عشر ذي الحجة ( مستوحاة من عدد من الخطب في الملتقى ) بقدر 3 صفحات.

عبدالرحمن المهيدب
1441/11/25 - 2020/07/16 10:34AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَيَّأَ لِعِبَادِهِ مَوَاسِمَ الطَّاعَاتِ، وَرَغَّبَ لَهُمْ فِعْلَ الصَّالِحَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ سَابِقِي الْفَضْلِ وَأُولِي الْمَكْرُمَاتِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدين.

 أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ), (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

عِبَادَ اللَّهِ: أَوْقَاتٌ قَلَائِلُ تفصلنا عَنْ عَشْرٍ فَاضِلَةٍ، أَيَّامُهَا نَفِيسَةٌ، وَسَاعَاتُهَا ثَمِينَةٌ؛ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ قَدْرًا، وَأَعْلَاهَا مَنْزِلَةً وَذِكْرًا؛ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ وَفَضْلًا؛ لِيُعَمِّرَهَا الْمُتَسَابِقُونَ بِمَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْهُ، وَيَسْتَغِلَّهَا الْمُنَافِسُونَ بِمَا يُحَبِّبُهُمْ إِلَيْهِ.

 وَالْعَاقِلُ الْبَصِيرُ لَا يَقْبَلُ أَنْ تَمُرَّ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذِهِ الْمِنَحِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْهَدَايَا الْإِلَهِيَّةِ مُرُورًا عَابِرًا دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا نَصِيب, ففيها العمل القليل بأجر جزيل؛ لا يُحرم خيرَها إلاَّ محروم، ولا يغتنمُها إلاَّ موفَّق ومسدَّد, وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ.

وهذه المواسم مِنحة ومنَّة مِن الله تعالى على عباده, فقد شهد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّها أعظم أيام الدنيا. كما روى الإمام البخاريُّ في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهنَّ أحبُّ إلى الله منه في هذه الأيام العشر"، قالوا: ولا الجِهاد في سبيل الله؟! قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلاَّ رجلٌ خرج بنفسه ومالِه ولم يَرجع من ذلك بشيء".

قال الحافظ ابن رجب: وقد دلَّ هذا الحديث على أنَّ العمل في أيامه أحبُّ إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيءٍ منها.

عشرًا بذي الحجة استقبلتَ مرتجيًا ** فيض العطاء من الرحمن مأمولا
عشرٌ كِرامٌ وأفضالٌ مضاعَفةٌ ** بهنّ أقسم رب العرش تبجيلا
يا مُدرِك العشر قد أدركتَ مكرُمةً ** تترى فضائلها كالمزن مهطولا
فاخطُب مآثرها الحسنا بمهر تقًى ** ولا تكن عن بنات الحُسن مشغولا
وجُدّ في السيرِ للعلياء مقتفيًا ** قومًا كراما وأسيادًا بهاليلا
وروِّ نفسك خيرَ الزاد إن غدًا ** تلقى ثوابك عند الله مكفولا

إخوتي في الله؛ إن خير ما نستقبل به هذه العشر التوبة النصوح فهي خير معين على طاعة الله بها تبدل السيئات وتغفر الهفوات وتجل القلوب الصدئات .

فاسعينوا بالله عباد الله, ولا تغلبوا في هذه العشر, أكثروا فيها من الطاعات, وبادروا بالقربات, فالعمر قصير, والمطمع في دار بعد الرحيل لاشقاء فيها ولا كبد فالمرحوم من وجبت له , والسعيد من كتبت لها جعلنا الله وإياكم ووالدينا ومن من نحب من أهلها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

-----------------------------------------

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 223].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إن من العبادات التي  جاء النص عليها في هذه العشر كَثْرَةُ الذِّكْرِ، وَلَا سِيَّمَا التَّكْبِيرُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ وجاء في حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وأفضلُ الذكر قراءة القرآن, وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» , كما يسن التكبير المطلق في هذه العشر من دخول هذه العشر إلى فجر يوم عرفة وصفته: “الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد” أو يثلث: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد،. قال البخاري رحمه الله: (كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما). فإذا صُلى فجر يوم عرفة شرع التكبير المقيد مع المطلق إلى آخر يوم من أيام التشريق.

أحبتي في الله؛ ومِنْ خَصَائِصِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي يَوْمِ النَّحْرِ بِالْأَضَاحِي، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا،

 فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرْشَدَ أُمَّتَهُ إِلَيْهَا؛ فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَمَنْ نَوَى الْأُضْحِيَّةَ فَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ مذ دخول الْعَشْرِ حَتَّى تُذْبَحَ أُضْحِيَّتُهُ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَلْنَحْرِصْ -عِبَادَ اللَّهِ- على تطبيق هذه الشعيرة, وعَلَى اغْتِنَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ، وَمَنْ حُرِمَ الْحَجَّ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إِلَيْهِ فَلْيُبَرْهِنْ عَلَى ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ الْمُبَارَكَةِ؛ فَإِنَّهَا مَيْدَانٌ كَبِيرٌ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا إِلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبّ الْمَسَاكِينِ, اللَّهُمَّ خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَى كُلِّ خَيْرٍ, وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِيمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ لِقَاكَ. اللهم احفظ أَهْلَ بيتك الحرام, وَزُوَّارَهُ وَحُجَّاجَهُ وَمُعْتَمِرِيهِ. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى, اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشَدًا, يُعَزّ فيه أهل الطاعة ويعفى فيه أهل المعصية, ويؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكَر. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين .

 

المشاهدات 1408 | التعليقات 0