عشر ذي الحجة موسم الطاعة الكبير

د. منصور الصقعوب
1440/11/29 - 2019/08/01 10:32AM

الخطبة الأولى                                    

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعمٍ وأسدى، الإله الذي لا تخفى عليه خافية والسرّ عنده علانية وهو عالم السر والنجوى

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع بها نقمه، وندخرها عنده

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، نجومِ الهدى، ومن سار على نهجهم واقتفى إلى يوم الدين

عباد الله: القلب فيه شعثٌ لا يلمُّه إلا الإقبالَ على الله وفيه وحشةٌ لا يزيلها إلا الأنسَ به.

ربما أشغلتنا الأخبار, وألهتنا الأحداث, وربما قست القلوب من كثرة ما تسمع وترى, من أخبارٍ تترى, وفي الغالب أننا في غمرة هذا نبعد عما يقوي إيماننا, ونغفل عن تعاهد القلوب, التي هي إلى غيثِ الإيمان والطاعةِ أحوجُ ما تكون, وهل خَلق الله الخليقة, وأوجدَ العبادَ على البسيطة إلا ليُعبد ويُشكر ويطاع ويذكر, فكيف نحن مع ذلك أيها الكرام؟

الملك الكريم سبحانه أعطانا فأجزل, وأنعم علينا فأفضل, ربنا المولى سبحانه نتقلب في نعمائه في صبحنا ومساءنا, نتفيأ ظلال إحسانِه في ليلنا ونهارنا, ولو عدّ العادّون نعمه لعجزوا وانقطعوا, وأنى لامريء أن يُحصِى النعمَ, وكُلُ نَفَس فهو مِنُه مِنّة, وفي كل لحظة فهو من ربه يتقلب في نعمة.

ومن كرم الكريم أنه يتابع مواسمَ الخيرات, ويوالي أوقاتَ مضاعفة الحسنات, ليربح المؤمن الأجور العظيمة, ويهييء لهم الفرصة لطاعته سبحانه.

نحن عما قريب يا كرام على موعد مع الإحسان والبر, والطاعة والأجر, لا, بل الأرض كلها على موعد مع الأنوار, مع الخيرات, مع الأبواب المشرعة للحسنات, حين يحل عليها الضيفُ المرتقب, والموسمُ المميز, والأيامُ التي ليست كغيرها على الإطلاق, أتدرون أيَ موسمٍ أظلكم, وأي ضيف قرب من دياركم؟ إنها أيام العشر, العشر من ذي الحجة, عشرٌ في تعدادها, وعن ألف عشرٍ وعشرٍ في قدرها, فيا سعد من أدرك, ويا هناء من وُفق, فغرةُ أيام العام هي, والفرصةُ لطالب المحجة هي, أيامٌ ضوعفت أجورها, وفُضِّلت على غيرها, أيامٌ يفرح بها الموفقون, الخيرُ فيها مضاعف, والعملُ فيها غنيمة, والمصطفى r  قال فيها " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إليهن من هذه العشر يعني عشر ذي الحجة قالوا ولا الجهاد في سبيل الله..."

هل تصورت؟ فقط أريدك أن تتأمل هذا الحديث لتعلم أي موسم أظلك, الجهاد الذي تزهق فيه النفوس, وتسفك فيه الدماء, ليس أشرفَ على الله من طاعات هذه الأيام , وتصوُّر ذلك يبين لك قدر الحرمان, حين نضيّع الأيام بعيداً عن طاعة الرحمن, ولو استشعر المرء قصر دنياه, وطول سفره, وحاجته لزاد التقوى, لشمّر عن ساعده وعمل لنجاته.

يا مؤمن: وحين تحل العشر برحالك, وتعيشها في عامك, فالغبن كله أن تمر بلا انتفاع, وبلا تغير في حياتك, ليست أياماً عادية, لا والله, بل زينة الأيام وغرة الزمان, فماذا نحن فيها صانعون؟

ألا وإن الحج للبيت الحرام خيرُ ما قُضيت به الأوقات, وأُنفقت به الأموال وشُدّت له الرحال, عملٌ يهدم الذنوب, عملٌ ليس جزاءُ صاحبه إلا الجنة, وعبادةٌ يعود المؤدي لها على وجهها كما ولدته أمّه نقياً من ذنوبه, وهل ثمة ما يبحث المرء عنه في دنياه أعظم من مغفرة مولاه, ومِن رضى الله عنه جلّ في علاه, وذلك يُنال بأيامٍ تقضى في حج بيت الله الحرام.

ولئن كان الحجُ اليوم أعسر مما كان قبل سنوات يسيرة, فإن الذي ينبغي أن لا يغيب عن الحسبان أن القادر عليه يجب أن يحج فرضه, والعوائق والنفقات ليس أهم منها نفقاتك في سفراتك ورحلاتك, سألت صاحبي متى ستحج فرضك؟ فقال: الحملات غالية, والتكاليف باهضة, والأحداث غير مطمئنة, هو نفسه الذي جاب الأرض طولا وعرضاً للسياحة قبل شهر, ودفع أضعاف أضعاف قيمة الحج, يسافر إلى أقاصي البلدان, وينفق الأموال في كل وجه, فإذا دعى داعي الحج انهمرت الأعذار, ولعمري إن هذا لهو الحرمان.

فإلى من قدر على الحج, لا تفتك قوافله, وبادر لتفوز بفضائله, فإن كنت أديت فرضك فهو فضلٌ إن قدرت, فالثواب جنة وعتق وحط للأوزار, وإن كان الفرض ما زال في الذمة فخف ربك, وبادر لقضاء فرضك, واعلم أن الصحة قد لا تدوم, وأن اليُسر قد يعقبه عسر, وأن القادر يأثم بتأخير فرضه, فلا تحرم نفسك الخير وبادر ما دمت قادر.

وأما من قعد لحاجة عرضت أو عذر حبس أو لقيام على أهل, فهو في قصد خير, ويرجى له الأجر, قال ابن باز:: إذا أمكن ترك الاستكثار من الحج لقصد التوسعة على الحجاج وتخفيف الزحام عنهم؛ فنرجو أن يكون أجره في الترك أعظم من أجره في الحج إذا كان تركه له بسبب هذا القصد الطيب.

أيها الكرام: وأيام العشر موسم لتلهج الألسن بالتكبير, وتضج الأصوات بالتحميد والتهليل, وما أعظمه من عمل وما أجلها من قربة حين تذكر المولى في أعظم أيام الدنيا, ولئن كان الذكر من جلائل القربات فإن الصدح به في الموسم من أشرف الطاعات, وفي الحديث " فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير", وأيامك موسم للتكبير في كل آن في الصبح والمساء في البيوت والطرقات, وأدبار الصلوات وسائر الأوقات.

فارفع الصوت وكبر                        واذكر المولى وأكثر

وإذا انشغل الناس بالدنيا فأعلن        ذاكراً ومذكراً أن الله أكبر

واستشعر حينها قول رب البريات ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)

عباد الله: والصيام عمل جليل, وطاعة ميسورة, وقد استحب كثير من العلماء صومها (ومن صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً).

والأضحية سنة مؤكدة, وتقع عند الله بموقع عظيم إذا خلصت النية, والنفقة فيها بإذن الله مخلوفة, وهي شعيرة داوم عليها الرسول r, وأكد عليها في قوله "من وجد سعة فلم يضحِّ، فلا يقربنَّ مصلانا " رواه ابن ماجه, فلا تحرم نفسك أجرها, ولا تستكثر ما تدفعه فيها فأنت تتعامل مع الكريم الشكور, يعطي على القليل الكثير, فطب بها نفساً.

وإن نويت فامتنع من الأخذ من شعرك، أو أظفارك حتى تذبح, وفي الصحيح عن أم سلمة tأن النبي rقال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وفي لفظ: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره»

وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته, ولو أنه وكّل أحداً بالذبح عنه في بلده أو في خارج بلده فإن الذي يمسك عن هذا الأشياء هو الموكِّل صاحب الأضحية وليس الوكيل, ولو أخذ المضحي من هذا الأشياء شيئاً فعليه بالاستغفار والتوبة, ولا يمنعه ذلك عن الأضحية.

عباد الله: وإذا كان العمل الصالح يرتجى في هذه الأيام فإن ترك الذنب خيرٌ يتأكد فيها, وإذا كانت الطاعة فيها أشرف فالذنب فيها أشد, وقد قال المولى عن الأشهر الحرم كلها ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم) فاجهد في العشر أن تهجر العصيان عسى الله أن يعينك على نفسك فتهجر ذلك بعدها.

تقبل الله الطاعات, ووفقنا للمسابقة للخيرات

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

القربات ليست مقصورةً على أبوابٍ معينات, بل كلّ ما يعمله المرء من عمل حتى العاداتِ إذا طابت النوايا, وأَخلصَ المقاصد, ونوى الخير أُجر.

عملك, خدمتك لأهلك ومن تحت يدك, قضاء الحوائج, النفقة تبذلها لمن تعول, تنوي بها الخير تثاب, فدونكم يا كرام الأجور, دونكم العشر بخيراتها وبركاتها, أنت فيها قادر أن تجعل كل وقتك طاعة.

وبعد يا موفّق: فلا تكن هذه الأيام كغيرها من الأيام, لتُغيِّر من حالك, ولتميزها عن غيرها في عباداتك, فأنت في أيامٍ ستعرف قدرها إذا رأيت قدر ثوابها حين توزن الأعمال عند ذي الجلال, وتجارةُ الحسنات, وربحُ الطاعات هي التجارة الباقية حين تفنى التجارات, وتزول المراتب والرياسات, وحين يوضع المرء في قبره فلن تشفع له مناصبه, ولن ينفعه كثرة ماله, ولا رياسته ولا نسبه, لكنه ينفعه طاعاتٌ في دنياه أداها, ولحظاتٌ في رضى الرب قضّاها, وسجداتٌ وآياتٌ تلاها, والعابدون هم الرابحون.

هناك يوم أن تلقى ربك ستعرف البون الشاسع بين من يمضي يومه في طاعة ربه, ومن يضيع ساعاتِه في لهوه وغفلاته, والله لا سواء بين من جعل الدنيا ممراً, وللطاعة ميداناً, وبين من أضاعها ونفسه دساها, أفيُجعل المسلم كالمجرم, أم المتقي كالفاجر, لا يستويان بنص القرآن, والعابدون هم الموفقون.

اللهم أصلح أحوالنا وأسعد بالطاعة أيامنا, واعمر بذكرك قلوبنا

 

المشاهدات 1291 | التعليقات 1

عشر ذي الحجة

الخطبة الأولى                                    26/11/1437هـ

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعمٍ وأسدى، الإله الذي لا تخفى عليه خافية والسرّ عنده علانية وهو عالم السر والنجوى

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع بها نقمه، وندخرها عنده

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، نجومِ الهدى، ومن سار على نهجهم واقتفى إلى يوم الدين

عباد الله: القلب فيه شعثٌ لا يلمُّه إلا الإقبالُ على الله وفيه وحشةٌ لا يزيلها إلا الأنسُ به.

ربما أشغلتنا الأخبار, وألهتنا الأحداث, وربما قست القلوب من كثرة ما تسمع وترى, من أخبارٍ تترى, وفي الغالب أننا في غمرة هذا نبعد عما يقوي إيماننا, ونغفل عن تعاهد القلوب, التي هي إلى غيثِ الإيمان والطاعةِ أحوجُ ما تكون, وهل خَلق الله الخليقة, وأوجدَ العبادَ على البسيطة إلا ليُعبد ويُشكر ويطاع ويذكر, فكيف نحن مع ذلك أيها الكرام؟

الملك الكريم سبحانه أعطانا فأجزل, وأنعم علينا فأفضل, ربنا المولى سبحانه نتقلب في نعمائه في صبحنا ومساءنا, نتفيأ ظلال إحسانِه في ليلنا ونهارنا, ولو عدّ العادّون نعمه لعجزوا وانقطعوا, وأنى لامريء أن يُحصِى النعمَ, وكُلُ نَفَس فهو مِنُه مِنّة, وفي كل لحظةٍ فهو من ربه يتقلب في نعمة.

ومِن كرم الكريم أنه يتابع مواسمَ الخيرات, ويوالي أوقاتَ مضاعفة الحسنات, ليربح المؤمن الأجور العظيمة, ويهييء لهم الفرصة لطاعته سبحانه.

وها قد حلّ الموسم يا مؤمنون, جاء الضيفُ المرتقب, والموسمُ المميز, والأيامُ التي ليست كغيرها, أيام العشر, العشر من ذي الحجة, عشرٌ في تعدادها, وعن ألف عشرٍ وعشرٍ في قدرها, فيا سعد من أدرك, ويا هناء من وُفق, فغرةُ أيام العام هي, والفرصةُ لطالب المحجة هي, أيامٌ ضوعفت أجورها, وفُضِّلت على غيرها, أيامٌ يفرح بها الموفقون, الخيرُ فيها مضاعف, والعملُ فيها غنيمة, والمصطفىr  قال فيها " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إليهن من هذه العشر يعني عشر ذي الحجة قالوا ولا الجهاد في سبيل الله..."

