عندما يصير الحق أمنية ! يحيى البوليني
احمد ابوبكر
1435/03/28 - 2014/01/29 05:03AM
ما أقسى أن يتلاشى الحق المكفول شرعا أو عرفا للإنسان فيصبح حصول صاحبه عليه أحد أحلامه أو ربما حلمه الكبير الذي يمني نفسه كل يوم وليلة بنواله , فالحق الذي يفترض أن يناله الإنسان دون جهد منه أو عناء في طلبه قد يضحي يوما حلما مستحيل التحقق والحدوث , وتصبح المطالبة به من الجرائم , بل ربما يعاقب كل من يتجرأ بمحاولة رفع صوته لتذكير مغتصب حقه أو جاحده به .
وما أظلم الإنسان لنفسه حينما يتصور أن حقوق العباد ملك خالص له , فلا حق لهم إلا ما يمنحه أو يقرره هو , وان ما يقولون عنه أنه حق لهم مرهون عنده بإذعانهم له والإقرار بالسلطة المطلقة له في مصائرهم وحقوقهم , مع إقرارهم أيضا – في نفس وقت تجرعهم للذل والهوان على يده - بعدله وبحكمته بل وربما برحمته ومحبته الخالصة لهم وحرصه التام على رعاية مصالحهم .
فعلى المستوى الفردي الاجتماعي توجد نماذج كثيرة وحالات متعددة من هذا الظلم المركب , فيها يُظلم الإنسان ويُمنع عنه حقه ويجبر على استجداء حقه والمطالبة به تسولا , ويجبر أيضا على التسبيح بحمد ظالمه والتغني بعدله ورحمته .
يتمثل عندما يمنع وارث حق الورثة الآخرين – وهذا مُشاهد في كثير من مجتمعاتنا وخصوصا مع النساء - ويطمع في أن ينال منفردا كل الميراث ولا يعطي الباقين حقوقهم , ولا يصلهم إلا الفتات الذي لن ينالوه حتى يقروا جميعا بان الميراث ليس حقا لهم بل هو حق خالص له وحده , وأنهم جميعا طامعون في فيض كرمه بان يمنحهم القدر الذي يريد على أن يحمدوه في كل موطن وأن يحدثوا الجميع عن كرم خلقه وحسن تلطفه بهم , ومن يحاول أن يطالب بحقه كاملا معتبرا أنه حق واجب الأداء لن ينال شيئا بل ربما يحرم من هذا الفتات الذي مُنحه الآخرون .
وأيضا عندما يحيل رجل بيته إلى جحيم لا يطاق ويجعل منه سجنا لا يحتمل ولا يعطي لزوجته ولا لأبنائه ما أوجبه الله عليه من النفقة والرعاية ويتفرغ فقط لحياته الخارجية ويتركهم في لظى الحرمان يتقلبون , فلا يعطيهم ولا يمنحهم ما يعطيه من النزر القليل – ماديا أو معنويا - إلا بذل السؤال ومرارة الحاجة , لا يجرؤ أحد منهم على المطالبة بحقه بوصفه حق , ولكن يطالبون بما يتفضل عليهم به من فتات العطاء .
وعندما تحول امرأة حياة زوجها وأبنائها إلى جحيم بإهمالها حقوقهم أو بكثرة طلباتها وخلافاتها مع زوجها وأبنائها فلا تعطي الأمن والسكن لبيتها أو تسمح لآخرين التدخل في حياتها فتجعل بيتها مكشوفا مهتك العورات أمام أهلها وصديقاتها , فلا يكون نيل أحدهم حقه منها إلا بشق الأنفس , ولا تعطيه كاملا بصفته حق بل تفضلا منها وتكرما , وتعتبرهم جاحدين إن لم يشكروا صنيعها ويمجدوا فعلها .
