عدم الطمأنينة في الصلاة

محمد بن إبراهيم النعيم
1439/03/26 - 2017/12/14 13:58PM

أراد أخوان رفع شكايتهما وطلبهما إلى الملك، فكتبا خطابا موحدا، وأخذ كلُ واحد منهما صورةً من هذا الخطاب وحفظه عن ظهر قلب، ليقوله أمام الملك، فلما جاء موعد الدخول، دخل الأول وسلم على الملك وهو بين خوف ورجاء، بين خوف أن يرده الملك فيعود صفر اليدين، ورجاء أن يحقق له الملك مطلبه فيسعدُ في دنياه.

 فقال: يا جلالة الملك أنا مواطن فقير ووقعت لي مشكلة لا يقوى على حلها بعد الله عز وجل إلا أنت، ولي عيال عاطلين، وقد طرقت بابكم، أطلب منكم مساعدتي وعدم رد طلبي، وقد عُرف عنكم تفريج المكروب وإغاثة الملهوف، ثم قدم خطابه وانصرف، ثم دخل الآخر فسلم وقرأ نفس الخطاب ولكن بسرعة فائقة، فهذّ خطابه هذّاً، ثم قدمه وانصرف.

 وكانت النتيجة أن الملكَ أعطى الرجل الأول سؤله، ورد طلب الآخر ولم يعطه شيئا؛ لأنه لم يُحسن عرض مشكلته ولم يحسن الكلام والأدب مع الملك.

أيها الأخوة في الله

هذا هو حالُ الذي يسرع في صلاته وينقرها نقرا، ولله المثل الأعلى، فتراه يقرأ الفاتحة في صلاته ويسبح ويسأل ربه حاجته ولكن يقول كل ذلك هذّاً وهذرمة، فأنى يُقبلُ منه؟

لقد رأى النبيُ –صلى الله عليه وسلم- رجلا يصلي ولم يطمئن في صلاته، فماذا قال له؟

روى أبو هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ فَقَالَ (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مِرَارٍ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا) متفق عليه.

والطمأنينة تعني أن تستقر كل أعضائك لبضع ثوان قبل الانتقال لركن آخر.

فإذا رفعت من الركوع يجب عليك أن تعتدل في الوقوف لبضع ثواني حتى تطمئن واقفا ثم تسجد، وهكذا تفعلُ في سائر الصلاة.

والسرعة في الصلاة تتمثل في ثلاث صور:

الصورة الأولى: عدم الطمأنينة في أداء أركان الصلاة، فالذي لا يطمئن في ركوعه وسجوده وينقر الصلاة نقرا فصلاته باطلة؛ لأن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، وقد روى أبو هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الرجل ليصلي ستين سنة، وما تقبل له صلاة، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود، ويتم السجود ولا يتم الركوع) صحيح الترغيب والترهيب 529.

والخطورة فيمن ينقر صلاته ولا يتم ركوعها ولا سجودها؛ أنه لو مات على هذه الحالة، مات على غير الفطرة، بمعنى أنه يموت على غير الإسلام أو على غير سنة النبي –صلى الله عليه وسلم-، فقد روى أبو موسى الأشعري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا لا يتمُ ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (لو مات هذا على حاله هذه؛ مات على غير ملة محمد –صلى الله عليه وسلم-) رواه الطبراني.

ولذلك عندما رأى حذيفةُ بنُ اليمان رَجُلاً لا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ:( مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا –صلى الله عليه وسلم- عَلَيْهَا) رواه البخاري.

فما معنى قوله –صلى الله عليه وسلم- (مات على غير ملة محمد –صلى الله عليه وسلم-) أو قول حذيفة –رضي الله عنه- "مات على غير الفطرة"؟

 إنه كلام خطير ومخيف، يتساهل فيه كثير من الناس، ذكر العلماء بأن الفطرة لها معنيان: المعنى الأول هو الدين، فيكون قول حذيفة (مات على غير الفطرة) أي مات على غير الإسلام؛ لأن صلاته باطلة لإخلاله بِبَعْضِ أَرْكَان الصلاة، ونعلم جميعا بأن من ترك الصلاة فقد كفر، ورأى آخرون أنها كلمة خرجت للمبالغة والزجر.

 وأما المعنى الثاني للفطرة فهو السُّنَّة لقوله –صلى الله عليه وسلم-: (خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَة).

فالمهم أن الذي لا يتم ركوعه وسجوده تبطل صلاته ويموت على غير الفطرة، احفظوا ذلك جيدا كي يطمئنَ المسيءُ في صلاته.

والذي ينقر صلاته ولا يطمئنُ فيها يغش نفسه ويسرقُ صلاته، وهذا من أغبى الناس، وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: (أسوأ الناسِ سرقة الذي يسرق صلاته)، قال وكيف يسرق صلاته؟ قال: (لا يتمُ ركوعها ولا سجودها) رواه ابن حبان والحاكم.

تأملوا جيدا في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-  (أسوأ الناسِ سرقة الذي يسرق صلاته)، كأنه أسوء حالا من سارق الأموال، لأنه يسرق نفسه ويغشها.

والمرء يصلي لنفسه لا لغيره، فليحرص على أداء صلاته بالكيفية التي ترضي اللهَ عز وجل، فقد روى أبو هريرة –رضي الله عنه- قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: (يَا فُلانُ أَلا تُحْسِنُ صَلاتَكَ؟ أَلا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ) رواه مسلم.

والصورة الثانية من صور السرعة في الصلاة: السرعة في القراءة، سواء في قراءة الفاتحة أو تسبيحات الركوع والسجود أو في الدعاء، فبعض الناس قد يقرأ الفاتحة في نفس واحد، يهذها هذاً لا يفقه منها شيئا، أو يهذروم في التسبيحات.

فهل هذا يليق أن يقالَ لله عز وجل؟ لا شك أن هذا كله تلاعب بالصلاة، وعجلة شيطانية، بينما كان النبي –صلى الله عليه وسلم-  إذا قرأ الفاتحة يقطعها آية آية.

والصورة الثالثة من صور السرعة في الصلاة: مسابقة الإمام في الركوع والسجود، فترى البعض يتحركون قبل الإمام، وقد يصل بعضهم إلى الأرض والإمام لم يكبر بعد للسجود، ولا شك أن هذا أمر محرم، وقد حذر النبيُ –صلى الله عليه وسلم-  الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحولَ رأسه إلى رأس حمار، حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: (مَا يَأْمَنُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ فِي صَلاتِهِ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ فِي صُورَةِ حِمَارٍ) متفق عليه.

ومعلوم أن الحمار موصوف بالبلادة والغباء، فالذي يسابق الإمام ويرفع رأسه قبل أن يرفع الإمام إنسان سيعاقب بالغباء والبلادة، لأنه أخل بصلاته، ولم يستفد من عجلته هذه ومسابقته؛ لأنه لن يسلم قبل الإمام وقبل المأمومين، فهو ضيع صلاته ولم يدرك حاجته.

أيها الأخوة في الله

كيف كان حال الصحابة رضوان الله عليهم في صلاتهم خلف إمامهم رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم-؟ فهل كانوا يسابقونه؟

فقد روى البخاري ومسلم عن عبد اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-  إِذَا قَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- سَاجِدًا ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ.

وفي رواية للإمام مسلم أنه قال: كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَحْنِي ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-  جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ يَخِرُّ مَنْ وَرَاءَهُ سُجَّدًا.

أما حال البعض منا فنراهم يسجدون قبل أن يخرَ الإمامُ ساجدا، وتصل أيديهم إلى الأرض قبل أن يكبر الإمام للسجود.

فلم هذه العجلة وأنت لن تسلم قبل الإمام؟ ولم تُبطل صلاتك وأنت ستسلم بعد الإمام؟ ولن تنصرف من الصلاة قبله؟

فلنحافظ على صلاتنا ولنتقن أدائها، فهي أول ما يُنظر من أعمالنا يوم القيامة، نبهوا نسائكم عن هذا الأمر، فكثير منهن تخبط الصلاة خبطا، لا تتم ركوع ولا سجود، ولا تطمئنُ في صلاتها، فلو صلت طوال حياتها على مثل هذا الحال، لن تقبل منها صلاة، وقد يتحمل الزوج جزءا من الإثم لأنه لم يعلّمها.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في أمر ديننا، وأن يعصمنا من الزلل، ويوفقنا لصالح القول والعمل، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم، الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ الخاشعين، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى واحرصوا على أداء صلاتكم على الوجه الذي يرضي ربكم، وقد قال –صلى الله عليه وسلم- (مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ) رواه مسلم، وأما من لا يتم ركوعها ولا سجودها فلن ينظر الله إليه، حيث قال –صلى الله عليه وسلم- (لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى صَلاةِ رَجُلٍ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) رواه أحمد.

والخلاصة التي ينبغي أن نخرج بها من هذه الخطبة: هي أن نهتمَ بصلاتنا، فهي عمود الإسلام فأدها بطمأنينة ولا تسرع في أداءها، ولا تقل أن موضوع الخطبة معروف لدينا، وسبق أن سمعناه من خطباء آخرين، فليس المهم أن تكون قد سمعته، ولكن المهم أن تطبق ما سمعت، لئلا يكونَ حجة عليك يوم القيامة، فاحرص على صلاتك يا عبد الله، فالمصلحة تعود لك وحدك، فإذا فسدت صلاتك فسد سائر عملك، قال –صلى الله عليه وسلم- (أوَّلُ ما يحاسَبُ بِهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ ، فإِنَّ صلَحَتْ صلَح له سائرُ عملِهِ ، وإِنْ فسَدَتْ ، فَسَدَ سائرُ عملِهِ) رواه الطبراني.

فليراجع كلٌ منا طريقة أداءه للصلاة، وليخش أن يموت على غير الفطرة، فقد ينصحك ناصح إذا رآك تسرع في صلاتك فيقول لك: ارجع فصل فإنك لم تصل، وأما يوم القيامة فلن يقال لك: ارجع فصل فإنك لم تصل؛ لأنه لا رجعة بعد الموت، وإنما سيقال ادخلِ النار لأنك لم تصلِ، فيا حسرة من سيكون هذا مآلة! }مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ{42} قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{ .

ونصيحتي لمن هو متعود على السرعة في أداء صلاته، أن يحرص أن يصلي الصلاة كاملة مع الإمام، وأن لا يفوته شيء منها، كي يضمن صحة صلاته؛ لأن بعض الذين يأتون متأخرين وتفوتهم الركعة والركعتان، نراهم مجرد أن يسلم الإمام ويلتفت، ترى هؤلاء قاموا وركعوا، كيف أدوا كل ذلك خلال التفات الإمام نحو المأمومين؟!

 لا شك أنهم أسرعوا فأخلوا في قراءة الفاتحة أو الركوع.

تأملوا أنهم صلوا جماعة مع الإمام، ولكن سرعتهم أخلت بصلاتهم، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا.

اللهم بصرنا بعيوبنا.....

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت،

اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا،

اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا

اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا،

 10/7/1435هـ

المشاهدات 1259 | التعليقات 0