عشر وقفات .. مع الرؤى والمنامات
عبدالله اليابس
الرؤى والأحلام الجمعة 8/7/1440هـ
الحَمْدُ للهِ السَّمِيعِ البَصِيرِ، اللَّطيفِ الخَبيرِ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا، وَوَسِعَ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَةُ وَحِلْمًا، أَحْمَدُ رَبِّي وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الوَلِيُ الحَمِيدُ، الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، الحَلِيمُ الشَّكُورُ، العَزِيزُ الغَفُورُ، قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، يُحْصِي عَلَى العِبَادِ أَعْمَالَهُمْ، ثُمْ يَجْزِيهِمْ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ المَلِكُ الحَقُّ المُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، البَشِيرُ النَّذِيرُ وَالسِّرَاجُ المُنِيرُ، اللَّهُمَ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ .. رَوَى البُخَاريُّ وَمُسْلِمُ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كانَ الرَّجُلُ في حَيَاةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أنْ أرَى رُؤْيَا أقُصُّهَا علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا أعْزَبَ، وكُنْتُ أنَامُ في المَسْجِدِ علَى عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَرَأَيْتُ في المَنَامِ كَأنَّ مَلَكَيْنِ أخَذَانِي فَذَهَبَا بي إلى النَّارِ، فَإِذَا هي مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، وإذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ البِئْرِ، وإذَا فِيهَا نَاسٌ قدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أقُولُ أعُوذُ باللَّهِ مِنَ النَّارِ، أعُوذُ باللَّهِ مِنَ النَّارِ، فَلَقِيَهُما مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ. فَقَصَصْتُهَا علَى حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ لو كانَ يُصَلِّي باللَّيْلِ), قَالَ سَالِمٌ: فَكانَ عبدُ اللَّهِ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ.. الرُؤَى وَالأَحْلَامُ عَالَمَ كَبِيرٌ.. تَوَسَعَ فِيهِ أُنَاسٌ بِشَكْلٍ مُفْرِطٍ.. وَبَنى البَعضُ أُمُورًا فِي الوَاقِعِ عَلَى حُلْمٍ قَدْ يَكُونُ حَديثًا مِنَ الشَيْطانِ.. وَلَعلَّنَا فِي هَذِهِ الدَقَائِقِ نَتَوَقَفُ وَقَفَاتٍ يَسِيرَةٍ مَعَ عَالَمِ الرُؤَى والأَحْلَامِ.
الوَقْفَةُ الأُولَى: الرُّؤْيَا هِيَ: مَا يَرَاهُ الإِنْسَانُ فِي مَنَامِهِ حَسَنَاً, وَالحُلُمُ: مَا يَتَحَلَّمُ بِهِ وَمَا يَرَاهُ فِي الـمَنَامِ.
وَالفَرْقُ بَيْنَ الرُّؤْيَا وَالحُلُمِ، أَنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ مِنَ اللهِ، وَالحُلُمُ مِنَ الشَّيطَانِ) فَالرُّؤْيَا التِي تُضَافُ إِلَى اللهِ تَعَالَى لَا يُقَالُ لَهَا: حُلُمٌ، وَالتِي تُضَافُ إِلَى الشَّيْطَانِ لَا يُقَالُ لَهَا: رُؤْيَا.
الوَقْفَةُ الثَانِيةُ: لِلْرُؤَى مَكَانَتُهَا فِي الإِسْلَامِ, فَقَدْ كَانَ لِلأَنْبِيَاءِ مَعَهَا مَوَاقِفُ, وَمِنْ ذَلِكَ مَوْقِفُ الخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَام ُلَمَّا عَزَمَ عَلَى ذَبْحِ ابْنِهِ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.
كَمَا أَنَّ الرُّؤَى شَغَلَتْ جُزْءَاً كَبِيرَاً مِنْ قِصَةِ يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ.
وَرُؤْيَا الأَنْبِيَاء حَقٌ.. وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّؤْيَا الحَسَنَةَ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءَاً مِنَ النُّبُوَةِ، فَالرُّؤْيَا لَهَا قَدْرٌ عَظِيمٌ، وَفِيهَا مِنَ الـمَنَافِعِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ, كَمَا حَصَلَ مِنَ المَنَافِعِ لِيُوسُفَ عَلَيهِ السَّلَامُ فِيْ رُؤْيَا العَزِيْزِ.
الوَقْفَةُ الثَالِثَةُ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: (إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَالرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ).
