علاقة الأشقاء
سليمان بن خالد الحربي
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستَعينُه ونستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِنْ شُرور أنفسِنا وسيِّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا وزيرا ولا وندا ولا ظهيرا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله نشهد أنه بلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أَمَّا بعْدُ:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا، فهي وصية الله للأولين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ} [النساء:131].
مَعْشَرَ المصلين، إنَّ مِن أعظمِ العِلاقاتِ الإنسانيةِ، والتي اتفَقَتْ عليها الشرائعُ السماويةُ، والأعرافُ الاجتماعيةُ هي علاقةُ الأخِ مع أخيه، سواءٌ كان شَقِيقًا، أو مِن أبيه، أو مِن أُمِّه.
إن هذه العِلاقةَ العظيمةَ بينَ الإخوةِ يَحُوطُها عاطفةٌ كبيرةٌ، وانتماءٌ كبيرٌ، إذ يشعرُ الأخُ أنَّ أَخاهُ هو نَفْسُه، يَسُوؤُه ما يَسُوؤُه، ويُحْزِنُه ما يُحْزِنُه، ويُفْرِحُه ما يُفْرِحُه.
وما قِصَّةُ الشقيقين ابْنَيْ آدمَ إلا مِثالًا واضحًا لِعُمقِ هذه العلاقةِ، حينما ذَكَر اللهُ فِعْلَ قَابِيلَ، وذلك بِقَتْلِهِ لِأَخِيه هَابِيلَ، قال في وَصْفَ المأساةِ، {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:30].
ولهذا تَأَمَّلْ ما قالَهُ السَّعْدِيُّ -رحمه الله- مُعَلِّقًا على قوله {فَطَوَّعَتْ} قال -رحمه الله-: «فَلَمْ يَرْتَدِعْ ذلك الجاني، ولم يَنْزَجِرْ، ولم يَزَلْ يُعزم نفسه ويجزمها، حتى طوَّعَت له قَتْلَ أخيه الذي يقتضي الشرعُ والطبعُ احترامَه»([1]).
إنَّ مِن شدة مَتانَةِ العلاقةِ بين الإخوةِ أنهم يتوارثون أموالهم في الشريعةِ، بل ويَرثُون الحقَّ في الدماءِ، بل إن اللهَ -جل وعلا- بيَّنَ عُمقِ العلاقةِ بجوازِ الأكلِ مِن بيتِ أخيكَ بدونِ إذنِه، فقال -تبارك وتعالى-: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور:61].
وهذا الحرَجُ المنفيُّ -كما قال المفسرون- هو عن الأكلِ مِن هذه البيوتِ، كلُّ ذلك إذا كان بِدُونِ إذْنٍ، والحكمةُ فيه معلومةٌ مِن السياقِ، فإن هؤلاء المُسَمَّيْنَ قد جَرَتِ العادةُ والعُرفُ بالمسامحةِ في الأكل عندها، لأجلِ القرابةِ القريبةِ، أو التصرفِ التامِّ، أو الصداقةِ.
فلو قُدِّر في أحدٍ مِن هؤلاء عدمُ المسامحةِ، والشُّحُّ في الأكلِ المذكورِ، لم يَجُزِ الأكلُ، ولم يَرْتَفِعِ الحَرَجُ، نظرًا للحِكمةِ والمعنى.
كيف يُتَصَوَّرُ أن أخَوَيْنِ خرجَا مِن بطنٍ واحدٍ، وصُلبٍ واحدٍ، ونامَا جميعًا في مكانٍ واحدٍ سنينَ طويلةً، بل وَلَبِسَا ثيابًا واحدةً، وأكلَا وسافرَا جميعًا، وتعاونا جميعًا هَمُّهم واحدٌ، وفَرَحُهُم في وقتٍ واحدٍ، فإذا ما كَبِرَا وتَرَعْرَعَا دَخَلَ الشيطانُ، وحَرَّشَ بينهما، حتى استطاعَ أن يَقْلِبَ هذه العلاقةَ إلى نَكَدٍ وكَيْدٍ وحِقْدٍ وعَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ.
والأَبَوَانِ، إنْ كانَا على قَيْدِ الحياةِ، فَلَيْسَ لهما إلا الحَسْرَةُ والندامةُ، وتذكُّر أبنائهما في صِغَرِهما، وما كانا عليه.
وليتَ الأمرَ يقفُ عند هذا الحدِّ، بل إنهما يُوَرِّثَان هذه الأحقادَ لِأَبْنَائِهِما، وتَظَلُّ الخطيئةُ باقيةً، وشاهدةً على صُنْعِ الإخوةِ.
