عظِّم شعائر الله حاجًا ومضحّيًا (وورد+بي دي إف+نصية)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1439/12/05 - 2018/08/16 14:52PM

6 ذو الحجة 1439هـ. الحمدُ لله الذِي لا يُرْجَى إلا فَضْلُه، وَلا رَازِقَ غَيرُه. له الحمْدُ على ما أعْطَى ومَنَعَ، وعلى ما قَبَضَ وبَسَطَ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه أرسله الله رحمة للعالمين ففتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا، أما بعد: فتَزَوَّدُوا في عشركم:{فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.

 فما أعظم كرَمَ ربِّنا لنا، وفي عَشرنا المباركةِ هذه أعظمُ الكرم الرباني، أمَا وقد ذهب ثلثَيها فلنتدارَك ثلثَها، وإن من العَشر لَيَوماً هو أعظمها؛ إنه يوم العتق والمباهاة الذي قال عنه النبي @: مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ، فَيَقُولُ:مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ([1]). رواه مسلم.

 فلنتأهبْ ولنتفرغْ لهذا اليوم الجليل، ليس صومًا من غيرِ الحُجاج فحسب، بل دعاءً وبكاءً وجؤارًا، وذِكرًا وإحسانًا. انثر حاجاتِك وشكواك بين يدي من لا يَمل من سؤالك، ولا يَغضب من إلحاحك.

ولِله في هذا اليوم نفحاتٌ، ومن هذه النفحات أن صيامه يكفر صغائر الذنوب لسنتين، سنةٍ مضت، وسنةٍ أتت. وهو أفضل من عاشوراءَ وأكثرُ تكفيراً. فلنؤمِّل من ربٍ كريم خيرًا، لكنِ الشأنُ في اجتناب الكبائر والتوبةِ منها.

فيا أيها الحجاجُ ويا أيها المضحُّون: عظِّموا شعائرَ الله في عَشركم عمومًا، وفي عرفةَ والعيدِ خصوصًا، وتذكروا وتفكروا في هذه الآيةِ الجليلةِ المهيبة: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} فأضاحينا وهدايانا إنما نفعُها لنا وعائدتُها علينا. فما أحلاه من خطاب، وما أكرمَ ربَّنا الوهاب، تُكرِمُنا ربَّنا بلذيذِ المباحات، ثم تدعونا أن نجردَ نياتِنا؛ لنعالجَ قلوبَنا بتعظيم شعائر الله، فننالَ{تَقْوَى الْقُلُوبِ} ونلجأَ إلى الله أن يحييَها ويزكيَها.

 عبادَ الله: إنَّ يومَ عرفةَ مع عظمته؛ فإنَّ اليومَ الذي يليه، وهو يومُ النحر أفضلُ عند الله من يوم عرفة، والناس قد يَزهدون فيه، بحجة الإرهاق مع ذبح الأضاحي، ولقد سمَّاه الله يومَ الحجِّ الأكبر؛ لاشتماله على معظمِ أفعالِ الحج.

وأما غيرُ الحُجاج فلهم فيه شعيرتان عظيمتان:

الأولى: شهودُ صلاةِ العيد، ومِن أهل العلم مَن يَرى وجوبَها. قال ابن تيمية رحمه الله: (فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَالنَّاسُ يَجْتَمِعُونَ لَهَا أَعْظَمَ مِنْ الْجُمُعَةِ)([2]).

وهذا العيدُ جعله الله مَكرمةً بين مَكرمتين، بين العشر وأيامِ التشريق.

الثانية: الأضحية، ذلك القربانُ العظيمُ موقعُه عند الله سبحانه؛ فإنه يرفعُ إيمانَ العبدِ درجات، إذا تحرَّى فيه شرطين: الإخلاصَ، ومتابعةَ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأجل الشرطِ الثاني إليكم سبعةَ أسئلةٍ مع أجوبتِها:

السؤال الأول: هل توجد عيوبٌ، ولكنها تجزئ في الأضحية؟

الجواب: نعم يوجد، ومنها:

  1. الموسومةُ أو مقطوعةُ بعضِ الأذُن، والأفضل سليمةُ الأذن([3]).
  2. مقطوعةُ بعض القرْن([4]).
  3. الأضحيةُ بشاةٍ فيها (طُلوع) أو خُرَّاج أفسدَ قليلاً من لحمها([5]).
  4. الخروفُ المَخْصي، بل هو أفضل؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أطيب لحمًا.

السؤال الثاني: أيهما أفضل: الأضحية بالأكثرِ لحمًا، وأقلِّ ثمنًا، أو الأغلى ثمنًا وأقلِّ لحمًا؟

الجواب: الأكثرُ لحمًا، ولو أقلُّ ثمنًا أفضل([6]).

السؤال الثالث: أيُهما أَفْضَلُ: الأضْحِيَّةِ بذكَرَ الضأن أم الْأُنْثَى؟

الجواب:الذكرُ أفضل. وأن يكون أقرنَ أفضل([7]).

السؤال الرابع: هل إفطارُك من أضحيتِك له فَضل؟

الجواب: نعم أفضلُ، كما قاله العلماء([8]).

