها راية الإسلام وشعاراته العظيمة، في ميادينهم، ووسائل إعلامهم، وطالبوا في خطبهم ولا فتتهم بتحكيم شرع الله فيهم، وتطبيق الاسلام في سائر شئون حياتهم.
ولكي تنجح هذه الأمة، وتعود الى ربها، وتنتصر على أعدائها، وتهنأ بحياة كريمة، أمنة مستقرة، محكمة لشرع الله، متبعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد لها أن تأخذ من كتاب الله العظة، وأن تستفيد من قصصه العجيبة، فهو مصدر عزها وقوتها، وفيه المخرج عند اختلافها وتفرقها.
أيها المسلمون:
لقد قص الله علينا نبأ موسى عليه السلام مع فرعون حين طغى وبغى، وقال إفكا وكفرا، "أنا ربكم الأعلى" فدعاه موسى إلى الله، وجائه بالأيات البينة، والحجج الدامغة، ألاّ أن فرعون أصر على طغيانه، وتمادى في باطله، واستمرأ ضلاله، فكان حتفه وهلاكه.
في قصة موسى عليه السلام حكمٌ عظيمة، وعبرٌ بليغة، فيها عوامل النصر، وأسباب القوة، التي يجب علينا أن نأخذ بها، وأن نستفيد منها، أول ذلك الإيمان بالله تعالى ذلك الإيمان الذي يربي النفوس على عدم الخوف من أحد مهما كان إلا من الله "فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين" بالإيمان تحدى السحرة فرعون وهو مثال للظلم والطغيان، والتجبر والعدوان وقفوا أمامه مستعلين بإيمانهم، معتزين بدينهم "قالوا لن نؤثرك على ماجأنا من البيانات والذي فطرنا" والله الذي فطرنا لن نختارك يا فرعون بعد إيماننا بالله، واتباعنا لما جاء به موسى من عنده ففعل بنا ما تشاء قتلا وسجنا وتعذيبا!!! "فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا *أنا أمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى" فقتلهم وصلبهم!! قال ابن عبا س: كانوا أول النهار سحرة فصاروا من آخره شهداء بررة.
وأهل الإيمان في كل عصر ومصر يقولون ذلك، ويستعلون بالإيمان حتى لو جوعوا وحوصروا وقتلوا!!! فإيمانهم بالله هو سلاحُهم الأقوى، وسيفُهم الأمضى، يهابُه الأعداء، ويخاف منه الظلمة الأشقياء، فلا يملكون أمام سطوته، ولا يجدون حلا لقوته، ألاّ الإنتقام من أهله، "وما نقموا منهم إلاّّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" .
عباد الله :
ومن أسباب القوه الاستجابة لأمر الله، وعدم التردد في قبول الحق والعمل به، فهذا موسى عليه السلام لما خرج من أرض مدين عائدا إلى مصر، وكان ذلك في ليلة مظلمة باردة، وأضل الطريق فلم يهتد إلى سلوك الدرب المألوفة، فأبصر من جانب الطور نارا "فقال لأهله امكثوا إني أنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى" فلما أتاها وكلمه ربُّه "أني أنا ربُّك فاخلع نعليك إنك بالوادي المُقدّس طوى" وأمره أن يلقي عصاه فما تأخر ولا تلكأ، بل بادر وتعجل "وما تلكَ بيمينكَ يا موسى*قال هي عصَايَ أتوكؤُا عليها وأهش بها على غنمي وَلِيَ فيها مأربُ أُخرى*قال ألقها يا موسى*فألقاها فإذا هي حيّةٌ تَسعى" امتثل أمر الله مباشرة فالقى عصاه!! لم يقل لماذا؟؟ ولم يقل مالحكمة من إلقائها؟؟ بل ألقاها مباشرة، واستجاب لأمر ربه، فنجح عليه السلام في الامتحان، لم يتردد كما يفعل كثير من الناس اليوم!!! يقال له: اترك الربا؟؟ لا تستمع للغناء؟؟ لا تسبل إزارك؟؟ لا تشرب الدخان؟؟ فتأتي الإجابة بعدين!! أو أُدعو لي!! هذه العصا التي كانت للغنم والاتكاء، أسقطت مُلكَ فرعون، جاء موسى عليه السلام إلى فرعون وقهره بالحجج القاطعة، والأدلة الساطعة، وألقى العصا فإذا هي حية عظيمة، قال فرعون حين رآى ما رآى: "أجئتَنَا لتُخْرجَنا من أرضنا بسحركَ يا موسى*فلنأتينك بسحر مثله فجعل بيننا وبينك موعدا لا نُخْلِفُهُ نحن ولا أنت مكانا سُوى*قال موْعِدُكُم يومُ الزينة وأن يُحشرَ الناس ضُحى" تولى فرعون يجمع السحرة من كل مكان، ويَعدُهم بأجزلِ النوال، حتى اجتمع عنده ثلاثمائة ألف ساحر، وفرعون على رأسهم، والدولة بوزرائها وكبرائها، ورجالها ونسائها من ورائهم، وقفوا ضد موسى عليه السلام "قالوا يا موسى إما أن تُلقِىَ وإمَّا أن نكونَ نحنُ المُلقين*قال أَلْقُوا فلمَّا ألْقَوْا سحروا أعين الناس واسترْهبوهم وجاءوا بسحر عظيم" سحر عظيم لما رآه موسى عليه السلام خاف "فأوجس في نفسه خيفة موسى" لم يخف على نفسه بل خاف على الناس من هذا الباطل، أن يغتروا به، وأن يرهبوا منه، وهكذا الدعاة الى الله يخافون على الناس حين يرون بهرجة الباطل، ولبس الحق، وتقليب الأمور، وتزييف الحقائق، والدعوة إلى المنكر وترويجه بطرق رخيصة، فالإسلام إرهاب!! والحجاب رجعية وتخلف!! وتمرد النساء كسر للقيود والأغلال!! والأمر بالمعروف انتهاك لحريات الناس، وتدخل في شئونهم!! خاف موسى "قلنا لا تخفْ إنك أنت الأعلى*وألْقِِِِ ما في يمينِكَ تلْقَفْ ما صنعوا إنما صنعوا كيدُ ساحر ولا يُفلحُ الساحرُ حيثُ أتى" موسى نجح في الامتحان، وامتثل أمر الله حين ألقى العصا فما خذله الله، لو خسر موسى أمام السحرة لسقط سقوطا مدويا، ولفشِلَ فشلا ذريعا، وماذا ستفعل عصا صغيرة أمام دهاة السحرة وكبرائهم؟؟ ألا أنه الاستجابة لأمر الله جلا وعلا ، نجح موسى فأمن السحرة، وصدقه بنو إسرائيل، وتبعه الناس، فاشتد ظلم فرعون لهم، وبطشه بهم، وتنكيله بمن آمن منهم، فصبروا على طغيانه، وثبتوا على دينهم فكان بعد ذلك نصرا مؤزرا وفتحا مبينا.
لما وصل كبرُ فرعون غايته، وغروره نهايته، وظلمه مداه، خرج موسى مع من آمن معه فارين بدينهم، مهاجرين إلى ربهم، وتبعهم فرعون في ستمائة ألف من جنده يريد أن يستأصل شأْفتهم، وأن يقتلهم عن بكرة أبيهم "فأرسل فرعون في المدائن حاشرين* أن هؤلاء لشرذمة قليلون* وأنهم لنا لغائظون" فرعون كان يقتلُ أبناهم، ويستحي نسائهم، وهم يطيعونه، ويسمعون له، فكيف الآن وهم يخرجون عن أمره غائظون له؟؟ "فاتْبَعُوهم مُشْرِقين*فلما تراءا الجمعانِ قال أصحاب موسى إنا لمدركون" أدركهم فرعون عند شروق الشمس، البحر من أمامهم، والجبال عن يمينهم ويسارهم، وفرعون من خلفهم " قال أصحاب موسى أنا لمدركون *قال كلا إن معي ربي سيهدين" أوحى الله إلى موسى"أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم" جعل الله البحر كالجبل العظيم وجعل به اثنا عشر طريقا يابسة لا وحل فيها ولا طين كل ذلك بضربة عصا "ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى" والسر ليس في العصا، وإنما في الاستجابة لأمر الله جل وعلا، الإستجابة التي تُعز صاحبها، وترفع شأنه، وتنصره على عدوه، فموسى لم يتأخر لما طلبه الله أن يلقي العصا فلم يخذله الله حين احتاج إليه، وفوض أمره إليه، خرج موسى وقومه من البحر وتكامل فرعون وقومه في البحر فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر ضربة أخرى فعاد البحر إلى وضعه، وهاج الموج بقوته وشدته، فأهلك الله فرعون وقومه فلم ينجو منهم احدا "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" هكذا بكل بساطة أخذهم الله، وفي اليم الذي أُلقي فيه موسي رضيعا فكان أمنا وملجأ ومناما، هو ذاته يُلقى فيه فرعون فيكون له مخافة ومهلكة وعذابا، فالأمن والنجاة إنما تكون في القرب من الله، والاستجابة لأمره، وتحكيم شرعة، واتباع سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "يأيها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكُم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تُحشرون".
الحمد لله على أحسانه...
عباد الله:
اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
عباد الله:
إن من أسباب القوه صدق التوكل على الله، فمنه يُستجلب النصر، وبه يدفع الضرر، ومع التوكل على الله يبطل كل كيد، ويعيش المتوكل قرير العين، متحديا كل أحد، موسى عليه السلام لما استكبر فرعون عن اتباع الحق الذي جاء به، وتمادى في ظلم بني إسرائيل، حتى شكوا إلى موسى، ما يُلاقونه من ظلم وبغي وأذى، فكانت وصيته لقومه "يا قوم إن كنتم أمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين" فأمرهم بالتوكل على الله، وتفويض أمورهم له، والاستعانة به، والالتجاء إليه، فأْتمروا بأمره فجعل الله لهم مما كانوا فيه فرجا ومخرجا.
ومن أسباب القوه تفويض الأمر إلى الله بعد عمل الأسباب الممكنة شرعا، والصبر على البلاء، وتحمل المشقة ولأواء.
ومن أعظم أسباب القوة، وأسلحتها التي يحتمي بها العبد، الدعاء فالله تعالى هو المدعو عند الشدائد، والمرجو عند النوازل، موسى عليه السلام دعا على عدو الله فرعون غضبا لله، لما تكبرعن الحق، وصد عن السبيل، واستمر على الباطل "وقال موسى ربنا إنك أَتيتَ فرعون وملأَه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليُضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم*قال قد أجيبت دعوتكما "فاستجاب الله دعائه، وأهلك فرعون وقومه، وهكذا يهلك الله الطغاة، ويذل الظلمة البغاة، حين يغتروا بثروتهم وقوتهم، وعددهم وعُدتهم "أمن يُجيبُ المضطرَّ إذا دعاه ويكشفُ السوءَ ويَجْعَلُكُم خلفاءَ الأرض أءِله مع الله قليلا ما تذكرون"
روى ابن عساكر أن رجلا قال :كنت أُكاري على بغل لي من دمشق إلى بلدة الزبداني فركب معي ذات مرة رجل، فمررنا على طريق غير مسلوكة، فقال لي: خذ في هذه فإنها أقرب، فقلت لا خبرة لي فيها، قال: بل هي أقرب. فسلكناها ثم انتهينا الى مكان وَعر، ووادي عميق، وفيه قتلى كثيرون. فقال لي: امسك رأس البغل حتى انزل، فنزل وشمر، وجمع عليه ثيابه، وسل سكينا معه وقصدني، ففررت من بين يديه فتبعني، فناشدته الله فقلت خذ البغل بما عليه، فقال: هو لي، وإنما أريد قتلك، فخوفته بالله، والعقوبة منه، فلم يَقْبل، فاستسلمت بين يديه، وقلت، اتركني أصلي ركعتين. فقال: كلهم صلوا قبلك وأشار إلى القتلى، فقمت أُصلي فارتَجّ علي القرآن فلم يحضرني منه آية، فبقيت زمنا طويلا، وهو يقول: هيه عجل!! فأجرى الله على لساني قوله تعالى :"أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"فكررتها فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي، وبيده حربة فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده فخر صريعا، فتعلقت بالفارس، وقلت: بالله من أنت؟؟ فقال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء. قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالما، فارفعوا أيديكم وادعوا الله بقلوبكم وألسنتكم أن ينصر أخواننا بسوريا فقد مسهم الضر، واشتد عليهم الكرب، ولا ناصر لهم الا الله.....
