علاج القلق والهموم-7-6-1436هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1436/06/07 - 2015/03/27 04:50AM
[align=justify]إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا-أما بعد:
فيا أيها الإخوة، خلقَ اللهُ الناسَ من نفسٍ واحدة؛ [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ]، نفسٌ واحِدة تكتسِبُ بحكمةِ الله وقُدرتِه أوصافًا، وتحمِلُ سِماتٍ، وتعيشُ أحوالاً، تتنازعُها الشهواتُ والشُّبُهاتُ، والمحبُوبات والمكرُوهاتُ، [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا]، [أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ*وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ*وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ].
لقد اعتنَى القرآنُ الكريمُ بهذه النفسِ الإنسانيَّة غايةَ العنايةِ؛ لأن الإنسانَ هو محلُّ التكليفِ، وهو المقصودُ بالهدايةِ والتوجيهِ والإصلاحِ، ومن شرحَ اللهُ صدرَه للإسلامِ، وعمَرَ قلبَه بالإيمانِ اطمأنَّت نفسُه، وهدَأَت سريرتُه، وتنزَّلَت عليه السَّكينةُ، وامتلأَ بالرِّضا قلبُه، [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ]، [فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ].
كم من مُسلمٍ تكالَبَت عليه الهُمومُ، فتوضَّأَ وتطهَّرَ، ثم قصَدَ إلى زاويةٍ من بيتِه، أو مشَى إلى مسجِده فتلا من كتابِ اللهِ ما تيسَّر له، أو صلَّى ما كُتِبَ له فانزاحَت هُمومُه، وقامَ كأنَّما نشِطَ من عِقال؟!، وكم من مُسلمٍ اضطجَعَ على جنبِه الأيمنِ في منامِه، وقرأ بعضَ آياتٍ أو تلا بعضَ أورادٍ، فنامَ قريرَ العينِ محفوظًا بحِفظِ الله؟!، وكم من مُسلمٍ أصابَه قلقٌ أو وحشةٌ فاستأنَسَ بآياتٍ من كتابِ ربِّه، فوجدَه نعمَ الأنيسُ وخيرَ الجليسُ؟!، وكم من مُسلمٍ نالَه فقرٌ أو مسَّه جوعٌ، فوجدَ في كتابِ الله شِبَعَه وغِناه؟!، وكم من غنيٍّ كادَ أن يُطغِيَه غِناه، فأنقَذَه مولاه بآياتٍ من كتابِه، فانكشَفَ له السِّتارُ، وتذكَّر النِّعَم، وابتغَى ما عندَ اللهِ؟!، الصالِحونَ الطيِّبُونَ المُحسِنونَ، المشَّاؤُون للمساجِدِ هم المُطمئنُّونَ بذِكرِ اللهِ، وهم الأقوَى والأقدرُ على مصائِبِ الحياةِ وتقلُّباتِها، لا تُعكِّرُ التقلُّباتُ طُمأنينَتَهم، ولا تستثِيرُ المُنغِّصاتُ سكينتَهم.
أيها الكرام: هذا هو حالُ أهلِ الإيمانِ والصلاحِ، بينما يتعذَّبُ ملايينُ البشرِ اليومَ، يلهَثُون وراءَ المُسكِّناتِ والمُنوِّماتِ، والعياداتِ والمُستشفَيَاتِ، ويبحَثُون في الكتبِ والمُؤلَّفاتِ والمقالاتِ، أقلقَهم القلقُ، وفقَدَت نفوسُهم الأمنَ، قلِقُون من الموتِ، يخافُون من الفشلِ، جزِعُون من الفقرِ، وجِلُون من المرضِ، إلى غير ذلك مما تجرِي به المقادِيرُ على جميع الخلائِقِ.
القلقُ-حفِظَكم الله وسلَّمكم-انفعالٌ واضطِرابٌ داخِلَ النفسِ يُعانِي منه الإنسانُ حين يشعُرُ بالخوفِ أو الخطَرِ من حاضِرٍ أو مُستقبَلٍ، والإنسانُ القلِقُ يعيشُ حياةً مُظلِمةً، مع سُوءِ الظنِّ بمن حولَه وبما حولَه، تغلِبُ عليه مشاعِرُ الضيقِ والتشاؤُمِ والتوتُّرِ والاضطِرابِ وعدمِ الثِّقةِ، بل يرَى الناسَ عُدوانيينَ حاقِدينَ حاسِدينَ، حتى قالوا: "إن وراءَ مُرتكِب الجريمةِ قلَقًا دفعَه إلى اقتِرافِها"، إما خوفٌ من موتٍ، أو جُوعٍ، أو فقرٍ، أو مرضٍ، أو فشلٍ، أو غيرِ ذلك من الدوافِع والهواجِس التي تمتلِئُ بها هذه الحياةُ، هذا القلِقُ المُضطرِبُ غلَبَتْ عليه الدنيا، فكانت أكبرَ همِّه فزادَ قلقُه، وطالَ أرَقُه، "ومن كانت الدنيا همَّه جعلَ اللهُ فقرَه بين عينَيه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِب له".
ثم تذكَّروا-حفِظَكم الله ورحِمَكم-هذا الدعاءَ: "اللهم لا تجعَل الدنيا أكبرَ همِّنا"، أينَ الراحةُ إذا كانت الدنيا هي مُنتهَى الأملِ؟!، وأين الطُّمأنينةُ إذا كانت الدنيا هي غايةُ السعي؟!، هدوءُ النفسِ وراحةُ البالِ نعمةٌ عظيمةٌ، لا يعرِفُ قيمتَها إلا من فقَدَها، ومن أصابَه الأرَقُ أو دبَّ إليه القلَقُ عرفَ معنى هذه النعمةِ، [وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ]، من فقَدَ راحةَ البالِ تدلهِمُّ أمامَه الخُطُوبُ، وتجثُمُ على صدرِه الهُمومُ، فيتجافَى عنه النومُ، ويفقِدُ الراحةُ، وتُظلِمُ الدنيا في عينَيه.
أيها الإخوان: مساكِينُ أهلُ هذا العصرِ حين يدرُسُون النفسَ الإنسانيَّة مقطوعة الصِّلة بالله خالِقِها ومُدبِّرها، ومُقدِّر أحوالِها وشُؤونِها، يتكلَّمون عن أثرِ البيئةِ، وعن أثرِ الأُسرةِ، وعن أثرِ الاقتِصادِ-ولا شكَ أنَّ لها تأثيرًا-ولا يتكلَّمون عن الهُدى والضلالِ، والكُفرِ والإيمانِ، والطاعةِ والعبادةِ، فانقَلَبَت عندهم المعايِيرُ، واضطرَبَت لديهم المقايِيسُ، وذهبَت الفضائِلُ، وضاعَت القِيَمُ، وانحلَّت الأخلاقُ، فلم تُفِد حلولُهم، ولن تُجدِيَ اختباراتُهم ولا مُختبراتُهم، فمن ضلالِهم وانحِرافاتِهم عَدُّوا ضبطَ الشهواتِ كبتًا، والإحساسَ بالذنبِ تعقيدًا؛ بل المرأةُ عندهم إذا لم تتَّخِذ صديقًا يُعاشِرُها بالحرام فهي مريضةٌ شاذَّةٌ، ونعوذُ بالله من انتِكاسِ الفِطَر، وفي كلمةٍ مُنصِفة: فقد انتقَدَ عُقلاؤُهم هذا الانحِرافَ المُهلِكَ في مبادِئِ هذه الحَضارَة وفِكرِها ونظرتِها للإنسانِ ونفسِ الإنسانِ؛ فقال قائلٌ منهم: "إن بينَنا وبينَ اللهِ رابِطةً لا تنفصِلُ، فإذا خضَعنا للهِ تحقَّقَتْ آمالُنا وأمنيَّاتُنا، وحقَّقنا أمنَنا وطُمأنينَتنا"، وقال آخرُ: "إن أعظمَ علاجٍ للقلقِ هو الإيمانُ"، ويقولون: "الإيمانُ والاستِقامةُ كفِيلانِ بإبعادِ القلَقِ والتوتُّرِ، وفيهما الشفاء-بإذن الله-من الأمراضِ النفسيَّة"، ويقولون: "الصلاةُ أقربُ طريقٍ لبثِّ الطُّمأنينة في النفوس، وبثِّ الهُدوء في الأعصاب".
لا حصانَة للنفس ولا حِفظَ للمُجتمع أعظمُ وأنجَعُ وأسرعُ من الإيمانِ بالله، والسَّيرِ على هُدى اللهِ؛ الإيمانُ ينشُرُ الأمانَ، ويبعثُ الأملَ، والأملُ يبعثُ السَّكينةَ، والسَّكينةُ تُورِثُ السعادةَ، فلا سعادةَ بلا سَكينةٍ، ولا سَكينةَ بلا إيمانٍ، فالإيمانُ هو الغذاءُ، وهو الدواءُ، وهو الضياءُ، صاحبُ الإيمانِ راسِخُ العقيدةِ، حسنُ العبادةِ، جميلُ التوكُّلِ، كثيرُ التبتُّلِ، عظيمُ الخُضوعِ، طويلُ الخُشوعِ، مُديمُ الذِّكرِ، عميقُ الفِكرِ، مُلازِمٌ للعملِ الصالِحِ، واسِعُ الصدرِ، عظيمُ الأملِ، كثيرُ التفاؤُلِ، لا يتحسَّرُ على ماضِيه باكِيًا، ولا يعيشُ حاضِرَه ساخِطًا، ولا ينتظِرُ مُستقبَلَه خائِفًا قلِقًا، يقول ابن القيم-رحمه الله-: "لا تُفسِد فرحَك بالقلق، ولا عقلَك بالتشاؤُم، إنك لو تأمَّلتَ حالَك لوجدتَّ أنَّ اللهَ قد أعطاك أشياءَ دونَ أن تطلُبَها، فثِق أنَّ اللهَ لم يمنَع عنك حاجةً رغِبتَها إلا ولك في المنعِ خيرٌ تجهلُه".
أيها النبلاء: المُؤمنُ مُؤمنٌ بأقدارِ الله ومقادِيرِه، فما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشَأْ لم يكُنْ، [مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ ولا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ*لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ولا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ]، واللهُ هو الرزَّاق، ورِزقُ اللهِ لا يجُرُّه حِرصُ حريصٍ، ولا ترُدُّه كراهيةُ كارِهٍ، والمُسلمُ يجمعُ بين التوكُّلِ والأخذِ بالأسبابِ، [وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ]، "فاتَّقُوا الله وأجمِلُوا في الطلَب؛ فإن نفسًا لن تموتَ حتى تستوفِيَ رزقَها وأجلَها"؛ المُؤمنُ يعيشُ وذِكرُ اللهِ شِعارُه، والتوكُّلُ على اللهِ دِثارُه، وما تلذَّذَ المُتلذِّذُون بمثلِ ذِكرِ اللهِ، وعجَبًا لمن ابتُلِيَ بالغمِّ كيف ينسَى: [لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ].رُوِي عن جعفر الصادقِ-رضي الله عنه-: "عجِبتُ لمن اغتمّ ولم يفزَعْ إلى قولِه-تعالى-: [لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ]، دعوة ذي النُّون-عليه السلام-فإني سمعتُ اللهَ يُعقِبُها بقولِه: [فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ]، وعجِبتُ لمن أصابَه الحَزَن ولم يفزَعْ إلى قولِه-تعالى-: [حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ]، فإني سمعتُ الله يقول: [فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ].وعجِبتُ لمن أحاطَت به المكائِد ولم يفزَعْ إلى قولِه-تعالى-: [وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ]، فإني سمعتُ اللهَ يُعقِبُها بقوله: [فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا]"، ويُصدِّقُ ذلك ويُجلِّيه: قولُ نبيِّنا محمدٍ-صلى الله عليه وآله وسلم-: "دعوةُ ذي النُّون إذ دعا ربَّه وهو في بطنِ الحُوتِ: [لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ]، لم يدعُ بها رجلٌ مُسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استُجيبَ له"، ومن الدَّقيقِ اللطيفِ: ارتِباطُ دعواتِ المكرُوبِ بتحقيقِ التوحيدِ؛ يقولُ-عليه وآلهِ الصلاةُ والسلامُ-: "اللهم رحمتَك أرجُو، فلا تكِلني إلى نفسِي طرفةَ عينٍ، وأصلِح لي شأني كلَّه، لا إله إلا أنت"، وقال لأسماءَ بنتِ عُميسٍ: "ألا أُعلِّمُكِ كلماتٍ تقوليهنَّ عند الكَربِ؟ الله ربِّي لا أُشرِكُ به شيئًا".
الالتِجاءُ إلى الله والتوكُّل عليه وحُسن الظنِّ به من أعظمِ مُفرِّجاتِ الهُمومِ، وكاشِفاتِ الكُروبِ، وطارِداتِ القلَقِ، [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا]، [وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ]، والتعلُّقُ بالله ودُعاؤُه من أعظم السُّبُل لدفعِ القلق؛ كيف وقد كان نبيُّكم محمدٌ-صلى الله عليه وآله وسلم- إذا أكربَه أمرٌ قال: "يا حيُّ يا قيومُ، برحمتِك أستغيثُ"، ويقول-صلى الله عليه وآله وسلم-: "ما من مُؤمنٍ يُصيبُه همٌّ أو غمٌّ أو حَزَن فيقولُ: اللهم إني عبدُك، ابنُ عبدِك، ابنُ أمَتِك، ناصِيَتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك اللهم بكل اسمٍ هو لك، سمَّيتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثَرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآن الكريمَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حَزَني، وذهابَ همٍّ وغمِّي؛ إلا فرَّج الله عنه".
وبعد، أيها الكرام: فيجمعُ لكم ذلك كلَّه كتابُ الله؛ فهو الشفاءُ لما في الصدور، والشفاءُ لكل الأمراض البدنيَّةِ والنفسيَّةِ، والظاهرةِ والباطِنةِ، [وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ]، [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ]، بتلاوتِه تطمئنُّ القلوبُ فلا اضطِراب، وبالاستِمساكِ به تطمئنُّ فلا قلق، وبتدبُّره تطمئنُّ فلا وسوسة.
الخطبة الثانية
فأمَّا ما كانَ من القلَقِ حافِزًا إلى الخيرِ، وباعِثًا على العملِ، فهو قلقٌ محمودٌ؛ بل هو خيرٌ وفضلٌ ونعمةٌ، اقرأُوا إن شِئتُم: [وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ*أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ]، فالمُحاسبةُ والقلقُ خشيةَ التقصيرِ من صِفاتِ المُؤمنينَ المُخلِصينَ. أما عدمُ الاكتِراثِ والمُبالاةِ فمن صِفاتِ المُنافِقينَ، يقولُ الحسنُ- رحمه الله-: "المُؤمنُ أحسنُ الناسِ عملا، وأشدُّ الناسِ خوفًا؛ فالمُؤمنُ لا يزدادُ صلاحًا وبِرًّا وعبادةً إلا ازدادَ خوفًا ويقول: لا أنجُو، إنه يخشَى عدمَ القبولِ"، المُؤمنُ لا يخافُ إلا الله، يخافُ أنْ يكونَ فرَّطَ في حقِّهِ، ويخافُ أنْ يكونَ قد اعتَدَى على خلقِهِ، كما قال أبو الأنبياءِ-عليه السلام-: [وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ ولا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ]، ألا فاتَّقوا الله-رحمكم الله-، واعمَلوا مُشفِقين، وجِدُّوا حذِرِين، واستحضِرُوا مقالةَ عبادِه المُؤمنين: [إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ].
[/align]
المرفقات

علاج القلق والهموم-7-6-1436هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.doc

علاج القلق والهموم-7-6-1436هـ-صالح بن حميد-الملتقى-بتصرف.doc

المشاهدات 2203 | التعليقات 0