عنوان الخطبة : التحذير من مخالفة السائقين لقواعد السير.

المختار المشرى المقروش
1436/11/23 - 2015/09/07 02:12AM
الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذى خلق فسوى ، والذى قدر فهدى ، والذى أخرج المرعى ، فجعله غثاء أحوى ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خلق الخلق فأحصاهم عددا ، وقسم الأرزاق ولم ينس أحدا ، وضرب الآجال وجعل لها أمدا ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبئ المرتضى ، والرسول المجتبى ، بعثه ربه على حين فترة من الرسل بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، فهدى الله به من ضلالة ، وعلم به من جهالة، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن اهتدى بهديهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ¤ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (1)
أما بعد أيها المسلمون عباد الله : لقد خلق الله عز وجل الإنسان فى أحسن تقويم ، وكرمه على سائر المخلوقات ، وذلك بأن وهب له عقلا يميز به بين الحق والباطل ، وبين الصلاح والفساد ، يقول الله تبارك وتعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا (2) ، فيخبر الله عز وجل فى هذه الآية الكريمة عن تشريفه لبنى آدم ، وتكريمه إياهم فى خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها ، كقوله عز من قائل: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (3) وقوله تعالى: وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (4) أى ما سخره الله لهم من المركوبات التى يركبونها ويقطعون بها الأسفار من الخيل والبغال والحمير، وما فى هذا الزمن من طائرات وسفن وسيارات وكافة وسائل النقل التى ابتكرت لمنافع الناس وقضاء حوائجهم قال الله تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (5).
ومن تكريم الله عز وجل للإنسان ؛ أن جعل قتله وإزهاق روحه من المحرمات ، وتزداد الحرمة وتصبح من كبائر الذنوب والموبقات عند قتل المؤمن وإزهاق روحه بأى وسيلة كانت ولذلك توعد الله عز وجل فاعل هذه الجريمة بالعذاب العظيم ، قال تعالى : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (6) وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «اِجْتَنِبُوا السَّبْع الْمُوبِقَات ـ وذكر من بينها ـ وَقَتْل النَّفْس ، الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ » (7) .ويدخل فى هذا كله أن يقتل الإنسان نفسه ، لشدة نزلت به أو لسوء تصرف أوحاه الشيطان إليه ، أو لعمل عمل مسبب له ، أو غير ذلك من الأسباب المؤدية إليه ، قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (8)، وما نراه اليوم أيها المسلمون من بعض الشباب وصغار السن عند قيادتهم للسيارات ، بسرعة عجيبة فى طرقات ضيقة ملتوية ، أو فى الشوارع أمام البيوت ، وهناك صغار السن يلعبون ، وكبار السن يمرون ، يقودون السيارات بكل تهور وجنون ، أنهم بذلك معرضين حياتهم وحياة غيرهم للموت ، وأنهم غير مبالين بعواقب الأمور ، ولا محترمين قواعد السير والمرور ، وإن من العجب الذى لم تألفه طبيعة البشر ، أن يساهم فى هذا الجرم العظيم ـ الآباء ـ أولياء الأمور ، الذين اشتغلوا فى هذه الدنيا بحب السمعة والرياء والمفاخرة أمام الناس ، وذلك بأن اشتروا لأبنائهم أو ـ لأطفالهم إن صح التعبير ـ ، سيارات فارهة يجوبون بها الشوارع والطرقات ، مع ارتفاع صوت المعازف ومزامير الشيطان ، والمضايقات والمعاكسات وقت خروج البنات من المدارس والجامعات ، وأولياء الأمور غافلون ، لا يدرون عما يحدثه أبناؤهم من الفساد وسوء الأخلاق ، إن هذا الأمر – عباد الله - نواة شر ، ونذير شؤم يلحق بالأمة الإسلامية فى أبنائها.. قد يتفاخر الرجل أمام أصحابه وأقرانه , بأن له ابنا يقود السيارة وعمره لم يتجاوز الثانية أو الثالثة عشر عاما ، يرسله لإحضار بعض الإحتياجات للبيت ، يخرج الشاب فإذا برفقاء السوء ينتظرونه فيركبون معه ، فهذا يأمره بزيادة السرعة ، وذاك يأمره بعرض مهارته وقيادته ، وآخر يأمره بزيادة صوت الموسيقى والغناء ، فبينما هم مشتغلون فى هذا الصخب والمجون ، وفى هذا الطيش والجنون ، جاءهم أمر الله ، وحلت النكبة التى لم تتوقع ، وجثمت الكارثة التى لم تكن فى الحسبان ، ووقعت المصيبة وحصلت حادثة لذلك الشاب أو الطفل ، وأتى خبره إلى أبيه بأنه قد مات ، فإذا بالأب يولول ويندب على فقد ابنه وفلذة كبده ، الذى طالما قرت عينه برؤياه ، وطالما تطلع إليه وهو يكبر سنة بعد سنة ، وإذا به يسلمه بيده إلى أيادى المنون ، ويقدمه إلى الموت ، ثم يقع بعد ذلك فى حسرة تتقطع لها الأكباد ، وندم تتمزق له القلوب ، وعندها لا تنفع الحسرة ولا ينفع الندم.
ولكم أن تنظروا - عباد الله - إلى ما حولكم من البيوت والعائلات ، كم من الأبناء فقدوا آباءهم ، وكم من الآباء فقدوا أبناءهم ، وكم من النساء فقدن أزواجهن ، بإحصائيات عجيبة وخيالية فى العام الواحد ، كل ذلك مرجعه إلى عدم احترام السائقين لقواعد السير وضوابط القيادة ، فعن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» (9) ، وإنك لتعجب يا عبد الله ، عندما تسمع أغرب مما سمعت ، إذا لم يمت الشاب أو الطفل فى ذلك الحادث ، وخسر المركوب ، وربما قتل فى حادثه أنفساً عديدة ، يشترى له أبوه مركوبا أفضل من الذى خسره ، بحجة أنه “ حتى لا يصاب الفتى بعقدة نفسية ، مثل هؤلاء الآباء يجب عليهم أن يتقوا الله فى أولادهم ، أن يتقوا الله فى رعيتهم التى استرعاهم الله عليها ، أن يتقوا الله فى أموالهم التى يصرفونها فيما لا تحمد عقباه،وليعلموا أن الله سبحانه وتعالى سيحاسبهم على ذلك إذا لم يتوبوا إلى إليه ، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(10). بارك الله لى ولكم فى القرآن العظيم ، ونفعنى الله وإياكم بحديث خاتم الأنبياء والمرسلين ، أقول الذى تسمعون وأستغفر الله العظيم لى ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، لا نحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد أيها المسلمون عباد الله : أوصى نفسى وإياكم بتقوى الله عز وجل ، القائل فى كتابه الكريم : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (11) يظن بعض الناس أن مخالفة قواعد السير والمرور وقوانين قيادة المركبات ليس لها علاقة بمخالفة الشريعة أو أنها ليست معصية يترتب عليها الإثم والعقاب ، وهذا فى الحقيقة فهم خاطئ فقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (12) هو دلالة على اتباع القوانين التى وضعها أولوا الأمر بالخصوص ، لأن هذه القوانين فيها مصلحة الفرد والمجتمع ، وتوفر السلامة والأمن والأمان لسالكى الطريق ، فمخالفة هذه القواعد والقوانين ، هى مخالفة لكتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،ففى الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوس فِي الطُّرُقَات قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه ، مَا لَنَا بُدّ مِنْ مَجَالِسنَا نَتَحَدَّث فِيهَا . قَالَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّرِيق حَقّه قَالُوا : وَمَا حَقّه ؟ قَالَ : غَضّ الْبَصَر ، وَكَفّ الْأَذَى ، وَرَدّ السَّلَام ، وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر» (13) فإذا امتثل المسلم لأمر النبئ صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث بكف الأذى عن الناس ، فمن باب أولى ألا يؤذى نفسه فضلا عن الآخرين من تعريضها للموت ،ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « مَنْ قَتَلَ نَفْسه بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَده يَتَوَجَّأ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَار جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسه فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّم خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا » (14) ، فاتقوا الله عباد الله ، اتقوا الله عند قيادتكم للسيارات ولا تجعلوا مقود السيارة فى يد الشيطان ،ولا تعللوا انحرافاتكم وأخطاءكم بالقضاء والقدر ، وتمثلوا دائما قول الله تعالى : وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (15) وما جاء فى الصحيحين عن جندب بن عبدالله رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن رجل قتل نفسه : « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » (16) فاتقوا الله عباد الله ، ولا تأمنوا فى هذه الدنيا ؛ فإن متاعها قليل ، وإنه مهما طال فيها عمر الإنسان فلا بد له من ملاقاة الرحمن ، حاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم جبار السماوات والأرض ، وتوبوا إليه دائما واسألوه العفو والغفران ، ثم اعلموا عباد الله أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .
عباد الله : اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه وفضله يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
تخريج الآيات والأحاديث

