🌟عذاب الحريق🌟

تركي بن عبدالله الميمان
1446/07/15 - 2025/01/15 11:56AM

🌟عذاب الحريق🌟

الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، ونَستَغفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، ونَعَوذُ باللهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، وسَيّئَاتِ أعمالِنَا؛ مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأَشهَدُ أَن لا إله إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَه؛ وأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ، وسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقوَى، ورَاقِبُوهُ في السِرِّ والنَّجوى، واعلَمُوا أنَّ أَجسادَكُم على النَّارِ لا تَقْوَى! ﴿واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* واتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلكَافِرِينَ* وأَطِيعُوا اللهَ والرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
عِبَادَ الله: إِنَّها دَارُ البَوَار، وسِجنُ الأَشرَار، ومُعتَقَلُ الفُجَّار؛ وهِيَ الخِزْيُ الأَكبَر، والخُسرَانُ الأَعظَم؛ إِنَّهَا النَّار! ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾.
والتَّخوِيفُ مِنَ النَّار: هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمُ المُخْتَار! فَعَنِ النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ t قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: (أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ!)، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا؛ حَتَّى لَو أَنَّ رَجُلًا كَانَ بِالسُّوقِ؛ لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هَذَا!
والخَوفُ مِنَ النَّار؛ يَنْفُضُ غُبارَ الغَفلَة؛ ويُحَقِّقُ التَّقْوَى! ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾.
وخَزَنَةُ النَّارِ: هُمْ ﴿مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ﴾؛ قال ﷺ: (يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ: سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا!).
وكُلَّمَا حَاوَلَ أَحَدٌ مِنْ أَهلِ النَّارِ: الخُرُوجَ مِن أَغلَالِهَا، والهرُوبَ مِن أَهوَالِهَا؛ تَأتي الزَّبَانِيَةُ لِتَقْمَعَهُمْ بِمَقَامِعَ مِن حَدِيد! ويُقَالُ لَهُمْ تَوْبِيخًا: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ﴾: أي المُحْرِق لِلقُلُوبِ والأَبدَان.
وحَرُّ النَّارِ شَدِيد، وقَعْرُهَا بَعِيد! فَإِنَّها فُضِّلَت على نَارِ الدُّنْيَا (بِتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا!).
وقَدْ سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ صَوْتًا يَسْقُطُ على الأَرضِ؛ فقال لِلصَّحَابَةِ: (تَدرُونَ مَا هذَا؟) قلنا: (اللهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ)، قال ﷺ: (هذا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي في النَّارِ الآنَ، حَتَّى انْتَهَى إلى قَعْرِهَا!).
ولِلنَّارِ دَرَكَاتٌ سَافِلَة، بِحَسَبِ تَفَاوُتِ أَهْلِهَا في الكُفرِ والعِصيَان ، والمُنَافِقُونَ: هُمْ في الدَّرْكِ الأَسفَلِ مِنهَا!
وأَهْوَنُ أَهلِ النَّارِ عَذَابًا: (رَجُلٌ على أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ!).
ولِلنَّارِ سَبْعَةُ أَبوَاب! فَإِذَا أُغْلِقَتْ على أَهلِهَا؛ فَلَا أَمَلَ في الخُرُوجِ مِنهَا؛ قال ﷻ: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾: أي مُغْلَقَةُ الأَبوَاب.
وهَذِهِ النَّارُ تَأْكُلُ كُلَّ شَيء! ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾: أَي حَرَّاقَةٌ لِجُلُودِ البَشَر! ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُوْدُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾.
ويَزدَادُ حَجمُ الكَافِرِ في النَّارِ؛ لِيَزْدَادَ عَذَابُه! قال ﷺ: (ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ!)؛ وفي الحديثِ الآخَر: (مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الكَافِرِ، مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، للرَّاكِبِ المُسْرِعِ!). قال النَّوَوِي: (هذا لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ في إِيلَامِهِ، وكُلُّ هذا مَقْدُورٌ لِله تَعَالَى، يَجِبُ الإِيمَان بِه).
ولَمَّا كانَت حَيَاةُ أَهلِ النَّارِ: طَافِحَةً بِالآلامِ والحَسَرَات؛ فَإِنَّهُم يَتَمَنَّونَ المَوتَ؛ هَرَبًا مِن هَذِهِ الحَيَاةِ البَائِسَةِ المُرعِبَةِ؛ ولَكِنْ هِيْهَاتَ هيهات! قال U: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾.
وَمَهْمَا طَالَ الزَّمَان؛ فَإِنَّ النَّارَ لا يَنْطَفِئُ لَهِيْبُهَا، ولا يَتَوَقَّفُ عَذَابُهَا! قال بَعضُ المُفَسِّرِين: (لَمْ تَنْزِلْ على أَهْلِ النَّارِ: آيَةٌ أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا﴾؛ فَهُمْ في مَزِيدٍ مِنَ العَذَابِ أَبَدًا!).
وطَعَامُ أَهلِ النَّار: الشَّوْكُ والزَّقُّوْم، وهُوَ ﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾، قالَ ﷺ: (لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ في دَارِ الدُّنْيَا؛ لأَفْسَدَتْ على أَهْلِ الدُّنيَا مَعَايِشَهُمْ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَه؟!).
وأَمَّا شَرَابُ أَهلِ النَّار: فَهُوَ الحَمِيمُ الذي تَنَاهَى حَرُّه! وَهُوَ ماءٌ كالزَّيْتِ: يَشْوِي الوُجُوْه، ويُقَطِّعُ البُطُون؛ قال تعالى: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾: أي يُذِيبُ أَحشَاءَهُم: كما يُذِيبُ جُلُودَهُم! قال الشوكاني: (إذَا كَانَ الحَمِيمُ يُذِيبُ مَا في البُطُونِ؛ فَإِذَابَتُهُ لِلْجِلْدِ الظَّاهِرِ بِالأَولَى).
ومِنْ شَرَابِ أَهلِ النَّارِ: الغَسَّاق: وهُوَ ما يَسِيْلُ مِنْ جُلُوْدِهِمْ مِنَ القَيْحِ والدَّمِ والصَّدِيْد! ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا﴾.
قال ابنُ عَبَّاسٍ t: (الغَسَّاقُ: هُوَ الزَّمْهَرِيرُ الذي يَحْرِقُهُمْ بِبَرْدِهِ: كَمَا تَحْرِقُهُمُ النَّارُ بَحَرِّهَا).
ويُفَصَّلُ لأَهلِ النَّارِ ثِيَابٌ مِنْ نار! قال I: ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ﴾. قال المُفَسِّرُون: (أَيْ ثِيَابُهُمُ مِنْ نُحَاسٍ حَارٍّ مُذَاب، قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ إِذَا حَمِيَ أَشَدَّ حَرَارَةً مِنْه) ؛ قال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ﴾، قال بعضُهُم: (يُقَدِّرُ اللهُ لَهُمْ نِيرَانًا على مَقَادِير جُثَثِهِمْ: كَمَا تُقَطَّعُ الثِّيَابُ المَلْبُوسَةُ؛ فَيُكْسَى أَهْلُ النَّارِ والعُرْيُ خَيْرٌ لَهُم، وَيَحْيَوْنَ والمَوتُ خَيرٌ لَهُمْ!).
ويَستَغِيثُ أَهلُ النَّارِ بِرَبِّهِم: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾؛ فيقولُ اللهُ: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا ولَا تُكَلِّمُونِ﴾. وهذا الجوابُ مِنَ اللهِ ﷻ؛ أَشَدُّ على أَصحَابِ النارِ مِنَ العَذَابِ الذي هُمْ فِيهِ! قال ابنُ القَيِّم: (وحشَةُ الحِجَابِ عَنِ اللهِ؛ أَعظَمُ عذابًا مِنَ الجَحِيمِ! وجَمَعَ اللهُ لِأَعدَائِهِ بَينَ العَذَابَيْنِ في قَولِهِ: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحجُوبُونَ* ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الجَحِيم﴾).
وبَعْدَ هذا الجَوَابِ، مِنْ رَبِّ الأَربَاب: يَنْقَطِعُ رَجَاءُ أَهْلِ النَّارِ، ويَأخُذُونَ في الشَّهِيقِ والوَيلِ والثُّبُورِ! قال U: ﴿لا تَدْعُوا اليَومَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾.
أَقُوْلُ قَولِي هذا، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة
الحَمدُ للهِ على إِحسَانِه، والشُّكرُ لَهُ على تَوفِيقِهِ وامتِنَانِه، وأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُه.
عِبَادَ الله: بَادِرُوا بِتَأْمِيْنِ أَنفُسِكُم وأَولادِكُم مِن خَطَرِ النَّارِ، كَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ الوَاحِدُ القَهَّار: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾.
فاتَّقُوا النَّارَ: بِفِعْلِ الوَاجِبَاتِ، وتَرْكِ المُحَرَّمَات، والحَذَرِ مِن أَصحَابِ الشَّهَوَاتِ والشُّبُهَات! ﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إلى النَّارِ﴾؛ فَهُمْ: (دُعَاةٌ على أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا: قَذَفُوهُ فِيهَا).
واسْتَمْسِكُوا بِالإِسلامِ والإِيمَان، فَهُوَ أَمَانُكُم مِنَ النِّيْرَان، ولا يَغُرَّنَّكُمْ ﴿تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
************
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلامَ والمُسلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّركَ والمُشرِكِين، وارْضَ اللَّهُمَّ عَن الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِين: أَبِي بَكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَنِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَنْ تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ إلى يومِ الدِّين.
* اللَّهُمَّ فَرِّج هَمَّ المَهمُومِينَ، ونَفِّسْ كَرْبَ المَكرُوبِين، واقْضِ الدَّينَ عَن المَدِينِين، واشْفِ مَرضَى المسلمين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا، وأَصلِح أَئِمَّتَنَا ووُلَاةَ أُمُورِنَا، ووَفِّق (وَلِيَّ أَمرِنَا ووَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقوَى.
* اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إلَّا أَنتَ، أَنتَ الغَنِيُّ ونَحنُ الفُقَراء؛ أَنزِل عَلَينَا الغَيثَ، ولا تَجعَلْنَا مِنَ القَانِطِين.
* اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا؛ فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ والإحْسَانِ وإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى ويَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ والبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

المرفقات

1736931332_‏‏‏‏عذاب الحريق (نسخة مختصرة).pdf

1736931332_‏‏عذاب الحريق (نسخة للطباعة).pdf

1736931332_عذاب الحريق.pdf

1736931335_عذاب الحريق.docx

1736931335_‏‏عذاب الحريق (نسخة للطباعة).docx

1736931336_‏‏‏‏عذاب الحريق (نسخة مختصرة).docx

المشاهدات 816 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا