عقبات في طريق الزواج

محمد سعيد صديق
1435/08/14 - 2014/06/12 05:35AM
الخطبة الأولى العنوان / عقبات في طريق الزواج
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد، فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عزوجل:( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
أيها المؤمنون، تسر العين وينشرح القلب وتطيب النفس عندما نرى ونسمع ذلك البناء العظيم الذي سيبدأ بنيانه وأهله يعدون العدة لإقامته وإتيانه، وكيف لا يكون عظيمًا والمولى سبحانه تفضل به منة وإنعامًا، ونبيه صلى الله عليه وسلم وجه إليه وحث عليه صيانة للإنسانية وإكراما؟! به يقطع الشر ويشيع الطهر ويحفظ الفرج ويغض البصر، إنه الزواج، آية من آيات الله،( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) . وإن من واجب هذه النعمة ، شكرها وإحاطتها بما يرضيه سبحانه ، والحذر مما يغضبه جل جلاله . و من المسلمين اليوم ، من لا يقدر هذه النعمة ، ولا يعرف فضلها ، ولذلك تجده يحيطها بأنواع من المخالفات وكثير من المنكرات ، وسوف نذكر شيئا منها ، ولكن قبل ذلك ؛ نذكر بثلاث مسائل هامة :
المسألة الأولى :
أن من الناس ، من يحاول أن يأتي بأشياء ، لم يسبق إليها ، يريد أن يتميز ، يريد أن يكون زواجه أو زواج ابنه أو ابنته لا مثيل له ، حتى ولو جاء بأشياء منكرة ، حتى وإن سن سننا سيئة ، فنذكر هذا بقول نبيه صلى الله عليه وسلم : ((وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ)) .
المسألة الثانية :
أن من الناس من يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر ، ومنهم من يكون على العكس من ذلك ، يكون مفتاحا للشر مغلاقا للخير ، فطوبى لمن كان مفتاحا للخير مغلاقا للشر .
المسألة الثالثة :
أن من كوارث هذه الأمة ، ونكباتها المتأصلة ، محاكاة الغير ، وتقليد من هب ودب ، من الكفار والمشركين والمنافقين وغيرهم ، فإلى من بلي بهذا الداء نقول ؛ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم :(( من تشبه بقوم فهو منهم )) .
أيها المسلمون : هذه المسائل الثلاث ، ضعوها في أذهانكم واستعرضوا معي تلك المخالفات ، والتي من أهمها وأخطرها : منع المرأة ـ أو قل الفتاة ـ من الزواج .
منعها من الزواج ، عندما يتقدم الكفء لنكاحها ، و الكفء ـ أيها الكرام ـ ليس كما يفهمه بعضهم ، بأنه كثير المال ، عظيم الجاه ، الجامعي ، الذي لم يتزوج ولم يطلق ، لا ، الكفء الذي قصده الشارع ، هو مرضي الدين والخلق . هذا ما نص عليه الدليل ، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم :(( إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)) .
فإذا جاءك مرضي الدين والخلق ، لا تمانع من تزويجه ، واحذر أن تكون سببا في الفتنة والفساد الكبير لابنتك .
ومن المخالفات ، بل قل : من العراقيل ، التي صارت عائقا للزواج ، التكاليف الباهظة ، نتيجة غلاء المهور ، والمباهاة في حفلات الزواج ، واستئجار القصور بمبالغ طائلة ، وغير ذلك من أمور لا مبرر لها إلا إرضاء النساء والسفهاء ، ومجاراة المبذرين السخفاء .
وتأملوا ـ أيها المسلمون ـ ما عليه الناس أو بعضهم في هذه الأيام ، وما كان عليه السلف الصالح ، وخاصة النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي لو جمعنا بنات الدنيا ما جئنا كواحدة من نسائه أو بناته رضي الله تعالى عنهن .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :( لا تغلوا في صدق النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة ، كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، امرأة من نسائه ، ولا أصدقت امراة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقيه ) ،
يعني مائة وعشرون ريالا ، مائه وعشرون فقط ، ليست مائه وعشرون ألف ! بل غضب صلى الله عليه وسلم وعاتب الرجل الذي دفع أربع أواق صداقا لزوجته ، سأله قال تزوجت ؟ قال الرجل : نعم . قال صلى الله عليه وسلم :(( على كم )). يعني كم الصداق ؟ قال : على أربع أواق . فقال النبي صلى الله عليه وسلم مستعجبا :(( على أربع أواق ! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ! )).
فكيف لو رأى صلى الله عليه وسلم ، بعض الزيجات في هذا الزمان ! فيسروا الزواج أيها المسلمون، قللوا تكاليفه ، ففي المستدرك يقول صلى الله عليه وسلم :(( خير الصداق أيسره ))، وفي مسند الأمام أحمد يقول صلى الله عليه وسلم :(( إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا)) .
الصداق ليس ثمنا للمرأة ، إنما هو تكرمة لها ، وتطييبا لنفسها .
وهناك ـ أيها الأحبة ـ مظاهر زائفة ، تكون سببا في التغالي في المهور ، منها : رغبة الزوج ، بأن يظهر بمظهر الغني القادر ، فيستدين ، ويستلف ، ويبيع إن كان له شيئا يباع ، ليقولوا عنه : إنه غني ، إنه ثري .
