عناية الإسلام بكبار السن
إبراهيم بن سلطان العريفان
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوة الإيمان والعقيدة ... دخل ﷺ مكة فاتحًا منتصرًا، وإذا بأبي بكر t آخذا بيد أبيه أبي قحافة، ذلك الشيخ الكبير، يسوقه إلى النبي ﷺ، فلما رآه ﷺ قال: "أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ»، فقال أبو بكر: يا رسول الله: هو أحق أن يأتيك.
أيها المؤمنون .. من المكارم العظيمة، والفضائل الجسيمة التي كفلها الإسلام ودعا وأكد عليها: مراعاة قدر كبار السن، ومعرفة حقهم، وحفظ واجبهم، والتأدب معهم، ومعرفة ما لهم من حقوق وواجبات.
وإن من حقوق الكبير في الإسلام أن يحسن معاملاته، بحسن الخطاب، وجميل الإكرام، وطيب الكلام، وسديد المقال، والتودد إليه؛ فإن إكرام الكبير وإحسان خطابه هو في الأصل إجلال لله عز وجل؛ قال ﷺ: "إنَّ من إجلالِ اللَّهِ إِكْرامَ ذي الشَّيبةِ المسلِمِ ، وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيهِ والجافي عنهُ ، وإِكْرامَ ذي السُّلطانِ المقسِطِ".
أيها الإخوة .. إن مراحل حياة الإنسان إنما هي قوة بين ضعفين؛ وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك فقال تعالى ]اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ[.
وعن أنس بن مالك t قال: جاء شيخ يريد النبي ﷺ، فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال ﷺ: "ليسَ منَّا من لَم يَرحَمْ صغيرَنا ، و يعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا".
كبار السن الصالحون هم خير الناس؛ قال أعرابيٌّ: يا رسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ خيرٌ ؟ قالَ: "مَن طالَ عمرُهُ، وحَسنَ عملُهُ" قالَ: فأيُّ النَّاسِ شرٌّ؟ قالَ: "مَن طالَ عمرُهُ، وساءَ عملُهُ".
وعن أبي هريرة t: أن رسول الله ﷺ قال: " خِيارُكم أطوَلكم أعمارًا، وأحسَنُكم أخْلاقًا".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن الرسول ﷺ أنه قال: "البرَكةُ مع أكابِرِكم".
عباد الله .. من مكارم الإسلام وفضائله العظيمة حرصه على كبار السن، وأمره برعايتهم، والقيام بحقوقهم، لتتحقق الثمرة المرجوة وهي نزول الرحمة، ونيل رضا الله جل وعلا، وحلول الخير والبركة، قال ﷺ: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ".
وقال ﷺ: "ابْغُونِي ضعفاءَكم؛ فإنَّما تُرزقونَ وتُنصرونَ بضعفائِكم".
ومن حقوق كبار السن البدء بالكلام، فهو أحق بالإكرام، فقد جاء أخوان إلى النبي ﷺ، فأراد الأصغر أن يتكلم، فقال النبي ﷺ: "كَبِّرِ الكُبْرَ".
من حقوق المسلم على أخيه - وكبار السن من المسنين بها أولى وأجدر؛ لضعفهم -: الحرص على قضاء حوائجهم، وكشف كرباتهم، وستر عوراتهم، ورعايتهم، قال ﷺ: "مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ"
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين .. إن هذا الحق يعظم ويكبر من جهة ما يتناوله؛ فإذا كان قريبًا فله حق القرابة مع حق كبر السن، وإذا كان جارًا فإضافة إلى حقه في كبر سنه فله حق الجوار، وإذا كان مسلما فله مع حق كبر السن حق الإسلام، بل إذا كان المسن غير مسلم فله حق كبر السن.
وإن من أعظم من يجب علينا إكرامهم والإحسان إليهم هم الوالدان لاسيما عند الكِبَر قال تعالى ]وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[.
والله إن من المؤسف أن بعض الناس يزور والديه أو أقاربه من كبار السن أو غيرهم، ثم بعد السلام يخرج جواله ثم يقلبه فيه بصره يتنقل بين الرسائل والمقاطع واحدا بعد الآخر ويتركهم ينظرون إليه بحسرة وأسف.. وهم أشد ما يكونون حاجة إلى من يواسيهم ويؤنسهم، فهم يعيشون زمانا غير زمانهم، فإنهم فقدوا آباءهم وأمهاتهم، وإخوانهم وأخواتهم، وكثيرا من أصحابهم وأقرانهم، فقلوبهم مكلومة، يوارون دموعهم وراء ابتسامتهم، فارحموهم فإنما يرحم الله من عباده الرحماء، واحذروا من كلمة تزعجهم أو إشارة تكدرهم، فقد لاقوا من متاعب الحياة ونكدها ما يكفيهم، وعما قريب ستكونون مثلهم، وكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل.
المرفقات
1728593073_عناية الإسلام بكبار السن.pdf
1728593081_عناية الإسلام بكبار السن.docx