عِزَّةُ القرآن

إبراهيم بن صالح العجلان
1441/06/13 - 2020/02/07 09:14AM

عِزَّةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ

الخطبة الأولى:

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

الْعِزَّةُ وَالِاعْتِزَازُ مَطْلَبٌ بَشَرِيٌّ، وَمَنْزَعٌ سِيَادِيٌّ، وَغَايَةٌ تَسْعَى إِلَيْهَا الْأُمَمُ وَالدُّوَلُ وَالْأَفْرَادُ.

فَالْكُلُّ يَطْلُبُ الْعِزَّةَ، وَيَرْنُو إِلَيْهَا، وَيَسْعَى لِبُلُوغِهَا، وَيَحْذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ضِدِّهَا.

فَلَا يَرْضَى الْهَوَانَ وَالِاسْتِذْلَالَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ، وَفَقَدَ إِنْسَانِيَّتَهُ.

وَلِلنَّاسِ فِي تَحْدِيدِ هَذِهِ الْعِزَّةِ طَرَائِقُ شَتَّى، لَكِنَّهَا تَظَلُّ عِزَّةً مَنْقُوصَةً مَقْصُورَةً، لَا تَبْقَى وَلَا تَطُولُ، بَلْ مِنَ الْقَدَرِ أَنْ تَتَلَاشَى وَتَزُولَ، وَفِي الْحَدِيثِ:«حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ».

بَيْدَ أَنَّ عِزًّا خَالِدًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَنْ لَا يَفْنَى، وَمَجْدًا تَلِيدًا حَقَّ أَنْ يَبْقَى، مَا بَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ شَامِخًا لَا يَبْلَى.

ذَلِكُم هُوَ عِزُّ الْقُرْآنِ، وَرِفْعَةُ كَلَامِ الْمَنَّانِ، الَّذِي قَالَ عَنْهُ اللَّهُ الرَّحْمَنُ:(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) [فُصِّلَتْ: 41].

فَيَا لَعَظَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، الَّذِي مَنِ اسْتَمْسَكَ بِهِ عَزَّ، وَمَنِ اسْتَهْدَى بِهِ شَرُفَ، وَمَنْ خَدَمَهُ رَفَعَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

عِزَّةُ الْقُرْآنِ لَهَا صُوَرٌ وَأَشْكَالٌ، وَمَظَاهِرُ وَأَمْثَالٌ، نَجِدُهَا مَزْبُورَةً فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ.

فَأَيُّ عِزَّةٍ أَعْظَمَ وَأَسْمَى أَنْ يَعْجِزَ الْبَشَرُ كُلُّهُمْ إِنْسُهُمْ وَجِنُّهُمْ، حَتَّى وَلَوِ اجْتَمَعُوا وَكَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ.

فَهُوَ كِتَابٌ عَجِيبٌ عَزِيزٌ، أَعْجَزَ الْبَشَرَ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، فِي بَيَانِهِ وَبَلَاغَتِهِ، وَفَصَاحَتِهِ وَحَلَاوَتِهِ،(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) [الطُّورِ: 34]،(قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [يُونُسَ: 38].

وَكُلُّ مَنْ تَجَاسَرَ فَأَتَى بِآيَاتٍ يَتَحَدَّى بِهَا الْقُرْآنَ، أَصْبَحَ كَلَامُهُ مِثَالًا لِلتَّنَدُّرِ وَالتَّسْخِيفِ وَالتَّخْرِيفِ.

عِزَّةُ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كِتَابٌ مُعْجِزٌ، لَيْسَ فِي حُرُوفِهِ وَبَيَانِهِ فَقَطْ، بَلْ فِي مَضْمُونِهِ وَعُلُومِهِ، فَكَمْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ عُلُومٍ لَا تَعْرِفُهَا الْبَشَرِيَّةُ، مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ، وَنِهَايَةِ الْعَالَمِ، وَأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ، وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ بِتَفَاصِيلِهَا، نَاهِيكُمْ عَنْ عُلُومٍ دُنْيَوِيَّةٍ فِي الطِّبِّ وَالْفَلَكِ وَعُلُومِ الْأَرْضِ وَالْبِحَارِ، ذَكَرَهَا الْقُرْآنُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَشِفَهَا الْبَشَرُ، فَكَانَ هَذَا الْإِعْجَازُ الْمَسْطُورُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ سَبَبًا فِي هِدَايةِ مَنْ كَتَبَ اللهُ له الهِدَاية.

عِزَّةُ الْقُرْآنِ تَتَجَلَّى فِي أَنَّهُ كِتَابٌ مُسْتَعْصٍ عَنِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، فَكَمَا كَانَ غَضًّا أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ، بَقِيَ قُرُونًا وَلَا يَزَالُ كَمَا نَزَلَ، حَفِظَ اللَّهُ حُرُوفَهُ مِنَ التَّغْيِيرِ،(لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فُصِّلَتْ: 42].

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:(إِنَّهُ عَزِيزٌ بِإِعْزَازِ اللَّهِ، وَحِفْظِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ أَرَادَ بِهِ تَبْدِيلًا أَوْ تَحْرِيفًا).

كَمْ حَاوَلَ أَعْدَاءُ الْقُرْآنِ أَنْ يَمْحُوهُ مِنَ الْوُجُودِ، فَحَرَّقُوهُ، وَقَتَلُوا أَهْلَهُ، فَبَقِيَ الْقُرْآنُ وَانْتَصَرَ، وَنُسِيَ أَعْدَاؤُهُ فَكَأَنَّهُمْ مَا وُجِدُوا وَمَا كَانُوا.

لَنْ يَنْسَى التَّارِيخُ اسْتِعْدَاءَ الْأَعْدَاءِ لِلْقُرْآنِ، إِبَّانَ حَمَلَاتِ الصَّلِيبِيِّينَ وَالشُّيُوعِيِّينَ، وَتَجْرِيمَ مَنْ يَحْمِلُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَخْفَاهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ خَوْفًا مِنْهُمْ، فِي قِصَصٍ تَفُتُّ الْفُؤَادَ فتَّا، فَمَا إِنِ انْقَشَعَ ظَلَامُ الِاسْتِعْمَارِ حَتَّى عَادَ الْقُرْآنُ وَشَمَخَ، وَازْدَادَ كُتَّابُهُ وَحُفَّاظُهُ.

عِزَّةُ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كِتَابٌ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، فَهُوَ الْأَشْرَفُ وَالْأَعْلَى، وَالْأَبْقَى وَالْأَسْمَى، قالَ الحقُّ سبحانه: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) [الْمَائِدَةِ: 48].

(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) [فُصِّلَتْ: 41]، تَشَابَهَتْ آيَاتُهُ، وَتَكَرَّرَتْ بَعْضُ قِصَصِهِ وَعِظَاتِهِ، وَبَقِيَ كَمَا هُوَ حَسَنًا وَجَمِيلًا،(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ) [الزُّمَرِ: 23]، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا تَعَارُضَ، وَلَا تَضَارُبَ بَيْنَ آيَاتِهِ وَلَا تَنَاقُضَ،(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النِّسَاءِ: 82].

(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) [فُصِّلَتْ: 41]، قَوِيٌّ فِي حُجَجِهِ، مَنِيعٌ عَنْ مُقَارَعَتِهِ، فِيهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْبَرَاهِينِ مَا أَذْهَلَ عُقُولَ أَهْلِ الْعُقُولِ، مَنْ تَسَلَّحَ بِهِ انْتَصَرَ وَغَلَبَ، وَمَنْ نَابَذَهُ ذَلَّ وَعَطَبَ، فِيهِ مِنَ الْمُجَادَلَاتِ الْحَقَّةِ وَالدَّلَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الصَّحِيحَةِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الزَّرْكَشِيُّ:(اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبَرَاهِينِ وَالْأَدِلَّةِ، وَمَا مِنْ بُرْهَانٍ وَدَلَالَةٍ وَتَقْسِيمٍ وَتَحْدِيدِ شَيْءٍ مِنْ كُلِّيَّاتِ الْمَعْلُومَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ إِلَّا وَكِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى- قَدْ نَطَقَ بِهِ).

(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) [فُصِّلَتْ: 41]، هُوَ عَزِيزٌ بِذَاتِهِ، لَا أَثَرَ فِيهِ لِنَعْرَةٍ عِرْقِيَّةٍ، أَوْ عَصَبِيَّةٍ إِقْلِيمِيَّةٍ، أَوْ نَزْعَةٍ لِلَوْنٍ أَوْ جِنْسِيَّةٍ، فَالْعِزُّ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَحَقٌّ عَلَى أَهْلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونُوا أَعِزَّةً مُقَدَّمِينَ مُكَرَّمِينَ،(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139].

(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) [فُصِّلَتْ: 41]، إِذَا أَشْرَقَ الْقُرْآنُ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ، أَشْرَقَ مَعَهُ الْخَيْرُ وَالْفَلَاحُ، وَالْأَخْلَاقُ الْجَمِيلَةُ، وَالتَّوْفِيقُ وَالنَّجَاحُ.

تَرَى حَامِلَ هَذَا الْكِتَابِ عَزِيزًا، عَزِيزًا فِي نَفْسِهِ، لَا يَرْكَنُ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِهِ، وَلَا يَطْلُبُ غَيْرَهُ، وَلَا يَطْرُقُ إِلَّا بَابَهُ، تَرَى قَارِئَ الْقُرْآنِ وَحَامِلَهُ عَفِيفَ الْيَدِ وَاللِّسَانِ، زَاهِدًا فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّهِ رَضِيَ وَاكْتَفَى، وَبِرِزْقِهِ قَنِعَ وَاسْتَكْفَى.

فَأَصْبَحَ بَعْدَ تَرْبِيَةِ الْقُرْآنِ، وَاسْتِغْنَائِهِ بِهِ عَزِيزًا فِي دُنْيَا النَّاسِ، وَفِي الْحَدِيثِ:«ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ».

(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) [فُصِّلَتْ: 41]، مَنْ شَغَلَهُ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فِي يَوْمِهِ تَالِيًا، وَفِي لَيْلِهِ مُصَلِّيًا، فَهُوَ الْعَبْدُ الْعَزِيزُ فِي دُنْيَا النَّاسِ، وَمِنْ وَصَايَا جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ»، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

أعوذ بالله من الشيطان الرحمن: ( وإنَّهُ لَكِتابٌ عزيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعْدُ فَيَا إِخْوَةَ الْإِيمَانِ... وَمَنْ عَرَفَ حَقَّ الْقُرْآنِ فَتَمَسَّكَ بِهِ وَعَمِلَ، وَتَزَكَّى بِهِ وَرَتَّلَ، فَبُشْرَاهُ الْعِزُّ وَالسَّنَاءُ، وَالْمَكَانَةُ وَالْهَنَاءُ، فَاللَّهُ الْعَزِيزُ الَّذِي بِيَدِهِ الْعِزَّةُ قَدْ رَفَعَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، فَخَيْرُ النَّاسِ فِي دُنْيَا النَّاسِ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنِ وَعَلَّمَهُ.

وَحَامِلُ الْقُرْآنِ عَزِيْزٌ في حياتِهِ ، «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ»، «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ».

وَحَامِلُ الْقُرْآنِ عَزِيْزٌ عند مَمَاتِهِ، قَالَ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الشُّهداءِ: قدِّموا للقبر أكثرهم قُرْآناً.

وَحَامِلُ الْقُرْآنِ عَزِيْزٌ بَعْدَ مَمَاتِهِ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا».

وَمِنْ عِزَّةِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى إِلَّا فِي قَلْبِ مَنْ يَتَعَاهَدُهُ، وَيَتَفَلَّتُ عَمَّنْ يَهْجُرُهُ؛ وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:«تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا -أَيْ: تَفَلُّتًا - مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

يَا خَيْرَ أُمَّةٍ نَزَلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ...

كِتَابٌ هَذَا عِزُّهُ وَمَجْدُهُ وَكَرَامَتُهُ حَقُّهُ أَنْ يَسْتَوْطِنَ سُوَيْدَاءَ الْقُلُوبِ، فَعِزُّنَا وَصَلَاحُنَا، وَفَخْرُنَا وَفَلَاحُنَا هُوَ فِي الِاسْتِمْسَاكِ بِهَذَا الْقُرْآنِ، (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ)[الْأَنْبِيَاءِ: 10]؛أَيْ:شَرَفُكُمْ وَفَخْرُكُمْ وَارْتِفَاعُكُمْ، فَهَذَا الْقُرْآنُ شَرَفٌ لِلرَّسُولِ الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ لِرِسَالَتِهِ، وَشَرَفٌ لِقَوْمِهِ وَلُغَتِهِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ:(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)[الزُّخْرُفِ: 44].

فَهَذَا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ يُزَكِّي النُّفُوسَ، وَيَهْدِي لِرِضَى رَبِّ الْبَرِيَّاتِ، وَيَرْفَعُ الْأُمَمَ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَيَبْنِي الْحَضَارَاتِ، وَيُؤَصِّلُ لِلتَّوَازُنِ فِي النَّظْرَةِ لِلْحَيَاةِ.

يَا مَنْ تُرِيدُونَ الْعِزَّةَ... أَقْبِلُوا عَلَى الْقُرْآنِ، وَعَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ وَشَبَابَكُمُ الْقُرْآنَ، وَأَبْشِرُوا فَسَيُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنُ الْحَيَاةَ كُلَّهَا.

سَيُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنُ تَوْحِيدَ اللَّهِ وَإِجْلَالَهُ وَإِفْرَادَهُ.

سَيُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنُ السَّعْيَ لِلْآخِرَةِ حَقَّ سَعْيِهَا.

سَيُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنُ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ، وَحُقُوقَ الزَّوْجَيْنِ، وَصِلَةَ الْقَرِيبِينَ، وَالْإِحْسَانَ إِلَى الْيَتِيمِ وَالضَّعِيفِ وَالْمِسْكِينِ.

سَيُعَلِّمُ الْقُرْآنُ كُلَّ فَرْدٍ أَنْ يَكُونَ عُنْصُرًا فَاعِلًا، وَلَبِنَةً صَالِحَةً فِي مُجْتَمَعِهِ وَبَيْتِهِ وَعَمَلِهِ.

وَأَخِيرًا فَهَذَا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ حَقُّهُ الِاهْتِمَامُ بِهِ وَالتَّفَرُّغُ لَهُ، فَأَعْطِهِ أَعَزَّ أَوْقَاتِكَ، وَأَثْمَنَ سَاعَاتِكَ، فَمَنْ أَحْسَنَ صُحْبَةَ الْقُرْآنِ أَحْسَنَ اللَّهُ صُحْبَتَهُ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ فَهُوَ عَزِيزٌ مَنِيعٌ مُنْتَصِرٌ،(وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا)[النِّسَاءِ: 45].

صَلُّوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْهَادِي الْبَشِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ...

المرفقات

عزَّة-القرآن-الكريم_مشكولة

عزَّة-القرآن-الكريم_مشكولة

المشاهدات 1054 | التعليقات 1

جزاك الله خير ونفع الله بما كتبت ،، جعلها الله في ميزان حسناتك ،،