عظم الشأن في صلاة الجماعة

د . فيصل بن عبدالرحمن الشدي
1442/02/08 - 2020/09/25 07:46AM

                                 

                                   عظم الشأن في صلاة الجماعة               8/2/1442هـ

الحمد لله الراجي صدقاً من رجاه ، والداعي حقاً من دعاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى عن الأضداد والأنداد والأشباه ، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله اختاره على البشر واصطفاه،  اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه ما انشق صبح وأشرق ضياه ، أما بعد :

فكلما تشبهت الشبهات وتزينت الشهوات كان اللياذ بالتقوى ملحاً ، والدعاء إليها مهماً ، فاتقوا الله رحمكم الله .

عباد الله : ما أعظم الشأن ، وما أجل المنزلة ، بها جاء الأمر وعُظِّم الأجر وكبُر المقت في التارك والوزر إلا من ترك لعذر ، إنها صلاة الجماعة ، صلاة الجماعة في المساجد ، صلاة الجماعة يا لعظمها وإن هوَّن المهونون وشوش المشوشون وتكاسل المتكاسلون .

ألا إن صلاة الجماعة واجبةٌ على الرجال في الحضر والسفر وفي حال الآمان وحال الخوف وجوباً عينياً.

قال الله تعالى: " وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ "  قال الشيخ السعدي رحمه الله : أي: صلوا مع المصلين، ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها.

وقال تعالى : " وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ "

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : آية صلاة الخوف هذه من أوضح الأدلة على وجوب الجماعة ؛ لأن الأمر بها في هذا الوقت الحرج دليل واضح على أنها أمر لازم، إذ لو كانت غير لازمة لما أمر بها في وقت الخوف؛ لأنه عذر ظاهر .

و من الأدلة على وجوبها ما ورد في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ».

و قَالَ ﷺ: « مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ ، فَلاَ صَلاَةَ لَهُ ، إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ  وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ: « تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ، حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ »رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وأَتَى رَجُلٌ أَعْمَى إِلَى النَّبِيَّ ﷺ وَسَأَلَه أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ: لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ» رَوَاهُ مُسلِمٌ .

وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: «صلى رسول الله ﷺ الصبح، فقال: شاهد فلان؟ فقالوا: لا، فقال: شاهد فلان؟ فقالوا: لا، فقال: شاهد فلان؟ فقالوا: لا، فقال: إن هاتين الصلاتين من أثقل الصلوات على المنافقين ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً .. » الحديث رواه أحمد والدارمي وأبو داود وحسنه المنذري والألباني.

وفي قول الصحابة وحالهم مع صلاة الجماعة جاء حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: « مَن سرَّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سُنَّة نبيكم، ولو تركتم سُنَّة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف » رواه مسلم . وقد كَتَبَ عُمَرُ بنُ الخَطَابُ رَضِي اللهُ عَنْهُ يَومًا إِلَى عَامِلِهِ: « إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ، مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ » .

يا عباد الله : أبعد هذه الآيات والأحاديث من عذر؟! في ساحة المعركة جاء الأمر بها .. ورسول الله ﷺ يهم بالتحريق بالنار لبيوت لا تشهدها .. ومن سمع نداءها فحُكمُ رسول الله ﷺ لا صلاة له إلا من عذر ، ولله صحب رسول الله يُؤتى بأحدهم مريضاً يتهادى بين رجلين حتى يقام في صفها ! فأين المفرطون فيها ؟! المتخلفون عنها ؟! ألا من يقظة قبل الرحيل والوقوف بين يدي العزيز الجليل؟!.

اعتذر المعتذرون في الترك لصلاة الجماعة بجائحة كورونا والخوف من الوباء ولهم في هذا عذر ، أما وبعدها قد خرجوا للأسواق ومجامع الناس ولقاءاتهم وخف الوباء فحينها لا عذر ، لا سيما وأنتم تنظرون أن المساجد من أفضل البيئات التزاماً بالإجراءات الوقائية ، فلنتق الله ولنجب أمر ربنا"واركعوا مع الراكعين"  أقول ما قلت ولي ولكم استغفر الله فاستغفروه إنه كان غفارا .

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشآنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وبعد :

فإن الله تعالى يقول : " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى"  وفي دعاء الأنبياء في القرآن " رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ" .

وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: « بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَمَا أَمْسَى، فَقَالَ: أَصَلَّى الْغُلَامُ؟ » رواهُ أبو داودَ وصححه الألباني .

و في حديثٍ صحيحٍ صريحٍ قالَ نبيُّ هذهِ الأمَّةِ ﷺ للآباءِ والأمهاتِ: « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ ». أخرجه الترمذي و أبوداود وحسنه النووي والألباني. وفي هذا التوجيهِ النبويِّ الكريمِ من حُسنِ التدرُّجِ واللُطفِ بالصغيرِ الشيءُ الكثيرُ؛ فهوَ خلالَ فترةِ ثلاثِ سنواتٍ قد نُودِيَ إلى الصلاةِ أكثرَ من خمسةِ آلافِ مرةٍ!. فغالباً أنه لا يحتاج إلى ضرب عليها لأنه قد اعتادها .

عباد الله : الصلاة ميدان جهاد للآباء والأمهات مع أبناءهم وبناتهم ، فمرُوهم وانصحوهم وذكروهم ورغبوهم ورهبوهم ولا تيأسوا ولا تتطالوا الزمن بل لوصية ربكم احفظوا " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا " . حذار من تضييعهم ، فما والله تطرق كثير من الفساد للأبناء إلا بإهمال الآباء ، ومن ضيَّع أبناءه صغارا لم ينفعوه كبارا .  اللهم صل على محمد ...

 

المرفقات

عظم-الشأن-في-صلاة-الجماعة

عظم-الشأن-في-صلاة-الجماعة-1

عظم-الشأن-في-صلاة-الجماعة-1

المشاهدات 718 | التعليقات 0