عظموا اليوم المعظم
أحمد عبدالعزيز الشاوي
الحمد لله يعفو ويغفر وهو الغفور الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، إنه بكل شيء عليم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين فتحوا الدنيا وعرضت عليهم كنوزها فآثروا النعيم الأبدي المقيم، وسلم تسليماً، أما بعد:
فياعباد الله اتقوا الله ربكم واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله
هذا حديث عن يوم عبادة وعيد ، في تعظيمه وعد وفي ودعه وعيد
حديث عن اليوم الذي حسدتنا عليه يهود حينما أضلهم الله عنه وهدانا إليه
إنه يوم المزيد يتجلى الله فيه للمؤمنين في الجنة كما في الحديث الصحيح
إنه اليوم الذي تقوم فيه الساعة ، وفيه أغلى ساعة حيث تستجاب دعوة الداعين
إنه يوم الجمعة حيث تضج المنابر بذكر الله وحيث يشرق المنافقون وتتقطع قلوبهم حنقا وغيضا
إنه يوم الأجور ومضاعفة الحسنات ويكفي فيه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطور عمل سنة وأجر صيامها وقيامها فياحسرة على الغافلين الذين يؤثرون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا
إن صلاة الجمعة ذات أثر عظيم في حياة المسلمين ، فالمنبر مصدر تعليم وتثقيف وإصلاح ، واجتماع المسلمين منبع أخوة وتآلف .
إن يوم الجمعة يوم عظيم عظمه الله ورسوله فعظموه يامسلمون
عظموه بترك السهر والسمر في ليلته ، فذلك مما تضيع بسببه خصائص ذلك اليوم ومزاياه وقد ورد النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام وعن إفراد يومه بصيام وهو عبادة فكيف بمن يفعل محرَّماً أو مكروهاً
عظموه بالاهتمام بصلاة الجمعة وخطبتها ، ولاتكونوا ممن أتبعوا الجمعة بالجماعة هجرا وتضييعا متغافلين عن قول قدوتهم ( ص ) : لينتهين أقوام عن وَدْعِهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين ، ومؤلم والله تلك الصور المؤسفة في التكاسل العجيب والتراخي عن المبادرة المأمور بها حتى من المحسوبين على أهل الخير والصلاح والمنتسبين إلى صفوف طلاب العلم والدعوة .. فكم يتألم القلب وهو يرى أفواج الداخلين بعد أن طوت الملائكة الصحائف ودخلت لاستماع الذكر ، فياترى كيف يستكثر المسلم أن يبادر إلى الصلاة يوما في الأسبوع ، وياعجبا كيف ضعفت صور التنافس في الخيرات والتسابق إلى الجنات .. كيف هان علينا ألا ننافس ولو بالتقرب ببيضة فأين الذين يريدون الله والدار الآخرة
إن أولئك الذين تراهم في ركب المتأخرين هم أنفسهم الذين يبدعون في الحديث عن قصر الخطبة وطولها ويتقنون حفظ حديث ( قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه ) لكن اينهم عن حديث ( من بكر وابتكر .. ) وحديث ( من أتى في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة )
ومع فخرنا واعتزازنا بثلة آمنوا بربهم فزادهم هدى ، تراهم منذ خيوط الصباح وساعات النهار الأولى يتقاطرون إلى المساجد يوم الجمعة يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا فإن هؤلاء الأخيار بحاجة إلى تذكيرهم باستغلال فضيلة الزمان والمكان بكثرة الذكر والصلاة والدعاء مع تجنب الأخطاء من حجز الأماكن والانشغال بالأحاديث وتقليب الجوالات ومتابعة برامج التواصل والخروج من غير حاجة
عظموا الجمعة بترك الأذى بأنواعه فمن آذى مسلما فقد آذى الله ولاتكونوا من فئة جمعت تأخرا وأذى
أذى بالروائح الكريهة حينما يقدمون على الجمعة بلباس نومهم ورائحته بلا غسل ولا تطيب مخالفين قول نبيهم (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل) وقوله : (الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، وأن يستنّ ، وأن يمس طيباً إن وجد )
يقابلون الناس بأحسن ثيابهم ويستكثرون الثوب الحسن على لقاء رب العزة والجلال وقد قال قدوتنا ( ص ) : ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة ، سوى ثوب مهنته) .
وفئة تمارس الأذى بتخطيها للرقاب ومضايقة المصلين والتفريق بينهم وقد قال ( ص ) لمن فعل ذلك : اجلس فقد آذيت وأنيت
وفئة تمارس الأذى بجوالاتها بما تصدره من نغمات محرمة وأخرى مزعجة ، فياعجبا ممن يغلقونها عند نومهم وعند مقابلة مسؤول ولا يبالون بأذاها في بيت ربهم وأثناء شعيرة من شعائره
عظموا الجمعة بتعظيم خطبتها ، فإن الحدث الأهم في يوم الجمعة بالنسبة للمسلم هو خطبة الجمعة ، وهي عبادة لها أهدافها فكيف حالنا معها ؟ إنك ترى البعض يجعل وقتها فرصة للاسترخاء أو النوم ، أو يجعل أكبر همّه إحصاء أخطاء الخطيب ؛ للحديث عنها بعد الانتشار في الأرض ، وترى آخرين يصدرون حُكْماً مسبقاً على الخطبة بناء على معرفتهم بمنهج الخطيب أو أدائه السابق فلا يجدون فائدة في حكمة يتلقّونها أو فكرة يستمعون لها وإن كانت جديدة عليهم .
عظموا خطبة الجمعة بالاستعداد لها جسديا بالنوم المبكر وترك السهر والاعتدال في الطعام والشراب ، والعمل بالسنن الواردة من اغتسال وتطيب وسواك ولباس حسن واختيار المكان المناسب في المسجد بحيث يدنو من الإمام ، ولا يستند إلى سواري المسجد وجدرانه إلا لعذر ؛ ليكون شديد الانتباه متيقظاً مشدوداً لكلام الخطيب ولا يجلس مقابلاً بوجهه الناس فينشغل بالاهتمام بهم ويشغلهم ؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحوّل من مجلسه ذلك »ولا يتلهى عن الخطبة بما حوله ؛ من عبث بالحصى والملابس والأظافر وفرقعة الأصابع وتقليب الجوال وتوزيع النظرات في كل اتجاه 0
ونفسيا بتعظيم شأن الخطبة في نفسه ؛ فهي أمر من أوامر الله ، وبعدم الاستخفاف بها أو التهوين من دورها في حياته ، ستؤتي الخطبة ثمارها يوم أن تحقق أثرا في حياة المجتمع من زيادة علم أو تجديد فكر أو أمر عملي ؛ كإحياء سُنَّة أو إحداث توبة أو تغيير في جانب من جوانب الحياة ، وبمقدار تحقيق أهدافها يكون نجاحها
وستفقد قيمتها وتأثيرها حين يكون روادها من هواة التصنيف وتصيد الأخطاء وتتبع العثرات ، ويوم أن نأتي إليها بشعور الاستغناء وعدم العزم على التغيير ويوم ألا يكون فينا أمثال أبي جري رضي الله عنه يوم أن قال له رسول الله (ص ) في وصيته ( ولا تسبن أحدا ) فقال : والله ماسببت بعده أحدا ولا شاة ولا بعيرا
اقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية أما بعد :
فياعباد الله عظموا الجمعة بتعظيم حقوق المسلمين ومراعاة حوائجهم وظروفهم ففي خارج المساجد تظهر صور مؤصفة تعبر عن انعدام في الذوق ضعف في الأخوة
فطريقة الوقوف تنبيء عن أنانية وحب للذات ، فأحدهم لايبالي إذا هو أوقف سيارته أن يحرم الآخرين ، ولايبالي أن يغلق على الآخرين أبواب بيوتهم ولايبالي أن يكون وقوفه يشكل خطرا وأذى
عظموا الجمعة بالخروج منها بسكينة ووقار بعد التسبيح والأذكار وربنا يقول ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا .. ) فهل مايفعله البعض يعبر عن تأثر وانتفاع بما سمع ؟ وهل من آداب الدين وأمارات المنتفعين المتعظين أن ينصرف أناس من الصلاة وكأنهم هاربون من خطر .. وأين سكينة المسلم ووقار المصلي ، وأين نحن من قول الحق : فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم
وختاما ياأيها المسلمون : لنعد إلى الجمعة هيبتها وروحانيتها ، ولنرسم أجمل صور التنافس في الخيرات تبكيرا واستعدادا واستغلالا ، ولنبرز للجمعة خصائصها وتميزها بالتهيؤ لها والتجمل للقاء ربنا ، وإذا كان يوم الجمعة إجازة عن أعمال الدنيا فلن يكون أبدا تعطيلا للعبادة وغفلة عن ذكر الله ، وإن عبادة الله لايحدها زمن ولا يحصرها مكان ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )
ولنعبر عن عبوديتنا لله بمراعاة مشاعر الناس واحترام مصالحهم وكرامتهم وبالسكينة والوقار ، وبالذوق الرفيع في التعامل والسلوك
وليكن يوم الجمعة فرصة لتغيير الحال وتعديل السلوك المعوج وتقويم الخطأ من خلال الاستفادة من خطبة الجمعة بحسن الاستماع وجميل الانتفاع ولن يكون ذلك إلا بالإخلاص لله والتواضع للحق وتجنب الكبر بطر الحق وغمط الناس ، ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ... اللهم صل وسلم ..
المرفقات
1738753442_عظموا اليوم المعظم.doc