علامات محبة الله للعبد (1)

محمد بن إبراهيم النعيم
1440/02/23 - 2018/11/01 12:04PM

إن الإنسان جُبِل على حب من أحسن إليه، ويحب ذوي الأخلاق الحسنة من الناس، ويحب الصالحين، وإن أجمل حب أن يحبَ المرءُ زوجته وأولاده، والحب الذي أعلا منه درجة أن يحبَ المرءُ والديه ويكون في خدمتهما لينال رضاهما، ولعل أحدكم أن يقول وإن أسمى حبٍ في هذه الحياة أن يحبَ المرءُ ربه عز وجل، ولكن اعلموا أن هناك حب أسمى من ذلك الحب. وهل يعقل أن يكون هناك حب أفضل وأرقى من أن تحب الله عز وجل؟ نعم.

فأسمى حب وأفضل حب أن: يحبك الله -عز وجل-، فإذا أحبك وفقك لأمر الآخرة، فإنك قد تحبُ الله عز وجل، ولكنه قد لا يحبك، عياذا بالله.

فكيف تعلم أن الله تعالى يحبك؟ هذا ما سأحاول الإجابة عليه في هذه الخطبة بإذن الله تعالى.

إن الله -عز وجل- إذا أحب عبدا عصمه من النار وأدخله الجنة، فقد روى أنس -رضي الله عنه- قال: كَانَ صَبِيٌّ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ فَمَرَّ النَّبِيُّ  وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ الْقَوْمَ خَشِيَتْ أَنْ يُوطَأَ ابْنُهَا فَسَعَتْ وَحَمَلَتْهُ وَقَالَتْ ابْنِي ابْنِي قَالَ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ : (لا وَلا يُلْقِي اللَّهُ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ) رواه أحمد.

فحب الله -عز وجل- لعبده أمنية تعلو كل الأمنيات، وغاية تسبق كل الغايات، فإذا أحبنا الله -عز وجل- أدخلنا الجنة ونجانا من حر النار.

كثير من الموظفين يسعون جادين في أعمالهم ليرضوا مدراءهم، وتراهم حريصين أن يعرفوا هل مدراءهم راضين عنهم؟ طمعا في ترقية أو علاوة. وهل اليوم يحرص أحدنا على أن يسأل نفسه سؤالا: هلِ اللهُ يحبني؟ نعم أنت تحب الله -عز وجل-، والكل يدعي ذلك، ولا يجرئ أحد منا أن يقول: أنه لا يحب الله -عز وجل-، ولكن الأهم من ذلك: هل الله -عز وجل- يحبك؟ فما هي علامات محبة الله -عز وجل- لعبده؟ كيف نعرف أن الله -عز وجل- يحبنا؟ أذكر لكم بعض الإجابات المختصرة.

أولا: أن يوفقك الله -عز وجل- للإيمان والتدين.

فقد قال ابن مسعود : (إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله تعالى يعطي المال من أحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب) رواه الطبراني والبخاري في الأدب المفرد.

فليس كثرة المال علامة على حب الله للعبد، ألا ترون بعض الكفار والملحدين يملكون المليارات؟ فالله تعالى يعطي المال من أحب ومن لا يحب، ولكن لا يعطي الإيمان إلا من يحب، فأول علامات محبة أن الله تعالى جعلك مؤمنا ولم يجعلك كافرا، فإذا رأيت نفسك تسير في طريق الصالحين وتنهج منهجهم وتحب مجالستهم وتعمل كأعمالهم، فاعلم أن الله -عز وجل- قد أحبك، بأن بصرك طريق الحق، فالزمه وعض عليه بالنواجذ.

وأما إذا رأيت خلاف ذلك فاعلم أنك تسير في طريق الشقاء والنار والعياذ بالله.

ثانيا: ومن علامات محبة الله -عز وجل- للعبد المؤمن أن يحميه من فتن الدنيا وشهواتها، فالسعيد من جُنّب الفتن، فقد روى محمود بن لَبِيدٍ  أن النبي  قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ) رواه أحمد.

وفي رواية الترمذي أن النبي  قال: (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ). وهذا لا يعني أن من أحبه الله أفقره ومن أبغضه أغناه، لكن المقصود أن الله يعصمه من التعلق بشهوات الدنيا ويصرف قلبه عن حبها والانشغال بها، لئلا يركن إليها وينسى همَّ الآخرة.

وانظروا -عباد الله- على سبيل المثال في حال من ينفق مئات الآلاف على أثاث منزله وسفرياته وشهواته وهو فرح بذلك، ولكنك تراه يتمزق فؤاده وتكاد أن تذهب نفسه حسرات على مائة ريال أخرجها على مضض لصالح الفقراء والمحتاجين والمجاهدين، لماذا؟ لأنه أصبح أكبر همه الدنيا وليس الآخرة فأحب الدنيا وزهد الآخرة.

ولذلك عندما جاء رجل إلى النبي  فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ) رواه ابن ماجه. فالزهد أن تجعل الدنيا في يدك لا أن تجعلها في قلبك.

