عمود الإسلام (14) صلاة المغرب
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1439/05/13 - 2018/01/30 13:18PM
عمود الإسلام (14)
صلاة المغرب
16 / 5 / 1439هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ شَرَعَ الدِّينَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَعَلَّمَهُمْ مَا يُنْجِيهِمْ يَوْمَ الْمَعَادِ، فَمَنْ آمَنَ وَاتَّقَى نُجِّيَ وَفَازَ، وَمَنْ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ خَسِرَ وَخَابَ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ؛ رَبٌّ كَرِيمٌ رَحِيمٌ؛ يُثِيبُ الطَّائِعِينَ، وَيُمْهِلُ الْعَاصِينَ، وَيَفْرَحُ بِالتَّائِبِينَ، وَيَزِيدُ الْمُهْتَدِينَ ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: 17]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَكَانَ يَجِدُ فِيهَا رَاحَتَهُ وَلَذَّتَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا قُرَّةُ عَيْنِهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلَاةِ، وَخُذُوا بِأَيْدِي أَوْلَادِكُمْ إِلَيْهَا، وَعَوِّدُوا صِغَارَكُمْ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّهَا عَمُودُ الدِّينِ، وَصِلَةُ الْعَبْدِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَوَاتِ الْعُلَى، وَخَاطَبَ سُبْحَانَهُ بِهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي الْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14].
أَيُّهَا النَّاسُ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ النَّهَارِ؛ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ صَلَاةٌ يُخْتَمُ بِهَا النَّهَارُ وَيُسْتَقْبَلُ بِهَا اللَّيْلُ، فَيَذْكُرُ الْعَبْدُ فِيهَا رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سَاعَتِهَا الْمُبَارَكَةِ؛ فَيَخْتِمُ نَهَارَهُ بِطَاعَةٍ، وَيَبْدَأُ لَيْلَهُ بِطَاعَةٍ، وَالْمُؤْمِنُ حَيَاتُهُ كُلُّهَا طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالسُّنَّةُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ الْمُبَادَرَةُ بِهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا؛ وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ؛ لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، اخْتَارُوا تَعْجِيلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَكَرِهُوا تَأْخِيرَهَا».
وَأَمَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَعْجِيلِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَوْرَ دُخُولِ وَقْتِهَا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «صَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ مَعَ سُقُوطِ الشَّمْسِ، بَادِرُوا بِهَا طُلُوعَ النَّجْمِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.
وَقَدْ عَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْجِيلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مِنَ الْفِطْرَةِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى خَيْرِيَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، كَمَا أَنَّ تَأْخِيرَهَا حَتَّى تَظْهَرَ النُّجُومُ خِلَافُ الْفِطْرَةِ، وَيَسْلُبَ الْأُمَّةَ خَيْرِيَّتَهَا إِذَا تَوَاطَأَ النَّاسُ عَلَى تَأْخِيرِهَا؛ لِحَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ قَالَ: «قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ مِصْرَ غَازِيًا -وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أَمَّرَهُ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ- قَالَ: فَحُبِسَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ بِالْمَغْرِبِ، فَلَمَّا صَلَّى قَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُقْبَةُ، أَهَكَذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ؟ أَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ: لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ أَوْ عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ؟ قَالَ: فَقَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: شُغِلْتُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا بِي إِلَّا أَنْ يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّكَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ هَذَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَبَلَغَ مِنْ تَبْكِيرِهِمْ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْصَرِفُونَ مِنْهَا وَلَمْ يَكْتَمِلْ ظَلَامُ اللَّيْلِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالتَّبْكِيرُ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ أَذَانِهَا وَإِقَامَتِهَا، فَذَلِكَ سُنَّةٌ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ كَذَلِكَ، يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ شَيْءٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَكَأَنَّ الْمُرَادَ انْحِطَاطُ مَرْتَبَتِهَا عَنِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، لَكِنَّ سُنِّيَّتَهَا ثَابِتَةٌ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِفِعْلِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَآخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ غِيَابُ الشَّفَقِ؛ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «...وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ: وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَيُقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَا صَلَّيْتَ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ، وَذَكَرَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَكَوْا أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَهُمْ يَرَوْنَ مَوَاقِعَ نَبْلِهِمْ. وَلَوْ أَطَالَهَا لَحَلَّ الظَّلَامُ وَلَمْ يَرَوْا مَوَاقِعَ نَبْلِهِمْ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَنِ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ».
وَلَوْ أَطَالَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ كَامِلَةً، وَقَرَأَ فِيهَا بِالطُّورِ، وَبِالْمُرْسَلَاتِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ فِي مَرَضِهِ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ: بِالْمُرْسَلَاتِ، فَمَا صَلَّاهَا بَعْدُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ بِالصَّافَّاتِ فِي الْمَغْرِبِ، وَأَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا بِـ «حم الدُّخَانِ» وَأَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا بِـ «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» وَأَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا بِـ «التِّينِ وَالزَّيْتُونِ» وَأَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا بِـ «الْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَأَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا بِـ «الْمُرْسَلَاتِ» وَأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَهِيَ آثَارٌ صِحَاحٌ مَشْهُورَةٌ».
هَذَا؛ وَمِنَ التَّفْرِيطِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَنْ يَنَامَ عَنْهَا، وَلَا يَسْتَيْقِظَ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُوَظَّفِينَ؛ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَلَا يُفَرِّطُوا فِيهَا.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُفَقِّهَنَا فِي دِينِنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلِمْنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 43].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَهَا رَاتِبَةٌ بَعْدِيَّةٌ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ؛ لِحَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَاتِبَةَ الْمَغْرِبَ فِي بَيْتِهِ»، وَذَاتَ مَرَّةٍ صَلَّى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَغْرِبَ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَلَمَّا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ رَآهُمْ يُصَلُّونَ رَاتِبَتَهَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ، لِلسُّبْحَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ».
فَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ رَاتِبَةُ الْمَغْرِبِ فِي الْمَنْزِلِ إِلَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الرِّبَاطِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى الْعِشَاءِ لِدَرْسٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ صَلَاةٍ فَيُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ.
وَمِنَ السُّنَنِ الْمَهْجُورَةِ: الصَّلَاةُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَعُدُّهَا مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَدَلِيلُهَا مَا أَخْبَرَ بِهِ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَجِئْتُهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ خَرَجَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَنَقَلَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَكِبَارِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ بِالصَّلَاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ، فَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ، وَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ، فَجَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَادَ يَحْسِرُ ثِيَابَهُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ، يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ: هَؤُلَاءِ عِبَادِي قَضَوْا فَرِيضَةً، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ السُّنَّةِ مَتَى مَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ؛ بِأَنْ يُحْيِيَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَتْ أَشْغَالُهُ كَثِيرَةً فَلْيَأْتِ بِهَا وَلَوْ مَرَّةً فِي عُمْرِهِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «مَا كَتَبْتُ حَدِيثًا إِلَّا وَقَدْ عَمِلْتُ بِهِ» وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ إِذَا بَلَغَتْهُ سُنَّةٌ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَلَوْ مَرَّةً.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
الإسلام-14
الإسلام-14
الإسلام-14-مشكولة
الإسلام-14-مشكولة
المشاهدات 1864 | التعليقات 2
جزاك الله خيرا
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق