عِفَّةُ فَتَى 6 ـ 2 ـ 1444هـ

عبدالعزيز بن محمد
1444/02/05 - 2022/09/01 12:49PM

أيها المسلمون:  طَهَارَةُ النَّفْسِ ونَقاؤُها، وزكاؤُها وَصَفَاؤُها.. في عِفَّةٍ وتَعَفُّفٍ، في النأَي عن دَرْبٍ الرَّدَى. في هَجْرِ كُلِّ دَنِيْئةٍ، في السَّيرِ في رَكْبِ الكرام.  عِفَّةٌ يَتَحَلَّى بها الفَتى.. فتأَنَفُ نَفْسُهُ من كُلِّ لُؤْمٍ، وتَنفُرُ من مقارَفَةِ الدنايا.

عِفَّةٌ.. والعَفَافُ خَيرُ خِصَالِ المَرْءِ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ. سِياجٌ يَحْمِيْ، وتَقْوَى تَقِيْ، وخُلُقٌ بِه المرءُ يَرْتَقِي،  يَقِفُ العَفِيفُ أَمَامَ كُلِّ شُبْهَةٍ على حَذَرْ. لا يَدْنو مِن رِيْبَةٍ، ولا يَقْتَرِبُ من شُبْهَةٍ، ولا يَجْتَرِئُ على فُحِشْ.

فَتَى عَفِيْفٌ.. فَما يَمِيلُ لِرِيْبَةٍ ** ومَا مَالَ يَوْماً نَحْوَ بَابِ المآثِمِ

تَزَكَّى بِتَقوَى اللهِ يا طِيْبَ قَلْبَهُ ** ويا طِيْبَ أَرْضاً حَلًّها ذو المكارِمِ

لَئِنْ سُلِبَتْ عُقُولُ المُغْرَمِينَ بِشَهْوَةٍ.. فإنَّ عُقُوْلَ العَارِفِينَ تَعِفُّ. لئن مُدَّتْ أيادِ الطامعين لِشُبْهَةٍ.. فإن أَكُفَّ الحازِمِينَ تَكُفُّ.

عَفِيْفُ النفسِ عَفِيْفُ اللسان، عَفِيْفُ الفَرْجِ عَفِيْفُ البَصَر. عَفِيْفٌ في الأَموالِ عفيفٌ في التعامُلاتْ.  عَفِيْفٌ في الأخلاقِ عفيفٌ في المعاشَرَة. عَفِيْفٌ فيما يَأَتِيْ ويَذَرْ، والعفافُ لِلْمَرءِ أزكى خُلُق.

وعِفَّةُ اللسانِ تَكْسِيْ المرءَ هَيْبَةً. وتَرْفَعُهُ في الناسِ أَعْلَى المَنَازِلِ. لِسانٌ عَفِيْفٌ لا يَنْطِقُ بِسُوءٍ، ولا يَتَفَوَّهُ بِمُنَكَر. لا يَفْحَشُ عِندَ غَضَبٍ. ولا يَتجاوزُ عِند اسْتِفْزازْ.  يَنْتَقِيْ مِنَ الكَلامِ أَجزَلَه، ومِنَ القَوْلِ أَجْمَلَه، ومِنَ العِبَاراتِ أَعذَبَها.  ولا يُقابِلُ سَيءَ الأَلفاظِ بِمِثْلِها. لَه في رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَحسَنَ أُسْوَة : (لَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَاحِشًا ولَا مُتَفَحِّشًا، وكانَ يقولُ: إنَّ خِيَارَكُمْ أحَاسِنُكُمْ أخْلَاقًا) متفق عليه

ولَهُ عِفَّةٌ في مَطْعَمِهِ ومأَكَلِه ومَشْرَبِه.. لَه نَفْسُ أَبِيَّةٌ لا تَقْبَلُ الرَّدى، ولا تَقْبَلُ المالَ المشوبَ بِشُبْهةٍ. وعِفَّةُ المالِ أَعلى قِمَّةُ الوَرَعْ. وعلى مِحَكِّ المالِ تُبْلَى الدِيانَة، وعلى بِسَاطُ المالِ كمْ بِيْعَتْ ذِمَم.

 تَعِفُّ نَفُسُهُ عَنْ أَكْلِ الحرامِ.. فَلا يَأَخذُ المالَ إلا مِنْ حِلِّهِ، ولا يرْتَضِيْهِ إلا مِنْ أَطْيَبِ الوجوه.  كَسْبُهُ مِنَ الشُبُهاتِ خَالٍ. وجَوْفُهُ مِنَ الحَرَامِ مُصَان. وما استهانَ عَفِيفٌ بلُقْمَةٍ يأَكُلُها. قالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: وَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً في الطَّرِيقِ، فقالَ: (لَولا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُوْنَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُها) متفق عليه  تَمْرَةٌ واحِدَةٌ حَفَّتْ بِها شُبْهَةٌ.. فَعَفَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن أَكلِها، تَبّاً لِمَنْ لا يحجزُهُ عن الشُّبُهاتِ وَرَعْ.

وعَلى هَدْيِ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وسلم عَفَّ الصَّحابَة. فُقراءُ المهَاجِرِيْن.. هَدَّهُم الجوعُ وأَضْنَاهُمْ. يَلوِي الجُوعُ أَمعاءَهُم، وَيَكْسِفُ الفَقرُ وجُوهَهُم. فلا يُظْهِرُونَ للناسِ فاقَةً، ولا يُمُدُونَ للسؤالِ يَدا.  عَفُّوا عَن السُّؤالِ وهُم في المَسْغَبَةِ يَتَقَلَّبُون.. فَيَكْشِفُ القُرآنُ ما أَخْفَتْهُ عِفَّتَهُم {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} عِفَّةٌ عَنْ أَموالِ الناسِ في أَقْسى المواقِفْ.. خُلُقٌ تَتَقهقَرُ أَمامَهُ مطامِعُ المفتونين.

يا عِفًّةً صَنَعَتْ في النَفْسِ مَكْرُمَةً ** كَمْ هانَ بَعْدَكِ مَن بالمالِ مَفْتُونُ

وعِفُّةٌ الرَّجُلِ تَعْنِيْ طُهْرَهُ.. تَعْنِي حِمَايَةَ جَانِبِ الأَعْرَاضِ. لا يَقْتَرِبْ مِنْ فِتْنَةٍ، لا يُطْلِقُ النَّظَرَ الحَرَامَ. لا يَقْتَرِبْ مِنْ نِسْوَةٍ يَسْلُبنَ عَقلَ الحازِم.  عَفِيفٌ يَغُضُّ بَصَرَهُ.. فما يَرْمِيه في مُلاحظَةِ الحِسان. والنَّفْسُ تَهْوَى أَنْ تَرى وَجْهاً صَبوحاً يَسْلِبُ، وضَرِيْبَةُ النَظَراتِ قلبٌ في الشَقاوةِ يُؤْسَرُ.  عَفَّ.. فَلَمْ يُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ.. يَحْمِي الجَنانَ وَيَحْفَظُ الإيمانَ.  يَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْ بَاعِثِ الهَوى.. ويَفْزَعُ إِن لاحَتْ لَهُ شاشَةُ العُهرِ. يَعِفُّ في خَلْوتِهِ كما يَعِفُّ بِينَ الملأ.

وأَغُضُّ طَرْفِي ما بدَتْ لي جارَتي  **  حتى يُوارِي جَارَتي مأَواها

إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ِ ماجدٌ   **   لا أتبعُ النَّفْسَ اللَّجوجَ هَواها

عِفَّةٌ صُنِعَتْ مِنْ خامِ التُّقَى.. في مَعْمَلِ الإيمان تُبْنى وتُصْقَلُ. عِفَّةٌ مُتَجذِّرَةٌ في نَفْسِ عبدٍ مُسْتَجِيْب {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} عَفِيْفٌ تَرَبى عَلَى العِفَةِ في أَوقاتِ الرَّخاء.. فَلَما تَجَلَّتْ لَه الفِتنةُ الكُبرى ثَبَت {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} عَفِيفٌ.. لَوَّحَت لَه فِتْنَةٌ فَأَباها. وتَوَلَّى مدْبِراً بِرَبِه يَسْتَجِيرُ. لَمْ يَكُن يَجْهَلُ الهَوَى والوِصَالَ.. وَصْلُهُ مع اللهِ أعلى وأَكْبَر {قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

عَفِيفٌ.. ما اسْتَحَلَّ مِنَ الفُروجِ حَرَاماً، وما طَوَّفَ الآفاقَ يَستبيحُ الفَرْجَ حِيْلَه. لَمْ يَمِلْ مُغْرَماً بِوَصْلِ الغَوانِي. خَافَ يَوْماً بِه الحسابُ عَسِيْرُ. حَسْبُهُ مِنْ الكرامةِ وعدٌ.. صَحْ ثَابِتٌ في كَلامِ الرَّسُوْلِ : (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ.. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه) متفقٌ عَلَيْهِ  {وَالَّذِينَ آمَنُوا

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} بارك الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمدلله العَلِيِّ الكَبِيْر، وأَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شَرِيْكَ له، لَهُ المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو على كُلِّ شَيءٍ قدير، وأشهد أَن محمداً عبده ورسولُه البشيرُ النذير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه وعلى مَن على هدي الرسولِ يَسِيْر.

أَما بعدَ : فاتقوا الله عبادَ اللهِ لعلكم ترحمون.

أيها المسلمون: عِفَّةُ الرَّجُلِ مَرْكَبُ كَرِمٍ ومَوْكِبُ عِزّ. عَفِيفٌ لَه في الناسِ شَأَنٌ ومَنزِلُ. وما العفافُ سِوىَ طُهرٍ ومَكْرُمَةٍ. سِوَى سُمُوٍّ بأَخلاقٍ وبالأَدَبِ. سِوى اجتنابٍ لأَعمالٍ مُحَرَّمَةٍ، سِوى حِفاظٍ على الأعراضِ والقِيَمِ. عَفِيفٌ.. مُسْتَغْنٍ عَن ما في أيدي الناسِ.. حافِظٌ لأعراضِهِم. مُعرِضُ عَن شُؤونهم.

والعِفَّةُ.. بِذْرَةٌ في قَلْبِ كُلِّ إِنْسَانِ.. إِنْ سُقِيَتْ في حِياضِ الكَرَامَةِ نَمَتْ، وإِن رُعِيَتْ في كَنَفِ التقوى اسْتَوَتْ، وإِن أُحيطَتْ بُحُسنِ الرعايةِ أَثْمَرَت.

وإِن هِيَ أُهمِلَتْ.. تقاذَفَتْها الأَهواءُ تَكَفَّأَتْها الرِّياحُ، وما نُزِعَتِ العِفَّةُ إلا مِنْ شَقِيْ. عَن أَبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) متفق عليه

عَفِيْفٌ.. سَمَتْ بِهِ العِفَّةُ عَن كُلِّ عَمَلٍ وخُلُقٍ مَذْمُوْم. فَطَهُرَ مِنْهُ باطِنُهُ، وطَهُرَ مِنه ظاهِرُه. وطَهُرَتْ لَه سَرِيْرَتُه، وطَهُرَتْ لَه علا نِيَتُه.  وما مَزَّقَ شِراعُ العِفَّةِ.. مِثْلُ طَمَعٍ يَهِزِمُ النَّفسَ أَمامَ المالْ. ومِثْلُ غِشْيانِ مواقِعَ تُسْتَثَارُ فيها كوامِنُ الشَّهْوات. 

ومُجالَسَةُ المَهزُوْمِينَ دَاءٌ وَوَبَاء.. يَتَحَدَّثُونَ عَن عِفَّةٍ فيهم قَدْ عُدِمَت، وعَن مُروءَةٍ فيْهم قد سُلِبَت.  يُجاهِرُونَ بِأَفْحَشْ أَعْمَالِهم، وأَسْوأ أَخلاقِهم، وأَحَطِّ أفْعالِهِم. ونافِخُ الكِيرِ لَنْ يُهْدِيكَ مِسْكاً.  فلا تَحذو على دَرْبِ اللئامِ.

فلا تُجالِسْ غيْرَ عَفِيفٍ.. ولا تُصادِقْ غَيرَ تَقِي {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ  وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}

ولا يَزالُ الفَتَى يعلو في مَعارِجِ العِفَّةِ.. حتى يَسْتَوي على عَرْشِ الشَّرَف. له في الدُّنيا بين الناسِ قَدْرٌ،  وله في الآخرةِ عِندَ اللهِ مَقَام.

فَسَلِ اللهَ دوماً عفافاً.. عِفَّةُ المرءِ جَذْوَةٌ مِنْ جَلالِ. اسألِ اللهَ عِفَّةً وصلاحاً.. دَعْوَةٌ مِنْ دُعَا دَعَاهُ الرَّسُوْلُ  عَن ابنِ مسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  كَانَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِي أَسْأَلُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعفَافَ، والغنَى) رواهُ مُسْلِمٌ.

اللَّهُمَّ إِنا نَسْأَلُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعفَافَ، والغنَى..

المرفقات

1662025781_عِفَّةُ فَتَى 6 ـ 2 ـ 1444هـ.docx

المشاهدات 1134 | التعليقات 2

اللهم اثقل بها ميزان حسناته 

جزاك الله خير الجزاء 

وبارك فيك وفتح عليك

اللهم آمين 


لله درك ياهذا الشيخ 

اسلوب وسجع وترابط الكلمات في جمل من ذهب