عشرُ ذي الحِجة وسباق القلوب! [خطبة مُوجزة]

عشرُ ذي الحِجة وسباق القلوب!

[خطبة مُوجزة]

1441/12/3هـ

الخُطبة الأولى:

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، أَمَّا بَعْد:

كانت ترتجُ مساجدُهم بالتكبيرِ في مثلِ هذه الأيام، فيصلُ صداها إلى كلِّ مكان، حتى كأنَّها الأمواجُ من كثرتِها، ولذلكَ قالَ واصفُهم: (أدركتُ الناسَ وإنهم ليكبرونَ في العشر، حتى كنتُ أشبهُه بالأمواجِ من كثرتِها).
كانتْ أوقاتُهم تتغير، وبرامجُهم تتزين، وأعمالُهم تتضاعف.. إنها العشرُ المباركات، أيامٌ اتفقوا على تعظيمِها وتبجيلِها؛ وكيفَ لا يعظمونَ هذهِ العشر، وقدْ عظمَها اللهُ تعالى في كتابِه فأقسمَ بها: ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾. حكى الطبريُّ رحمَه اللهُ تعالى قولَ عامةِ المفسرينَ من السلف، على أنَّها عشرُ ذي الحجة.

عبادَ الله:

إنها زينةُ أيامِ دهرِكم، اختارَها اللهُ على سائرِ الأيام، قالَ كعبُ الأحبارِ رحمَه الله: (اختارَ اللهُ عزَّ وجلَّ البلاد، فأحبُّ البلدانِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ البلدُ الحرام، واختارَ اللهُ الزمانَ فأحبُ الزمانِ إلى اللهِ الأشهرُ الحرم، وأحبُّ الأشهرِ إلى اللهِ ذو الحجة، وأحبُّ ذي الحجةِ إلى اللهِ تعالى العشرُ الأولُ منه).

وروى البخاريُّ في صحيحِه عنْ ابنِ عباس رضيَ اللهُ عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».
 قالَ ابنُ حجر: (والذي يظهرُ أنَّ السببَ في امتيازِ عشرِ ذي الحجة؛ لمكانِ اجتماعِ أمهاتِ العبادةِ فيه، وهيَ: الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرِه).

أيُّها الفضلاء:

إنها ليستْ ورقاتٍ على التقويم فحسْب، ولكنها أيامٌ من أيامِ اللهِ تعالى، عظمُوها كمَا عظمَها ربُكم، وتعظيمُها عِمارتُها بصنوفِ الطاعةِ وأمهاتِ العبادة.
إنه موسمٌ منْ مواسمِ الطاعة، لا يفرطُ فيهَا تُجارُ الآخرة، يتنافسون فيها أشدَّ من تنافسِ تجارِ الدنيا في مواسمِهم، يتعرضُ المؤمنون فيهَا لنفحاتِ ربِّهم، فللهِ في هذه الأيام نفحاتٌ يصيبُ بها منْ يشاء، فأوقدُوا سرجَكم، واشحذُوا همتَكم، وسارعُوا في الخيراتِ والبركات.

ومنْ رحمةِ اللهِ في هذه الأيامِ المباركةِ تعددُ أبوابِ البرِ فيها، من ذكرٍ لله تعالى وصيامٍ وصدقةٍ وأضحيةٍ وحجٍ ودعاء، فإنْ فرغتَ من عبادةٍ شرعتْ في أختِها، فكنْ مستثمرًا في بنكِ الآخرة، ولقدْ أعانَك اللهُ ووسع، فنوَّعَ عليك أنواعَ الطاعات، وضروبَ العبادات؛ فشمرْ وبادرْ واغتنم:

ليالي العشرِ أوقاتُ الإجابةِ *** فبادرْ رغبةً تلحقْ ثوابَه
ألا لَا وقتَ للعمالِ فيه*** ثوابُ الخيرِ أقربُ للإصابةِ

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ*لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ* وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ* الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)﴾

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخُطبة الثانية:

أمَّا بعد: عبدَالله:

إنْ حالتِ الأعذارُ بينَك وبينَ حجِّ بدنِك، فإنَّه لا حائلَ بينَك وبينَ حجِّ قلبِك، فاقصدْ إلى اللهِ بقلبِك؛ تبلغْ نيةَ الحجاج، فمناطُ الأمرِ تقوى القلوب: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ فالفلاحُ كلَّ الفلاحِ بما في القلبِ من تقوى وصلاح.

فأوقدُوا قلوبَكم بالتقوى كما توقدون سرجَكم لعبادةِ أبدانِكم، فالنورُ نورُ القلوب، والعملُ عملُ القلوب، والسعيُ سعيُ القلب، فالتقوى هوَ رأسُ المقاصدِ في هذه الأيامِ من صلاةٍ وزكاةٍ وصومٍ وحج.

عبادَ الله:

إنْ رمتمُ السباقَ إلى ربِّكم فتعاهدُوا قلوبَكم فمَا سبقَ الصديقُ بكثرةِ صلاةٍ ولا صيام، ولكنْ بمَا وقرَ في قلبِه.
 إنْ عجزتُم أن تنافسُوا الحجاجَ في زحامِهم فزاحمُوهم في التقوى.
وإن غلبتُم على منافستِهم في الطوافِ فنافسُوهم بما يقرُ في قلوبِكم، فإنما يُقطعُ الطريقُ إلى اللهِ بمفاوزِ القلوبِ لا بخطواتِ الأقدام.

واللهَ اللهَ عبادَ اللهِ بالتكبيرِ فإنه شعارُ هذه الأيام، كبِّروا ليبلُغَ تكبيرُكم عَنانَ السماء، كبِّروا فإن اللهَ عظيمٌ يستحقُّ الثناء، أكثِرُوا منَ الأعمالِ الصالحة، وتزوَّدُوا من ساعاتِ هذه الأيام، فهيَ التجارةُ الرابحة، واعلمُوا أن للهِ تعالى نفَحَاتٍ فاستكثِرُوا من الصالحات، وتطهَّرُوا من دَنَسِ المعاصي والسيئات، إن العُمرَ لا يعُود، والمَوسِمَ لا يدُوم، والزادَ زادُ القلوب: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

المرفقات

عشرُ-ذي-الحِجة-وسباق-القلوب

عشرُ-ذي-الحِجة-وسباق-القلوب

عشرُ-ذي-الحِجة-وسباق-القلوب-2

عشرُ-ذي-الحِجة-وسباق-القلوب-2

المشاهدات 1308 | التعليقات 0