على عجل .. مناسبة لليوم - جمع + مختصر خ ش الهاجري

عبد لله
1434/10/09 - 2013/08/16 07:52AM
الحمد لله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، أحمده سبحانه وأشكره على نعم سابغة نرفل بها ممسين ومصبحين، ونسأله جل ذكره العصمة من مضلات الفتن في الدنيا والدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي جعل كتابه وسنة نبيه محمد منجاةً من الفتن وجُنةً من كيد كل عدوٍ ظهر أو بطن، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه على أحسن دين وأكملِ شرعة وخير سَنن.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهُ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْفَظُوهُ يَحْفَظْكُمْ، وَانْصُرُوهُ يَنْصُرْكُمْ، وَأَعِزُّوا دِينَهُ يُعِزَّكُمْ، وَتَمَسَّكُوا بِحَبْلِهِ يُنْجِكُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِهِ يَرْفَعْكُمْ، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا}.
أيها المسلمون: تبارك اسم ربنا وتقدس، سبحانه وبحمده، هو الولي، وما عداه فبباطل: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، تلك هي الولاية الحقة: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}، هو الله الذي لا يجوز أن نتّبع أولياء من دونه:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}، هذا الولي هو الله سبحانه وتعالى الذي يتولى من تولاه، ومن تولاه الله سبحانه وتعالى أخرجه من الظلمات في الدنيا والآخرة إلى النور: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}، ولايته شاملة لجميع الخيرات لهم، {يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}، فما من ظلمة تكون عليك قلبية أو غير ذلك إلا وتجد لها من الله عز وجل مخرجاً، ومن جانب ولاية الله تولته الشياطين، {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
إن أعظمَ ما يفوز به المسلم ولايةٌ الله تعالى له، {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}، وإذا تولى الله أحداً حارب من عاداه، ومن يستطيع حرب الله؟ في الحديث القدسي عند الإمام البخاري: ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب))، والنتيجة الغلبة لأولياء الله، {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، من يغلب أولياء الله؟ كيف وقد قال:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)}.
بهذه الولاية الحقة تحدى محمد صلى الله عليه وسلم قومه قائلاً: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}، ولا تنال ولاية الله ولا مفخرة الانتماء لإبراهيم عليه السلام إلا بتباع دعوته وملته: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}.
أما المخالفون للملة الرافضون للشريعة فولايتهم ذل وموالاتهم جرم، فأهواؤهم زيغ وإن جملوها بظاهر من القول، قال الحق سبحانه وتعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا}.
الكفار من يهود ونصارى ومشركين ومنافقين يتوالون بينهم، يعاون بعضهم بعضاً على الإسلام وأهله، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ}، ولئن كان الظالمون {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} فولايتهم دنيوية خطرها كبير، ولكن حبلها قصير، سرعان ما يتبرأ بعضهم من بعض، أرأيت قول الله: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)}.
عباد الله: لقد حذر ربنا سبحانه أن نتولى الشيطان وذريته، تأمل قول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}، فمن كان كذلك فقد أهلك نفسه، قال الله سبحانه وتعالى مبينا خسارته: {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119)} أولياء الشيطان يلعب بهم الشيطان، {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (120) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)}، أي خسارة أعظم من هذه الخسارة ومن نار جهنم، {وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا}.
وهذا نبي الله إبراهيم يعظ أباه آزر: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}،
الموالي لله لا سلطان للشيطان عليه ولا تسلط عليه بل هو في رعاية وعناية من الله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}، {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}، {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}.

فيا أيها المسلم: والي الله واعرف من توالي، وعظّم ربك سبحانه وتعالى، فإذا كان الله وليك، وكنت وليا له، فإنك لست بحاجة إلى أن يواليك غيره، ف{مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}، {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}، وهو الذي يثبتك على صراطه ويدخلك جنته {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}.
وإذا أردت أن تكون من أولياء الله فكن من الصالحين، صالحي الأقوال والأعمال والقلوب، وعندها سيكون الله معك، ولن يتخلى عنك، ولا ينقِص أجرك {وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.
أيها المسلم: هل وقفتَ يوماً عندَ قولِه تعالى على لسانِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلمَ: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} وتأملتَ فيها؟ .. يقولُ ابنُ كثيرٍ رحمَه اللهُ تعالى في تفسيرِه: "أَيْ اللَّهُ حَسْبِي وَكَافِينِي، وَهُوَ نَصِيرِي وَعَلَيْهِ مُتَّكَلِي وَإِلَيْهِ أَلْجَأُ وَهُوَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ وَلِيّ كُلِّ صَالِحٍ بَعْدِي".
فهنيئاً لكم أيها الصالحونَ عنايةَ اللهِ تعالى بكم، وتدبيرَه لأمورِكم، واختيارَه ما يَصْلُحُ لكم، سواءً كانت تلكَ الأقدارُ مُفْرِحةً في أعينِكم أو مؤلمةً، وسواءً كانت ظاهِرةً لكم أو مُبْهَمةً، فالخيرُ كلُ الخيرِ أن يكونَ اللهُ تعالى الذي يعلمُ غيبَ السمواتِ والأرضِ ويعلمُ ما كانَ وما يكونُ هو من يتولى شئونَك، ويختارُ لك.
قال رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: ((عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْضِي لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ)) أخرجه أحمد وهو حديث صحيح .
وصدقَ أبو العتاهيةِ حينَ قالَ:
وَإِذَا العِنَايَةُ لاَحَظَتْكَ عُيُونُهَا *** نَمْ فَالمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ
بارك الله لي ولكم في القرآن والسّنّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البيّنات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: أيها العبدُ الصالحُ: إذا علمتَ أن اللهَ تعالى أرحمُ بك من أمِك، وأرحمُ بك من نفسِك، فسيطمئنُ قلبُك، وتسكنُ روحُك، وستعلمُ أن ما كتبَه اللهُ تعالى لك فهو خيرٌ كلُه، وتعالوا أحدِّثُكم عن شيءٍ من أسرارِ اللهِ تعالى في أقدارِه لعبادِه الصالحينَ:
مساكينُ يعملونَ في البحرِ، ليس لهم من حُطامِ الحياةِ إلا سفينةً يتَكَسَبونَ بها، مروا يوماً على الساحلِ فوجدوا رجلينِ، عرفوا أَحدَهما وهو الخَضِرَ وكانَ معَه موسى عليهما الصلاةُ والسلامُ، فقالوا: "عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحُ، فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ –أي بغيرِ أُجرةٍ-"، ثم حدثَ شيءٌ غريبٌ، خرق الخضر عليه السلام السفينة {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا}، ولكم أن تتخيلوا شعورَ أولئكَ المساكينِ وهم يرونَ سفينَتَهم الوحيدةَ وقد خُرقتْ، لذلك ((قَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ قَدْ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا –أي عظيماً-))، فهذا هو ظاهرُ الأمرِ للمساكينِ والكليمِ، ولكن ما هو تقديرُ العليمِ الحكيمِ؟
قالَ الخَضِرُ لموسى عليه السلامُ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} فسبحانَ الذي حفظَ لهم سفينتَهم من ذلك المَلِكِ الغاصبِ الذي يأخذُ كلَ سفينةٍ صالحةٍ غصباً، فسفينةٌ مخروقةٌ خيرٌ من عَدَمِها، قالَ الخَضِرُ: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} ولقد صَدَقَ، وإنما هو عن أمرِ مَنْ {يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}.
مثال آخر: غلام أبوَانِ مُؤْمِنَانِ، رزقَهما اللهُ تعالى غلاماً ملأَ حياتَهما، وفي يومٍ من الأيامِ وهو يلعبُ مع الغلمانِ، مرَ عليه الخَضِرُ {فَقَتَلَهُ}، فقالَ موسى عليه السلامُ: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}، ولكن ما الذي وراءَ ذلكَ؟ {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}، فهو في علمِ اللهِ تعالى أنه لو كَبُرَ لكانَ كافراً، ولَشقيَ به والداهُ المُؤْمِنَانِ، ولأصبحتْ حياتُهما جحيماً لا يُطاقُ، بسببِ ذلك الولدُ العاقُ، فكانَ اختيارُ الرحيمِ سبحانَه لهم خيرٌ من اختيارِهم لأنفسِهم، قالَ الخَضِرُ: {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}، ألم أقلْ لكم إن اللهَ {يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}.
مثال ثالث: قريةٌ من القُرى فيها قومٌ لئامٌ بُخلاءٌ، ومن لؤمِهم أنه نزلَ بهم خيرُ مَن على الأرضِ في ذلك الزمانِ موسى والخضرُ عليهما السلامُ فـ{اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا}، فامتنعوا عن الضيافةِ {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا}، وكان يسكنُ معهم رجلٌ صالحٌ قد نزلَ به الموتُ، وعندَه صبيةٌ صغارٌ ولديه مالٌ، ولم يجدْ في القريةِ أميناً يحفظُ المالَ حتى يكبَرَ الأيتامُ، فما كانَ منه إلا أن حفرَ تحتَ أحدِ جدرانِ القريةِ ودفنَ الكنزَ ثم ماتَ، ولما مرَ الخضرُ وموسى على القريةِ {وَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} الخضرُ بيدِه وأصلحَه، فتعجّبَ موسى من فعلِه بالجدارِ مع هؤلاءِ اللئامِ الذينَ لم يضيفوهما {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}، فأخبرَه بما أوحاهُ اللهُ تعالى إليه {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}، اللهُ أكبرُ، لأجلِ صلاحِ أبيهم يحفظُ اللهُ تعالى لهم كنزَهم، ويرسلُ لهم خيرَ من على الأرضِ في ذلك الزمانِ ليصلحا الجدارَ حتى لا يسقطَ ويظهرَ الكنزُ فيأخذَه أهلُ القريةِ، فهل بعدَ هذا يرتابُ من يتلوا قولَه تعالى: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}.
وتعلمونَ -رحمكم الله- أيضاً أن ما يُصيبَ المسلمين في كلِ مكانٍ، هي من أقدارِ اللهِ تعالى الذي {يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}، فخُرقتْ سفينةٌ وظنَّ موسى عليه السلامُ أن أهلَها يغرقونَ، فإذا هم وسفينتُهم يَنجونَ، فأحسنوا الظنَ بربِكم، وتمسكوا بسنةِ نبيِكم.
وصلُّوا وسلِّموا عليه، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا...
المرفقات

فالله هو الولي.docx

المشاهدات 1932 | التعليقات 0