(1) سورة الحج ،الآيتان: 1 . 2 .
(2) سورة الإسراء ، الآية : 70 .
(3) سورة التين ، الآية : 4 .
(4) سورة الإسراء ، الآية : 70 .
(5) سورة النحل ، الآية : 8 .
(6) سورة النساء ، الآية : 93 .
(7) صحيح البخارى، باب الوصايا، برقم ( 2766) ، وصحيح مسلم، باب
الكبائر برقم (89) .
(8) سورة النساء ، الآية : 29 .
(9) سنن ابن ماجه (2619) باب التغليظ فى قتل المؤمن ظلما.
(10) سورة التحريم ، الآية : 6
(11) سورة الطلاق ، الآية : 5
(12) سورة النساء ، الآية : 59
(13) صحيح البخارى : كتاب المظالم والغصب (2465) من حديث أبى
سعيد الخدرى رضى الله عنه .
(14) صحيح البخارى كتاب الطب (5778)، صحيح مسلم كتاب الإيمان
(109) .
(15) سورة النساء الآية : 29
(16) أخرجه البخارى فى أحاديث الأنبياء (3463)، ومسلم فى الإيمان
(113) عن جندب بن عبدالله البجلى رضى الله عنه .
المشاهدات 1344 | التعليقات 1

إطلالة جميلة وخطوة مباركة شيخ المختار زادك الله من فضله ونفع بك كما نرجو مزيدا من الحضور والتواجد.