عقد النكاح وبناء الأسرة ( تعميم وزاري )

راشد بن عبد الرحمن البداح
1445/05/09 - 2023/11/23 10:49AM

حمدُك ربَنا ونشكرُك ولا نكفرُك، ونخلعُ ونتركُ من يَفجرُك، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةَ ملتزمٍ بقواعدِ الدينِ ومعاقدِهِ، وأشهدُ أن نبيَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، الهاديْ إلى معالمِ الدينِومعاهدِهِ، فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ إلى يومٍ لا يَجزِي فيه مولودٌ عن والدِهِ. أمّا بعدُ:

فاتقوا اللهَ، فمن اتقاهُ وقاهُ.

أيُها المؤمنونَ: لقد عُنِيَ الإسلامُ بتكوينِ الأسرةِ المسلمةِواستصلاحِها، واستصلاحُ الأُسَرِ لا يكونُ إلا باستقرارِ الزوجينِونجاحِهما، فالزواجُ الناجحُ نجاحٌ للمجتمَعِ، وسكَنٌ للنفوسِ. {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف189]

ولذا فعلى الأبوينِ أن يضَعَا في بالِهِما أن من أساسياتِ تربيتِهملأولادِهم، إناثًا كانوا أم ذكورًا، أن يُنشؤوهم على تحمُّلِ المسؤوليةِ،ويعوِّدوهم منذُ الصغرِ بتكليفِهم تدريجيًا ببعضِ مهامِ البيتِ، حتى إذا بلغُوا مبلغَ الزواجِ، فسيكونونَ على قدرِ المسئوليةِ، ولديهِم اقتدارٌ على بدءِ بناءِ بيتٍ زوجيٍ ناجحٍ، وهكذا تتناسلُ البيوتُ بالزواجِ، وتستمرُالحياةُ كما أرادَها اللهُ –تعالى- حينما قالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} ولم يَقُلْ: لتسكنُوا معها؛ لأنّ الزواجَ سكنٌ وراحةُ بالٍ، لا كما يُصورُه المتندرِونَ والمستهزئونَ، بأنه نكدٌومشاكلٌ.

أيُها المسلمونَ: لقد عظَّم اللهُ -تعالى- أمرَ عقدِ النكاحِ، فإنَّ استحلالَالفروجِ أمرٌ ليس بالهيِّنِ، ولذا فقد سمَّى عقدَ النكاحِ بالميثاقِ الغليظِ، أيالعقدُ الموثقُ بقوةٍ، فقالَ: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} فهو أمتنُ عقدٍشرعيٍ. فإذا طرأَ عليه ما عكَّرَ جوَّهُ، فقدْ أرشدَ لتصفيةِ الجوِ، بسلوكِثلاثِ طرقٍ يُتدرَّجُ فيها، بالوعظِ، ثم الإعراضِ عن الفراشِ، ثم الضربِغيرِ المُبرِّحِ {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}.

فاقدرْ –أيُها الزوجُ- قدرَ بنتِ الناسِ الذين ارتضَوْكَ لتكشفَ لك شرعًا ما لا تكشفُه لوالدَيها. واقدرِي قدرَ الذي اختاركِ من بينِالنساءِ؛ لتكوني شريكةَ حياتهِ، وأمَ أولادهِ.

أيُها المقبلونَ على الزواجِ وحديثُو العهدِ بالزواجِ: عليكم بمراعاةِبدايةِ زواجِكم، بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ. تغاضَوا واصبرُوا واحلِمُوا (وَأَنْتَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) وتذكرُوا أن البيوتَإن لم تَقُمْ على المودةِ فلا أقلَ من أن تقومَ على الرحمةِ، فربُنا يقولُ[وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ].

أيُها الأزواجُ الجُددُ والقُدامَى: إليكمْ قصةً من خيرِ القرونِ، فلنأخذْمنها دروساً تطبيقيةً مع أزواجِنا.

فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَشْكُو إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ، فَوَقَفَ بِبَابِ عُمَرَ يَنْتَظِرُهُ، فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا،وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ مُوَلِّيًا، فَنَادَاهُ:مَا حَاجَتُك يَا أَخِي؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، جِئْتُ أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ زَوْجَتِي، وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ، فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِكَ، فَرَجَعْت وَقُلْت: إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ، فَكَيْفَ حَالِي؟! فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّمَا تَحَمَّلْتُهَا لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ، إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي، خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي، غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي، رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، وَيَسْكُنُ قَلْبِي بِهَا عَنْ الْحَرَامِ، فَأَنَا أَتَحَمَّلُهَا لِذَلِكَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَكَذَلِكَ زَوْجَتِي. قَالَ عُمَرُ:فَتَحَمَّلْهَا يَا أَخِي؛ فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ().

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:

فيا أيُها الزوجُ الذي اتسعتْ عينُه لمرأَى نساءٍ لا تحلُ له، ثم تَفاجأَبما لم يرَه في زوجتهِ: إياكَ والنظرةَ المثاليةَ، وإياكَ والمقارناتِ، واقنَعْ بما عندَك، واجعلْ هذهِ الوصيةَ النبويةَ نبراسَك، فالنبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ. رواهُ مسلمٌ().لَا يَفْرَكْ: أي لا يُبغِضْ. ومعنى هذهِ الوصيةِ الجليلةِ –كما قالَ الشيخُ ابنُ سِعديٍ –رحمهُ اللهُ-: بأن يتأملَ ما في زوجتهِ من المحاسنِ التي يحبُها، وينظرَ إلى السببِ الذي دعاهُ إلى التضجرِمنها.. فإذا كان منصِفاً غضَ عن مساوئِها لاضمحلالِها في محاسنِها. وبهذا تدومُ الصحبةُ، وربَما أن ما كَرِهَ منها تسعَى بتعديلهِأو تبديلهِ().أ.هـ.

وكذلك يجبُ على الزوجةِ أن تَقصُرَ عينَ زوجِها عليها بحُسنِ تبعُّلِها له، وفهمِ نفسيتِه جيداً، ولا تشعرَه بعدمِ حاجتِها إليه، ولا تقللَ من قيمةِما يقومُ به من أجلِها ومن أجلِ أولادهِما. {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء19]

• فاللهم اجعلِ المودةَ والرحمةَ بين الأزواجِ وزوجاتِهم.
• اللهم اشرحْ صدورَ الشبابِ والفتياتِ للزواجِ، ويسرْ وباركْ زواجاتِهم.
• اللهم ووفقهمْ للمحافظةِ على دينِهم وصلاتِهم وأوقاتِهم، وقيمِهم ومحاسن عاداتِ بلدِهم ومكتسباتِ وطنِهم.
• اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
• اللهم احفظ علينا دينَنا وجنودَنا وحدودَنا وثمراتِنا وثرواتِنا، وأرضَنا وسماءَنا، وادحرْ أعداءَنا، وانصرْ إخوانَنا بأكنافِ بيتِ المقدسِ، واهزم إخوانَ القردةِ والخنازيرِ.
• اللهم احفظْ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ.
• اللهم أيدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، اللهم ارزقهمْ بطانةَ الصلاحِ والرشادِ.
• اللهم لكَ الحمدُ يا مَن هو للحمدِ أهلٌ. لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من الوديانِ والشِعابِ.
• اللهم تابعْ علينا الخيراتِ، وأحضِرْ معها البركاتْ.
• اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.

المرفقات

1700725732_‎⁨عقد النكاح وبناء الأسرة⁩.docx

1700725733_‎⁨عقد النكاح وبناء الأسرة⁩.pdf

المشاهدات 1588 | التعليقات 0