السؤال الخامس: هل تُذبَح على الجنب الأيمن، أم على الأيسر؟

الجواب:الذي يَذبح باليمنى يُضجعها على الأيسر، والذي يَذبح باليسرى يُضجعها على الأيمن([9]).

السؤال السادس: هل يجب توجيه الذبيحة للقِبلة؟

الجواب: لا يجب، وإنما التوجيهُ للقِبلة سنة([10]).

السؤال السابع: هل الأفضلُ أن أُمسكَ بأيديها وأرجلها عند ذبحها، أو أبقيها تَرفُس؟

الجواب: الثاني أفضل، خلافاً لما يعمله العامة الآن؛ لأن فيه فائدةً في استفراغ الدم([11]).

________2_______

فهذا خطابان للمُزمِعين الحجَّ هذه السنة:

الأول: لمن سَيَحجُّ مَحْرَمًا لامرأة معه، فاحذر الغضبَ هناك؛ لئلا تُفسد حَجَّك وتكدرَ على المرأة حَجها، بل تلطّفْ معها، واقتدِ بنبيِّك @ الذي تَعامَل مع زوجه عائشة < لما حاضتْ قبل الإفاضة بأرقى وأرقِّ ما يكون التعاملُ مع الانفعالات، والتحملُ للمَطالب والرغبات، برغم الانشغالات. حاضتْ < فكانت تَبكي فيُلاطفُها@ وتَطلبُ فيَستأني بها@ وتَرفضُ فلا يَضجر@ وتَتذمرُ فيَترفقُ@ وتَغارُ فيَجبرُ خاطرَها@ وتَغضب فلا يَغضبُ@ وتَبُثُّ شكواها فيَستمعُ لها @بكل حب ورحمة، ثم بعد كلِّ ما حصل يُرافقُها ويُردِفُها. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَإِنَّمَا أَقَامَ لَيْلَةً مِنْ أَجْلِي..وانتظرني بالأبطح، لَمْ يَبْرَحْ.. وَأَرْدَفَهَا@، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

فيا مَن حَجَجْتُم بنسائكم: تذكّروا أن المرأةَ ضعيفةٌ في بدنها، ناقصةٌ في دينها، رقيقةٌ في مشاعرها، خائفةٌ في سفرها ومسيرها، كما أنها في جِهاد في حَجِّها، وبحجابها، ومزاحماتها، وحيضاتها. واعلم أنها سترجع من حَجِّها، وستُردِّد طولَ عُمرها بإحدى اثنتين، إما أن تقولَ: حَجَجْتُ أيسَرَ حَج، ولقيتُ أجملَ معاملة، فجزى الله من حجَّ بي خيرًا، أو ربما تقول الأخرى، فاحذر أن تقول بعد حَجِّها الأخرى!!

الخطابُ الثاني لمن يفكرون بالحج النفلِ بلا تصريح، ثم إذا قَرُبوا من نقاط التفتيش لبسوا ثيابَهم: فليتقوا الله وليعظِّموا شعائرَ الله، فكيف يتقربون إلى الله بمسنون، وهم يتعمدون فعلَ محرَّم؟! ومِن جهْلِ هؤلاء اعتقادُهم أنهم إذا دفعوا فديةً عن تَعَمُّد لُبس المخيط أنْ قد برئت ذمتُهم، فهذا غلط!! بل يأثمون ولو فَدَوا، وهذا من الفسوق في الحج.

هذا واعلموا -رحمكم الله- أن من أفضل الطاعات في عَشركم ويومِكم، كثرةَ صلاتِكم وسلامِكم على خير البريات: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ..)

فيا صاحب الهموم صلِّ عليه@ ويا مديون صلِّ عليه@ ويا غارقًا بالذنوب صل عليه@

اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرًا مما نقول، اللهم لك صلاتُنا ونسكُنا ومحيانا ومماتُنا، وإليك مآبنا، ولك ربَّنا تراثُنا، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إنا نعوذ بك من شر ما يجيء به الريح([12]).

اللهم أرخص أسعارنا، وآمن ديارنا، وطيب أقواتنا، ووفق ولاتنا، وارحم أمواتنا،واجمع على الهدى شؤوننا،واقض ديوننا.

اللهم اجز ولاة أمرنا والعاملين بالحج خيرًا على ما سهّلوا ويسهلون على الحجاج والمعتمرين.

اللهم احفظ الحجاج في مسيرهم، واقبل منا ومنهم النسك والنسائك.

([1]) صحيح مسلم( 1348 )

([2])مجموع الفتاوى لابن تيمية (23  /161)

([3])مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (25/ 40)

([4])السابق (25/ 40)

([5])السابق (25/ 52)

([6])مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (25/ 35)

([7])فتح الباري لابن حجر (10/ 11)

([8])السابق (25/ 133)

([9])الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع (15/ 97)

([10])السابق (15/ 94)

([11])السابق (15/ 96)

([12])سنن الترمذي (3520) أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف.

المرفقات

شعائر-الله-حاجًا-ومضحّيًا

شعائر-الله-حاجًا-ومضحّيًا

شعائر-الله-حاجًا-ومضحّيًا-2

شعائر-الله-حاجًا-ومضحّيًا-2

المشاهدات 1029 | التعليقات 0