عَرَفتَ فالزمْ ــ وحديث عن عيد الميلاد ــ الكريسماس

عبدالعزيز بن محمد
1443/05/19 - 2021/12/23 11:18AM

أيها المسلمون: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}

عِلمٌ يضيءُ للمرءِ الدروبَ  **  ومن يَكُ جاهلاً بضلاله يتخبطُ

العلمُ نورٌ والجهالةُ ظلمةٌ  **  شتانَ بين النورِ والظلماءِ

مدارسُ العلمِ مصانِعُ النور..  والدارسون بِدُوْرِ العلمِ يقتبسوا..  وعلى قدر علمِ المرءِ يزدادُ نورُه، وأكرم بعقلٍ صانَه العِلم فارتقى.

* العلمُ في كُلِّ فنٍ.. رِفْعَةٌ وعِزَّةٌ وسيادة، وأَكْرَمُ العِلمِ.. عِلْمٌ يُبَصِّرُ المرءَ بأمورِ دينه، ويفقِهه بما يُقرِّبُه من رَبِّه. {‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏}  ولا يكون للعِلمِ فضلٌ.. إن لم يكن له في حياةِ المتعلمِ تطبيق وعمل.  عِلْمٌ ليس له في واقع الحياةِ تأثير.. علمٌ خاوٍ أجوف، له بريقٌ وليس فيه رحيق.

(عَرَفْتَ فالزم)..  عرفت الحقَّ فالزم طريقه.. وعَرَفْتَ العلمَ فخذ بمقتضاه.. وقد استعاذ رسول الله r من عِلمٍ لا ينفع.. عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَم t قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه r يقَولُ: (..اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلمٍ لا يَنْفَعُ..) رواهُ مُسْلِمٌ  رجلٌ تَعَلَّم من علوم الشريعةِ ما تَعَلَّمَ.. وفهم من أحكام الدين ما فهم.. ثم لم يرفع بذاك العِلمِ رأساً.. لم يأتمر بأوامر الدين، ولم يقف عند حدود رب العالمين.. أي علمٍ يرجو به الفوزَ غداً. 

* إنه حديثٌ عن العلمِ الذي يَتَعَلَّمَهُ المسلمُ من مسائل دينه.. وإنْ كانَ ذاكَ العلمُ قليلاً.. أين العملُ بذالك العِلم؟! (عرفت فالزم) .

قامت عليك الحجةُ واتضح لديك الدليل.. فمالَك في طريق العبوديةِ متواني؟!

لِمَ الفتورُ ولَمَ التسويف؟  لَمَ التذبذبُ ولم التطفيف؟  مالك.. عند كلِ أمرٍ و نهيٍ شرعيٍ..  لك تقديمٌ وتأخير؟!  ولك تلفيقٌ وتبرير؟  إن وافق الشرعُ الهوى أقبلتَ.. وإن وقف في وجه الهوى لديك أحجمت!  أيُ إيمانٍ تعتمد عليه.. وأي علمٍ تتقربُ به إلى الله وتتزلف لديه؟! 

أين الاستسلامُ لله بالتوحيد؟!.. والانقيادُ له بالطاعة؟!  أين من يتلو قول الله مؤمناً {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} علمٌ يتبعُهُ عمل، وسمعٌ تتلوه طاعة.

عباد الله: ما أكرمَ العبدَ على الله.. يُسْلِمُ وجهَهُ إلى الله وهو محسن.. يدخل في الدين كافة.. ينقادُ لحكم الله ورسولِه في صغير الأمور كبيرها، ويأخذُ بمقتضى العلمِ الذي فقهه في دين الله، ولا يشاقق الرسولَ من بعد ما تبين له الهدى.

كذا كان أصحابُ رسول الله r من سار على هديهم من بعدهم.. عِلْمٌ وإيمانٌ.. وصِدْقٌ واسْتِجَابَة.. آمنوا بالله ورسولِه.. فلم يكن لهم الخيرةُ من أمرهم فيما قضى الله ورسولُه.  وقد أحسن من وصفَ حالهم..  إذا قال: (انحلت العقدةُ الكبرى، عُقدةُ الشركِ والكفر، فانحلت العُقَدُ كُلُّها، وجاهدهم رسولُ الله r جهادَهُ الأول، فَلَمْ يَحْتَجْ إلى جِهَادٍ مُسْتَأنَفٍ لكلِ أمرٍ أو نهيٍ،  وانتصرَ الإسلامُ على الجاهليةِ في المعركةِ الأولى،  فكان النصرُ حليفَهُ في كلِّ معركة.. نَزَلَ تَحْرِيْمُ الخمرِ والكؤوسُ المتدفقةُ على راحَاتِهِمْ، فحالَ أمرُ اللهِ بينها وبين الشفاهِ المُتَلَمِّظَةِ، والأكبادِ المُتَّقِدَةِ، وَكُسِرَتْ دِنَانُ الخَمْرِ فسالتْ في سِكَكِ المدينةِ)ا.هـ (أبو الحسن الندوي)

إنه العملُ بالعِلمِ.. لا يتأتى إلا مع إيمانٍ راسخٍ في قلبِ مخبتٍ يرجو لقاءِ ربه.  يتعلمُ العِلمَ ليعملْ، ويتفقه في دين الدينِ ليستقيم.   عملٌ بالعلمِ في السراء والضراء.. واستجابةٌ لأمر الله في الشدة والرخاء.. 

جَلَسَ عمرُ بن الخطاب t يوماً في مجلس خلافته، فدخلَ عليه عيينةُ بن حصنٍ فقال لعمرَ قولاً غليظاً فيه كذب وبهتان. فغضبَ عمرُ t حتى هم أن يُوقِع به.  فَقَالَ لَهُ الحُرُّ بنُ فيسٍ t: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ r :{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، قال: واللَّهِ مَا جاوزَهَا عُمرُ حِينَ تَلاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّه تَعَالَى) رواه البخاري  وَقَّافَاً عِنْدَ كِتَابِ اللهِ.. عَمَلٌ بالعلمِ في وقت الغضب.. فما الظن بالعملِ به في وقت الرضا ؟!   

وعَمَلٌ بالعلمِ في باب الفضائلِ والتزود من القُرُبات.. وفي حديث شكوى فقراءِ المهاجرين إلى رسول الله r: (ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم..) طَلَبٌ لعلمٍ يستزدون به من صالحِ الأعمال.. فتعلموا وعملوا.  * وحاملُ علمٍ لم يعمل به.. كحاملِ أسفارٍ على ظهره لا يفقه ما فيها.. {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}  ويومَ القيامةِ.. سيُسألُ كلُّ إنسانٍ.. (عن علمه فيم فعل فيه) كما جاء ذلك عن رسول الله r .

بارك الله لي ولكم..


الحمد الله رب العالمين، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والعاقبة للتقوى، وأشهد أن محمداً عبده ورسولُه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً..

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واستمسكوا بالعروة الوثقى..

أيها المسلمون: العمل بالعلمِ.. رأس الأمر وغايةُ الفلاح.  ومن أسمى صفات المرسلين علمٌ ينشرونَه، وعملٌ يبتدرونَه، وحينَ سُئلَتْ عائشة t عن خُلُقِ رسول الله r قالت: (كان خُلُقُهُ القرآن) أي يتخلقُ بالقرآنِ يأتمِرُ بأمرِه وينتهي عن نهيه،  يسارِع فيما يدعو إليه من الفضائلَ، ويَنْكَفُّ عما يُحَذِّرُ عنه من الرذائل.

وأسوأ الناسِ حالاً.. وأبأسُهم مآلاً.. من عَلِمَ من الشريعةِ علماً فجانبَ العملَ به،  قال أبو الدرداء t : (إنما أخافُ أن يكونَ أولُ ما يسألني عنه ربي أن يقول: قد علمتَ فما عملتَ فيما علمت)

فــلا تَاْمَــنْ سؤالَ اللهِ عنه ** بتوبيخٍ: عَلِمْتَ فهل عَمِلْتا؟
فَرأْس العِلمِ تَقوى اللهِ حقًّا ** ولَيسَ بأن يقال: لقد (رأستا)

{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}

عباد الله: والمتأملُ في حال كثيرٍ من المسلمين اليوم.. يتبينُ له أن مخالفاتِهم للأوامرِ الشرعيةِ.. لم تَكُنْ عن جهلٍ بأحكامها.. وإنما عن هوىً متبعٍ وشهوةٍ فاتِنةٍ،  يُدرِكُونَ حدود الله في أوامِرِه ونواهيه فلا يحفظونها، ويعلمون حُكم الله في المسألةِ فلا يعملونَ بها.{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}

وترك العملِ بالعلمِ قد يكون كفراً.. وقد يكون كبيرةً من الكبائرِ، وقد يكونُ ذنباً دون ذلكَ، وقد يكون مكروهاً.. فحُكُمُ تَركُ العملِ بالعلمِ مرتبطٌ بحكم المسألةِ الشرعيةِ التي تركَ العملُ بها.  

* وإن من أعظم المسائلِ التي يجب على المسلمِينَ أن يَتَعَلَّموها ويَعْمَلوا بها وخاصةً في هذا الزمن..  مسائلُ العقيدةِ.. ومنها مسألةُ إثباتُ وحدانيةِ الله رب العالمين،  وأنه أحدٌ صمدٌ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.. وأن من زعم أن لله ولدٌ.. فقد كفر بالله العظيم.

كما يجب على المسلمين أن يعلموا أن احتفالات النصارى بأعياد الميلاد وما يسمونه بعيد الكريسماس، إنما هو احتفالٌ بمولد المسيح عيسى بنِ مريمَ عليه السلام   وهم يزعمون أن عيسى.. ابنٌ لله ــ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ــ   فهو عيدٌ كُفريٌ مناقض لما جاء به الإسلامُ {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}

كما يجب على المسلمين أن يعلموا علماً.. يقفون عند حُكْمِه.. ويعملون بمقتضاه..  أن مشاركةُ الكافرين بهذا العيدِ وتهنئتهم به ولو بِشَطْرِ كلمةٍ.. أنه مُحادةٌ لله ورسولِه.  قال ابن القيم رحمه الله: (التهنئة بشعائر الكفر المختصة به، حرام بالاتفاق، مثلُ أن يهنئهم بأعيادهم... فهذا إن سَلِمَ قائلُه من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب،  بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثيرٌ ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبُح ما فعل، فَمَنْ هَنَّأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر.. فقد تعرض لمقت الله وسخطه)ا.هـ

ألا فَاحْمُوا حِمَى العقيدةِ، وابنوا صروح التوحيد في قلوبكم وقلوب أهليكم،  أوقدوا جذوة الإيمان في النفوسِ لِتُحْرِق خرافات المبطلين، ولتمزق مؤامراتِ المنافقين..   فالحربُ على العقيدةِ حربٌ على آخر قلاع الإيمان.   اللهم أحينا مسلمين.. وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين..

المشاهدات 1229 | التعليقات 0