عَذَابُ القُبُورِ 2 جُمَادَ ثَانِي 1434 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1434/05/29 - 2013/04/10 15:15PM
عَذَابُ القُبُورِ 2 جُمَادَ ثَانِي 1434 هـ
الحمدُ للهِ الحيِّ الذي لا يموتُ ، تَوَحَّدَ بالدَيْمُومَةِ والبَقَاءِ ، وتفرّدَ بالعِزَّةِ والكِبْرِياءِ ، وطَوَّقَ عبادَه بِطَوْقِ الفَناءِ ، وفَرَّقَهمْ إلى سُعداءَ وأَشْقياءَ . نحمدُه سُبحانَه ونَستَعِينُهُ ونَسْتَغفِرُهُ ونَتُوبُ إِليه ، ونَعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفِسِنَا ، ومِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالنِا , وأَشْهدُ أن لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وأَشْهدُ أَنَّ نَبِيَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، هُوَ الأَخْشَى لِربِهِ والأَتْقَى ، أَصْدَقُ العِبادِ شُكْراً ، وأَعْظَمُهمْ لِرَبِه ذِكْراً ، صَلَّى اللهُ وسَلَمَ وبَارَكَ عليه ، وعلى آلِهِ وأَصْحَابِهِ ، والتَّابِعِينَ ومِنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إَلًى يَوْمِ الدَّيْنِ .
أَمَّا بعدُ : فاتقُوا الله - عبادَ اللهِ - واعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَنْ قَرِيبٍ مِنَ الدَّنْيا مُغَادِرُونَ , وَلِلأَهْلِ والأَصْحَابِ مُفَارِقُونَ , وعَنْ أَفْعَالِكُمْ مَسْئُولُونَ , وبِأَعْمَالِكُمْ مَجْزِّيُون , وعَلَى تَفْرِيطِكُمْ نَادِمُونَ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ )
أَيُّها الإِخْوَةُ : إَنَّ القَبْرَ هُوَ الفَاصُلُ بينَ الدُّنيا والآخِرَةِ , وَهُوَ إِمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجِنَانِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيْران , فَعَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ ! فَقِيلَ لَهُ : تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ؟ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ , فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ , وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ) قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني .
عنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ (اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ (1) حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلامُ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ ! قَالَ : فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ , فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ , حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلا يَمُرُّونَ -يَعْنِي بِهَا - عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلا قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلانُ بْنُ فُلانٍ , بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا , حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ (2) مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا , حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ , فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ , وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأرْضِ , فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى . قَالَ : فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ , فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ ! فَيَقُولان لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينِيَ الإسلامُ ! فَيَقُولانِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولانِ لَهُ : وَمَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ! فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي , فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ , وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ , وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ , قَالَ : فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا , وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ .
قَالَ : وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ , حَسَنُ الثِّيَابِ , طَيِّبُ الرِّيحِ , فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ , هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ , فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ ! فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ! فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي .
قَالَ : وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا , وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ , نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ (3) فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ , ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ , فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ !!! قَالَ : فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ , فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ (4) مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ !
فَيَأْخُذُهَا , فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ , حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ , وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ !!! فَيَصْعَدُونَ بِهَا , فَلا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلا قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ ؟؟؟ فَيَقُولُونَ : فُلانُ بْنُ فُلانِ , بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا !!! حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا , فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلا يُفْتَحُ لَهُ , ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأرْضِ السُّفْلَى ! فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا , ثُمَّ قَرَأَ (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ , وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ , فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ , لا أَدْرِي ! فَيَقُولانِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ , لا أَدْرِي ! فَيَقُولانِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي ! فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ : أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ , وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ , فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا !!! وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ , (وفي رواية : ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا قَالَ فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَابًا) وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ , قَبِيحُ الثِّيَابِ , مُنْتِنُ الرِّيحِ , فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ , هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ! فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ ! فَيَقُولُ : رَبِّ لا تُقِمْ السَّاعَةَ) رواه أحمد أبو داوود والنسائي وصححه والألباني
