عشر صور للاعتداء على المال العام

الشيخ السيد مراد سلامة
1442/12/16 - 2021/07/26 05:25AM
عشر صور للاعتداء على المال العام
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: اخوه الإيمان حديثنا عن المال العام وحرمة الاعتداء عليه وسنذكر لكم عشر صور من صور الاعتداء على المال العام وهي من الأمور التي يستهين بها كثير من الناس فأعيروني القلوب والأسماع
تعريف المال العام:
أيها الإخوة الأحباب: المال العام: هو ما كان مُخَصَّصًا لمصلحة عموم الناس ومنافعهم، أو لمصلحة عامة، كالمساجد والرُّبُط، وأملاك بيت المال؛ حيث لا قطْعَ فيه عند الجمهور، ويذكره الفقهاءُ: في باب البيع، والرَّهْن، والإجارة، وفي جميع أبواب المعاملات، وفي باب السَّرقة
حرمة المال العام:
اعلموا عباد الله: أن الله - عزَّ وجلَّ - توعَّد بالوعيد الشديد لِمَن أخَذَ من المال العام شيئًا، فقال: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 161]. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: خرجْنا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم خَيْبَر، فلم نَغْنمْ ذهبًا ولا فِضَّة، إلاَّ الأموال والثياب والمتاع، فأهْدَى رجلٌ من بني الضُّبَيْب يُقال له: رِفَاعة بن زيد لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - غلامًا يُقال له: مِدْعَم فوجَّه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى وادي القُرى، حتى إذا كان بوادي القُرى، بينما مِدْعَم يحطُّ رحْلاً لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا سَهْمٌ عائِر فقَتَله، فقال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلاَّ والذي نفسي بيده، إنَّ الشَّمْلَة التي أخَذَها يومَ خَيْبَر من المغانم لَم تُصِبْها المقاسِمُ، لتَشْتَعِلُ عليه نارًا))، فلمَّا سَمِع ذلك الناسُ، جاء رجلٌ بشِرَاكٍ أو شِرَاكين إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((شِرَاكٌ من نارٍ أو شِرَاكان من نار الشَّمْلَة التي غَلَّها لتَشتعِلُ عليها نارًا)). ([1]) حتى منَ قاتَلَ وأبْلَى بلاءً حسنًا في المعركة، ولكنَّه غلَّ من الغنيمة، فله عقوبة شديدة، حتى ولو ظنَّ الناسُ أنَّه في عِدَاد الشهداء، فالأمرُ ليس كذلك. في الصحيحين عن عمر - رضي الله عنه -: "لَمَّا كان يوم "خَيْبر" أقْبَلَ نفرٌ من صحابة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مرُّوا على رجلٍ، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلاَّ؛ إني رأيْتُه في النار في بُرْدَة غَلَّها أو عَبَاءَة))، ثم قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا ابن الخطاب، اذْهَبْ فنادِ في الناس، أنَّه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون))، قال: فخرجتُ، فناديتُ: ألاَ إنَّه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. ([2])
عشر صور للاعتداء على المال العام
إخوة الإسلام اعلموا أن هناك صور متعددة للتعدي على المال العام و لكنني اسلط الضوء على عشر صور في عجالة السريعة  و إليكم بيانها
أولا  المجاملة في ترسِيَة العَطَاءات والمناقصات -
عمْدًا - على شخصٍ بعينه، ويوجَد مِن بين المتقدِّمين مَن هو أفضلُ منه. اخوه الإيمان إن من صور الاعتداء على المال العام المجاملة في ترسية العطاءات و المناقصات و إن كان في المتقدمين من هو افضل منه  و ذلك من خيانة الأمانة فكم و كم من مناقصات و عطاءات هدرت و ذهبت أدراج الرياح لأناس لا يستحقونها و لا يؤدون حقها فيكون ذلك إضاعة للمال العام الموظف المعين أيها الأحباب مؤْتمنٌ على هذا المال، فإن أخَذَ منه شيئًا، فلا شكَّ أنَّه يُعَرِّض نفسَه لسَخَطِ الله وهو من صور الخيانة المذكورة في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} الأنفال27. وورد عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (إنَّ رجالاً يتخوَّضون في مالِ الله بغير حقٍّ، فلهم النارُ يومَ القيامة) ([3]) ومعنى يتخوضون: يَتَصرَّفون في مال المسلمين بالباطل. عن الأَصمعي أن ابناً لعمر بن الخطاب رحمة الله عليه ولم يسمّه سأَله أن يعطيه من مالِه، أو مال المسلمين، فقالَ عمر: أرَدْتَ أن ألقى الله ملكاً خائناً؟ هلا سألتني من مالي؟ ثم أعطاه كذا وكذا، شيئاً صالحا قد سمّاه من ماله ([4]) الحسن: أتى عمر رضي الله عنه مال كثير، فأتته حفصة فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربيك، فقد أوصى الله بالأقربين، فقال يا حفصة، إنما حق أقربائي في مالي، فأما مال المسلمين فلا، يا حفصة نصحت قومك وغششت أباك. فقامت تجر ذيلها ([5]) عنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ صِهْرًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَعَرَّضَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ وقَالَ لَهُ: «أَجِئْتَنِي لِأُعْطِيَكَ مَالَ اللَّهِ؟ مَا مَعْذِرَتِي إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى- أَأَرَدْتَ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ مَلِكًا خَائِنًا. وَمَنَعَهُ وَأَخْرَجَهُ، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ، ثُمَّ لَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: هَلَّا كُنْتَ سَأَلْتَنِي مِنْ مَالِي» وأَعْطَاهُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ[. ([6])
ثانيا • الاختلاس، وهو: استيلاء الموظَّفين والعاملين في مكانٍ ما على ما في أيديهم من أموال نقديَّة دون سندٍ شرعي.
واختلاس المال العام جناية في جميع صوره، وهو أشد حرمة من أخذ المال الخاص؛ لأن الاختلاس اعتداء على حقوق المجتمع – كله – وأخذ المال الخاص اعتداء على حق فرد واحد، والمال الخاص له من يحميه، أما المال العام فحمايته مسؤولية المجتمع كله، عَنْ عَدِيِّ بْن عَمِيرَةَ الكِنْدِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَا مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، ‌فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلٌّ يَأتي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، فَقَامَ رَجُلٌ * - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْوَدَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الآنَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟ ) قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ الَّذِي قُلْتَ آنِفًا، قَالَ: ( وَأَنَا أَقُولُهُ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَا مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنهُ انْتَهَى ([7]) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَجُلًا، تُوُفِّيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْجَعَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «‌إِنَّ ‌صَاحِبَكُمْ ‌غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ وَاللَّهِ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ ([8])
ثالثا الاعتداء على الطرقات والمنشئات العامة والترع وأملاك الدولة
ومن الأمور التي انتشرت و شاعة و اصبحنا لا نبالي بها الاعتداء على الطرقات و المنشئات و أملاك الدولة و كأنها مال سائب لا صاحب له و يظن إنسان أن ذلك من شطارته (كما يقولون) فنرى التعدي الواضح على الطريق دون خجل أو وجل و يظن المسكين أنه لن يحاسب على فعلته و ما علم أن عقوبتها عظيمة فالطريق مرفق عام لا يختص به أحد، ولا يستأثر به شخص، وإنّما هو لتحقيق الضروريات وقضاء الحوائج وتحصيل المنافع، ولما كان الأمر كذلك فقد وضع الشرع القواعد والأسس التي نظم بها أحكام الطريق، ومن ذلك؛ اعتبار المحافظة على الطريق شعبة من شعب الإيمان، وأن التعدي عليها منكر محرم مرفوض عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌الْإِيمَانُ ‌بِضْعٌ ‌وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»([9]). والمراد بإماطة الأذى؛ تنحيته وإبعاده، والأذى كل ما يؤذي من حجر أو شوك أو غيره. ويُستدلّ أيضاً على حرمة الاعتداء على حق الطريق عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ‌مَنْ ‌آذَى ‌الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ ([10]).  أي حقت عليه لعنتهم، فلهم أن يلعنوه، وفيه وعيد شديد يدل على عظيم جرم من وضع الأحجار والخشب والردم والإطارات المشتعلة في طريق الناس منعهم من مصالحهم أيا كانت. قال الإمام الغزالي: فمن المنكرات المعتادة فيها وضع الاسطوانات، وبناء الدكات متصلة بالأبنية المملوكة، وغرس الأشجار وإخراج الرواشن -أي: الشرفات- والأجنحة، ووضع الخشب وأحمال الحبوب والأطعمة على الطرق، فكل ذلك منكر إن كان يؤدي إلى تضييق الطرق واستضرار المارة، وإن لم يؤد إلى ضرر أصلاً([11])
رابعا: عدم إتقان العمل، وإضاعة الوقت،
ومن صور التعدي على المال العام عدم إتقان العامل لعمله وإضاعة الوقت وذلك من ضعف الإيمان بالله تعالى وعدم مراقبته واعلموا أن الإتقان ثمرة من ثمرات المراقبة لله تعالى، وأن ما نقوم به من عمل، فإن الله تعالى مطلع عليه إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، فالمسلم الحق هو الذي لا يراقب مديرة ولا رئيسه في العمل، بل يراقب الله تعالى، وتلك هي المراقبة الذاتية: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].
خامسا: التربُّح من الوظيفة:  
ومن صور التعدي عل المال العام أن يتربح الموظف من الوظيفة واستغلالها لأغراضه الأساسية وهذا أيضا من خيانة الأمانة وإضاعة للمال العام ونقل أبو عبيد في كتاب الأموال عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - كيف كان يضيء شمعة من مال المسلمين لينظر في ضوئها في شئونهم، فإذا سئل عن أحواله الخاصة يطفئ الشمعة ويضيء غيرها، ويقول: كنت أضيء شمعة من مال المسلمين و أنا في مصالحهم، أما وأنتَ تريد أن تسأل عن أحوالي، فقد أضأت شمعة من مالي الخاص. لا فليفقه هذا الكلام من يعتبر سيارة الدولة -التي خُوِّلها ليقضي بها مصالح المسلمين - كأنها سيارته الخاصة، يقضي بها مآربه ومآرب زوجته وأبنائه، ومن يعتبر الخط الهاتفي في مكتبه - الذي وضع رهن إشارته لتسهيل قضاء مصالح الناس - كأنه خطه هو، يتصل منه في حاجاته الخاصة ولا يبالي، ومن يسخر الموظفين الذي جُعلوا تحت يده، ويتقاضون أجرا من الدولة كأنهم موظفون عنده، ينقلون الأولاد إلى المدرسة، ويشترون أغراضه الخاصة من السوق،([12])
سادسا إهمال المال العام وإضاعته :  
ومن صور التعدي على المال العام أن يهمله ولا يحافظ عليه مما يتسبب بإتلافه أو إضاعته فكم من أموال تعرضت للنهب والسرقة والتلف بسبب إهمال الموظف المسؤول عنها تعالى أخي المسلم لترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يحافظ على المال العام عَنْ مَوْلًى، لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ عُثْمَانَ فِي مَالٍ لَهُ بِالْعَالِيَةِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ إِذْ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَكْرَيْنِ، وَعَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْفِرَاشِ مِنَ الْحَرِّ فَقَالَ: «مَا عَلَى هَذَا لَوْ قَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى يُبْرِدَ ثُمَّ يَرُوحُ»، ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ فَقَالَ: «انْظُرْ مَنْ هَذَا»، فَنَظَرْتُ فَقُلْتُ: «أَرَى رَجُلًا مُعَمَّمًا بِرِدَائِهِ يَسُوقُ بِكْرَيْنِ»، ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ فَقَالَ: «انْظُرْ»، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَامَ عُثْمَانُ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْبَابِ فَأَذَاهُ نَفْحُ السَّمُومِ فَعَادَ رَأْسَهُ حَتَّى حَاذَاهُ فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟» فَقَالَ: «‌بِكْرَانِ ‌مِنْ ‌إِبِلِ الصَّدَقَةِ تَخَلَّفَا وَقَدْ مُضِيَ بَإِبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُلْحِقَهُمَا بِالْحِمَى وَخَشِيتُ أَنْ يَضِيعَا فَيَسْأَلَنِي اللَّهُ عَنْهُمَا»، فَقَالَ عُثْمَانُ: «هَلُمَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْمَاءِ وَالظِّلِّ وَنَكْفِيكَ»، فَقَالَ: «عُدْ إِلَى ظِلِّكَ»، فَقُلْتُ: «عِنْدَنَا مَنْ يَكْفِيكَ»، فَقَالَ: «عُدْ إِلَى ظِلِّكَ»، وَمَضَى، فَقَالَ عُثْمَانُ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْقَوِيِّ الْأَمِينِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا»، فَعَادَ إِلَيْنَا فَأَلْقَى نَفْسَهُ ([13]) وعن علي رضي الله عنه قال: رأيت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه على قتب يعدو، فقلت: يا أمير المؤمنين أين تذهب؟ قال: ‌بعير ‌نَدَّ من إبل الصدقة أطلبه فقلت: لقد أذللت الخلفاء بعدك، فقال: يا أبا الحسن لا تلمني فوالذي بعث محمداً بالنبوة لو أن عناقاً8 أخذت بشاطيء الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة([14]) أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد: سابعا: الرشوة: و من الصور التي تؤدي إلى إهدار المال العام و إضاعة الحقوق
انتشار الرشوة و جعلها سلما للغنى و الرشوة و من كبائر الذنوب قال الله تعالى﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ‌بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188]  و اسمعوا عباد الله إلى ذلك الحديث عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنَ الأَسْدِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي، فَهَلا جَلَسَ، فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ ‌فَيَنْظُرَ ‌يُهْدَى ‌إِلَيْهِ ‌أَمْ ‌لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ»([15]
) ثامنا: الهروب والتخفِّي من مُحَصِّل سيارات هيئَة النقْل العام والقطارات، بل رُبَّما تعدَّى بعضُ الناس عليهما بالسباب والضرْب.
 ومن صور التعدي على المال العام المحرمة جريمة ربما يراها البعض هينة وهي عند الله عظيمة ألا وهي التهرب من محصل تذاكر المواصلات سواء في الحافلات القطارات
تاسعا السرقة: وللسرقة صورا عديدة منها سرقة الكهرباء من الدولة بحجَّة أنَّها لا تُعطي المواطن حقَّه كاملاً.
ومن صور التعدي على المال العام أيها الأحباب سرقة الكهرباء والمياه بحجة أن الدولة لا تمنح المواطن حقه من موارد الدولة فيزين له الشيطان سوء عمله ويحلل له السرقة وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده) ([16]). وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) ([17]).
عاشرا سرقة الأدوية والتلاعُب بها،  و من صور التعدي على المال العام ما يحدث في بعض المؤسسات مثل: أنْ يقومَ الطبيب بوصْف أدوية لا يحتاج إليها المريضُ من حيث النوعيَّة والكميَّة، وإعطاء هذه الأدوية للصيدلية المتعاملة بالمسروقات، فتُباع بسعرٍ أقلَّ من سعر التكلفة لدواءٍ مُشْتَرى بشكلٍ رَسْمي، ومدوَّن عليه التسعيرة (لاصق النقابة)، ويقوم الصيدلاني بتغيير كميَّة الأدوية المكتوبة في الوصفة بطُرق غير مكشوفة، كأنْ يكون مكتوب في الوصفة علبة واحدة، فيغيِّر الصيدلي الرقْم إلى علبتين، ويأخذ العلبة الأخرى له.  وهذا من النصب والاحتيال على سرقة حقوق الأخرين والتعدي على المال العام بدون وجه حق الدعاء .......................  

[1] - وأخرجه مسلم (115)
[2] -
[3] - رواه البخاري، حديث 2950.
[4] -[تعليق من أمالي ابن دريد ص: 88]
[5] - [ربيع الأبرار ونصوص الأخيار 3/ 398]
[6] -[الطبقات الكبرى ط العلمية 3/ 230] [جامع معمر بن راشد 11/ 105] [الأموال لابن زنجويه 2/ 517]
[7] - «مسند أحمد» (29/ 261 ط الرسالة):«إسناده صحيح على شرط مسلم»
[8] - «مسند أحمد» (28/ 258 ط الرسالة):«أخرجه ابن أبي شيبة 12/491-492»
[9] - وأخرجه مسلم (35) (58)، وابن ماجه بإثر الحديث (57)
[10] - أخرجه الطبراني (3/179، رقم 3050) قال الهيثمى (1/204) : إسناده حسن
[11] - (إحياء علوم الدين: 2/ 339).
[12] - رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/30661/#ixzz71W9Va674
[13] - «مسند الفاروق لابن كثير ت إمام» (1/ 372)
[14] - ابن الجوزي: مناقب ص 161
[15] - «مسند أحمد» (39/ 7 ط الرسالة): «والبخاري (2597) و (7174) ، ومسلم (1832) (26)»
[16] - أخرجه البخاري (6783) و (6799) ، ومسلم (1687)
[17] - أخرجه البخاري (2475)، ومسلم (57) (100 - 101)
المرفقات

1627277100_عشر صور للاعتداء على المال العام.pdf

المشاهدات 1062 | التعليقات 0