عند الصباح يحمد القوم السُّرى

د عبدالعزيز التويجري
1442/01/26 - 2020/09/14 20:47PM

الشيخ: عبدالعزيز بن حمود التويجري

المملكة العربية السعودية/ بريدة- حي الصباخ/ جامع إبراهيم الخليل -عليه السلام- 

1441/12/24هـ

الخطبة الأولى:

الحمدلله الولي الحميد يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد ، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد و أشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله وأصحابه و أزواجه و من تبعهم بإحسان على يوم الدين .. أما بعد ..

إذا أنْتَ لمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التّقَى   ***     وَلاقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَن قد تزَوّدَا

نَدِمْتَ على أنْ لا تَكُونَ كمِثْلِهِ     ***       وأنكَ لمْ ترصدْ لما كانَ أرصدا

الدنيا مراحل ، والإنسان فيها يمضي بعمره يتخطى تلك المراحلُ مرحلةً مرحلة .. الطفولة ، ثم الشباب ، ثم الكهولة ، ثم الشيخوخة يقول تعالى:﴿اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُم مِن ضَعفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ ضَعفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ قُوَّةٍ ضَعفًا وَشَيبَةً يَخلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ العَليمُ القَديرُ﴾ 

وكل يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها ..

كل يسعى ، والكل يلهث وينصب ، فمن الناس ما تزيده الأعوام إلا رفعة في إيمانه ، وثباتًا في دينة ، ورقيًّا في خلقه ، وشموخًا في همته ، ومنهم من يضيع نفائس عمره وجوهرة شبابه خلف شهوات النفس ، وأماني الأحلام ، يسبح في غير ماء، ويطير من غير جناح ، يعيش سبات التيه .. فما تزيده الأعوام إلا تذبذبا في المنهج ، وضعفا في الإيمان .. فتزل القدم عند أول عاصفة ، وتتعثر الخطى عند أول فتنة ، ويحتار العقل عند أي شبهه ، فلا  يقين يثبته ، ولا علم يهديه .

أحداث ومستجدات .. تزل معها الأقدام ، وتجعل من الحليم حيران ، يحتاج معها الفطن تعاهد الإيمان ، والاستزادة من الباقيات الصالحات، وتحصيل العلم النافع  .

قَالَ عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه ُ: «تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا» وقَالَ البخاري « وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r فِي كِبَرِ سِنِّهِمْ»

فيا ضيعة الأعمارِ تمضي سبهللا .. تضييع نفائس العمر في غير منفعة ، ولا ترَقٍّ في علم أو أدب .

أخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال: «إِنِّي لَأَمْقُتُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا لَا فِي عَمِلِ دُنْيَا، وَلَا آخِرَةٍ».

أَيْ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِذَهَابِ عمره. يروح ويجي، بلا طائل ولا نتيجة، لا هدف ولا غاية .

وفي ترجمة ابن وهب: لا يكون البطال من الحكماء.

 وما أقبح التفريطَ في زمن الصبا  ... فكيف به والشيب للرأس شاعل 

  ترحّل من الدنيا بزاد من التقى  ...  فعمرك أيام وهن قلائل

لن يدرك البطال منازل الأبطال ، وعند تقلب الأحوال تُعرف جواهر الرجال.

ولا تطلب السلعة الغالية بالثمن التافه ، والمجدُ لا يشرى بقولٍ كاذبِ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا }

عند الصباح يحمد القوم السرى      وتنجلي عنهم غيابات الكرى

أين تعب عالمٌ دَرس العلم ثلاثين سنة؟!   ذهب التعب وحصل العلم.

وأين لذة البطالةِ خمسين سنة؟!   ذهبت الراحة وبقي الندم.

سَوف يدرى الجهول عِنْد انقضا الْعُمر سدى كَيفَ ضَاعَ مِنْهُ فيندم  

مضت سنون و أعوام فماذا أضفت في هذه الدنيا؟، ماذا فعلت فيها؟ ماذا قدمت؟

السير بلا هدف إهدار للحياة ، وإذا لم تكن تعرف أين تتجه لن تصل ، والذي لا توجد عنده أهداف يسعى إليها؛ يعيش عيشة عشوائية ، وقيمة كل امرئ ما يحسنه ، وقيمة كل امرئ ما يطلب.

فمن هجر اللذات نال المنى       ومن أكب على اللذات عض على اليد

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

هذا خبر يقين، وعلم يقين بل عين اليقين: أنه لابد لكل من عمل صالحاً مؤمناً أنه يحييه الله حياة طيبة، بحسب إيمانه وعمله: {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}  

 و استغفروا ربكم وتوبوا إليه إن ربكم لغفور شكور ..

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد.

المسلم لا يقنع حتى يبلغ من أعماله غايتها وأعلاها: فإن كان طالباً لم يقنع إلا بالتفوق ، وإن كان أباً لم يقصر في أن يبلغ أبنائه وبناته ، أن يكونوا قدوات في الخير،{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}، كان عليه الصلاة والسلام يربي الأمة طلب المعالي (إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة )) أخرجه البخاري .

المسلم لو كان صانعاً لا يرضى بمنزلة دون الإتقان ، فلا قيمة لمن اتكل على غيره ، ونظر إلى الأسفل على الدوام لا يستشرف علواً ، ولا يتطلع إلى ما يسمو ويرتفع ، الذي لا يرجو رقياً سينزل .

إذا كنتَ لا تُرْجَى لدفعِ مُلِمَّةٍ ... ولا كان للمعروفِ عندكَ مطمعُ 

ولا كنتَ ذا جاهٍ يعاش بجاهِه ... ولا أنت يومَ الحشْرِ فِيمنْ يَشْفَعُ

فعَيْشُكَ في الدُنيا وموتُكَ واحِدٌ ... وعُوْدُ خِلالٍ عَن وِصَالِكَ أنْفَعُ

مما ينشّط النفس التأمل في أحوال من انتهت حياتهم دون أن يكون لهم تأثير يذكر

والعاقل الحصيف الذي يتأمل بنظرٍ حكيمٍ ويشعر بأنه لا بد أن يجعل له مشروعاً طموحاً يقوده إلى خير الدنيا وينفعه في الآخرة ..

..  اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ... 

المرفقات

عند-الصباح-يحمد-القوم-السرى

عند-الصباح-يحمد-القوم-السرى

المشاهدات 1311 | التعليقات 0