هل تصورت؟ فقط أريدك أن تتأمل هذا الحديث لتعلم شرف أيامك, الجهاد الذي تزهق فيه النفوس, وتُسفك فيه الدماء, ليس أشرفَ على الله من طاعات هذه الأيام , وتصوُّر ذلك يبين لك قدر الحرمان, حين نضيّع الأيام بعيداً عن طاعة الرحمن, ولو استشعر المرء قصر دنياه, وطول سفره, وحاجتَه لزاد التقوى, لشمّر عن ساعده وعمل لنجاته.

يا مؤمن: وحين تحل العشر برحالك, وتعيشها في عامك, فالغبن كله أن تمرّ بلا انتفاع, وبلا تغير في حياتك, ليست أياماً عادية, لا والله, بل زينة الأيام وغرة الزمان, فماذا نحن فيها صانعون؟

ألا وإن الحج للبيت الحرام خيرُ ما قُضيت به الأوقات, وأُنفقت به الأموال وشُدّت له الرحال, عملٌ يهدم الذنوب, عملٌ ليس جزاءُ صاحبه إلا الجنة, وعبادةٌ يعود المؤدي لها على وجهها كما ولدته أمّه نقياً من ذنوبه, وهل ثمة ما يبحث المرء عنه في دنياه أعظمَ من مغفرة مولاه, ومِن رضى الله عنه جلّ في علاه, وذلك يُنال بأيامٍ تقضى في حج بيت الله الحرام.

ولئن كان الحجُ اليوم أعسر مما كان قبل سنوات يسيرة, فإن الذي ينبغي أن لا يغيب عن الحسبان أن القادر عليه يجب أن يحج فرضه, والعوائقُ والنفقات ليس أهم منها نفقاتك في سفراتك ورحلاتك, سألت صاحبي متى ستحج فرضك؟ فقال: الحملات غالية, والتكاليف باهضة, والأحداث غير مطمئنة, هو نفسه الذي جاب الأرض طولاً وعرضاً للسياحة قبل شهر, ودفع أضعاف أضعاف قيمة الحج, يسافر إلى أقاصي البلدان, وينفق الأموال في كل وجه, فإذا دعى داعي الحج انهمرت الأعذار, ولعمري إن هذا لهو الحرمان.

فإلى من قدر على الحج, لا تفتك قوافله, وبادر لتفوز بفضائله, فإن كنت أديت فرضك فهو فضلٌ إن قدرت, فالثواب جنة وعتق وحط للأوزار, وإن كان الفرض ما زال في الذمة فخف ربك, وبادر لقضاء فرضك, واعلم أن الصحة قد لا تدوم, وأن اليُسر قد يعقبه عسر, وأن القادر يأثم بتأخير فرضه, فلا تحرم نفسك الخير وبادر ما دمت قادر.

وأما من قعد لحاجة عرضت أو عذر حبس أو لقيام على أهل, فهو في قصد خير, ويرجى له الأجر, قال ابن باز:: إذا أمكن ترك الاستكثار من الحج لقصد التوسعة على الحجاج وتخفيف الزحام عنهم؛ فنرجو أن يكون أجره في الترك أعظم من أجره في الحج إذا كان تركه له بسبب هذا القصد الطيب.

أيها الكرام: وأيام العشر موسمٌ لتلهج الألسن بالتكبير, وتضجَّ الأصوات بالتحميد والتهليل, وما أعظمه من عملٍ وما أجلّها من قربة حين تذكر المولى في أعظم أيام الدنيا, ولئن كان الذكر من جلائل القربات فإن الصدح به في الموسم من أشرف الطاعات, وفي الحديث " فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير", وأيامك موسم للتكبير في كل آن في الصبح والمساء في البيوت والطرقات, وأدبار الصلوات وسائر الأوقات.

فارفع الصوت وكبر                        واذكر المولى وأكثر

وإذا انشغل الناس بالدنيا فأعلن        ذاكراً ومذكراً أن الله أكبر

واستشعر حينها قول رب البريات ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)

عباد الله: والصيام عمل جليل, وطاعة ميسورة, وقد استحب كثير من العلماء صومها (ومن صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً).

