علمنا الحج

علمنا الحج

عباد الله : إن فريضة الحج يتجلي فيها حقيقة التوحيد الخالص لله عز وجل حيث يلبي كل من في السماوات والأرض لله تعالي يسبحه النبات جمعه وفريده، والشجر عتيقه وجديده، وتمجده رهبان الأطيار في صوامع الأشجار، فشرع الله تعالي للحجاج التلبية ولنا التكبير حسن الألباني أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ ، وَلاَ كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ إِلاَّ بُشِّرَ بِالْجَنَّةِ" لقد رحل عنا موسم الحج لكنه علمنا كثيرا من الدروس والعبر التي تجدد في قلوبنا الإيمان بالله تعالي علمنا الحج أن نثق بموعود الله تعالي وأن الله لا يخلف وعده ولا يخذل جنده وذلك حين رزق الله إبراهيم بغلام حليم نجيب شهد الله تبارك وتعالى له بالنجابة من صغره، فيأمره الله عز وجل أن يذهب بزوجته وبولده إلى جبال صالان موضع مكة الآن، حيث الصحارى التي تتلظى ناراً ووهجاً، فيستجيب لأمر الله عز وجل ويرضى به، تقول له زوجه: يا إبراهيم! إلى من تتركنا في مثل هذا المكان القفر؟! آلله أمرك بهذا؟! يقول: نعم، تقول: إذاً: فلن يضيعنا. أم إسماعيل تقول: إذاً: فلن يضيعنا الله، فأي مكانة للتوكل أعظم من هذه! موقف لامرأة عظيمة مصرية يعجز عن مثله رجال الدنيا، إن أراد الناس أن يفتخروا وإن أراد المصريون أن يفتخروا فليفتخروا بأم إسماعيل هاجر، لا يفتخرون بأقباط وفراعنة قدماء لا شأن لهم عند الله عز وجل في ميزان الأرض ولا في ميزان السماء، ويذهب إبراهيم تاركاً لها ولولده جرابا من تمر وسقاءا من ماء ، ثم بعد هذا يأتيها جبريل حينما يتلبط وهي تهرول ما بين الصفا والمروة باحثة عن الماء لرضيعها الذي يتلبط جوعاً، وهنا يتبدى لها جبريل، وفي رواية صحيحة يقول لها: من أنت؟ تقول: أنا أم إسماعيل وزوج إبراهيم. يقول: إلى من وكلكما؟ تقول: إلى الله، وهي لا ترى أمامها إلا رمال الصحراء، يقول: وكلكما إلى خير كافل، لا تخشي الضيعة، إن الله لا يضيع أهله، فإن كان الله عز وجل لا يضيع أهله فهل يضيع دينه.هل يضيع أولياءه هل يضيع عباده الصالحين لا والذي رفع السماء وعلم أدم الأسماء قال رب الأرض والسماء ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون )  فلما وثقت هاجر بموعود الله تعالي جعل الله تعالي لها الفرج العاجل إذاً فلن يضيعنا الله! إذا ضاقت بك الظروف واشتد عليك النوائب فإن كنت عبداً لله عز وجل وعلى دينه فلن يضيعك ولو في المهلكات، بل يحفظك مثلما حفظ يونس وهو في بطن الحوت، ومثلما حفظ موسى الرضيع وهو على ثبج البحر، ومثلما حفظ إبراهيم وسط النيران ، فاجعل هذه قاعدة عندك: إذاً فلن يضيعنا.

 علمنا الحج أن الله تعالى ناصر دينه وعباده الصالحين

  لقد سطر لنا التاريخ ما فعل القرامطة أمام بيت الله المعظم ذكر العلامة أبن كثير رحمه الله تعالي في سنة سبع عشرة وثلاثمائة اشتدت شوكة القرامطة، وتمكنوا من الوصول إلى الكعبة والناس يوم التروية، فما شعروا إلا والقرامطة برئاسة المدعو بابي طاهر الجنابي قد انتهبوا أموالهم، وقتلوا كل من وجدوا من الحجيج في رحاب مكة وشعابها، وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة، وجلس أميرهم أبو طاهر الجنابي على باب الكعبة والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في المسجد الحرام في الشهر الحرام في يوم التروية، ويقول هذا الملعون: أنا الله وبالله أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا، ولم يدع أحد طائفا أو متعلقا بأستار الكعبة إلا قتله؛ ثم أمر بإلقاء القتلى في بئر زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود، فجاء قرمطي فضرب الحجر بمثقل في يده وهو يقول: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود، وأخذوه معهم،وذهبوا به إلى البحرين التي هي اليوم تسمى الأحساء فمكث عندهم اثنتين وعشرين سنة. ومع ذلك رد الله الحجر، ورد المسلمين إلى دينه، وانتصر الإسلام على القرامطة كما تعلمون. وقد قامت هذه الطائفة بهذا العمل الحاقد انتقاماً لبيت النار المجوسية ، وثأراً وتشفياً في بيت الله الحرام، الذي هو رمز لدين الحنيفية الذي جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

علمنا الحج حقيقة العبودية والاستسلام لله عز وجل  والمتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم 

وهذا كله يثمر التقوى ومن ذلك مثلاً : تقبيل الحجر الأسود، أمر لا يعلم له المسلم تفسيرا سوى المتابعة المحضة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولهذا كان عمر - رضي الله عنه - يقول ـ كما في الصحيحين ـ :" والله إني لأقبلك، وإني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك "ولله در عمر، فإنه أراد أن يعلم ويربي من تبلغه هذه المقولة أن الأمر محض استسلام ومتابعة :

فما البيت ؟ والأركان ؟ والحجر ؟ والصفا ؟ *** وما زمزم؟ أنت الذي قصدناه

وأنت منانا، أنت غاية سؤلنا ***             وأنت الذي دنيا وأخرى أردناه

ويتجلي الاستسلام لله تعالي في قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام يوم أن أوحي الله إلي الخليل إبراهيم بعد أن تجاوز الثمانين من عمره ويئست زوجته من المحيض أن يذبح ولده إسماعيل  يقول ابن القيم: إن الله تبارك وتعالى يغار على قلب خليله إبراهيم، والخليل هو الذي لم يبق في قلبه شيء لغير ربه حتى من العواطف الفطرية، فسيدنا نوح قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} ، ولكن الله عز وجل في شأن إبراهيم يريد ألا يسكن قلب إبراهيم إلى غيره ولو كانت عاطفة البنوة، فرجل كبير طاعن في السن يؤتى الغلام على الكبر شيء طبيعي أن تنجذب شعبة من قلبه إلى حب ابنه، ولكن الله يغار على قلب خليله، فلا يريد لقلب خليله أن ينصرف إلى غيره حتى ولو شعبة يسيرة تتفلت إلى إسماعيل. فأمره الله تبارك وتعالى بذبح ولده: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}فقال الأبن البار الذي تربي علي البر والتوحيد والتسليم  {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}فانظروا إلي البر أيها الأحبة فلا يدخل الجنة عاق لوالديه فيامن أساء إلي والديه ويامن هجر والديه ويامن حرم والديه من لذيذ الطعام والشراب عد إلي أبيك اليوم فقبل قدمه وألزم رجل أمك فثم الجنة وفي مصنف بن أبي شيبة بسند صححه الألباني مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمة السُّلَمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللهِ ، إنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَك فِي سَبِيلِ اللهِ ، قَالَ : فَقَالَ : أُمُّكَ حَيَّةٌ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : الْزَمْ رِجْلَيْهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ" وروي البخاري في الأدب المفرد بسند صححه الألباني  عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، أنه أتاه رجل فقال: إني خطبت امرأة، فأبت أن تنكحني، وخطبها غيرى، فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا. قال: تب إلى الله عز وجل، وتقرب إليه ما استطعت. [ قال: عطاء بن يسار: ] فذهبت، فسألت ابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: "إنى لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة" فبروا أبائكم وصلوا أرحامكم وتجاوزا عمن أساء إليكم وظلمكم " فمن عفا و أصلح فأجره علي الله "

علمنا الحج ما اختزنته الصحراء الغربية من بطولات الصحابة رضوان الله عليهم

لو نطقت رمالُ الصحراءِ لحدثت بالبطولات على رمالها:تُذَكِّرُكَ الصحراءُ يومَ "أَتى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فقالَ:رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا أبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأهْلِكَ؟ فقال:َ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللّهَ وَرَسُولَهُ "وهنا أبو طلحة يتلو قول الله تعالى { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وإنَّ أحبَّ مالي إليَّ بيرحاء. وإنها صدَقةٌ للهِ أرجو بِرَّها وذُخرَها عندَ الله، فضَعْها يا رسولَ الله حيثُ أراك الله" وفي تلك الناحية صهيب وقد تجهز للهجرة فيقف له كفار مكة ليمنعوه ويقولون: لقد جئت فقيرا فاغتنيت، والله لا نتركُكَ تذهب إلا أن تترُكَ لنا المالَ الذي ربحته عندنا فيقول: إنكم لتعلمون أنني أحسنكم رميا، ولو شئت لرميتكم فلا يصلُ إليَّ منكم أحد، ولكن أرأيتم إن أرشدتكم إلى ماليَ أتتركونني؟ قالوا: نعم قال: هو تحت عتبة بيتي، قالوا ونقاسمك من ثيابك التي تلبسُ فأعطاهم، وانطلقَ ليلحقَ بموكبِ صُناعِ الفجرِ بقيادةِ رسولِ الله صلوات الله وسلامه عليه . وبينما هو يُجْري الصفقةَ كان الوحيُ يخبرُ رسولَ الله بخبره فقال :"ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى" وأبو يحيى هو صهيب رضي الله عنه . كلُّ هذه المشاهدِ تختزنها الصحراءُ العربيةُ ،كما تختزن بترولها، ومعادنها، وهي تعرضها لك في رحلة الحج لتُجدَّدَ فيك دماءَ أجدادك، وبطولةَ آبائك.فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح .

علمنا الحج شوق العجماوات من الحيوانات لرسول الله صلي الله عليه وسلم 

لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدية لينحر الهدي في حجة الوداع، تسابقت الإبل والنوق بين يديه أيها ينحر أولاً بين يديه، وكأن الموت بين يديه حياة، فالإبل تسارع بين يدي رسول الله لتنال شرف الذبح بين يديه صلى الله عليه وسلم، هذا هو شوق العجماوات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل إشتقنا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما  إشتاق إلينا ؟ في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: "السّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَإِنّا، إِنْ شَاءَ اللّهَ، بِكُمْ لاَحِقُونَ. وَدِدْتُ أَنّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا" قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: "أَنْتُمْ أَصْحَابِي. وَإِخْوَانُنَا الّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ"." إخواني الذين أمنوا بي ولم يروني " هلا إشتقنا لرسول الله كما كان خادمه ثوبان يشتاق إليه روي في السير بسند صحيح بشواهده أنَ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلِيلَ الصَّبْرِ حَتَّى تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَنَحَلَ جِسْمُهُ وَعُرِفَ الْحُزْنُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا غَيَّرَ لَوْنَك فَقَالَ مَا بِي مَرَضٌ وَلَا وَجَعٌ إلَّا إنِّي إذَا لَمْ أَرَك اسْتَوْحَشْت وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاك ثُمَّ إنِّي إذَا ذَكَرْت الْآخِرَةَ أَخَافُ أَنْ لَا أَرَاك وَأَنَّك تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَأَنِّي وَإِنْ دَخَلْت الْجَنَّةَ كُنْت أَدْنَى مَنْزِلَةً فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ  {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } اختيار النفقة الحلال: التي تكون من الكسب الطيب حتى لا يكون في حجك شيء من الإثم. فإن الذي يحج وكسبه مشتبه فيه لا يقبل حجه، وقد يكون مقبولا ولكنه آثم من جهة أخرى.

إذا حججت بمال أصلُه سحتٌ  فما حججتَ ولكن حجَّتِ العيرُ

لا يقبلُ الله إلا كلَّ صالحة    ما كلُّ من حجَّ بيت الله مبرورُ

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد

المشاهدات 591 | التعليقات 0