عِظَمِ حَقِّ الوَالِدَيْنِ
محمد البدر
خُطْبَةُ عَن: عِظَمِ حَقِّ الوَالِدَيْنِ-محمد أحمد الذماري - جامع الشيخ صالح بن عبدالله العمودي رحمه الله - جدة التاريخية
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قالَ تَعَالَى:﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾.وَقَال تَعَالَى:﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.وَعَنِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِﷺيَقُولُ:«انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا المَبِيتَ إِلَى غَارٍ،فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ،فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ:اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ،وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا، وَلاَ مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ،أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا،فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا،اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ،فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ،فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ..إلخ الحديث»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.وَقَالَﷺ:«رَغِمَ أَنْفُ،ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ»قِيلَ:مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ:«مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ،أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَاعْلَمُوا أَنَّ الْعِبَادَةُ لَيْسَتْ مُقْتَصِرَةً عَلَى الصَّلَاةِ،وَالصِّيَامِ،وَالزَّكَاةِ ،وَالْحَجِّ،بَلْ الْعِبَادَةُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ،الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ،فَأَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا:بِرَّ الْوَالِدَيْنِ وَغَيْرِهَا،قَال تَعَالَى﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:بِرَّ الْوَالِدَيْنِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلَى ربَّ البَرِيَّاتِ،عِبَادَةٌ مُوَصِّلَةً إِلَى رِضَا الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،وَمِنْ أَبْوَابُ الْجَنَّاتِ وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ،وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ،وَهُوَ أَعْظَمُ حَقٍّ عَلَى الْعِبَادِ بَعْدَ حَقِّ اللهِ تَعَالَى وَحَقِّ رَسُولِهِﷺقَالَ تَعَالَى:﴿وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك﴾.وَقَالَﷺ:«رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسُخْطُهُ فِي سُخْطِهِمَا»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
فَبِرُّ الوالديْن مقدَّمٌ حتى على الجهادِ في سبيلِ اللهِ؛ ما يدُلُّ على عِظَمِ حَقِّ الوالديْن، فَعَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّﷺفَاسْتَأْذَنَهُ فِي الجِهَادِ،فَقَالَ:«أَحَيٌّ وَالِدَاكَ»قَالَ:نَعَمْ،قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.فَبِرُّ الوالديْن يكونُ بِخِدْمَتِهِمَا،والإِنْفاق عليْهِما،وطاعتِهِما في المعْرُوفِ، ومخاطبَتِهِما بأدَبٍ ولُطْفٍ،وإِحْسانِ صُحْبتِهِما، وتَطْييبِ خاطِرِهِما،وقضَاءِ حوائِجِهِما،ولا تَرْفَعْ صوْتكَ عليْهِما،ولا تنْظُرْ إليْهِما بِغَضَبٍ واحْتِقَارٍ، ولا تَرْفَعْ يَدَكَ عليْهِما عنْدَ تكليمِهِمَا، ولا تُقَاطِعْ حَدِيثَهُما، وكُنْ صورةً كَريمةً للأَخلاقِ الفاضِلةِ، وَيَدْعُو لِوَالِدَيْهِ حَتَّى بَعْدَ وَفَاتِهِمَا ومِنْ بِرِّهِمَا بعْدَ موتِهِما زيارَةُ قبْرِهِما، وقضاءُ ديونِهِما، والاِسْتِغْفارُ لهُما.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ:إِنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ، أَوْ مُشْرِكَيْنِ أَوْ يَهُودِيَّيْنِ أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ وَثَنِيَّيْنِ،فلا جُرْمَ أكْبَرَ مِنَ الأمْرِ بالكُفْرِ،ومع ذلِك يَأْمُرُ الله تعالَى بِعَدَمِ طَاعتِهِما في الكُفْرِ وإنْ كانَا كافِرَيْنِ بلْ ويَأْمُرانِ بالكُفْرِ،بَلْ ويُبالِغانِ فيِ مُجَاهَدَتِك بكُلِّ وسِيلَة للْضَّغْطِ علَيْك حَتَّى تَتْرُكَ دِينَكَ الْحَقَّ ،وَالقُرْآنِ يُؤَكِّدُ الأَمْرَ بالإحْسانِ إلَيْهما،والتَّلَطُّفِ مَعَهُما،وعِرْفَانِ حَقَّهُما،قَالَ تَعَالَى:﴿وَإِن جَـاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَـاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾.
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد،وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَاحْفَظْ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا،اللّهمّ وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ
الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَالَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ،واصرِفْ عَنه بِطانةَ السُّوءِ يَا رَبَّ العَالمينَ،وَاللّهمّ وَفِّقْ جَميعَ ولاةِ أَمرِ الْمُسْلِمِينَ لما تُحبهُ وَتَرضَاهُ لمَا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ
يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1733981121_عِظَمِ حَقِّ الوَالِدَيْنِ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق