علي بن ابي طالب
أحمد عبدالله صالح
خـطبــــة جمعــــــة بعنـــــــــــوان
[ الـصحــابي علي بن ابي طالب ]
إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح
خــطيب مسجــــد بـــلال بـن ربــاح/
الجمـــهوريـه اليمنيـــه - محــافظـة إب .
ألقيــت في 18 ينايـر 2019م
المـوافـــق 12 جمـــادي الاولــى 1440هـ
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايهـــا الأحبــــاب الكــــــرام روّاد مـسجد بـــلال :
تحدثنا في الجمعة الماضيه عن موضوع الرجوله
وقلنا انّ الرجولة الحقه هي مواقف ومباديء وقيم ومُثل واخلاق ..
وقلنا يا كـــرام انّ الدنيا لم ترَ الرجولة في احلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في ذلكم الجيل الفريد وفي تلك النّماذج الكريمه التى صنعها الإسلام على يد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ..
رجالٌ من الطراز الممتاز الذين تفتّحت على ايديهم كنوزُ الارض وأبواب السماء .
ولأجـــل ذلــكم أردت اليوم ان أُذكّر نفسي وإياكم بأحد هذه النماذج المشرقه وأحد هؤلاء الرجال الابطال الذين رباهم الحبيب صلى الله عليه وسلم وتخرجوا من جامعته ..
نعـــــم احبتــــي الكـــــرام
حديثُ اليوم وفي نصف ســاعة تزيد او تنقص قليلاً عن علمٍ من اعلام الأمة ورجــلٌ من رجالها ونجــم من نجومهـا ، وفـارس من فرسـانها ، وأسد من اسودها الأبطال الميامـــين ..
إنّه احد الخُلفاء الراشدين، واحد السابقين الأوَّلين الى الاسلام ، واحدُ العشرة المبشرين بالجنَّة ، وأوَّل مَن أسلم من الصِّبيان ، وأول فدائي في الإسلام .
بشَّره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالشهادة في أكثرَ من مشهد .
أحبَّه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وتُوفِّي وهو
راضٍ عنه ، و جعله بمثابة هارون من موسى ..
- كان رضي الله عنه غزيرَ العلم، زاهدًا ، ورعًا شجاعًا، مِقدام ، شهد بدرًا، وأُحدًا، والخندق، وبيعة الرِّضوان، وجميعَ المشاهد مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلاَّ تبوك؛ فإنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خلَّفه على أهله ..
- تولَّى الخلافة عام ٣٥٠ للهجره بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وحكم خمس سنوات .
- واجهَ الخوارج وأدبهم ، وواجه المتمردين وطاردهم ، وواجه البغاة وشتتهم ، فحياته كلُّها مواجهه حتى لقب ب( رجــل المــواجـــهه ) !!
فمن هو رجــــــلُ المــــــواجـهه ؟؟!!
انّه البطل المجاهد ، والإمام الفقيه ، والحكيم الزاهد ، والتقي النقي ، صهرُ رسول الله وابن عمه
{ عليُ بن ابي طالب رضي الله عنه وارضاه }
من هو علي ؟! وكيف اعرّف علي ؟!
هل تريدون أن اعرّف لكم علي بن ابي طالب !!
بأيِّ لسان اتكلم من هنا عن ابي الحسن .!
إنّني أعلن من هنا انّي عاجزٌ عن الوفاء بحقه
لكن يكفينا وفاءً أنّ قلوبنا تحبه وتفرح لذكره ودراسة سيرته .!
أسلم رضي الله عنه وارضاه وعمره عشرُ سنوات فكان أوّلُ غلامٍ في الارض أعلن لا اله الا الله محمد رسول الله .
وفي هذا درسٌ جدير بالإشارة إليه ، درسٌ للشباب والغلمان والناشئة .!
درسٌ لمن يؤخر إلتزامه ، ويؤخر تمسكه بكتاب ربه وسنه رسوله ، ويؤخر العمل الجاد لهذا الدين بحجة صغر سنه ..