ثالثا: ومن علامات محبة الله -عز وجل- لعبده المؤمن، أن يوفق إلى الرفق واللين وترك العنف، فقد روى جابر أن النبي  قال: (إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق) رواه ابن أبي الدنيا.

وفي حديث آخر قال  (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ) رواه البخاري.

 فإذا رأيت الرجل ليناً لطيفاً رفيقاً مع الناس عامة، ومع زوجته وأهل بيته خاصة، فهذا من علامات حب الله له، وكم نسمع عن أناس يكثرون من إهانة زوجاتهم أمام أولادهم وأقاربهم، بل إن منهم من يتعمد إذلال زوجته ورفع صوته عليها أمام أهلها تحقيراً لها وتكديراً لخاطر أهلها الذين أكرموه وائتمنوه على فلذة كبدهم، وما هذا من أخلاق الرجال ولا من سنة سيد الأنام r، بل قد تكون علامة على عدم حب الله تعالى له.

رابعا: ومن علامات محبة الله -عز وجل- لعبده المؤمن أن يبتليه في دينه أو دنياه، فقد روى أنس بن مالك  أن النبي r قال: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) رواه الترمذي ابن ماجه.

فالله -عز وجل- يبتليك ليمتحنك، فقد يبتليك بالغنى أو الفقر، بالصحة أو المرض، بالفراغ أو الشغل، في المال أو النفس، فمن رضي وصبر محص الله ذنبه، ومن لم يرض خسر عظيم الثواب، ولن يستعيد ما فقده بعدم الرضا.

قال تعالى: }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{، وقال تعالى }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ{. لذلك لا يجوز أن نقول لمبتلى: مسكين ما يستاهل هذه المصيبة ونحو ذلك؛ لأن الله تعالى أحبه ويريد أن يرفعه درجة عالية في الجنة، إن صبر على بلائه ولم يسخط، وقد روى أبو هريرة  أن النبي  قال: (إنَّ الرجُلَ لَيكونُ له عندَ الله المنزِلَةُ، فما يَبْلُغها بِعَمَلٍ، فما يَزالُ يَبْتَليهِ بما يَكْرَهُ حتّى يُبْلِغَهُ إيَّاها)  رواه أبو يعلى وابن حبان.

فالمرء يبتلى على قدر دينه وإيمانه، فقد روى سعد بن أبي وقاص  قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ (قَالَ الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ، ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي.

لذلك قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني إن الذهب والفضة يختبران بالنار، والمؤمن يختبر بالبلاء. (فيض القدير).

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في أمر ديننا، وأن يعصمنا من الزلل، ويوفقنا لصالح القول والعمل، وأن يوصلنا إلى محبته عز وجل، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم، الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أما بعد: لقد ذكرت لكم أربع علامات لحب الله للعبد، أولا: أن يوفقك الله عز وجل للإيمان والتدين. ثانيا: أن يحميك من فتن الدنيا وشهواتها، ثالثا: أن يوفقك إلى الرفق واللين وترك العنف، رابعا: أن يبتليك في دينك أو دنياك.

أيها الأخوة في الله

ومن علامات محبة الله -عز وجل- لعبده المؤمن، وهي العلامة الخامسة: أن يعجل له عقوبة ذنبه في الدنيا ولا يستدرجه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ  أَنَّ رَجُلاً لَقِيَ امْرَأَةً كَانَتْ بَغِيًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَ يُلاعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: مَهْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أذَهَبَ الشرك وَجَاءَ بِالإِسْلامِ، فتركها وولى، فجعل يلتفتُ خلفه ينظر إليها، حتى أصاب الحائط وجهه، فاخبر النبي  بالأمر، فقال: (أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا،  إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ) رواه أحمد

لذلك إذا أعطى الله عبده ما يحب وهو مستمر على معصية الله تعالى، فاعلم أن ذلك استدراج، وليس علامة محبة الله لعبده والرضى عنه، وذلك لما رواه عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ  عَنْ النبي قَالَ: (إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ) ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ : }فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ{ رواه أحمد.

ولا يعني ذلك أن يسألَ المرءُ ربه أن يعجل له العقوبة في الدنيا؛ لأن المطلوب من المسلم دائما أن يسأل الله العافية، لا أن يسأله البلاء أو العقوبة، فقد روى أنس بن مالك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  عَادَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : (هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ)؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: (سُبْحَانَ اللَّهِ لا تُطِيقُهُ، أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ، - وفي رواية: لا طَاقَةَ لَكَ بِعَذَابِ اللَّهِ- أَفَلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)؟ قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ ، رواه مسلم.

أيها الأخوة لا يزال هناك علامات أخرى لحب الله عز وجل لعبده، لعلي أن أتحدث عنها في خطبة أخرى خشية الإطالة عليكم.

أسأل الله تعالى أن يوصلنا إلى محبته، اللهم حببنا إليك، اللهم أحبنا فنحن نحبك، اللهم نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخط والنار، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ........

المشاهدات 1200 | التعليقات 0