عمو لا تصورني ، ماني متحجبة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... ما زالت المآسي والفواجع في سوريا تأتينا بصورة حية نشاهدها بأعيينا ونسمعها بأذاننا. وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر لنا مقطع فيديو مؤثرًا لفتاة سورية يتم استخراجها من تحت الأنقاض .لقد شنَّت قوات النظام السوري قبل أيام غارة على حيّ جوبر في دمشق، وإن تعوَّد العالم على مشاهد الدمار في سوريا، فإن أحداً لن يخطر بباله أن تحت هذا البناء المتهدم بأكمله ستخرج فتاة حية.
استنجد والد الفتاة بشباب الحيّ الذين تجمّعوا بسرعة آملين أن لا يفقد الأب ابنته، وبدأت صعوبة استخراج الفتاة المدفونة تحت الركام في الوضوح أكثر، إذ إنهم يسمعون صوتها الضعيف والمكتوم دون أن يروها، ويحاولون تحديد مكانها حتى لا يصيبونها أثناء محاولة إزاحة الركام.
وبدأت عملية الإنقاذ التي استغرقت وقتاً، كان الجميع فيها على أعصابهم، خصوصاً تلك الفتاة التي كان قد أيقنت أنها ميتة لا محالة.
الأب انسحب من الحفرة والدموع في عينيه ليترك للشباب مجالاً للعمل، وأجاب الواقفين المتسائلين عما يحدث هنا. لقد حدث شيئًا غريبًا لم يكن بالحسبان، لقد لاحظت الفتاة أحد نشطاء الثورة وهو يقوم بتصوير المشهد، قالت ببراءة وعفوية: "عمو لا تصورني، ماني متحجبة" ، نادت الفتاة أثناء استخراجها من تحت الأنقاض قائلة: “يا عمو لا تصورني ماني متحجبة".
لا إله إلا الله ... لقد مزَّق الركام حجابها، فاستحت أن تخرج إلى الرجال كاشفة وجهها، لتمسك الفتاة بدينها وقيمها، رغم سقوطها تحت الأنقاض في ظروف صعبة.
تعجب الكثير من العالم أن يصدر من الفتاة مثل هذا الكلام وهي في تلك الظروف، ورأوا فيه رسالة إلى كل فتاة مسلمة.
فــــــي حيـــــن عــاهرات الشرف والأخلاق يتبرأن مـــن ثيابهن باسم المدنيــــة والانفتــــاح ، يأتيــــن عفــــائف الشــام ليعلمـــــــن العالم المنحط معنـــى المحافظة على الدين والقيم والأخلاق حتى في أحلك الظروف.
عباد الله ... سقط المبنى عليها، كادت أن تموت، لم تبالي بإنقاذ حياتها، لكن همها ألا تصور بلا حجاب، أي أخلاق هذه لم يفصلها عن الموت إلا قرار إلهي وهمها الأول حجابها". لله درك أيتها العفيفة الطاهرة
هنا العفّة و الطهارة و الشرف، هنا الستر والكرامة، بمثل هذه تفتخر الأمة لأنهن أميرات مجدنا.
(عمُّو) وينتعش الركام ويُورق *** والطهر في روح العفيفة يشرق
(عمُّو) ويختنق الغبار تأسُّفاً *** (عمُّو) ووجدان الشظايا يُشفق
صوت أثار من الركام شجونه *** فبكى وكاد من التأثر ينطق
تحت الركام تألقت نبراته *** نغماً بأشذاء المباديء يعبق
صوت ترقرق في المسامع لحنه *** والموت في وجه الفتاة يُحَدِّق
(عمُّو) تنادي والدموع غزيرة *** وحجابها تحت الركام ممزق
كفُّوا عن التصوير إني حرة *** بعفافها وحجابها تتعلق
لله درك يا ابنةَ الشام التي *** صارت مثالا للتعفُّف يُطْلَق
(عمُّو) وكم عمٍّ تذلّل للعدا *** ساءت مقاصده وساء المنطق
يا بنت شامِ العزِّ صوتُكِ لوحةٌ *** قلمُ الهدى في رسمها يتأنَّق
ناديتِ صادقةً فلبّى مُنقِذٌ *** والله يحمي العبدَ إذ ما يَصْدُق
لو أدرك الصاروخ منك حقيقة *** لارتدَّ يقتل مُطْلِقيهِ ويَحرِقُ
لا تيأسي يابنت شامِ إبائنا *** فالظلم يقتل أهله ويمزِّق
عباد الله ... تلك الفتاة لم تذهلها القذائف وحمم الطائرات عن حجابها وعفافها رغم أنها معذورة، واليوم كثير من بنات المسلمين تبحث عن ما يبرر تعريها وتبرجها، لكن تأتي تمتمة فتاة تحت الأنقاض فتقول (عمو لا تصورني، ماني متحجبة) من قلب طاهر لتوصل رسالة الحجاب إلى الأمة كلها.
