عمر رضي الله عنه

صالح عبد الرحمن
1443/02/13 - 2021/09/20 05:32AM

 

الخطبة الأولى :

 

الحمد لله وكفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إليه المرجع والمنتهى، وبيده الآخرة والأولى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)

وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى، وخليله المجتبى، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والوفاء، وعلى من تبعهم بإحسان واقتفى.

أما بعد:

 

 فاتقوا الله -أيها الناس- واثبتوا على دينكم وقانا الله وإياكم مضلات الفتن، وثبتنا على الإسلام والسنة، وجعلنا من أتباع نبيه، ومن المحبين لخلفائه، وجميع أصحابه.

 

 

ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنَّة، قوي الإيمان، ذو الفراسة والفطنة والذكاء، والهيبة والشجاعة والدهاء

كان مهيبًا في صدور الرجال، مجاهدًا في سبيل الله، مقيمًا لحدود الله، غير معوج، وأمات الفتن، وأحيا السنن، هو مفخرة قريش، والمطاع فيهم.

 منَّ الله عليه بالإسلام، فكان إسلامه فتحًا، وكانت هجرته نصرًا، وكان غضبه عزًا، وكان رضاه عدلًا، وكانت إمارته رحمة، أرادته الدنيا فلم يردها، بل كان لها مهينًا، وعنها معرضًا، فقه في دين الله، وأحب رسول الله، وأحبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

ما سلك طريقًا إلا ابتعد الشيطان، فسلك طريقًا آخر.

 

 

يطيب المجلس بذكره، والثناء عليه،ذلكم هو الإمام شيخ الإسلام، أمير المؤمنين: الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-.

 

 

نعم، عمر بن الخطاب الذي رأى له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قصرًا في الجنة، كما في صحيح البخاري، قال عليه الصلاة والسلام: "رأيتني دخلت الجنة فرأيت قصرًا بفنائه جارية، قال: فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا : لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخل فأنظر إليه، قال: فذكرت غيرتك، فبكى عمر" وقال: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أو عليك أغار؟".

عمر بن الخطاب الذي قال عنه الحبيب المصطفى، كما في الصحيح: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ، يَعْنِي اللَّبَنَ، حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرِّيِّ يَجْرِي فِي ظُفُرِي أَوْ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ"، فَقَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ: "الْعِلْمَ".

 

 

وقال فيه: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غير فجك".

 

 

وقال فيه صلى الله عليه وسلم: "لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر".

 

 

وقال: "إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه".

 

 

لقد أدرك عمر -رضي الله عنه- مصدر عزه، وأنه بالإسلام وبالإسلام وحده، فقال: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما طلبنا العزة بغيره أذلنا الله".

 

 

وحينما دخل في الإسلام وسمع الكفار بإسلام عمر، قالوا: لقد انتصف القوم منا.

 وقال ابن مسعود: "كنا أعزة منذ أسلم عمر".

سماه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الفاروق؛ أي: الذي يفرق بين الحق والباطل.

 


هو أوَّل خليفة دُعِي بأمير المؤمنين، وأوَّل من أرَّخ التاريخَ الهجري، وأوَّل مَن جمع القرآن في المصحف، وأوَّل مَن جمع النَّاس على إمام واحد في صلاةِ التراويح، وأوَّل من فتح الفتوح، ومصَّر الأمصار، واستقضى القضاة في البلدان، وأول من طاف بالليل يتفقَّد أحوالَ المسلمين، وحجَّ بأزواج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -في آخر حجَّةٍ حجَّها.

قال ابن مسعود: "لو أنَّ علم عمر وضع في كفَّة ميزان، ووضع علم أحياء الأرض في كفة، لرجح علم عمر بعلمه"

وَصَلَ عمر - رضي الله عنه - إلى المدينة، ورأى في المنام أنَّ ديكًا ينقره نقرتين أو ثلاثًا، فعبروا له الرُّؤيا، فقالوا: يقتلك رجل من العجم، فقام وخطب الناس، وقدَّم نفسه للمُحاسبة، وجِسْمَه للقصاص، ومالَه للمُصادرة، وأعلن في الناس: إنْ كان ضيع أحدًا أو ظلم أحدًا أو سفك دَمَ أحد، فهذا جسمي، فليقتص منه، فلما فعل ذلك، ارتجَّ المسجد بالبكاء، وأحسَّ المسلمون أنَّه يودعهم، ثُمَّ نزل من على المنبر، واستودع اللهَ الأُمَّة، وكانت هذه هي آخر جمعة يلتقي فيها أمير المؤمنين بأُمَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 


فبينما عمر يصلِّي بالناس صلاةَ الفجر، إذْ طعنه أبو لؤلؤةَ المجوسي، وطعن معه ثلاثةَ عشر رجلاً، فقال عمر: قتلني الكلبُ، وتناول عمر يدَ عبدالرحمن بن عوف، فقدَّمه ليتمَّ الصلاة، وأهلُ المسجد لا يدرون ما يَجرِي إلاَّ مَن كان خلفَ عمر، غيرَ أنَّهم فقدوا صوتَ عمر، وهم يقولون: سبحان الله! سبحان الله! فصلَّى بهم عبدالرحمن صلاةً خفيفة، فلمَّا انصرفوا، قال عمر: يا ابنَ عباس، انظر من قتَلني، فذهب ابنُ عباس، ثم عاد، فقال: قتلك غلامُ المغيرة، قال عمر: قاتله الله، لقد أمرتُ به معروفًا، الحمد لله الذي لم يجعل مِيتَتي بِيَد رجُلٍ يَدَّعي الإسلام، فاحتمل إلى بيته فانطلَقنا معه، وكأن الناس لم تصِبهم مُصيبة قبل يومئِذ، فقائل يقول: لا بأسَ، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميِّت، وقال لابنه عبدالله: انطلِق إلى عائشة أم المؤمنين، وقل: يستأذن عمرُ بن الخطاب أنْ يبقى مع صاحبيه، فسلَّم عبدالله بن عمر، واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السَّلام، ويستأذن أنْ يُدفَن مع صاحبيه، فقالت: "كنت أريده لنفسي، ولأوثرنَّه به اليوم على نفسي".

 

 

وكان عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - عندما يُذكر له عمر، يبكي حتَّى تبتلَّ الحصى من دُموعه، ثم يقول: إنَّ عمرَ كان حصنًا للإسلام يدخلون فيه، ولا يخرجون منه، فلما مات انثَلَم الحصنُ، فالناس يخرجون من الإسلام، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خير هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكر ثمَّ عمر))؛ البخاري، وقد كان السَّلف يُعلِّمون أولادهم حبَّ أبي بكر وعمر، كما   يعلمونهم السور من القرآن.       

اللهم ارض عن الفاروقِ عمرَ بنِ الخطاب,

واجمعنا به مع سائرِ أصحاب النبي ..

.     

 

الخطبة الثانية :

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، الرسول المصطفى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أولي الصدق والتقى، وعلى من تبعهم بإحسان واقتفى.

أما بعد:

 

فعليكم بتقوى الله، فإنه من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن أقرضه جازاه، ومن شكره زاده، فلتكن التقوى -أيها المسلم- عماد عملك، وجلاء قلبك، بهذه الكلمات كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يعظ أصحابه وأهله، هذا مع العمل بما أعطاه الله من العلم، فيقرأ القرآن، ويطبق ما فيه على نفسه ورعيته، ومن ذلك قول الله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ             

رحم الله الفاروقَ عمر, ورضي الله عنه وأرضاه, وجمعنا به في جنات النعيم.   

 

 

المشاهدات 576 | التعليقات 0