والأمثلة الأخرى كثيرة للتعدي على حقوق الغير منها ما يتعامل به رب العمل مع موظفيه حينما يظن أن العقد بينهما ليس عقد عمل بل هو عقد من عقود الرق والعبودية , فلا يعطيهم حقوقهم المادية والمعنوية إلا إذا رغب في ذلك ولا يجرؤ احدهم على المطالبة بحقه , ومنها ما تتعامل به السيدة مع خادمتها فتعاملها كجارية أو كملك يمين , وتبالغ في إهانتها حتى تضطرها إلى أحد طريقين , إما الانتحار الحقيقي أو الانتحار بشكل آخر عدواني بالاعتداء أولا على أضعف حلقات البيت بقتل أو إصابة احد من أطفاله لتنال جزاءها قتلا بعد أن تكون قد روت غليلها من أصحاب البيت , وأيضا في علاقة الموظف بالمواطنين الذين يتعاملون معه في إنهاء معاملاتهم , فلا ينجزها لهم إلا وفق ما يريد في الوقت الذي يريد , ولابد عليهم أن يشكروا صنيعه بهم مهما كان .
وعلى المستوى العام نجد أمثلة شديدة القسوة في إهدار الحقوق والاعتداء عليها , ففيها ظلم اشد وقسوة اكبر وسلب حق قطاع أوسع , إذ أن الظلم فيها لا يقع على شخص واحد بل على عدة آلاف أو ملايين .
من ابسط حقوق الإنسان حقه في الحياة وحقه في الحياة الآمنة وحقه في صيانة عرضة وماله وممتلكاته , إذ يعتدي على هذه الحقوق في مواضع كثيرة في العالم , وبالأخص على المسلمين الذين أصبحوا نهبا لكل طامع .
فالمسلم البورمي لا يمتلك الحق في حياته فضلا عن الحق في صيانة مادون ذلك , فعرضه وماله وممتلكاته مستباحة مع دمه للبوذيين , فلا حساب ولا عقاب , بل يمكن القول بان المعتدي عليهم يجد مكافآت مادية أو معنوية من النظام البورمي والمجتمع البوذي هناك .
وفي سوريا مثال آخر يماثله في المرارة لسلب الحقوق الإنسانية من ملايين البشر لصالح فرد أو فئة , فاعتُدي على كل الحقوق الآدمية والإنسانية لهؤلاء البشر , بينما في تصورات من يظلمهم ويعتدي على حياتهم وينتهك كل حرماتهم بأنه يتفضل عليهم ويدافع عنهم , بل ويريدهم أن يمتدحوا فعله ويتسولوا منه حياتهم وابسط حقوقهم التي سلبهم إياها .
وفي هذه الأيام بعد أن استحر القتل بين أهل مصر وأصبح القاتل لا يعرف فيم قَتل ولا المقتول فيم قُتل , ولم يعد هناك حرمة للدم ولا حق محترم للأحياء في دفن موتاهم ولا حرمة للأموات في قبورهم , فكل الحقوق مهدرة .
والأمثلة أيضا كثيرة جدا على المستوى العالمي , حتى أصبح الحق الثابت في هذه الأيام أحد الأماني بعيدة التحقق أو أحد الأوهام التي لا يتوقع الإنسان تحقيقها .
إن العالم كله يمضى نحو هلاكه ليدمر نفسه بنفسه بهذه الأخلاقيات التي يمارسها والتي لم تحوله فقط إلى غابة , فالغابة لها قوانينها المرعية والتي لا يخالفها ساكنوها , والوحوش والكواسر تمتلك من المشاعر والنظم ما يفوق هؤلاء , فتحول العالم إلى أتون حرب فاجرة مستعرة ومستمرة لا يُبقي فيها قوي على ضعيف , بل يمتص كل ما يملك ثم يقتله بلا وازع ولا ضمير .
ما أحوج العالم لثورة أخلاقية تعيد للإنسان حقه الأول والأساسي في أن يحيا فقط على وجه الأرض لا أن يحيا حياة كريمة فهذا حلم لا يزال بعيد المنال .
وما أحوج كثير من المسلمين إلى مراجعة التزامهم بأحكام دينهم التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم والتي وضحها في بداية بعثته حين قال " إنما بعثت لأتمم مكارم - وفي رواية صالح - الأخلاق" [1] .
[1] رواه البخاري في " الأدب المفرد " رقم ( 273 ) وصححه الألباني في الصحيحة 1 / 75
وما أظلم الإنسان لنفسه حينما يتصور أن حقوق العباد ملك خالص له , فلا حق لهم إلا ما يمنحه أو يقرره هو , وان ما يقولون عنه أنه حق لهم مرهون عنده بإذعانهم له والإقرار بالسلطة المطلقة له في مصائرهم وحقوقهم , مع إقرارهم أيضا – في نفس وقت تجرعهم للذل والهوان على يده - بعدله وبحكمته بل وربما برحمته ومحبته الخالصة لهم وحرصه التام على رعاية مصالحهم .
فعلى المستوى الفردي الاجتماعي توجد نماذج كثيرة وحالات متعددة من هذا الظلم المركب , فيها يُظلم الإنسان ويُمنع عنه حقه ويجبر على استجداء حقه والمطالبة به تسولا , ويجبر أيضا على التسبيح بحمد ظالمه والتغني بعدله ورحمته .
يتمثل عندما يمنع وارث حق الورثة الآخرين – وهذا مُشاهد في كثير من مجتمعاتنا وخصوصا مع النساء - ويطمع في أن ينال منفردا كل الميراث ولا يعطي الباقين حقوقهم , ولا يصلهم إلا الفتات الذي لن ينالوه حتى يقروا جميعا بان الميراث ليس حقا لهم بل هو حق خالص له وحده , وأنهم جميعا طامعون في فيض كرمه بان يمنحهم القدر الذي يريد على أن يحمدوه في كل موطن وأن يحدثوا الجميع عن كرم خلقه وحسن تلطفه بهم , ومن يحاول أن يطالب بحقه كاملا معتبرا أنه حق واجب الأداء لن ينال شيئا بل ربما يحرم من هذا الفتات الذي مُنحه الآخرون .
وأيضا عندما يحيل رجل بيته إلى جحيم لا يطاق ويجعل منه سجنا لا يحتمل ولا يعطي لزوجته ولا لأبنائه ما أوجبه الله عليه من النفقة والرعاية ويتفرغ فقط لحياته الخارجية ويتركهم في لظى الحرمان يتقلبون , فلا يعطيهم ولا يمنحهم ما يعطيه من النزر القليل – ماديا أو معنويا - إلا بذل السؤال ومرارة الحاجة , لا يجرؤ أحد منهم على المطالبة بحقه بوصفه حق , ولكن يطالبون بما يتفضل عليهم به من فتات العطاء .
وعندما تحول امرأة حياة زوجها وأبنائها إلى جحيم بإهمالها حقوقهم أو بكثرة طلباتها وخلافاتها مع زوجها وأبنائها فلا تعطي الأمن والسكن لبيتها أو تسمح لآخرين التدخل في حياتها فتجعل بيتها مكشوفا مهتك العورات أمام أهلها وصديقاتها , فلا يكون نيل أحدهم حقه منها إلا بشق الأنفس , ولا تعطيه كاملا بصفته حق بل تفضلا منها وتكرما , وتعتبرهم جاحدين إن لم يشكروا صنيعها ويمجدوا فعلها .
والأمثلة الأخرى كثيرة للتعدي على حقوق الغير منها ما يتعامل به رب العمل مع موظفيه حينما يظن أن العقد بينهما ليس عقد عمل بل هو عقد من عقود الرق والعبودية , فلا يعطيهم حقوقهم المادية والمعنوية إلا إذا رغب في ذلك ولا يجرؤ احدهم على المطالبة بحقه , ومنها ما تتعامل به السيدة مع خادمتها فتعاملها كجارية أو كملك يمين , وتبالغ في إهانتها حتى تضطرها إلى أحد طريقين , إما الانتحار الحقيقي أو الانتحار بشكل آخر عدواني بالاعتداء أولا على أضعف حلقات البيت بقتل أو إصابة احد من أطفاله لتنال جزاءها قتلا بعد أن تكون قد روت غليلها من أصحاب البيت , وأيضا في علاقة الموظف بالمواطنين الذين يتعاملون معه في إنهاء معاملاتهم , فلا ينجزها لهم إلا وفق ما يريد في الوقت الذي يريد , ولابد عليهم أن يشكروا صنيعه بهم مهما كان .
وعلى المستوى العام نجد أمثلة شديدة القسوة في إهدار الحقوق والاعتداء عليها , ففيها ظلم اشد وقسوة اكبر وسلب حق قطاع أوسع , إذ أن الظلم فيها لا يقع على شخص واحد بل على عدة آلاف أو ملايين .
من ابسط حقوق الإنسان حقه في الحياة وحقه في الحياة الآمنة وحقه في صيانة عرضة وماله وممتلكاته , إذ يعتدي على هذه الحقوق في مواضع كثيرة في العالم , وبالأخص على المسلمين الذين أصبحوا نهبا لكل طامع .
فالمسلم البورمي لا يمتلك الحق في حياته فضلا عن الحق في صيانة مادون ذلك , فعرضه وماله وممتلكاته مستباحة مع دمه للبوذيين , فلا حساب ولا عقاب , بل يمكن القول بان المعتدي عليهم يجد مكافآت مادية أو معنوية من النظام البورمي والمجتمع البوذي هناك .
وفي سوريا مثال آخر يماثله في المرارة لسلب الحقوق الإنسانية من ملايين البشر لصالح فرد أو فئة , فاعتُدي على كل الحقوق الآدمية والإنسانية لهؤلاء البشر , بينما في تصورات من يظلمهم ويعتدي على حياتهم وينتهك كل حرماتهم بأنه يتفضل عليهم ويدافع عنهم , بل ويريدهم أن يمتدحوا فعله ويتسولوا منه حياتهم وابسط حقوقهم التي سلبهم إياها .
وفي هذه الأيام بعد أن استحر القتل بين أهل مصر وأصبح القاتل لا يعرف فيم قَتل ولا المقتول فيم قُتل , ولم يعد هناك حرمة للدم ولا حق محترم للأحياء في دفن موتاهم ولا حرمة للأموات في قبورهم , فكل الحقوق مهدرة .
والأمثلة أيضا كثيرة جدا على المستوى العالمي , حتى أصبح الحق الثابت في هذه الأيام أحد الأماني بعيدة التحقق أو أحد الأوهام التي لا يتوقع الإنسان تحقيقها .
إن العالم كله يمضى نحو هلاكه ليدمر نفسه بنفسه بهذه الأخلاقيات التي يمارسها والتي لم تحوله فقط إلى غابة , فالغابة لها قوانينها المرعية والتي لا يخالفها ساكنوها , والوحوش والكواسر تمتلك من المشاعر والنظم ما يفوق هؤلاء , فتحول العالم إلى أتون حرب فاجرة مستعرة ومستمرة لا يُبقي فيها قوي على ضعيف , بل يمتص كل ما يملك ثم يقتله بلا وازع ولا ضمير .
ما أحوج العالم لثورة أخلاقية تعيد للإنسان حقه الأول والأساسي في أن يحيا فقط على وجه الأرض لا أن يحيا حياة كريمة فهذا حلم لا يزال بعيد المنال .
وما أحوج كثير من المسلمين إلى مراجعة التزامهم بأحكام دينهم التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم والتي وضحها في بداية بعثته حين قال " إنما بعثت لأتمم مكارم - وفي رواية صالح - الأخلاق" [1] .
[1] رواه البخاري في " الأدب المفرد " رقم ( 273 ) وصححه الألباني في الصحيحة 1 / 75