هاهو علي رضي الله عنه اول غلام أعلن في الوجود لا اله الا الله محمد رسول الله في عمر عشر سنوات .
اول غلام اسلم قبل ان يصبح عدد الغلمان والشباب اليوم ممن ساروا ومضوا في خطى
علي بن ابي طالب فوق الملايين من شباب الصحوة وشباب الدعوه والعقيده ..
فهو قائدهم غداً ، وهو من يقود كتيبة الشباب
يوم تتعدّد الطوابير ، وتتقسّم الصفوف فيكون هناك طابور للظلمه ، وطابور لآكلي مال اليتيم وطابور لآكلي الربا ، وطابور للمنافقين ، وطابور للقتله ، وطابور اخر متميز ومشرق لشابٍ نشأ في رضوان الله وطاعة الله ..
ولــذلكـــم
أسلم علي بين يديّ رسول الله وعندما اسلم ضمّه رسول الله الى حنانه ، ضمّه الى قلبه ، ضمّه الى بيته ، واعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم كل مايملك ، أعطاه الحب ، أعطاه الحنان ، أعطاه العلم والهدايه ..
ولاّه المبارزة أمام الابطال ، مجّده بالكلمات ، ذبَّ عنه وعن عرضه ، وقف معه حتى توفى وهو راضٍ عنه ..
ولـــهذا في ســيرة الصحابي الجليل علي بن ابي طالب رضي الله عنه قصصٌ وسلوى للفقراء والمنكوبين ، وفيها عزاءٌ للمصابين والمجروحين ، وفيها تخفيفٌ عن المضطهدين والمظلومين ..!
ســـيرةُ الإمـــام علي تمسح دموع البائسين وتخفف الألــم عن المحـــرومين .
فهي قصةٌ طــويله يستفيد منها ومن أحداثها وتفاصيلها كُلُّ مسلمٍ على وجة الارض ..
احبـــابـي الكــــرام
لمّـا وصــل علي بن ابي طالب الى المدينه أعطـــاه النبي صلى الله عليه وسلم جــائـزة كـــبرى ، فمــاهي هـــذه الجــــائــزة ؟؟
هـل هي قـصــر ؟! او مــركب ؟!
أو زاد ؟! او متـــاع ؟! او عقــــار ؟!
او مــــال ؟! او قطعــةٌ من أرض ؟!
أو عَـــرَضٌ من عــرض الدنـيا الـــزائل ؟!
لا . لا
وإنّمـــا أعــلـــن علية الصلاة والسلام أمــام الكـــون ، وامـــام الدنيا ، وامــام النّـاس ، وأمـــام الملأ ، وامـــام الأجيـــــال :
[ أنّ علي بن ابي طالب يُحبُ الله ورســوله ويُحبــه الله ورســـوله ]
ويــا تــرى مــاهو سبب هذه المنحــــه الكـــبرى والجـــائـزة العظمــى وهــذا الــوســـام ؟!
أتــريدون معـــرفة الســبب ؟؟
حـاصـر رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود في خيبر قبل ان يجلوا منها بالقوة والحديد والنار
واليهود هم اعداء الله في كل زمان ومكان
سبوا الله عزوجل ، حرّفوا كلام الله ، بدّلوا شرائع الله ، قتلوا الانبياء ، قتلوا الموحدين ، قتلوا العلماء والمفكرين ..!
حــاصرهم النبي الكريم في خيــبر وضيّق عليهم الخنــاق ، وحــاول ان يفتح مدينة خيبر فاستعصت عليه لانّها كانت متمنّعه ..
ارسل ابابكر الصديق فمــا استطـــاع ..!
ارسـل عمر بن الخطاب فمـا استطـــاع ..!
فاهتمّ النّـاس همّــاً شــديداً ، وبــاتوا ليلةً طــويله فقام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وسـط الليل وقال :
( لأعطين ّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسـوله ، يفتح الله على يديه )
اي : يفتح على يديه خيـــبر ...
فبــات النّـاس يخوضون ويتساءلون ويتحدثون ويدوكون ليلتهم أيّهم يُعطاها ..!
بات النَّاس يتناقشون من هذا الذي سيفــوز بشهــادة رسول الله .!
من هـذا الذي سيظفــر بهذا الــوســـام .!
ومـن هـذا الذي سينــال هـذا التـاج !
فلمّا اصبـح النّـاس غـدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم يرجوا ان يُعطى هذه الرايه
ويفــوز بهذا الـوسـام .!
فقال حينها رسول الله :
" اينّ علي بن ابي طالب ؟؟
فقالوا : يشتكي عينيه يارسول الله ، أصابها الرمد
فقال : فأرسلوا اليه . فأتوني به .!
فلمّا جاء علي بن ابي طالب بصق النبي الكريم في عينيه فبرأت وكأَنَّهُ لم يكن بها وجع قط .
ثمّ اعطـاه الـرايه .. فقال علي :
يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا .؟
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
( أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم الى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فو الذي نفسي بيده لئن يهدي الله بك رجـلاً واحداً خيرٌ لك من ان يكون لك حمر النّعم ).
فانطلق علي رضي الله عنه يحمل الراية ووقف على أسوار اخوان القردة والخنازير يناديهم الى الحق ويدعوهم الى العدل ..
ايّها الناس اسمعوا .، ايها الناس عُوا ..
تنبهوا ، اسمعوا ..!
ولكنّ القـرد لايفهم أبداً ، ولو رأى إشارتك وعرف كلامك ، ولأن الخنزير مطموس على بصيرته طمسا .!
فلم يسمعوا ، ولم يستجيبوا ، ولم يروا ، ولم يهتموا ، ولم يفهموا او يعقلوا ..!
فلمّـا رأى علي بن ابي طالب رضي الله عنه أنّ المفاوضات مع هؤلاء غير مُجديه ، وانّ المناقشات والحوارات غير مفيده ، وأن النداءات معهم لن توصل الى ايّ نتيجة او حل ..!
كان عنده حلٌ آخر ..!
فدعــا بطلهم الذي يتفاخرون بشجاعته للمبارزه علناً امام الجمـاهير وامام الجموع والحشود .
فتنزّل شُجاعهم مَرحَب اليهودي الخسيس
نزل يتباهى بقوته مختالاً في مشيه فقال مفتخراً :
قد علمت خيبر أني مَرحَبُ
شاكي السلاح بطل مجرَّبُ
إذا الحروب أقبلت تَلهَّبُ
فنزل لمواجهته علي الشجاع .!
نزل علي الضرغام مردداً نشيد بطولته ، وعازفاً لحن شجــاعته وبطولته فقال بعزة المؤمن ونجابة الأبطال :
أنا الذي سمتنـي أمي حيــدره
كلَـيث غاباتٍ كريهِ المنظره
أوفيهمُ بالصــاع كيلَ الســندره
ثمّ انطلق صوب مَرحب إنطلاق السهم ، وأقدم عليه إقدام السيل ، وانقض عليه انقضاض الصاعقة ،
وزأر في وجهه زئير الليث بقلبٍ فتيٍ وأنفٍ حمي
فضربه بسيفه حتى قسمه قسمان الى الهاويه والى النار وبئس القرار ، ثمّ كـان فتح خيبر على يديه رضي الله عنه وارضاه ..
فهل سمعتم يا شبـابَ الإســلام بمثل هذه البـطـــولات؟!
فدونكــم الأبطـــال ..!
تعلمـــوا من هـم !! وتشبهـــوا بهـم ..!
وكــونــوا على سبيلهــم ومنهـاجهــم .!
وعيشــوا على سيرهم وأخبارهــم .!
ودعوا عنكم البطولات المزيفة، ولا تغتروا بمن يجعل السفاهة بطولة ، والخور شجاعة؛ ليقطعوا الأمة عن دينها ويفصلوها عن تاريخها فتمسي وتصبح على اللهو واللعب والعبث والضياع ..!
ولذلكـــم
كــان علي بن ابي طالب رضي الله عنه بطلاً للمـواجهه بكل ما تعنيه الكلمه من معنى ..
كان بطــلاً شجــاعاً لا يهاب الموت ، يؤدب به الرسول صلى الله عليه وسلم أعداء الله ورسوله وأعداء الاســـلام والمسلمــــين ..
وتتكرر المسأله مع علي بن ابي طالب ولكن هذه المره في يــوم الاحــزاب فيُحاصر الرسول صلى الله عليه وسلم حصاراً دامياً من مشركي العرب واليهود والقوميين الخونه والنصارى والمنافقين
ويأتي بطل من ابطال الكفر وفارس من فرسانهم الشجعان وهو عمر بن عبد ود العامري
فقام يدعوا المسلمين للمبارزه .. اراد من هذه الدعوة إنزال الخوف والرعب في قلوب المسلمين إذا ما انتهت للمبارزه بمقتل احد فرسان المسلمين على يديه ..
فقال ابن عبد ود : من يبارز ايها المسلمين !؟
فيسكتون جميعاً ..
فأعاد سؤاله : من يتقدم للمواجهه ؟
من يتقدم ليبارزني امام الجماهير فلايبرز احدٌ للمرةِ الثانيه ..
وكـــان علي بن ابي طالب متواجداً ويرقب المشهد فلم يرض حينها ان ينال من عزيمة المسلمين او ان يصابوا بالوهن والضعف او يتسلل الجبن الى نفوسهم .!
فقال علي : انا يارسول الله ليرفع بهذا من معنويات جيش المسلمين ..!
يُحبُ المواجهه دائماً رضي الله عنه وارضاه
دائمـاً روحه على كفّه يقدمها رخيصةً لنصرة الدين ورفع راية التوحيد والعقيده ..
شعاره دائماً وابداً :
أرواحنــا يا رب فــوق أكفنــا
نـرجــوا ثـوابك مغنمــاً وجــوارا
فقال عليه الصلاة والسلام :
يا علي انّه ليس رجلاً عادياً انّه عمربن عبدود
فقال البطل والشجاع في انفةٍ وحزم :
ولو كان عمر بن عبد ود ..!
فنزل علي الى ساحة النزال والمواجهه ..
وقف علي بن ابي طالب امام عمرو بن عبد ود
وقوف الابطال والرجال ..
وقف شامخاً رافع الرأس كالجبل الأشم ..
تبارز البطلان وألتقى الرجلان ..
بطل الاسلام ، وبطل الكفر ...
خريج جامعة محمد بن عبد الله ، وخريج جامعة ابو لهب وابو جهل وعبدالله بن سبأ ..
برقت السيوف ، وارتفع الغبار ، وشخصت الأبصار ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله لينصر علياً .
لينجلى حينها الغبار ، وينتهي النزال بفوزٍ ساحقٍ لأسد الاسلام علي بن ابي طالب رضي الله عنه
وإذا بعلي واقفٌ وجاثمٌ على صدر عمرو بن ود
قد فصل رأسه عن جسده وسيفه يقطر دماً فكبّر النبي صلى الله عليه وسلم وكبر معه المسلمين
حتى ارتج المكان تكبيراً ..
انّها الشجاعة النادره ياكرام ، انها البطولة النادره التي يصنعها الإيمان، فتمضي قُدُمًا تشقّ الأهــوال وتخترق الأبطــال ..
كنا جبالاً في الجبال وربما
سرنا علـى مـوج البحـار بحـــارا
كنا نري الأصنـام مـن ذهـب
فنهدمهـا ونهـدم فوقها الكفـــارا
لو كان غير المسلمين لحازهـا
كنزاً وصاغ الحلي والدينـــارا
احبتـــي الكــــرام :
وتمر الايام والسنون ويأتي اليوم الذي يريد فيه علي بن ابي طالب رضي الله عنه نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب ليخطب فاطمة الزهراء ، فاطمة البتول وسيدة نساء العالمين ..
وقف امام رسول الله يريد ان يتكلم معه فما استطاع حياءً من رسول الله ..