يا الله! كم أرسلت هذه الفتاة الثابتة من رسائل لو اجتمعت كل وسائل الإعلام على صياغتها لعجزت عن التعبير بمثلها. أحبت الستر والعفاف فعاشت عليه، أما والله لو ماتت لماتت عليه، فإن من أحب شيئاً عاش عليه ومات عليه وبعث عليه. استشعرت أن حجابها كجلدها ، يؤلمها نزعه .
صرخ الحياء مجللا متحديا *** *** هاتوا حجابي أيها الإخوان
فقط بكلمات قليلة أصبحت الفتاة عظيمة
عندما تكون الجنة هي الغاية، وفي الرخاء يبلغ القلب درجة الإحسان، فلا تستغرب هذا الثبات وهذا الهم حتى في أشد اللحظات
هكذا درست في مدرسة العفة والطهر، فلا يفقه ذلك إلا من تربت على سورة مريم ويوسف عليهما السلام، ليهنك الفضل يا أرض الشام.
أصبحت كلماتها اليسيرة أبلغ موعظة سمعتها الأمة عن الحجاب. فبعد هذه الصرخة يجدر بالمتبرجات والكاشفات أن يستحين من أنفسهن.
شتان بين حجاب تتذكره البنت في ساعة الموت، وحجاب يطير وينزع وقت إقلاع الطائرة في السفر إلى الخارج .
يا فتاة الشام ... لقد أتعبتي النساء من بعدك ،فرغم رفع الحرج عنك ، إلا أنك أبيتي إلا أن تعطينا وتعطي نساءنا درساً لن ننساه
رأت الموت بعينيها لكنها قالت (عمو لا تصورني، ماني متحجبة) لتكون رسالة إلى كل امرأة تخلت عن حجابها لأجل وظيفة. رسالة لمن تفننت في تزيين عباءتها إظهارًا لمفاتنها.
سبحان الله شتان بين الاثنين، همم هبطت في الدنيا الدنية، وهمم ترنو إلى السماء العلية.. سبحانك ربى لهذه الهمم، لم تهتم بحياتها ولكنها اهتمت بحجابها. اللهم رحمتك وسترك بنا يا أرحم الراحمين، أسأل الله لي ولكم الثبات والصلاح.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله ليولكم لسائر المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... فقد لقيت المرأة المسلمة من التشريع الإسلامي عناية فائقة كفيلة بأن تصون عفتها، وتجعلها عزيزة الجانب، سامية المكان، وإن الشروط التي فرضت عليها في ملبسها وزينتها لم تكن إلا لسد ذريعة الفساد الذي ينتج عن التبرج بالزينة، وهذا ليس تقييداً لحريتها بل هو وقاية لها أن تسقط في درك المهانة، ووحل الابتذال، أو تكون مسرحاً لأعين الناظرين.
الحجاب طاعة لله عز وجل وطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أمر الله سبحانه النساء بالحجاب فقال تعالى ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( المرأة عورة ) يعني يجب سترها.
عباد الله .. لقد جعل الله تعالى التزام الحجاب عنوان العفة، فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ) لتسترهن بأنهن عفائف مصونات فلا يتعرض لهن الفساق بالأذى، وفي قوله سبحانه ( فَلَا يُؤْذَيْنَ ) إشارة إلى أن معرفة محاسن المرأة إيذاء لها ولذويها بالفتنة والشر.
عباد الله .. الحجاب طهارة، قال سبحانه وتعالى ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) فوصف الله الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات لأن العين إذا لم تر لم يشته القلب، ومن هنا كان القلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر لأن الحجاب يقطع أطماع مرضى القلوب ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) .
الحجاب ستر .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله حيي ستير، يحب الحياء والستر ) وقال ( أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله عز وجل عنها ستره ) والجزاء من جنس العمل.
الحجاب تقوى... قال تعالى ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ) .
الحجاب إيمان.. والله سبحانه وتعالى لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات، ولما دخل نسوة من بني تميم على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عليهن ثياب رقاق قالت : إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات، وإن كنتين غير مؤمنات فتمتعن به.
الحجاب حياء... قال صلى الله عليه وسلم ( إن لكل دين خلقاً، وإن خلق الإسلام الحياء.
الحجاب غيرة .. فالحجاب يتناسب مع الغيرة التي جُبل عليها الرجل السوي الذي يأنف أن تمتد النظرات الخائنة إلى زوجته وبناته، وكم من حرب نشبت في الجاهلية والإسلام غيرة على النساء وحمية لحرمتهن، قال علي رضي الله عنه: "بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج –أي الرجال الكفار من العجم – في الأسواق ألا تغارون؟ إنه لا خير فيمن لا يغار.
رسالة ربانية ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا ... )
وصلى الله على نبينا محمد ....
المشاهدات 2614 | التعليقات 1

جزاك الله خير الجزاء