عَلَى عَتَبَةِ رَمَضَانَ

يوسف العوض
1439/08/24 - 2018/05/10 11:43AM
الخطبة الأولى:
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى ، فاتقوا الله وراقبوه وأنيبوا إليه واستغفروه (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) وبعد ..
عباد الله : ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يستقبلون ضيفا عزيزا وزائرا كريما ألا وهو شهر رمضان ، ولا يكاد المرء يصدق أننا بلغناه واستقبلنا أيامه ولياليه وشرفنا ببركته وخيره وفضله ومعانيه وسعدنا بهداياه و عطاياه وأمانيه فاللهم لك الحمد والشكر  والثناء الحسن والفضل ، وهنا يسأل المرء نفسه: أحقا مر عام من عمري؟ أصدقا مضت سنة من أجلي؟ بهذه السرعة!!
عندها يتراءى أمام ناظري المرء قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وصححه الألباني، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ: فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ".
فما أسرع مرور الليالي والأيام، وما أسرع انقضاء السنين والأعوام، والسعيد من أحيا لياليه بالقيام، وأكثر في أيامه من الصيام، واتخذ من تقوى الله زادا لقابل الأيام.
عباد الله : حقا مر علينا عام، ومرت علينا فيه مواسم للطاعات، وأوقات للرحمات. مر علينا عام ومر فيه شهر رمضان، شهر الصيام والقيام والقرآن، لله في كل ليلة منه عتقاء من النار، ومن صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقد م من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومرت فيه ليلة القدر، خير ليالي العام التي أنزل فيها القرآن: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } إنها ليلة القدر التي من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
مر علينا عام ومر فيه موسم الحج، والحج يهدم ما كان قبله من ذنوب وآثام، ومن حج فلم يرقث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، رجع طاهر الذيل نظيف القلب والبدن، خاليا من الذنوب والآثام. ومر علينا فيه يوم العتق الأكبر يوم عرفة، "ومَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ" وصيامه يكفر ذنوب سنتين: الماضية والباقية.
مر عام علينا عام ومر علينا فيه يوم عاشوراء، وصيامه يكفر ذنوب سنة مضت.
مر علينا عام، ومرت علينا فيه ليلة النصف من شعبان التي يطلع الله تبارك وتعالى فيها، فيغفر لجميع عباده إلا لمشرك أو مشاحن.
مر علينا عام ومر علينا في كل يوم منه خمس صلوات هي كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. ويتوضأ العبد غالبا لكل صلاة، فإذا توضأ فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أضفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أضفار رجليه.
مر علينا عام فيه كل هذا الفضل، وفيه كل تلك النعم والمنن، من تعرض لها نال منها الحظ الأوفر، والنصيب الأعلى، مغفرة ورحمات، وتكفيرا للخطيئات وعفوا عما مضى وفات ، فنسأل الله الإعانة والسداد والتوفيق والرشاد والله المستعان وعليه التكلان وأن يجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :
أيها المسلمون: مر علينا عام كامل قصرت فيه أعمارنا وقربت آجالنا فما بالنا لا نزال في أسر الخطايا والذنوب؟ ما بالنا نعرض عن ربنا علام الغيوب؟ ما بالنا لا نستثمر تلك المواسم ونتوب؟ ما بالنا نسوف التوبة ولا نؤوب؟ ما بالنا – مع كل هذا الخير والفضل- قد ماتت منا القلوب؟ ما بالنا لا نزال في الأغلال والقيود، أغلال المعاصي، وقيود الآثام؟.
إلى ما الغفلة، وحتّى ما نأتي الهفوة تلو الهفوة ؟! متى نفيق؟ّ! متى نحرر نفوسنا من شهواتها؟ متى نطهر قلوبنا من أمراضها؟ متى تهفو أرواحنا إلى ربها؟ متى نغسل عن جوارحنا معاصيها وآثامها؟ متى ترق قلوبنا؟ ومتى تدمع عيوننا؟ ومتى تزكو نفوسنا؟ ومتى تطهر أرواحنا؟ ألا يكفينا ما مضى من أعمارنا؟ ألا يكفينا ما انقضى من آجالنا؟ ألا نعتبر بمن مات من إخواننا؟ فكم من مرض زرناه؟ وكم من حبيب فقدناه؟ وكم من صاحب شيعناه؟
إخوتاه!! ففروا إلى الله! وسارعوا إلى حصنه وحماه، وسابقوا إلى جنته ومغفرته ورضاه.
عباد الله : مرت علينا مواسم للخيرات كثيرة، وقليل منا من تعرض لها، وحظي بفضلها، فلا تجعلوا رمضانكم هذا كسابقه. فلا أحد منا يدري هل يشهد لاحقه، أم يموت كمن مات في سابقه.
نسأل الله أن يرزقنا طول العمر وحسن العمل، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المشاهدات 1356 | التعليقات 0