وأجازوا أن يصومها قضاءً لما عليه من رمضان, فينال بهذا ثواب الفرض والنفل, نقل هذا عن عمر بن الخطاب ط.

والأضحية سنة مؤكدة, وتقع عند الله بموقع عظيم إذا خلصت النية, والنفقة فيها بإذن الله مخلوفة, وهي شعيرة داوم عليها الرسول r, وأكد عليها في قوله "من وجد سعة فلم يضحِّ، فلا يقربنَّ مصلانا " رواه ابن ماجه, فلا تحرم نفسك أجرها, ولا تستكثر ما تدفعه فيها فأنت تتعامل مع الكريم الشكور, يعطي على القليل الكثير, فطب بها نفساً, واذكر قول ربك (لن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم).

وإن نويت فامتنع من الأخذ من شعرك، أو أظفارك حتى تذبح, وفي الصحيح عن أم سلمة  tأن النبي r قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وفي لفظ: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره»

وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته, ولو أنه وكّل أحداً بالذبح عنه في بلده أو في خارج بلده فإن الذي يمسك عن هذا الأشياء هو الموكِّل صاحب الأضحية وليس الوكيل, ولو أخذ المضحي من هذا الأشياء شيئاً فعليه بالاستغفار والتوبة, ولا يمنعه ذلك عن الأضحية.

عباد الله: وإذا كان العمل الصالح يرتجى في هذه الأيام فإن ترك الذنب خيرٌ يتأكد فيها, وإذا كانت الطاعة فيها أشرف فالذنب فيها أشد, وقد قال المولى عن الأشهر الحرم كلها ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم) فاجهد في العشر أن تهجر العصيان عسى الله أن يعينك على نفسك فتهجر ذلك بعدها.

يا موفق: الأيام عجلى, والفرص قد لا تتكرر, فحدد لنفسك مشاريع في العشر لا تتنازل عنها, ختمة في العشر, صدقة كل يوم, صوم عرفة وغيره إن قدرت, المحافظة على السنن الرواتب في العشر, الأضحية إن كنت ذا جدة, مجاهدة القلب على تنظيفه من الكبر ومن الحسد, وهما من أعظم الأدواء, فإن وفقت لهذا في العشر فأنت في ربح عظيم, وإن زدت عليها فالله كريم.

تقبل الله الطاعات, ووفقنا للمسابقة للخيرات

 

 

 

الخطبة الثانية:

القربات ليست مقصورةً على أبوابٍ معينات, بل كلّ ما يعمله المرء من عمل حتى العاداتِ إذا طابت النوايا, وأَخلصَ المقاصد, ونوى الخير أُجر.

عملك, خدمتك لأهلك ومَن تحت يدك, قضاء الحوائج, النفقة تبذلها لمن تعول, تنوي بها الخير تثاب, فدونكم يا كرام الأجور, دونكم العشر بخيراتها وبركاتها, أنت فيها قادر أن تجعل كل وقتك طاعة.

وبعد يا موفّق: فلا تكن هذه الأيام كغيرها من الأيام, لتُغيِّر من حالك, ولتميزها عن غيرها في عباداتك, فأنت في أيامٍ ستعرف قدرها إذا رأيت قدر ثوابها حين توزن الأعمال عند ذي الجلال, وتجارةُ الحسنات, وربحُ الطاعات هي التجارة الباقية حين تفنى التجارات, وتزولُ المراتب والرياسات, وحين يوضعُ المرء في قبره فلن تشفع له مناصبه, ولن ينفعه كثرة ماله, ولا رياسته ولا نسبه, لكنه ينفعه طاعاتٌ في دنياه أداها, ولحظاتٌ في رضى الرب قضّاها, وسجداتٌ وآياتٌ تلاها, والعابدون هم الرابحون.

هناك يوم أن تلقى ربك ستعرف البون الشاسع بين من يمضي يومه في طاعة ربه, ومن يضيع ساعاتِه في لهوه وغفلاته, والله لا سواء بين من جعل الدنيا ممراً, وللطاعة ميداناً, وبين من أضاعها ونفسه دساها, أفيُجعل المسلم كالمجرم, أم المتقي كالفاجر, لا يستويان بنص القرآن, والعابدون هم الموفقون.

اللهم أصلح أحوالنا وأسعد بالطاعة أيامنا, واعمر بذكرك قلوبنا