(عن التكبير) خطبة عيد الأضحى 1441هـ

سامي بن محمد العمر
1441/12/07 - 2020/07/28 06:50AM
خطبة عيد الأضحى 1441هـ
(عن التكبير)

 

الله أكبر (تسعاً) ولله الحمد

الحمد الله فاطر الأرض والسماوات، جزيلِ العطايا والهبات، نحمده على ما منّ به علينا من إدراكِ مواسم الخيرات، وما مدّنا فيها من عونه لنفعل الطاعات، وما وعدنا به من الرفعة والدرجات { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا } [الكهف: 30، 31]

والصلاة السلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد عبدِ الله ورسولِه أكملِ الخلق وأفضلِ البريات؛ وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات وسلم تسليماً كثيرا..

أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، وتذكروا أن أجسادنا على النار لا تقوى.

أيها المؤمنون:

«وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ (أي: قائمة) فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها (أي سقطت على الأرض) فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ (أي: المتعفف) وَالْمُعْتَرَّ (أي: السائل الملح) كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها، وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ، كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ، وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ» ..

عَن البَرَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: خَطَبَنَا النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَومَ النَّحرِ فَقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبدَأُ بِهِ في يَومِنَا هَذَا أَن نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرجِعَ فَنَنحَرَ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد أَصَابَ سُنَّتَنَا...". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

فضحوا عباد الله شكرا للوهاب، وطلبا للأجر والثواب، وأخلصوا لله ليرضى عنكم...  ﴿لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم ﴾

عيد الأضحى أو يوم النحر: هو يوم المكافأة الكبرى من ربِّ السماء، هو يوم إراقة الدماء لذي العز والكبرياء.

يوم النحر: يوم اجتماع العبادات المحبوبات لرب البريات، فبين مصل يكبر، ورام يكبر، وطائف يكبر، وذابح يكبر ... فالكل يكبر..

الله أكبر  الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

{كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ}

هذا هو السر الذي يجب ألا يغيب عن الأذهان، هذا هو الزاد لشجرة الإيمان..

التكبير والتعظيم والتبجيل للواحد الأحد، العليِّ في ذاته، وقدره وقهره، وأسمائه وصفاته، الكبيرِ في عظمته وجلاله وشأنه فكل عظيم دونه ولا أعظم منه.

ولذا.. كان التكبير عبادة محبوبة إلى الله تعالى لأنه.. إعلانٌ عن عظمَة الله، وإذعانٌ لكبريائِه في القلوب.

ولم لا تكبر النفوس رباً خلقها فسواها، وقدر لها أقواتها وهداها،

لم لا تكبر النفوس رباً كاملا في أسمائه وصفاته، عظيما في أقواله وأفعاله،

لم لا تكبر غنيا كريما، جوادا حليما، غفورا رحيما..

لم لا تكبر من جلّ عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد؟

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111]

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الله أكبر تصدح من فوق المآذن، الله أكبر تعلو من فوق المنابر

الله أكبر في كل الصلوات، الله أكبر عند ذبح الهدايا والأضحيات، الله أكبر في الطواف ورمي الجمرات.

الله أكبر كلما ارتفع مسافر على شرف، الله أكبر كلما ركب دابته بلهف.

الله أكبر بعد إتمام الصيام، الله أكبر في ساحات القتال والحِمام.

الله أكبر تملأ القلب ثقة بالله وحسن ظنٍ به، فلا تقِفُ في حياة المسلم العقَبَات، ولا يخافُ من مُستقبَل، ولا يتحسَّر على ما فات.

فالله العليُّ الكبير، الذي لا مُعقِّب لحُكمه،

يُعزُّ من يشاء، ويُذلُّ من يشاء،

عنَت له الوجوه، وذلَّت له الجِباه، وخضعَت له الرِّقاب، وتصاغَرَت عند كبريائِه الشدائد الصلاب.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ..

 

الخطبة الثانية:

الله أكبر (سبعاً) ولله الحمد

 

أما بعد:

فهذا هو التكبير يُذكر بعظمة الله فتخضع له النفوس المترعة بالذنوب وتتوب.

هذا هو التكبير يحطم كل عظمة لمخلوق في القلوب.

هذا هو التكبير يوقظ الأذهان الغافلة لمعرفة كبرياء علام الغيوب...

وإذا تشبع القلب تعظيما لله وإجلالا:

فعندها.... يتحقق الإخلاص في النيات، والإحسان في الأعمال، والصدق في الأقوال

عندها.. يخاف من الكبير أهل الإسراف في الخلوات، وأهل الفساد والمنكرات.

عندها.. تتجافى جنوب النُوّمِ عن المضاجع، وتتوقف الأعمال لأداء الصلوات في المساجد والجوامع، فلا شيء أكبر من الله في القلوب، ولا أمرَ ألذُّ للنفس من لقاء علام الغيوب.

وعندها.. تنفق الأموال، ويبذل المعروف وتصوم الجوارح ويُبر الآباء، وتوصل الأرحام، وتجتنب المحارم... إيمانا بالله الكبير وإذعانا لأمره العظيم.

والله تعالى بكل تلك الكبرياء مستحق لكل معاني الحمد والثناء {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}

 أختنا المسلمة:

عظمي الله تعالى بفعل ما يحبه، واجتناب ما يسخطه.

واعلمي أن الله أكبر وأعظم من كل مخلوق يزين لكِ باطلا، ويزوق لكِ منكرا، ويجركِ إلى فساد أو إفساد.

وتعوذي بالله من حال أهل الشر والجئي إليه... فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا )).

أيها المؤمنون:

اليوم يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع، وقد اجتمع العيدان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مُجَمِّعون)

    فدل ذلك على الترخيص في شهود الجمعة لمن صلى العيد في ذلك اليوم، وشهود الجمعة أفضل، ومن لم يصل العيد فليس له ترخص بترك الجمعة.

ومن شهد صلاة العيد ولم يحضر الجمعة وجب عليه أن يصلي الظهر، عملاً بعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الظهر على من لم يصل الجمعة.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ ... واحفظ الحجاج والمعتمرين وتقبل منهم نسكهم وردهم لأهلهم سالمين غانمين...

المشاهدات 672 | التعليقات 0