عِنَايَةُ الإِسْلامِ بِالمَرْأَةِ.

أ.د عبدالله الطيار
1447/06/22 - 2025/12/13 09:41AM

 

الْحَمْدُ للهِ الْكَرِيمِ الوَهَّابِ، الرَّحِيمِ التَّوّابِ (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شّدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) غافر: [3] وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الأنفال: [29].
أيُّهَا المؤمنونَ: لقدْ جَاءَ الإِسْلامُ فِي أَوْسَاطٍ جَاهِلِيَّةٍ، وَمُجْتَمَعَاتٍ طَائِفِيَّةٍ، تَزْدَرِي المَرْأَةَ، وَتَحُطُّ مِنْ قَدْرِهَا، كَمَا سَادَ في الدِّيَانَاتِ الوَضْعِيَّةِ الْبَائِدَةِ، بَلْ كَانَتْ الإِنَاثُ مَدْعَاةً لِلْخِزْيِ وَالشُّؤْمِ، وَالْبُؤْسِ وَالْحُزْنِ، قَالَ تَعَالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) النحل: [58-59].

عِبَادَ اللهِ: وَجَاءَتْ شَرِيعَةُ الإِسْلامِ لِتَجْتَثَّ هَذِهِ الْعَادَات المَقِيتَةَ، وَتَئِدَ تِلْكَ الْجَاهِلِيَّةِ الْبَغِيضَةَ، وَتُعِيدَ لِلْمَرْأَةِ قَدْرَهَا، وَتَعْرِفَ لَهَا حَقَّهَا، وَتَرْفَعَ عَنْهَا مَا أَلَمَّ بِهَا مِنْ ظُلْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَجَورِ الْعُنْصُرِيَّةِ فجَعَلَتْ المرْأَةَ قَرِينَةُ الرَّجُلِ في التَّكْلِيفِ والتَّشْرِيفِ وَشَقِيقَتهُ في الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ، قَالَ ﷺ: (إنَّما النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ) أخرجه أبو داود (263) وصححه الألباني.
عِبَادَ اللهِ: وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ إِكْرَامَ المَرْأَةِ، وَمَعْرِفَةَ حَقّهَا، ذُرْوَةَ الأَخْلاقِ، وَرَأْسَ الْفَضَائِلِ، قَالَ ﷺ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني.
أَيُّهَا المؤْمِنُونَ: وَالمرْأَةُ في الإِسْلامِ جَوْهَرَةٌ مَصُونَةٌ، وَدُرَّةٌ مَكْنُونَةٌ، مُحَاطَةٌ بِجُمْلَةٍ مِنَ التَّشْرِيعَاتِ الَّتِي تَحْفَظ عَلَيْهَا حَيَاءَهَا، وَتَضْمَنُ سَلامَتهَا، وتُحَقِّق ذَاتَهَا، وَلا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ من أَنَّ اللهَ خَصَّهَا فِي كِتَابِهِ بِسُورَةٍ مُطَوَّلَةٍ، وَهِيَ سورة النِّسَاءُ، وَسُورَةٍ مُفَصَّلَةِ هِيَ سورة الطَّلاقُ.

عِبَادَ اللهِ: وَقَدْ أَكْرَمَ الإِسْلامُ المَرْأَةَ أُمًّا، وَزَوْجَةً، وَأُخْتًا، وَبِنْتًا، فَجَعَلَ بِرّهَا سَبِيلًا لِلْجَنَّةِ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ، قالَ ويحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ؟ قال نعَم. قالَ ﷺ: (ويحَكَ الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ) أخرجه ابن ماجه (2259) وصححه الألباني.

عِبَادَ اللهِ: وَجَعَلَ الإِسْلامُ حُسْنَ مُعَاشَرَةِ المَرْأَةِ دَلِيلُ الإِيمَانِ، قَالَ تَعَالَى: (وعاشروهن بالمعروف) وقَالَ ﷺ (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) بَلْ قَدْ جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا مِنَ الْحُقُوقِ عَلَى زَوْجِهَا، كَالَّتِي لَهُ عَلَيْهَا: قَالَ تَعَالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة : [228].

أَيُّهَا المؤْمِنُونَ: وَقَدْ أَكْرَمَ الإِسْلامُ المرْأَةَ أخْتًا وَبِنْتًا، قَالَ ﷺ: (لَيْسَ أحدٌ مِنْ أُمَّتِي يَعُولُ ثَلاثَ بَناتٍ، أوْ ثَلاثَ أخَواتٍ، فيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلا كُنَّ لهُ سِترًا مِنَ النَّارِ» أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (11023) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5372)، وقَالَ ﷺ: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ) أخرجه مسلم (2631).

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ عِنَايَةِ الإِسْلامِ بِالمَرْأَةِ أَنْ أَبَاحَ لَهَا الاكْتِسَابَ وَالتَّمَلُّكَ، قَالَ تَعَالَى: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ) النساء: [32] وجعلَ لَهَا الْحَقَّ فِي قَبُولِ الْخَاطِبِ أَوْ رَفْضِهِ، قَالَ ﷺ: (لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتَأْذَنَ) أخرجه البخاري (5136) وَفَرَضَ لَهَا نَصِيبًا مَعْلُومًا فِي المِيرَاثِ، وحرّم منعها منه.

 أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) النساء: [7].  باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية: الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أمَّا بَعْدُ فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ واعلمُوا أنّ الإسلامَ قَدْ حرَّمَ ظُلْمَ المرْأَةِ، أَوْ هَضْم حَقّهَا، أَوْ عَضلها، قَالَ ﷺ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ) رواه أحمد (2/439) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1015) وَمِنْ ظُلْمِ المَرْأَةِ: اتِّهَامُهَا بِالْبَاطِلِ، أَو الْكَلام عَنْهَا بِسُوءٍ، فَهَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ، وَبُهْتَانٌ عَظِيمٌ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور: [23].

وَمِنْ ظُلْمِ المَرْأَةِ: الإِضْرَار بِهَا، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) الطلاق: [6]،

وَمِنْ ظُلْمِ المَرْأَةِ: التَّعَدِّي عَلَى رَاتِبِهَا، وَأَمْوَالِهَا، دُونَ إِذْنِهَا، قَالَ تَعَالَى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) النساء: [4]. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ نِسَاءَ المُسْلِمِينَ، وَفَتَيَاتِهِمْ، وَارْزُقْهُنّ الصَّلاحَ وَالْعَفَافَ، وَاهْدِهِنّ إِلى سَبِيلِ الرَّشَادِ اللَّهُمَّ أَعِزّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الموَحِّدِينَ. اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللهم وَفِّق وَلِيَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِما إِلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ احْمِ حُدُودَنَا، واحفظ رجال أمننا، اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ في الجناتِ واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا وجِيرَانَنَا ومشايخَنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ محمد كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ محمد كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.                الجمعة: 21 /6 /1447هـ

المشاهدات 39 | التعليقات 0