عقوق الوالدين

طلال شنيف الصبحي
1437/06/19 - 2016/03/28 05:58AM
عقوق الوالدين 26 / 12/ 1436 ه
الْحَمْدُ لله الَّذِي حَذَّرَنَا مِنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَأَمَرَنَا بِالاَسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، أَحْمَدُهُ وَهُوَ الْغَفُورُ الشَّكُورُ، أَمَرَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَحَذَّرَ وَنَهَى عَنِ الْعُقُوقِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،صلى الله عليه وَعَلَى آلِهِ وَاصَحْابِهِ وسلم تسليماً كثيرا.أما بعد:( يا أيها الذين
عباد الله:حديثنا اليوم حديث حنان وذكرى،حديث شوق وعبرة،حديث حب واشتياق،إنه حديث عن أغلى وأعز وأكرم شخصين إنهما الوالدين.إننا في زمن قد عظمت غربته، واشتدّت كربته، فلم يرحم الأبناء والبنات شفقة الآباء ودموع الأمهات, في هذا الزمان الذي قلّ فيه البر وازداد فيه العقوق والشر.احذر–يا عبد الله-عقوق الوالدين،فإنه من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، قال"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالها: ثلاثاً،قلنا: بلى يا رسول الله،قال: الإشراك بالله،وعقوق الوالدين"[متفق عليه] وعن ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه،ومدمن الخمر،والمنان"[أخرجه النسائي].وعن عمرو بن مُرَّةِ الجهني قال: جاء رجل إلى النبي  فقال: يا رسول الله: أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس،وصمت رمضان،وأديت الزكاة،وحججت البيت،فماذا لي؟ فقال رسول الله"من فعل ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلاّ أن يعق والديه"[رواه أحمد والطبراني بسند صحيح].احذر-يا عبد الله-عقوبة الله نتيجة لعقوقك،قال النبي"كل الذنوب يؤخر الله-تعالى-ما شاء منها إلى يوم القيامة،إلا عقوق الوالدين،فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات"قال مجاهد-رحمه الله"لا ينبغي للولد أن يدفع يد والده إذا ضربه"وسئل كعب الأحبار عن العقوق، فقال: "إذا أمرك والداك بشيء فلم تطعهما،فقد عققتهما العقوق كله"إن عقوق الأبناء تئن له الفضيلة،وتبكي له المروءة، وتأباه الديانة،لأن فعله منكر عظيم، وقبح جسيم. عقوق الوالدين جحود للفضل،ونكران للجميل.فلله كم دمعة ذرفها والد أو والدة على ما يلاقيان من الجحود والاستكبار من أولادهما؟ كم زفرة حرى انطلقت من أب مكلوم، أو أم رؤوم، يشتكيان الهجر والقطيعة،ومن أقرب الناس إليهما؟ ويا لله كم من أب وأم تمنى أن لم يرزق بأولاد، شقي معهم أول عمره، وها هو يشقى بهم في آخره؟ كم حسرة دفنت مع والد في قبره؟ وكم غصة ضاق بها جوف أم لم تحتمل ما ترى؟ كيف تنسى أمك-يا عبد الله- إنها سبب وجودك، تلك المربية المشفقة،لطفها ملئ جنانها،حملتك في أحشائها تسعة أشهر،تألمت من حملك،وكابدت آلام وضعك،حملته كرهاً ووضعته كرهاً،رأت الموت بعينيها عند ولادتك،صرخت وبكت ولما بصرت بك إلى جانبها سرعان ما نسيت آلامها،وعلقت فيك جميع آمالها،رأت فيك البهجة والحياة وزينتها،ثم شُغِلَت بخدمتك ليلها ونهارها،تغذيك بصحتها،طعامك دَرُّها،وبيتك حجرها،ومركبك يداها وصدرها وظهرها،سهرت لراحتك،وحملت أذاك وهي غير كارهة،وتحملت أذاك وهي راضية،تحيطك وترعاك،ولو خيّرت بين حياتك وموتها،لطلبت حياتك بأعلى صوتها،كم عاملتها بسوء الخلق مراراً،فدعت لك بالتوفيق سراً وجهاراً؟ كم كانت تجوع لتشبع أنت،وتسهر لتنام أنت،وتتعب لتستريح أنت،تترك كثيراً مما تشتهيه خشية ضرر يعتريك، فهي بك رحيمة،وعليك شفيقة؟ أنسيت عندما كنت صغيراً،إذا غابت عنك دَعَوتَها،وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثت بها،تحسب كل الخير عندها،وتظن أن الشر لا يصل إليك إذا ضمتك إلى صدرها أو لحظتك بعينها،فكيف بعد ذلك تعقّها؟ فلله درّهنّ من أمهات مشفقات،ومربيات رقيقات،ووالدات حانيات،فجزاهنّ الله عنّا جنة عرضها الأرض والسموات.أما أبوك، فهو السبب في وجودك، إنه الأب الغالي،والوالد الحاني، الموجه القيّم،والمربي الفاضل،وأنت له مجبنة مبخلة،يكد ويسعى،ويدفع عنك صنوف الأذى،ينتقل في الأسفار،ويجوب الفيافي والقفار،ويتحمل الأخطار بحثاً عن لقمة العيش لك ولإخوانك،ينفق عليك،ويصلحك ويربيك،إذا دخلت عليه هش،وإذا أقبلت إليه بش،وإذا خرج تعلقت به،وإذا حضر احتضنت حجره وصدره،إذا غبت سأل عنك،وإذا تأخرت انتظرك،يُنشِّئ وينفق،ويربي ويشفق،إذا رآك ابتسم محياه،وبرقت ثناياه،فكم يبذل لتعليمك وتربيتك، وتغذيتك وتنشئتك،فجزاه الله من والد كريم، وأب رحيم. إنهما والداك-يا عبدالله-إذا ذكرتهما ذكرت البر والإحسان،إذا ذكرتهما أسعفتك بالدموع العينان،مضت أيامهما،وانقضى شبابهما،وبدا لك مشيبهما،وقفا على عتبة الدنيا وهما ينتظران منك قلباً رقيقاً،وبراً عظيماً،وقفا ينتظران منك وفاء وبراً،والجنة أو النار لمن برّهما،أو عقهما، فطوبى لمن أحسن إليهما،ولم يسئ لهما.طوبى لمن أضحكهما ولم يبكيهما،طوبى لمن أعزهما ولم يذلهما،طوبى لمن أكرمهما ولم يهنهما،طوبى لمن نظر إليهما نظر رحمة وودّ وإحسان،وتذكر معها ما كان منهما من برّ وعطف وحنان،طوبى لمن أسهر ليله ونصب في نهاره وضنى جسده في حبهما،طوبى لمن شمر عن ساعد الجد في برهما، فما خرجا من الدنيا إلاّ وقد كتب الله له رضاهما.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) بارك الله لي ولكم
فيا أيها الأبناء, يا من أبكى أبويه وأحزنهما،وأسهر ليلهما،وحمّلهما أعباء الهموم،وجرعهما غصص الفراق،ووحشة البعاد:هلا أحسنت إليهما،وأرضيتهما،وأضحكتهما،كم آذيتهما مراراً وهما يدعوان الله لك سراً وجهاراً،ارجع إلى والديك،وجاهد فيهما،أحسن صحبتهما،الزم خدمتهما،أطع أمرهما،أدخل السرور على قلبيهما.وإذا فقدتهما وابتليت بموتهما،فإنك لا تذكر إلا حينئذ فضلهما،وتَمقُت نفسك على إساءتك لهما،وتقول:يا ويحي،ماتا قبل أن أبرهما،ويا خسارتي، إذ لم أقم برد جميلهما، ولم أشكر حسن صنيعهما، وقد رحلا قبل أن يجدا مني ما يُرضي نفوسهما.قال "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنّ:دعوة المظلوم،ودعوة المسافر،ودعوة الوالد على ولده"ذُكِر أن شاباً اسمه:"مُنازِل"كان مكباً على اللهو واللعب،لا يفيق عنه،وكان له والدٌ صاحب دين،كثيراً ما يعظ هذا الابن،ويقول له: يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته،فإن لله سطواتٌ ونقماتٌ،ما هي من الظالمين ببعيد،وكان إذا ألحّ عليه زاد في العقوق،ولما كان يوم من الأيام ألحّ على ابنه بالنصح على عادته،فمدّ الولد يده على أبيه،فحلف الأب بالله مجتهداً ليأتينّ بيت الهر الحرام،فيتعلق بأستار الكعبة،ويدعو على ولده،فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام،فتعلق بأستار الكعبة،وأنشأ يقول: يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا * عَرضَ المَهامة من قُربٍ ومن بُعُدِ
إني أتيتك يا من لا يُخيِّبُ من*يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد//هذا مُنازِلُ لا يرتدُّ من عَقَقِي*فخذ بحقيَ يا رحمن من ولدي//وشُلَّ منه بحولٍ منك جانبه * يا من تقدَّس لم يولد ولم يلِد//فقيل إنه ما استتم كلامه حتى يبس شِقُّ ولده الأيمن -نعوذ بالله من العقوق-. اللهم إنا نسألك أن تعيننا على بر والدينا. أحياءً وأمواتاً
المرفقات

عقوق الوالدين.docx

عقوق الوالدين.docx

المشاهدات 1537 | التعليقات 0