فتبسم المصطفى صلى الله عليه وسلم وعرف مقصد مجيئه وسر حياءه وسبب سكوته فقال :
( يا علي أتريد فاطمة زوجةً لك ؟ )
قال : نعم يا رسول الله .
قال : هل عندك مهر ؟
ورسول الله يعلم ان علياً لايملك ديناراً ولادرهماً ولاذهباً ولا فضةً ولاقصراً ولاحديقةً ولا عقاراً ولكنه يملك ايماناً كالجبال ، يملك على رأسه :
( لاعطين الرايه رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )
فقال يارسول الله ماعندي شيء .
فقال عليه الصلاة والسلام :
اينّ درعك الحطميّه ؟
قال : درعٌ لاتساوي درهمين ، فأتى به علي وسلمّه لرسول الله فعقد لهما الرسول وتزوج علي بفاطمة الزهراء وأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنه ..
هي بنت مــن ؟ وهي زوج مــن ؟ وهي أمُّ مــن ؟
من ذا يداني في الفخــار أباهــا
أمّا أبوهــا فأكــرمُ مرســلٍ
حــادي النفــوس اذا تروم هداهــا
وعليٌ زوجٌ لا تســل عنه
فمــا أزكـى شمــائله وما انداهــا
إيوانه كــوخٌ وكنزُ ثــراءه
سيفــاً غدا بيمينه تيّاهــا
فـي روضِ فاطمــةٍ نما غصنــان
لم ينجبهمـا في الكائنات سواهــا
اقـــــــول مـا سمـعتـــم واستغفـــروا اللـَّه لـي ولــكم مـن كل ذنـب فيـــا فــــوز المستغفـــريـــن
ويــا نجــــــاة التـــــائبــــــين ..
الخطبــــــــــــــــــــــــــــه الثانيــــه :
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
احبتــــــي الگـــــــرام .. روّاد مســجد بــلال :
نقف في هذه الدقائق اليسيرة والمعدوده من عمرِ هذا اليوم مع فــارس من فــرســان العقيــده وبطل من ابـطالهـا وأسد من اســودها الشجعان
إنّه الصحابي الكـــبير والإمـــام الفقيــه والصـــابر المحتسب والــزاهـــد الـــورع
علي بن ابي طالب رضي الله عنه وعن الصحابة اجمعين ومن تبعهم بإحســـانٍ الى يوم الدين ..
وإننا من هذا المكان نُشهدُ اللهَ تعالى وملائكتة والنّاس اجمعين على محبةِ هذا الصحابي الجليل.
نشهد الله تعالى أننا نحبه كحبنــا لإخوانه من الصحــابة الأجـــلاء العظمـــاء بلا مغـــالاةٍ لأحد منهم وبــلا إفـــراطٍ او تفـــريـط ولا نفرق بين احدٍ منهم ..!
نحبُّ علياً ونُحبُّ ابوبكر وعمراً وعثماناً وسعداً وخالداً ومعاذاً وصهيباً وبلالاً ومصعباً وخُبيباً
كـُـــلهم تيجـــاناً على رؤسنــــا ونجـــوماً نهتـــدي بهــا كما قال عليه الصلاة والســلام :
( اصحـــابي كالنجـــوم فبأيّهم إهتديتم إقتديتم )
وهو القائل عليه الصلاة والسلام :
( لا تسبوا أصحابي فو الذي نفســي بيده لو أنفق احدكم ملءُ الارض ذهبـــاً ما بلغ مــدّ احــدهــم ولا نصيفـــه )
وهو القائل صلى الله عليه وسلم :
( من سبّ اصحـــابي فعليه لعنــةُ والملائكةِ والنّــاس اجمعــــين لايقبل الله منه يوم القيــامة صـــرفـاً ولا عـــدلا )
فــؤلاء هم أسلافنـــا الكــــرام مؤمنين في سائر شؤون الحياة ..
في الليل عبّاد، وفي النّهار فرسان، ومع النّاس متواضعون، يؤدون الحق الذي عليهم، وينصفون من أنفسهم، ولا يبخسون الناس أشياءهم.