إنَّ أعظمَ قطيعةٍ في الرَّحِمِ بَعْدَ الوالدين قطيعةُ الإِخْوَةِ، والرسولُ -صلى الله عليه وسلم- يقول، كما في الصحيحين مِن حديثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ»([2]).
بل جاء في الصحيحين الوعيدُ الشديد، كما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 22 - 24]»([3]).
وفي صحيحِ البخاريِّ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ»([4]).
قيل: أَصْلُ الشَّجْنَة عُروقُ الشجرِ المشتبكةُ، وقوله «مِنَ الرَّحْمَنِ» أي أُخِذَ اسمُها مِن هذا الاسمِ، كما في حديثِ عبد الرحمن بنِ عوفٍ في السُّنَنِ مَرفُوعًا: «أَنَا اللهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنْ اسْمِي»([5]).
قال الإسماعيلي: «مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّحِمَ اشْتُقَّ اسْمُهَا مِنَ اسْمِ الرَّحْمَنِ، فَلَهَا بِهِ عُلْقَةٌ»([6]).
واسمع إلى هذه العُقوبةِ الشديدةِ في الحديثِ الذي رواه التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، وأبو دَاوُدَ وابنُ ماجَهْ عن أبي بَكْرَةِ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا -مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ- مِنَ البَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ»([7]).
وأخرجَ الطبَرَانِيُّ عن الأعْمَشِ قال: كان ابنُ مسعودٍ جالسًا بَعْدَ الصُّبْحِ في حَلْقَةٍ فقال: «أَنْشُدُ اللهَ قَاطَعَ رَحِمٍ لَمَا قَامَ عَنَّا، فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَدْعُوَ رَبَّنَا، وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ مُرْتَجَةٌ دُونَ قَاطَعِ رَحِمٍ»([8]).
وروي كذلك في الآثارِ: «أَنَّ الرَّحْمَةَ لَا تنزلُ عَلَى قومٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رحِمٍ»([9]). و«أَنَّ الملائِكَةَ لَا تَنْزِلُ على قَوْمٍ فِيهِمْ قاطِعُ رَحِمٍ»([10]).
قال الحافظُ في الفتحِ: «قال الطيبي: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالرَّحْمَةِ الْمَطَرُ، وَأَنَّهُ يُحْبَسُ عَنِ النَّاسِ عُمُومًا بِشُؤْمِ التَّقَاطُعِ»([11]).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 91، 92].
بَاركَ اللهُ لي ولَكُم في القرآنِ العظيم، ونفعَني وإيَّاكم بما فيه مِن الآياتِ والذِّكر الحكيم، أقولُ ما سمِعْتُم، وأَستغفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولَكُم ولِسائر المسلمين مِن كُلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاسْتغفِرُوه وتُوبوا إليْهِ؛ إنَّه هو الغفور الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهَدُ ألا إله إلا اللهُ؛ تعظيمًا لشانِه، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه الدَّاعي إلى جنَّته ورِضوانِه، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه، أَمَّا بعْدُ:
مَعْشَرَ الإِخْوَةِ، إنَّ مِن أَعْظَمِ أسبابِ الخلافِ بين الإخوة هو تَصَرُّفُ الوالِدَيْن في تفضيلِ بعضِهما على بعضٍ، وعَدَمِ العَدْلِ بينهم.
وقد قال إخوةُ يوسفَ -رحمه الله-: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يوسف: 8].
وذلك إما لكثرةِ الثناءِ على أحدِهم دونَ الآخَرِ، أو التقليلِ مِن عَقْلِ، أو تَصَرُّفِ أَحَدِهِم، أو بإعطائِه، وتمييزِه عن غيرِه، وهذا مُحَرَّمٌ لا يجوز، بل عليه أنْ يَعْدِلَ، ويُلاحِظَ لَحْظَهُ وضَحِكَه واهتمامَه، بأن يكونَ عادلًا لا يُؤَلِّبُ القلوبَ.
ورسالتي إلى الأخِ الأكبرِ بأنَّ عليك مسؤوليةً تِجَاهَ إخوتِك وأخواتِك، فأنت مَن يُعَلَّقُ عليه الأَمَلُ بعدَ اللهِ في تَوازُنِ عِلاقاتِ الإخْوَةِ، خَفِّفْ مِن كِبريائِك أمامَ إخوتِك، اسْتَشْعِرْ أنك بِتَوَاضُعِك تَفْرِضُ احترامَك عليهم، وأنك بِتَضْحِيَتِك تُمارِسُ عبادةً هي مِن أعظمِ العباداتِ وأَزْكَاها.
