عظيم النعم بشهر الصيام، وجملة تنبيهات قبل رمضان 27/8/1437 هـ

مبارك العشوان
1437/08/26 - 2016/06/02 16:30PM
الحمدُ لله…ورسوله. أما بعد: فاتقوا الله… مسلمون.
عبادَ الله: ليسَ بينَنَا وبينَ رمضانَ إلا يومينِ أو ثلاثة، نسألُ الله أن يمُنَّ علينا ببلوغِهِ، وبعونٍ منه وتوفيقٍ لاغتنامه.
رمضانُ أيها الناس فرصةُ ومغنم، منَّ الله فيه على عبادهِ بعظيمِ المِنَنِ، فأنزلَ فيه القرآنَ؛ وفي القرآن الفلاح و الهداية والسعادة: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }البقرة 185. قال ابن كثير رحمه الله: يمدحُ تعالى شهرَ الصيامِ من بين سائر الشهور بأن اختارهُ من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه.
ومنَّ سبحانه علينا في هذا الشهر بليلة القدر: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } القدر 2 ـ 3
ومن عظيم مننِ ربنا تعالى وهباته: ما جاء في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ ) رواه الترمذي وصححه الألباني.
منَّ تعالى علينا بأن جعل جزاء الصيام: ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ... ) الحديث. رواه الإمام مسلم. منَّ تعالى على الصائمين بأن: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ…) رواه البخاري.
ومنَّ تعالى على القائمين بأنَّ: ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري ومسلم.
عباد الله: ومع هذه الهباتِ والمنن؛ مع هذا العطاء الجزيل من الكريم سبحانه؛ يُحْرَمُ خيرَ هذا الشهرِ محرومونَ، ويفرِّط في أيامه ولياليه مفرطون.
عباد الله: ونحن على أبوابِ رمضان؛ فيحسنُ بنا ذِكرُ بعضِ الوصايا والتنبيهات؛ ونسأله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
عباد الله: جاء في الحديث: ( لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ ) رواه مسلم.
لا يصحُّ للمسلمِ أن يتقصد الصيام قبل رمضانَ بيومٍ أو يومين.
أمَّا من كان له عادةُ صومٍ؛ كمن يصوم الاثنين والخميس؛ ووافقَ ذلك آخر يومٍ من شعبان؛ فله أن يصومَه، أو كانَ عليه قضاءٌ من رمضان الماضي فإنه يصومُه.
قال النوويُّ رحمه الله: وَلأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ, فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ; لأَنَّ وَقْتَ قَضَائِهِ قَدْ ضَاقَ. اهـ .
عباد الله: قال صلى الله عليه وسلم: ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ) رواه البخاري. هذا الحديث أصلٌ فيما يثبتُ به رمضان، فيه بيانٌ أن الواجبَ اعتمادُ الرؤية أو إكمالُ العدد، ولا يجوز اعتماد الحساب.
متى رؤي هلالُ رمضان وأُعلن؛ أو أُكمل العدد فإنه يُعمل به ويجبُ الصيام، وليس لأحدٍ بعد ذلك أن يشكك في ثبوته، ويلبِّسَ على الناس، كما أنَّ على الناس أن لا يلتفتوا إليه.
عباد الله: إذا رأيتم الهلال فعليكم بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ فقد كَانَ إِذَا رَأَى الهِلَالَ قَالَ: ( اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
عباد الله: صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ( الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم.
للإمامةِ والأذانِ فضلٌ عظيم، وَهُمَا أمانةٌ عظمى؛ وينبغي أن يكون القائمُ بهما على قَدْرٍ من الصلاحِ والتُّقى، وأن يقومَ بهما أحسنَ قيام؛ وليحرصا كُلَّ الحرص على الإخلاص، وليراعيا أوقاتَ الصلاة؛ وليحرصِ المؤذنُ على الدِّقةِ في أذان الفجر والمغرب؛ فبأذانه يمسك الناس وبه يفطرون، ليلتزم بالوقت؛ وليسَ له أن يُعجِّل بالفجرِ أو يُؤخرَ المغربَ من بابِ الاحتياط، فهذا خلاف السنة في تعجيل الفطر وتأخير السحور.