فهـل ســـمعتم بمــثل هذه الأخــــلاق؟!
كلا وايم الله ما سمعنا بها إلا في تأريخ الإسلام المجيد الذي ضيعناه وأهملناه، وإذا ذكرناه ذكرناه على استحياءٍ وخجل ..
وقد غابت أمتنا عن تاريخها، وركنت إلى دنياها، ورضيت بالذل والهوان، ولم تتصل بذلك التاريخ.
مثَلُ القوم نسـوا تاريخهم
كلقيط عِيّ في الناس انتسابا
فأين من يطالع التاريخ ليتعلم منه ؟!
وأين من يقرؤه ؟!
وأين من يبلغه للأجيال؟ !
وأين من يعتزّ به ؟!
وأين من يستلهم الدروس والعبر منه ؟!
فعودوا يا مسلمون إلى التاريخ ، وعلّموه الأجيال، وقفوهم على محاسن الأبطال وآداب الرجال، فإنه من مفاخرنا أمام الأعداء.
ومن حوى التاريخ في صدره
أضافَ أعمارًا إلى عمره
احبتــي الكــــرام
تولى علي بن ابي طالب رضي الله عنه الخلافه خمس سنوات ..
ومع ذلك عاش فقيراً لايملك من حطام الدنيا شيئاً
ولم يشبع ولو يــومـــاً واحـــــداً ، يرجع في يوم من الأيــام الى أهل بيته فيقــول لهم :
هـل عندكـم من طعـــام .؟ قالوا : لا ..
فخرج بسيفه الذي هو سيف رسول الله ذو الفقار فوقف امام اهل العــراق وقال لهم :
قاتلكم الله يا اهل العراق اموت جوعاً انا واسرتي وهذا سيف رسول الله معي ولطالما جليت عن وجهه الكربات . ثمّ قال :
من يشتريه مني بطعام ليله ؟؟ ..
لايجد قوت يومه رضي الله عنه وارضاه وهو الذي ذهب الى بيت المال وكان مملوءاً بالطعام والمال والسلاح فوزع مافيه في يومٍ واحد ورشّ عليه الماء وصلى ركعتين وقال :
اللهم اشهد أنّي ماتركت لنفسي منه ديناراً ولا درهماً ولا حبةً ولا تمرةً ولا زبيبه ..
وهـو الذي نـزل فيـه قــول الله :
( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورَاً ) الانسان 8 / 9
احبــابي الكــــرام
انّ المواقف المشرقه والأحداث المنيره التى تميز وتشرّف بها هذا الضرغام كثيرةٌ وعديده لايكفي لسردها ولا لشرحها ولا للحديث عنها ساعة او ساعتين ولا لقاءٌ ولا لقاءين ولا جمعة ولا جمعتين
واختصاراً للوقت الذي يطاردنا اومأتُ على استحياءٍ الى بعضٍ من سمات تميزه التى لمعَ وتشرّف بها هذا العمــــلاق ..
والأجمل من ذلك اننا ندع المواقف والأحداث هي بنفسها التى تتحدث عن جلال علي بن بي طالب وورع علي ، وزهد علي ، وايمان علي ، وتقوى علي ، وعدل علي ، وخوف علي ، وبذل علي ، وايثار علي رضي الله عنه ..
احبابي الكـــرام روّاد مســجد بـلال :
وفي يوم من الأيام الحزينة التى مرت بالمسلمين وبينما الصحابي الجليل علي بن ابي طالب رضي الله عنه يخرج قبل صلاة الفجر .. لماذا ؟
ما الذي اخرجــه في هـذا التـوقيت .؟
هل ليذهب الى حـانه من الحانات !؟
او الى خانةٍ من الخانات او الى ملهى !؟
او ذهب الى دورٍ من دور الضياع والترف ؟
او ذهب الى قضاء متعةٍ او شهوة او شبهه ؟
لا . لا
انما خرج قبل صلاة الفجر ليوقظ النّاس لصلاة الفجر ، فدخل المسجد فوجد الشقي المارد الخبيث الخارجي عبدالرحمن بن ملجم بل عدو الرحمن
عليه من الله ما يستحقه من عذابه واليم عقابه
وجده منبطحاً على بطنه متظاهراً بالنوم وقد جعل سيفه فيما يلي الارض مسلولاً فركله علي برجله وقال له :
لا تنم على بطنك فإنها نومةُ اهل النار ..!