فكما أن لك حقًّا، فإن عليك حُقُوقًا، وحَفِظَ اللهُ مُهْجَةَ أَخٍ ضَحَّى بشبابِه ومالِه ووقتِه مِن أَجْلِ إخوتِه وحِفْظِهِم واجتماعِهم، وإنْ نَالَهُ ما نالَ.
وعلى الإخوةِ أنْ يُقدِّرُوا حَقَّ أخيهمُ الأكبرِ، وأنْ يَتَنَازلوا له، لِيَحْفَظُوا لُحْمَةَ نَسَبِهِم، وحَقَّ وَالِدِيهم.
ومَن تَأَمَّلَ أحوالَ الناسِ وجدَ أنَّ كثيرًا مِن المشاحناتِ أسبابُها تافهةٌ حقيرةٌ تحتاجُ إلى شجاعةٍ وتَواضُعٍ وتَسَامُحٍ.
ولْيُعْلَمْ أنه إنْ لم يُقَدِّرِ اللهُ بين الإخوةِ الحُبَّ وقُوَّةَ الانتماءِ، فلا أَقَلَّ مِن الصِّلَةِ والسلامِ والاجتماعِ الدَّوْرِيِّ، وعَدَمِ إشعارِ الأبناءِ والزوجاتِ بِمَا في القَلْبِ، حتى لا تنتقلَ إلى الآخرين، بل عليهما أن يَتَجَلَّدَا، فإن التَّحْرِيشَ هو سلاحُ إبليسَ، بل إن الفُرْقَةَ هي أحبُّ شيء إليه، كما روى مسلمٌ في صحيحه مِن حديث جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. -قَالَ- فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَلْتَزِمُهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ»([12]).
وهذا التَّحْرِيشُ يكون دائمًا في تصرفاتٍ لم يَقْصِدْهَا الآخَرُ، أو لم يَحْسِبْ لها حِسَابًا، بأنها قد تؤدي إلى القَطِيعَة.
وكَمْ مِنْ نِقَاشٍ بدأ بِحُسْنِ نِيَّةٍ، ثم انتهى إلى ما لا تُحْمَدُ عُقْباه.
وكَمْ مِن زيارةٍ وصِلَةٍ كان مَبْدَؤُها التواصلَ، وانتهت بالقطيعةِ.
ولِذا على الإخوة أن يَتَهَيَّؤوا لِمثْلِ هذه الأحداثِ، ويتعلموا كيف يتجاوزونها، وكيف يتعاملون معها، فهذه العلاقةُ مُعَرَّضَةٌ للخَدْشِ.
ولكن الشأنُ كيف نكون عِندَ قَدْرِ المسؤوليةِ، وإعطاء الأمور حَجْمَها الحقيقيَّ.
ورسالةٌ إلى كُلِّ متخاصِمَيْن مِن الإخوةِ: تَذَكَّرْ أنك عند اللهِ عظيمٌ وخَيِّرٌ إذا بَدَأْتَ بالسلامِ، وتَحَمَّلْتَ ما يأتيك.
وتَذَكَّرْ أنك في جهادٍ مع نفسِك، وأن العَظَمَةَ تَكْمُنُ في قَهْرِ النفس، والشجاعة َ تَكُونُ في التَّغَلُّبِ عليها، وعَدَمِ الرُّضُوخِ لِوَسْوَاسِها.
فليس الشأنُ أن تكونَ عند الناسِ قَوِيًّا، وإنما الشأنُ أن تكون عند نفسِك قَوِيًّا وشُجَاعًا.
وتَذَكَّرْ هذه التزكيةَ مِن اللهِ، بأنه لا يَقْدِرُ على هذا إلا الكُمَّلُ مِن الرجالِ، قال الله -جل وعلا-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34، 35].
ثمَّ صلُّوا وسلِّمُوا على رسولِ الْهُدَى، وإمام الورى، فقد أمركم ربُّكم فقال -تبارك وتعالى-: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
([2]) أخرجه البخاري (5/2231، رقم 5638) ، ومسلم (4/1981، رقم 2556).
([3]) أخرجه البخاري (5/2232، رقم 5641)، ومسلم (4/1980، رقم 2554).
([4]) أخرجه البخاري (5/2232، رقم 5642).
([5]) أخرجه الترمذي (4/315، رقم 1907).
([7]) أخرجه أبو داود (4/276، رقم 4902) ، والترمذي (4/664، رقم 2511) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (2/1408، رقم 4211).
([8]) أخرجه الطبراني (9/158، رقم 8793).
([9]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، رقم (63).
المرفقات
الأشقاء
الأشقاء