على الإمامِ والمؤذنِ أن يتعاونا على المسجد؛ ويهتما بما يُصلِحُهُ من فرشٍ وتكييف وصوتيات، وكذا مرفقاته، عليهما أن يراعيا أحوالَ جماعة المسجد، وما فيه مصلحةُ الجميعِ ونفعُهم، ولا يستبدان أو أحداً منهما برأيه، ليحرصا على وعظ الجماعة وتذكيرهم وتفقيههم في عباداتهم في سائرِ العام، وفي هذهِ الأيام في الصيام. على الإمامِ أن يراعيَ من خَلْفه، ويطمئنَّ في صلاته؛ في قيامها وقعودها، وركوعها وسجودها، عليه أن يُحَسِّنَ قراءتَه ويرتِلَها ويتأنى فيها، فليست العبرة بكثرة القراءة، ولا بعددِ الركعات. قال تعالى: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } الملك 2 فَذَكَرَ تبارك وتعالى الأحْسَنَ لا الأكثرَ. كما ينبغي لجماعة المسجدِ أن تتآلفَ قلوبُهم، ويجتمعوا على الخير، ويتعاونوا على البر والتقوى، ويتآمروا بالمعروف ويتناهوا عن المنكر.


الخطبة الثانية:
بارك الله ... وأقول ما تسمعون...
الحمد لله... أما بعد: ففي الحديث أن النبي اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) أخرجه أبو داود وقال الألباني: حسن صحيح في أيامِ رمضانَ يسهرُ الأولادُ ليلَهم، ثم ينامونَ معظمَ نهارهم، ويتثاقلون عن الصلوات، فعلى أوليائهم إيقاظُهم للصلوات في أوقاتها، وعدمُ التهاون معهم في أمرِها، والصبرُ والمصابرةُ عليها، واحتسابُ عظيم الأجور عند الله، قال تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } طه 132 وقال تعالى عن نبيه إسماعيل عليه السلام: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا }مريم 55
عباد الله: صح الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلـم قال: ( إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ) رواه البخاري. مع الصيامِ، وشدَّةِ الحَرِّ هذه الأيام؛ يحسنُ التذكير بحق العمالِ والخدم، ومن يكدحون يومهم فأطعموهم رحمكم الله مما تطعمون، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون ارفقوا بهم، وخففوا عنهم، فكما تتعب وتجوع وتعطش وتحتاج إلى الراحة، فهم كذلك، وهكذا كونوا عونا لهم على الخير وأعطوهم فرصة يتزودون فيها من الطاعات.
أحسنوا إليهم يحسن الله إليكم.
عباد الله: روى البخاري في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ هَلَكْتُ، قَالَ وَلِمَ؟ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً، قَالَ لَيْسَ عِنْدِي، قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَ لَا أَجِدُ... ) الخ الحديث
وقال تعالى:{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } ففي الحديث والآية بيان أنه لا يجوز للصائم مواقعة أهله في نهار رمضان، ومن فعل فقد ارتكب المحرم، ووجبت عليه الكفارة.
أما في الليل فقد أباحه الله تعالى.
فليحفظ الصائم صومه وليحذر ما يفسده، ومن كان شابا أو حديث عهد بزواج، فإن الحذر والتحرز في حقه أولى، ولهذا فرق العلماء بين القبلة للصائم الكبير والشاب، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ينبغي للمؤمن توقي الأفعال التي تدعو إلى خروج المذي من الضم والتقبيل ونحوهما.
وقال ابن عبد البر رحمه الله: لا أعلم أحدا أرخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها، وأنَّ من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وقفوا عن حدوده، احفظوا صومكم واحرصوا على صالح العمل في شهركم.
ثم صلوا وسلموا على نبيكم؛ اللهم صل على محمد وعلى ...
عباد الله: اذكروا الله...
المشاهدات 1252 | التعليقات 0