ثم افتتح علي بن ابي طالب رضي الله عنه المسجد بركعتين ولما كبّر وثبَ عليه عدو الله الخارجي عدو الرحمن بن ملجم فضربه بسيفه على صدغــه فانفلق فقال علي :
الله اكبر لله الامر من قبل ومن بعد وجعل يقرأ قول الله :
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.. [البقرة : 207].
سقط رضي الله عنه على وجهه وسالت على لحيته دماءٌ غزيره وحُمل الاسدُ الى عرينه ودماؤه تنزف وبكى المسلمون جميعاً ..
بكى الصغار والكبار ، بكى الرجال والنساء ، بكى الشيوخ والشباب حتى تحولت بيوت المسلمين الى عزاء تبكي بطل المواجهه علي بن ابي طالب رضي الله عنه..
انتقل عليٌ الى ربه وقد كان ينتظر الشقي الذي سيقضي عليه والذي اخبره عنه رسول الله يوماً فقال :
" من أشقى الأمة ؟؟
فقال علي بن ابي طالب : عاقرُ الناقه ..
فقال له : ومن أشقى الآخرين ؟
فقال علي : الله ورسوله اعلم .!
فقال عليه الصلاة والسلام :
أشقى الآخرين هو قاتلك يا علي ..! "
فكان رضي الله عنه دائماً ما يقول :
( متــى يُبعـــثُ اشقــــاهـــا ؟ )
يشير إلى قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم :
(( إنك ستُضربُ ضربةً ها هنا، وضربة هنا، وأشار إلى صُدغه، فيَسيل دمها حتى تخضب لحيتك، ويكون صاحبُها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقَى ثمود )) الطبراني.
وكان دومـــاً يكـــرر هـاذيــن البيتـــين :
اشــدد حيازيمك للمــوت
فإن المـــوت لاقيكــــا
ولاتجـــزع من المــوت
فإنّ المـــوت آتيكــــا
وكان آخر ما تكلم به هو قول الله تعالى :
( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة 7 / 8
رَحمَ الله علي بن ابي طالب رحمة الأبـــرار وجُـزي عن الاســــلام والمسلمــين خـــير الجـــزاء ..
فـــوداعــاً علي بن ابي طالب ..
وداعــاً يا صـهر رسول الله .
وداعــاً يا بطــل خيبر ، وداعــاً يا بطل بدر ، وداعــاً يا بطــل اُحد والخندق .
وداعــاً يا حــارس تبــوك ..
وداعــاً يا بطــل المواجـــهه ..
وســـلامٌ عليك يوم أسلمت ويوم بايعــت
ويوم جــاهدت ويوم قتلـت ويوم تبعـث حيــاً ..
وداعــــاً حتى نلقـــاك غداً في دارٍ تجمع سلامة الأبدان والأديان الى جوار الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً ..
{ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } الأحزاب 23
اللهم وأبرم لهذه الأمة امراً رشيداً يُعزُ فيه اهل طاعتك ويُذل فيه اهل معصيتك ويؤمر لك فيه بالمعروف وينهى لك فيه عن المنكر ياسميع الدعاء.!
اللهم ارزقنا حبك وحب من ينفعنا حبه عندك، واجعل حبك أحب الأشياء إلينا، واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندنا، واقطع عنا حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك ..
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله قوة لنا فيما تحب..
اللهم وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغا لنا فيما تحب..
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك،والعمل الذي يبلغنا حبك..
اللهم اجعل حبك أحب إلنا من أنفسنا وأهلينا والناس أجمعين. .
هذا وقد أمركم ربكم فقال قولًا كريمًا :
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وارض اللهم عن الأربعة الخلفاءالراشدين:
أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.