عباد الله :
هذه الملحمة العظيمة، وهذا النصر المبين، لحزب الله المؤمنين، والغرق والهلاك للطغاة والمفسدين، كان في العاشر من شهر الله المحرم، صامه موسى شكرا الله، وصامه محمد صلى الله عليه وسلم اعترافا بنعمة الله، وشكرا له على ما أولاه، فسُنَّ لنا صيامه اقتداء بنبينا، وشكرا لله على فضله ونعمته علينا، وابتغاء للأجر والمغفرة من ذنوبنا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه: "احتسب على الله ان يكفر السنة الماضية" ومن السنة ان يُصام يوم قبله لقوله عليه الصلاة والسلام: "لئن عشت الى قابل لأصومن التاسع" لما في ذلك من مخالفة لليهود، وتميزا لأمة الإسلام، ومزيد فضل من الله وإنعام .
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على نبي الرحمة والهدى فقد أمركم بذلك ربكم جلا وعلا .....
عباد الله :
إن سوءَ الأحوال التي يعيشها المسلمون اليوم، والضعفَ الذي يعانون منه، والفرقةَ الحاصلة بينهم، وتسلطَ الأعداء عليهم، وتحكمهم حتى في لقمة العيش التي تصل لهم، يجعل المسلم يسأل نفسه كيف لهذه الأمة أن تستعيدَ قوتُها، وأن يعودَ إليها عزُّها ومجدُها؟؟ وهذا أمر سهل المراد إذا خلصت النياتُ، وصدقَ العمل، وجُعلَ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، دستوراً ومنهج حياة.
نقول هذا وقد بدأت أمتنا تلتمسُ الطريق، وتعودُ الى الجادة، بعد ان سقطت عروش الطغيان، وتهاوت أنظمة البغي والأستبداد، وأضحت أمتنا أكثرُ وعيا، وأشدُّ معرفة بمكر الأعداء وتأمرهم، وكيدهم وتربصهم، قد رفع أبنائها راية الإسلام وشعاراته العظيمة، في ميادينهم، ووسائل إعلامهم، وطالبوا في خطبهم ولا فتتهم بتحكيم شرع الله فيهم، وتطبيق الاسلام في سائر شئون حياتهم.
ولكي تنجح هذه الأمة، وتعود الى ربها، وتنتصر على أعدائها، وتهنأ بحياة كريمة، أمنة مستقرة، محكمة لشرع الله، متبعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد لها أن تأخذ من كتاب الله العظة، وأن تستفيد من قصصه العجيبة، فهو مصدر عزها وقوتها، وفيه المخرج عند اختلافها وتفرقها.
أيها المسلمون:
لقد قص الله علينا نبأ موسى عليه السلام مع فرعون حين طغى وبغى، وقال إفكا وكفرا، "أنا ربكم الأعلى" فدعاه موسى إلى الله، وجائه بالأيات البينة، والحجج الدامغة، ألاّ أن فرعون أصر على طغيانه، وتمادى في باطله، واستمرأ ضلاله، فكان حتفه وهلاكه.
في قصة موسى عليه السلام حكمٌ عظيمة، وعبرٌ بليغة، فيها عوامل النصر، وأسباب القوة، التي يجب علينا أن نأخذ بها، وأن نستفيد منها، أول ذلك الإيمان بالله تعالى ذلك الإيمان الذي يربي النفوس على عدم الخوف من أحد مهما كان إلا من الله "فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين" بالإيمان تحدى السحرة فرعون وهو مثال للظلم والطغيان، والتجبر والعدوان وقفوا أمامه مستعلين بإيمانهم، معتزين بدينهم "قالوا لن نؤثرك على ماجأنا من البيانات والذي فطرنا" والله الذي فطرنا لن نختارك يا فرعون بعد إيماننا بالله، واتباعنا لما جاء به موسى من عنده ففعل بنا ما تشاء قتلا وسجنا وتعذيبا!!! "فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا *أنا أمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى" فقتلهم وصلبهم!! قال ابن عبا س: كانوا أول النهار سحرة فصاروا من آخره شهداء بررة.
وأهل الإيمان في كل عصر ومصر يقولون ذلك، ويستعلون بالإيمان حتى لو جوعوا وحوصروا وقتلوا!!! فإيمانهم بالله هو سلاحُهم الأقوى، وسيفُهم الأمضى، يهابُه الأعداء، ويخاف منه الظلمة الأشقياء، فلا يملكون أمام سطوته، ولا يجدون حلا لقوته، ألاّ الإنتقام من أهله، "وما نقموا منهم إلاّّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" .
عباد الله :
ومن أسباب القوه الاستجابة لأمر الله، وعدم التردد في قبول الحق والعمل به، فهذا موسى عليه السلام لما خرج من أرض مدين عائدا إلى مصر، وكان ذلك في ليلة مظلمة باردة، وأضل الطريق فلم يهتد إلى سلوك الدرب المألوفة، فأبصر من جانب الطور نارا "فقال لأهله امكثوا إني أنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى" فلما أتاها وكلمه ربُّه "أني أنا ربُّك فاخلع نعليك إنك بالوادي المُقدّس طوى" وأمره أن يلقي عصاه فما تأخر ولا تلكأ، بل بادر وتعجل "وما تلكَ بيمينكَ يا موسى*قال هي عصَايَ أتوكؤُا عليها وأهش بها على غنمي وَلِيَ فيها مأربُ أُخرى*قال ألقها يا موسى*فألقاها فإذا هي حيّةٌ تَسعى" امتثل أمر الله مباشرة فالقى عصاه!! لم يقل لماذا؟؟ ولم يقل مالحكمة من إلقائها؟؟ بل ألقاها مباشرة، واستجاب لأمر ربه، فنجح عليه السلام في الامتحان، لم يتردد كما يفعل كثير من الناس اليوم!!! يقال له: اترك الربا؟؟ لا تستمع للغناء؟؟ لا تسبل إزارك؟؟ لا تشرب الدخان؟؟ فتأتي الإجابة بعدين!! أو أُدعو لي!! هذه العصا التي كانت للغنم والاتكاء، أسقطت مُلكَ فرعون، جاء موسى عليه السلام إلى فرعون وقهره بالحجج القاطعة، والأدلة الساطعة، وألقى العصا فإذا هي حية عظيمة، قال فرعون حين رآى ما رآى: "أجئتَنَا لتُخْرجَنا من أرضنا بسحركَ يا موسى*فلنأتينك بسحر مثله فجعل بيننا وبينك موعدا لا نُخْلِفُهُ نحن ولا أنت مكانا سُوى*قال موْعِدُكُم يومُ الزينة وأن يُحشرَ الناس ضُحى" تولى فرعون يجمع السحرة من كل مكان، ويَعدُهم بأجزلِ النوال، حتى اجتمع عنده ثلاثمائة ألف ساحر، وفرعون على رأسهم، والدولة بوزرائها وكبرائها، ورجالها ونسائها من ورائهم، وقفوا ضد موسى عليه السلام "قالوا يا موسى إما أن تُلقِىَ وإمَّا أن نكونَ نحنُ المُلقين*قال أَلْقُوا فلمَّا ألْقَوْا سحروا أعين الناس واسترْهبوهم وجاءوا بسحر عظيم" سحر عظيم لما رآه موسى عليه السلام خاف "فأوجس في نفسه خيفة موسى" لم يخف على نفسه بل خاف على الناس من هذا الباطل، أن يغتروا به، وأن يرهبوا منه، وهكذا الدعاة الى الله يخافون على الناس حين يرون بهرجة الباطل، ولبس الحق، وتقليب الأمور، وتزييف الحقائق، والدعوة إلى المنكر وترويجه بطرق رخيصة، فالإسلام إرهاب!! والحجاب رجعية وتخلف!! وتمرد النساء كسر للقيود والأغلال!! والأمر بالمعروف انتهاك لحريات الناس، وتدخل في شئونهم!! خاف موسى "قلنا لا تخفْ إنك أنت الأعلى*وألْقِِِِ ما في يمينِكَ تلْقَفْ ما صنعوا إنما صنعوا كيدُ ساحر ولا يُفلحُ الساحرُ حيثُ أتى" موسى نجح في الامتحان، وامتثل أمر الله حين ألقى العصا فما خذله الله، لو خسر موسى أمام السحرة لسقط سقوطا مدويا، ولفشِلَ فشلا ذريعا، وماذا ستفعل عصا صغيرة أمام دهاة السحرة وكبرائهم؟؟ ألا أنه الاستجابة لأمر الله جلا وعلا ، نجح موسى فأمن السحرة، وصدقه بنو إسرائيل، وتبعه الناس، فاشتد ظلم فرعون لهم، وبطشه بهم، وتنكيله بمن آمن منهم، فصبروا على طغيانه، وثبتوا على دينهم فكان بعد ذلك نصرا مؤزرا وفتحا مبينا.