ومن المظاهر أيضا : الطمع والجشع الذي يصيب بعض الأولياء ، فمنهم من يعلق آماله ، على هذه الفتاة ، فإذا أراد سيارة ، قال إذا تزوجت فلانه ، وإذا أراد عرضاً من الدنيا ، قال : إذا تزوجت فلانة ، وبعضهم يحسب ما صرف عليها ، منذ طفولتها ، من الحليب إلى الدفاتر إلى الثياب ، فيريد استرجاع ما صرف عليها من صداقها ، فهذا والله عمي عن قيمة الزواج وأهدافه .
ومن المظاهر أيضا : التقليد الأعمى للناس ، بل قل ، حب التميز عليهم ، للسلامة من كلامهم وتجريح ألسنتهم ، فما عمله فلان ، فلا بد أن يعمل فلان أكثر منه ، وإلا ينسب للتقصير ، وقد سمعنا من هذا والله بآذاننا ، إذا قلت : يا فلان أتق الله . قال : ما ذا نقول للناس ؟ وما ذا يقول الناس عنا ؟ نريد هذا أمام الناس . فهم يخافون من الناس أشد خوفا من الله.
ومن المظاهر أيضا التي تسببت في غلاء المهور ، وعرقلت الزواج ، إسناد الأمور إلى النساء ، صارت النساء هن اللواتي يتحكمن في الزواج ، المهر يتحكم بمقداره النساء ، القصر يختاره النساء ، الذهب يختار كميته ومقداره النساء ، وعندما تسأل أحدهم : ما هذا يا فلان ؟ قال بكل صراحة : ماذا نفعل بالنساء ؟
فيا سبحان الله ، القوامة لمن ؟
أيها المسلمون، إن فرحة الإنسان وسروره بالأفراح التي تعود على الشباب بالعفاف لا تلبث أن تضمحل أو تزول بالكلية نظرًا لما نشاهده بأعيننا وتصل أخباره إلى أسماعنا وربما صنعته أيدينا وأهلينا من منكرات وخطيئات تعج بها أفراحنا وتمحق بركة أعراسنا. وإن من أبرز تلك المنكرات المتفشية في مناسبات الأفراح: التفاخر بين النساء في شراء الملابس العارية، والتسابق إلى اقتناء الموضات والأزياء التي يستحي العاقل أن ينظر إليها، والتي راجت بين كثير من النساء إلا من رحم الله. وهذه الأزيـاء والموضـات لاتسـتر العورة لقصرها أو شفافيتها أو ضيقها، وكثير منها لايجوز لبسه حتى بين النساء وأمام المحارم، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ظهور هذه الأنواع من الألبسة على نساء آخر الزمان، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله حيث قال صلى الله عليه وسلم: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ. وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا).
لقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في هذا الزمان حيث تتباهى كثير من النساء في الأفراح والمناسبات بلبس الملابس العارية التي تكشف عورتها ومفاتنها. فالله الله عباد الله لينظر كل واحد منا في ملابس زوجته وابنته وأخته وأمه، وليذكرها بالله، وليخوفها بالله، وليذكرها بأيام الله، وليقول لها يا أَمَة الله: هل ترضين أن تكوني من أهل النار ؟ هل ترضين أن تكوني من الكاسيات العاريات؟ هل ترضين بلباس ليلة واحدة فتُحرمين بسببها من دخول الجنة؟ هل ترضين باتباعك للموضات وإرضاء الصديقات أن تُحرمي من رائحة الجنة ؟
فاتقوا الله يا عباد الله ، وكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر ، سنوا سننا حسنة ، يكون لكم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون : ومن المخالفات في الزواج : ما يحدث ليلة الزواج من منكرات ، ومن ذلك استعمال آلات الطرب ، واستخدام مكبرات الصوت ، واستقدام المطربات ، واستئجارهن بمبالغ باهظة ، والاستماع لأصواتهن بالألحان الموسيقية والنغمات التي تهيج النفوس .
وإعلان النكاح أمر مطلوب ، وإظهار الفرح أمر مشروع ، ولكن بما أباح الله .
أحبتي الكرام، واجب علينا محاربة هذه المنكرات، وألا ندع لها مكاناً في مجتمعنا ، لنكون أمة رفيعة منيعة ، تعتز بدينها ، فوالله من ابتغى العزة بغير هذا الدين أذله الله على رؤوس الخلائق أجمعين ، فإنه لا فوز ولا فلاح ولا تقدم ولا نجاح إلا بالتمسك بعرى هذا الدين الحنيف ، وعلينا أن نأخذ على أيدي سفهائنا، ولا بد من قوامة الرجال على النساء، فـ " الرجال قوامون على النساء " ، وألا يرضخ الرجل لكل شاردة أو واردة تعرضها عليه المرأة ، وألا يستجيب لكل أمر ونهي ، فزمام الأمور بيد الرجل ، ولو ترك للمرأة أن تسرح وتمرح وتحكم كيف شاءت ومتى شاءت لحصلت المفاسد والفتن ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً " [ أخرجه البخاري ] ، فلا بد أن يكون الرجل عاقلاً حكيماً ، يقدر للأمور قدرها ، ويعرف لها حقها ، فلا ينصاع لما تمليه عليه النساء ، بل يأخذ الحق وما وافق الشرع ، وينبذ ما سوى ذلك مما دخل علينا من أعدائنا من موضات وتقليعات يرفضها الإسلام وينبذها .
أَلا فاتقوا اللهَ رحمكم اللهُ، والزموا صراطه المستقيم، واستنوا بسنة رسوله الكريم، تفوزوا وتفلحوا. ثم صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ). وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشراً)) رواه مسلم.
اللهمّ صلّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد...
المشاهدات 1730 | التعليقات 0