فِي هَذَا الحَدِيثِ قَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم الرُّؤَى إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسامٍ: بُشْرَىً مِنَ اللهِ, وَتَحْزِينٌ مِنَ الشَيطَانِ, وَحَدِيثُ نَفْسٍ.
وَأَخْبَرَ كَذَلِكَ أَنَّ الصِّدْقَ فِي الحَدِيثِ مِنْ أَسْبابِ صِدْقِ الرُّؤيا.
كَمَا أَرْشَدَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى التَعَامُلِ مَعَ الرُّؤْيَا التِي تُقْلِقُ الإِنسَانَ أَو تُخِيفُهُ بِأَنْ يَقُومَ ويُصَلِّيَ وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا.
وَرَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَدَبًا إِضَافِيًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الحَالَة, فَقَدْ حَدَّثَ أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ رَأَى رُؤْيَا فَكَرِهَ مِنْهَا شَيْئًا فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ،فَإِنّهَا لَا تَضُرُّهُ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً، فَلْيُبْشِرْ وَلَا يُخْبِرْ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ).
الوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ: لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي حُرْمَة الكَذِبِ, دِينًا وأَدَبًا وَمُرُوءةُ, وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنِ الكَذِبِ فِي المَنَامِ؛ بِأنْ يَدَّعِي أَحَدٌ كَاذِبًا أَنَّهُ رَأَى أَمْرًا ما فِي المَنَامِ.
بَلْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ هَذَا الفِعْلَ بِأَنَّهُ مِنْ أَكْذَبُ الكَذِبِ, رَوَى البُخَاريُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّ مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ).
وَقَدْ وَرَدَتْ عُقُوبَةٌ خَاصَّةٌ لمَنْ يَفْعَلُ هَذَا الفِعْلَ, فَقَد رَوَى البُخَاريُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ).
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَمَا تَكَلَّفَ فِي الدُّنْيَا حُلْمًا لَمْ يَرَهُ فَإِنَّهُ فِي القِيَامَةِ يُكَلَّفُ أَنْ يَعْقِدَ بَينَ حَبَتَينِ مِنَ حُبُوبِ الشَعِيرِ وَ لَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ, وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ استِمْرَارِ العَذَابِ عَلَيهِ.
الوَقْفَةُ الخَامِسَةُ: يَنْقَسِمُ النَّاسُ فِيْ الرُؤَى إِلَى أَقْسَامٍ: فَأمَّا الأَوَّلُ فَهُمُ: الأَنْبِيَاءُ، وَرُؤَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ وَوَحِيٌ.
والقِسْمُ الثَانِي: الصَّالِحُونَ: وَالغَالِبُ عَلَى رُؤَاهُمُ الصِّدقُ، وَرُؤَاهُمْ عَلَى نَوْعَينِ: فَنَوْعٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ، فَيَقَعُ فِعْلَاً كَمَا رَأَى مُبَاشَرَةً، وَنَوْعٌ فِيهِ غُمُوضٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ.
وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُم فَتَقَعُ لَهُم أَشْيَاءُ قَدْ تَكُونُ صَادِقَةً وَقَدْ تَكُونُ غَيرَ صَادِقَةٍ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرآَنِ العَظِيمِ, وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ, قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخِلَّانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. فَمَا زِلْنَا مَعَ الوَقَفَاتِ مَعَ الرُّؤَى وَالأَحْلَامِ.
وَالوَقْفَةُ السَّادِسَةُ: لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الرُّؤَى أَيَّةُ أحْكَامٍ شَرْعِيةٌ.. فَمَصَادِرُ التَّلَقِي عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ مَعْرُوفَةٌ: وَهِيَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ والإِجْمَاعُ، وَالقِيَاسُ.. وَلَيْسَ مِنْ بَيْنِهَا الرُّؤَى والمَنَامَاتُ, وَلَوْ كَانَ الرَّائِي مِنْ أَصْلَحِ الصَّالِحينَ, بِاسْتِثْنَاءِ رُؤَى الأَنْبِيَاءِ, فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ عَالِمٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: إِنَّ الشَيءَ الفُلَانِيَ حَرَامٌ أَو مُبَاحٌ، وَالدَّلِيلُ رُؤْيَا رَأَيْتُهَا وَفِيْهَا كَذَا وَكَذَا.. فَهَذَا لَا يَقْبَلُهُ دِينٌ وَلَا مَنْطِقٌ.
الوَقْفَةُ السَّابِعَةُ: اِعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ رُؤْيَاهُ حَقٌ.. وَكَأَنَّهُ رَآهُ فِي الحَقِيقَةِ, فَقَدْ رَوَى البُخَاريُ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآَنِي، فَإَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي).
لَكِنَّ المَـسْأَلَةَ المُهِمَّةَ هُنَا هِيَ أَنْ يَتَأَكَدَ الرَّائِي أَنَّ مَنْ رَآهُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًا.. بِأَوصَافِهِ التِي نَقَلَتْهَا كُتُبُ السُنَنِ وَالسِيَرِ.. فَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ شَخْصًا ظَنَّهُ نَبِيَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ لَمْ تَنْطَبِقْ عَلَيْهِ أَوصَافُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ رُؤْيَاهُ مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ.
الوَقْفَةُ الثَامِنَةُ: كَيْفَ تَكُونُ الرُّؤْيَا صَادِقَةٌ؟
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: " وَمَنْ أَرَادَ أَنْ تَصْدُقَ رُؤْيَاهُ فَلْيَتَحَرَّ الصِّدْق,َ وَأَكْلَ الْحَلَالِ، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلْيَنَمْ عَلَى طِهَارَةٍ كَامِلَةٍ, مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَيَذْكُرَ اللَّهَ حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنَاهُ، فَإِنَّ رُؤْيَاهُ لَا تَكَادُ تَكْذِبُ الْبَتَّةَ. وَأَصْدَقُ الرُّؤْيَا: رُؤْيَا الْأَسْحَارِ، فَإِنَّهُ وَقْتُ النُّزُولِ الْإِلَهِيِّ، وَاقْتِرَابِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَسُكُونِ الشَّيَاطِينِ، وَعَكْسُهُ رُؤْيَا الْعَتْمَةِ، عِنْدَ انْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ وَالْأَرْوَاحِ الشَّيْطَانِيَّةِ".
الوَقْفَةُ التَّاسِعَةُ: لَا بَأْسَ لِمَنْ رَأَى رُؤْيًا أَنْ يَسْأَلَ الثِقَاتَ مِنْ أَهْل الخِبْرَةِ فِي التَّعْبِيرِ, وَالدَلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَيَقُولُ: (هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ البَارِحَةَ رُؤْيَا؟ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا فَلْيَقُصَّهَا أُعَبِّرْهَا لَهُ).
وَيَتَنَبَّهُ الإِنْسَانُ مِنْ أَنْ يَقُصَّ رُؤيَاهُ عَلَى حَاسِدٍ.. كَمَا نَهَى يَعْقُوبُ يوسُفَ عَلَيهِمَا السَّلامُ {قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
وَفِي المُقَابِلِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ كُلِّ رُؤْيَا, فَإِنَّ قَدَرَكَ مَكْتُوبٌ, وَأَنْتَ إِنْ عَمِلْتَ بِوَصِيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤيَا المُقْلِقَةِ فَإِنَّهَا لا تَضُرُّك بِإِذْنِ اللهِ (مَنْ رَأَى رُؤْيَا فَكَرِهَ مِنْهَا شَيْئًا فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنّهَا لَا تَضُرُّهُ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا).
وَرَوَى أَبُو هُرَيرَةٍ فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ أَنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا الَحسَنَةَ فَلْيُفَسِّرْهَا، وَلْيُخْبِرْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى الرُّؤيَا القَبِيحَةَ، فَلَا يُفَسِّرْهَا وَلَا يُخبِرْ بِهَا).
أَمَّا الوَقْفَةُ الأَخِيْرَةُ: فَلِيَتَنَبَهِ النَّاسُ مِنَ أَنْ يُعَبِّرَ الرُؤْيَا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّعْبيرِ. سُئِلَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: أَيُعَبِّرُ الرُّؤيَا كُلُ أَحَدٍ؟ قَالَ: "أَبِالنُّبُوَةِ يُلْعَبُ!" ثُمَّ قَالَ: "الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُلْعَبْ بِالنُّبُوَةِ".
أَيُّهَا الإِخوَةُ.. وَبَعْدُ ..فَهَذِهِ عَشْرُ وَقَفَاتٍ مَعَ الرُّؤَى والمَنَاماتِ.. وَلْيَسْعَ كُلٌّ مِنَّا أَنْ يَنْشَغِلَ بِوَاقِعِهِ أَكْثَرَ مِنْ شُغْلِهِ بِأَحْلَامِهِ.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
والأحلام-8-7-1440
والأحلام-8-7-1440