لما وصل كبرُ فرعون غايته، وغروره نهايته، وظلمه مداه، خرج موسى مع من آمن معه فارين بدينهم، مهاجرين إلى ربهم، وتبعهم فرعون في ستمائة ألف من جنده يريد أن يستأصل شأْفتهم، وأن يقتلهم عن بكرة أبيهم "فأرسل فرعون في المدائن حاشرين* أن هؤلاء لشرذمة قليلون* وأنهم لنا لغائظون" فرعون كان يقتلُ أبناهم، ويستحي نسائهم، وهم يطيعونه، ويسمعون له، فكيف الآن وهم يخرجون عن أمره غائظون له؟؟ "فاتْبَعُوهم مُشْرِقين*فلما تراءا الجمعانِ قال أصحاب موسى إنا لمدركون" أدركهم فرعون عند شروق الشمس، البحر من أمامهم، والجبال عن يمينهم ويسارهم، وفرعون من خلفهم " قال أصحاب موسى أنا لمدركون *قال كلا إن معي ربي سيهدين" أوحى الله إلى موسى"أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم" جعل الله البحر كالجبل العظيم وجعل به اثنا عشر طريقا يابسة لا وحل فيها ولا طين كل ذلك بضربة عصا "ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى" والسر ليس في العصا، وإنما في الاستجابة لأمر الله جل وعلا، الإستجابة التي تُعز صاحبها، وترفع شأنه، وتنصره على عدوه، فموسى لم يتأخر لما طلبه الله أن يلقي العصا فلم يخذله الله حين احتاج إليه، وفوض أمره إليه، خرج موسى وقومه من البحر وتكامل فرعون وقومه في البحر فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر ضربة أخرى فعاد البحر إلى وضعه، وهاج الموج بقوته وشدته، فأهلك الله فرعون وقومه فلم ينجو منهم احدا "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" هكذا بكل بساطة أخذهم الله، وفي اليم الذي أُلقي فيه موسي رضيعا فكان أمنا وملجأ ومناما، هو ذاته يُلقى فيه فرعون فيكون له مخافة ومهلكة وعذابا، فالأمن والنجاة إنما تكون في القرب من الله، والاستجابة لأمره، وتحكيم شرعة، واتباع سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "يأيها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكُم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تُحشرون".
الحمد لله على أحسانه...
عباد الله:
اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
عباد الله:
إن من أسباب القوه صدق التوكل على الله، فمنه يُستجلب النصر، وبه يدفع الضرر، ومع التوكل على الله يبطل كل كيد، ويعيش المتوكل قرير العين، متحديا كل أحد، موسى عليه السلام لما استكبر فرعون عن اتباع الحق الذي جاء به، وتمادى في ظلم بني إسرائيل، حتى شكوا إلى موسى، ما يُلاقونه من ظلم وبغي وأذى، فكانت وصيته لقومه "يا قوم إن كنتم أمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين" فأمرهم بالتوكل على الله، وتفويض أمورهم له، والاستعانة به، والالتجاء إليه، فأْتمروا بأمره فجعل الله لهم مما كانوا فيه فرجا ومخرجا.
ومن أسباب القوه تفويض الأمر إلى الله بعد عمل الأسباب الممكنة شرعا، والصبر على البلاء، وتحمل المشقة ولأواء.
ومن أعظم أسباب القوة، وأسلحتها التي يحتمي بها العبد، الدعاء فالله تعالى هو المدعو عند الشدائد، والمرجو عند النوازل، موسى عليه السلام دعا على عدو الله فرعون غضبا لله، لما تكبرعن الحق، وصد عن السبيل، واستمر على الباطل "وقال موسى ربنا إنك أَتيتَ فرعون وملأَه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليُضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم*قال قد أجيبت دعوتكما "فاستجاب الله دعائه، وأهلك فرعون وقومه، وهكذا يهلك الله الطغاة، ويذل الظلمة البغاة، حين يغتروا بثروتهم وقوتهم، وعددهم وعُدتهم "أمن يُجيبُ المضطرَّ إذا دعاه ويكشفُ السوءَ ويَجْعَلُكُم خلفاءَ الأرض أءِله مع الله قليلا ما تذكرون"
روى ابن عساكر أن رجلا قال :كنت أُكاري على بغل لي من دمشق إلى بلدة الزبداني فركب معي ذات مرة رجل، فمررنا على طريق غير مسلوكة، فقال لي: خذ في هذه فإنها أقرب، فقلت لا خبرة لي فيها، قال: بل هي أقرب. فسلكناها ثم انتهينا الى مكان وَعر، ووادي عميق، وفيه قتلى كثيرون. فقال لي: امسك رأس البغل حتى انزل، فنزل وشمر، وجمع عليه ثيابه، وسل سكينا معه وقصدني، ففررت من بين يديه فتبعني، فناشدته الله فقلت خذ البغل بما عليه، فقال: هو لي، وإنما أريد قتلك، فخوفته بالله، والعقوبة منه، فلم يَقْبل، فاستسلمت بين يديه، وقلت، اتركني أصلي ركعتين. فقال: كلهم صلوا قبلك وأشار إلى القتلى، فقمت أُصلي فارتَجّ علي القرآن فلم يحضرني منه آية، فبقيت زمنا طويلا، وهو يقول: هيه عجل!! فأجرى الله على لساني قوله تعالى :"أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"فكررتها فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي، وبيده حربة فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده فخر صريعا، فتعلقت بالفارس، وقلت: بالله من أنت؟؟ فقال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء. قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالما، فارفعوا أيديكم وادعوا الله بقلوبكم وألسنتكم أن ينصر أخواننا بسوريا فقد مسهم الضر، واشتد عليهم الكرب، ولا ناصر لهم الا الله.....
عباد الله :
هذه الملحمة العظيمة، وهذا النصر المبين، لحزب الله المؤمنين، والغرق والهلاك للطغاة والمفسدين، كان في العاشر من شهر الله المحرم، صامه موسى شكرا الله، وصامه محمد صلى الله عليه وسلم اعترافا بنعمة الله، وشكرا له على ما أولاه، فسُنَّ لنا صيامه اقتداء بنبينا، وشكرا لله على فضله ونعمته علينا، وابتغاء للأجر والمغفرة من ذنوبنا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه: "احتسب على الله ان يكفر السنة الماضية" ومن السنة ان يُصام يوم قبله لقوله عليه الصلاة والسلام: "لئن عشت الى قابل لأصومن التاسع" لما في ذلك من مخالفة لليهود، وتميزا لأمة الإسلام، ومزيد فضل من الله وإنعام .
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على نبي الرحمة والهدى فقد أمركم بذلك ربكم جلا وعلا .....
مريزيق بن فليح السواط
الخطبة في ملف ورد ..~
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/8/3/5/عوامل%20النصر%20وأسباب%20القوة.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/8/3/5/عوامل%20النصر%20وأسباب%20القوة.doc
تعديل التعليق