عضُد المليك وناصرُ العلماء ورجلُ الدولة - بقلم: عبدالعزيز محمد قاسم

*عضُد المليك وناصرُ العلماء ورجلُ الدولة - بقلم: عبدالعزيز محمد قاسم - إعلامي وكاتب سعودي
28 رجب 1433 هـ


*في حوار لي بقناة (الحرة) وقبل صدور قرار مليكنا خادم الحرمين الشريفين بتعيين الأمير نايف -يرحمه الله- ولياً للعهد بيوم واحد، قلت: "الأمير نايف الآن هو صمّام الامان بالنسبة للعائلة المالكة وبالنسبة للمجتمع، ولولا وجوده على هرم الداخلية، لحدث ما لا يحمد عقباه، ومن مصلحة الأسرة الحاكمة والمجتمع أن يكون ولي العهد رجلاً قويا ذا كاريزما عالية مثل الامير نايف في سدة ولاية العهد، والتاريخ ينبؤنا أن ذهاب الدول كانت على أيدى ملوك وقادة ضعاف، ومن جهة أخرى، إن أراد المجتمع المحافظة على مكتسباته وألاّ يمرّ بمخاضات عنيفة كالتي مرّ عليها العراق مثلاً أو اليمن، فهم بحاجة لوجود قائد قوي في ظل الأطماع والقلاقل الايرانية في الضفة الشرقية ولا ننسى اليمن في الجنوب، والعراق أيضاً في خاصرتنا الشمالية"، وختمت مداخلتي بقولي:"تسنّم الامير نايف لمنصب ولاية العهد ضرورة ملّحة للسعودية، فلا أقدر منه في حاضر الآن ليكون عضد ملكينا الأيمن"

*كان يرحمه الله مقرّباً للعلماء والدعاة وطلبة العلم ومجلّا لهم، يغشون مجالسه، ويلوذون اليه -بعد الله تعالى- في كثير من المسائل أو المنكرات التي يرونها، وكان رجل الحسم في كثير من المعارك المجتمعية التي تقوم بين الشرعيين والمؤسسات التي تتبعهم وبعض معارضيهم من الإعلاميين أو اللبراليين، وثمة سمات ومزايا تمتع بها -يرحمه الله- جعلته موضع ثقة مليكنا الكبير، ليجعل منه الرجل الثاني بعده في هذه الدولة، فحزمه وقوته ومجابهته للإرهاب والإرهابيين، واستئصاله لقواعدهم -بما لم تستطع دول كثيرة ذلك- من أهم الميّزات في سجلّه، وهذه النقطة تحديداً جعلت من الرئيس أوباما المسارعة في مباركة تعيين سموه، قائلاً: "* *لقد خدم الأمير نايف بن عبد العزيز أمته بتفانٍ وتميّز لأكثر من 35 عاماً بصفته وزيرا للداخلية، وتسلم منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء منذ عام 2009، ونحن في الولايات المتحدة نعرفه ونكنّ له كل الاحترام نظير التزامه القوي بمكافحة الإرهاب ودعم السلام والأمن الإقليميين".

*كان الأمير نايف بن عبدالعزيز -يرحمه الله- يمثل تأريخاً لوحده، إذ صعد لسدّة المسؤولية من خمسين عاماً ونيّف، وواكب بدايات التأسيس، وكان من صنّاع القرار في كل مراحل الدولة التي مرّت بها، لذلك كان هو من داخل الدائرة التي كانت تحكم وتبني هذه الدولة، وساعده ذلك بمعرفته بثقل التيارات الوطنية، والحراك الداخلي فيها، وقربه من المؤسسة الدينية والعلماء، ولطالما استطاع إحداث التوازن المطلوب، إبّان احتداد المعارك المجتمعية، فيتدخل ويحسم الأمر، ويرضى الجميع.

*أتذكر شهادة شهادة الدكتور غازي القصيبي -يرحمه الله- الوزير الذي عاصر ثلاثة ملوك، والسفير الخطير المحنك، والسياسي الذي أمضى جلّ عمره في دهاليز السياسة، وقتما وصف الأمير نايف –إبان تعيينه نائباً ثانياً- بأنه رجل دولة من طراز رفيع، لماذا أسوق وصف القصيبي هنا، ذلك لأن الأمير نايف -يرحمه الله- على تعدّد مزاياه الكثيرة، غلب في وعي الأجيال الجديدة أنه رجل أمن فقط، غير أن القريبين منه، والمراقبين يعرفون بأنه رجل دولة مميز، ولذلك كنت أحد الذين راهنوا على أن الاصلاحات ستمضي –لا كما روّج بعض الخارجين والحقدة في خارج بلادنا- وفعلاً ففي الفترة القصيرة التي مرّت علينا، استطاع يرحمه الله أن يجنب بلادنا تلك الدعوات الملتاثة لشبابنا بالتظاهر في يوم (حنين)، فكانت تلك البيعة من المجتمع وشبابه لولاة الأمر، والتي أدهشت العالم وأخرست ألسن المناوئين.


*وأنا هنا لست أبداً مع الذين وجلوا، ووضعوا أيديهم على قلوبهم، من أن الأمن بعد الأمير نايف، وكذلك ملف الحرب على الارهاب سيختلان، والسبب في يقينيتي هنا بأن الأمير نايف وضع تلك الملفات وبنى استراتيجيته بروح مؤسسية، وأسند إداراتها لسمو الأمير الفذ أحمد بن عبدالعزيز وكذلك ابنه الأمير محمد بن نايف، جنرال الحرب على الارهاب، واللذين بدورهما استفادا كثيراً من خبرته –يرحمه الله-، فلا خوف أبداً، فهما امتدادان لمدرسته الكبيرة.

*كإعلامي، كنت أحرص ما يكون على متابعة تصريحاته -يرحمه الله- فقد كان يتمتع بميزة فريدة تكمن في حضوره الإعلامي، وشخصياً لا أفوّت أبداً مشاهدة المؤتمر الإعلامي السنوي في موسم الحج، حينما يتفنّن الإعلاميون من كافة أنحاء العالم في إلقاء الأسئلة الساخنة، وباحترافية مهنية عالية على سموه -يرحمه الله- الذي بدوره يتلقاها بصدر رحب، وأحيانا تكون الظروف في صالح زملائنا هؤلاء عبر أحداث مؤسفة وقعت في موسم الحج، ليردّ عليهم بدبلوماسية عالية، وبمفردات رصينة، فضلاً على قوة الحضور الإعلامي لديه، ونشدهُ كلنا أنه -يرحمه الله- أجاب بشفافية عالية، وفوّت بحنكة سياسي أي مجال للطعن في ما تقوم به الدولة من خدمات.


*هناك خدمته للسنة المطهرة، فقد كان حريصاً على السنة، ووصفته في مقالات عديدة لي قبل سنوات بـ(خادم السنة)، فيما طلبة العلم يحبون مناداته بـ(أسد السنة)، اتكاء لخدمته ودفاعه عن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتأسيسه لجائزته الشهيرة في خدمة السنة النبوية.

*فقدت بلادنا قائداً ذا كاريزمية في وقت كنا في مسيس الحاجة له..رحم الله نايف بن عبدالعزيز.
المشاهدات 1266 | التعليقات 0