أَيُّها المُسلمونَ : لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا حَدِيْثٌ عَظِيمٌ , وفِيه عِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ وَمَوْعِظَةٌ لِمَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ !!!
أَقُولُ قَوْلِي هذا , وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أَجْمَعينَ .
أَمَّا بعدُ فيا أيُّها المسلمونَ : اتقوا اللهَ , واعْمَلُوا لِنَجَاتِكم وجَاهِدُوا لِخَلاصِكُم , واعْلَمُوا أنَّ لِعَذَابِ القبرِ أسْبَاباً , ولِلنَّجاةِ منه أَبْوَاباً , فَمَنْ عَرَفَ الأَسْبَابَ اجْتَنَبَها , وَمَنْ تَوَقَّى الشَّرَ وَقَاهُ اللهُ , وَمَنْ فَرَّ إِلى اللهِ آوَاهُ , وَمَنْ اهْتَدَى بِاللهِ هَدَاه .
أيُّها الإِخوة ُ: إِنَّ أَصْحَابَ القبورِ يُعَذَّبُونَ على : إِعْرَاضِهِمْ عَنْ دِينِ اللهِ , وإضَاعَتِهِمْ لأَمْرِهِ , وارْتِكَابِهِمْ لِمَعَاصِيْه , وَمُفَارَقَتِهِمْ لِطَرِيقِ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ وَرَدَتْ أدلةٌ في مَعَاصٍ مُعَيْنَةٍ يُعَذَّبُ أَصْحَابُها في قبورِهِم , فَمِنْ ذَلِكَ :
الذي يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ بينَ الناسِ والذي يَتْرُكُ الاسْتِبْرَاءَ مِنْ البَوْلِ , فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ , فَقَالَ (إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ , وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا : فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ (5) وَأَمَّا الآخَرُ : فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَة) متفق عليه
ومِنْ أَسْبَابِ عَذابِ القَبْرِ : الزِّنَا , وأَكْلُ الرِّبَا , ورَفْضُ القُرْآنِ , والنومُ عن الصلاةِ المَكْتُوبَةِ , والكَذِبُ الذي يَبْلُغُ الآفَاقَ !!!
فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا) قَالَ : فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا , فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ , فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ (هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا ؟) قُلْنَا : لَا ! قَالَ (لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ , فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ , يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ , ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ , وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ , فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ !
قُلْتُ : مَا هَذَا ؟ قَالَا : انْطَلِقْ ! فَانْطَلَقْنَا , حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ , فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ , فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ , فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ , وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ , فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ ! قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَا : انْطَلِقْ ! فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ , أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ , يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا , فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا , وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ ! فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَا : انْطَلِقْ , فَانْطَلَقْنَا , حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ , فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ , وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ , فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ ! كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ ! فَقُلْتُ : مَا هَذَا ؟ قَالَا : انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا ...) إِلَى أَنْ قَالَ (قُلْتُ : طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ , قَالَا : نَعَمْ ! أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ : فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ !
وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ , فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (وفي رواية : فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرَّآنَ فَيَرْفُضُهُ , وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ) وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمْ الزُّنَاةُ , وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُوا الرِّبَا) رَوَاهُ البُخَارِي
فَهَذِهِ - أَيُّها المسلمونَ - جُمْلَةٌ مِنْ أَسْبَابِ عَذَابِ القَبْرِ , فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَجَنَّبَها وَنَبْتَعِدَ عَنْها وَنُحَذِّرُ غَيْرَنَا مِنْهَا !
اَللَّهُمَّ إِنِّا , ونَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ , وَمِنْ عَذَابِ اَلْقَبْرِ , وَمِنْ فِتْنَةِ اَلْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ , وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ اَلْمَسِيحِ اَلدَّجَّالِ , اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا , وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَر . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار , وصَلِّ اللَّهُمْ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِّيِنَا مُحمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أَجْمَعِينَ وَالحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحنوط ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسادهم .
(2) التشييع : هو الخروج مع أحد لتوديعه أو لتبليغه منزله , يعني : يستقبله ويصحبه بعد دخوله في السماء .
(3) هو : اللباس الخشن .
(4) حديدة معكوف رأسها كالكلوب .
(5) أي لا يجعل سترة تقيه من بوله وروي "لا يستبرئ " فإذا وقع البول على ثيابه أو بدنه لم يغسله .
المرفقات

319.doc

عَذَابُ القُبُورِ 2 جُمَادَ ثَانِي 1434 هـ.doc

عَذَابُ القُبُورِ 2 جُمَادَ ثَانِي 1434 هـ.doc

المشاهدات 2394 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا