عداوة الشيطان (2)

حسين بن حمزة حسين
1446/05/15 - 2024/11/17 16:10PM
إخوة الإيمان:  ذكرنا في الخطبة الماضية شيئاً من عداوةِ الشيطان للإنسان، ووسائل مكْره وكيْده، فقد حذّر الله تبارك تعالى من شدّة خطر عداوته في أكثر من مائةٍ وخمسين آية، قال تعالى ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، وتكون الشياطين من الإنس والجنّ كما تكون من البهائم -أعزكم الله- قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " قدّم تعالى ذكر شياطين الإنس بالآية، لِعَظَم شرّهم وخطرهم على بني آدم، لأنهّم يتّصلون بهم، ويشافِهُونهم، فخطرُهم عظيم، وبلاءٌ كبير، وكيدُهم شديد، فيجب الحذر منهم كشياطين الجن بل أشدّ، فدعاة الإنس إلى النار كثيرون من الملاحدة وأنواع الكفرة من اليهود والنصارى والمجوس والبوذيين والوثنيين، وهكذا من خرج عن الصراط المستقيم من أنواع الفسَقة من المسلمين، فصاروا دعاةً إلى النار، فيجب الحذر من فُسّاق المسلمين كالحذر من الكافرين، فلا يطاعون في المعصية، فأنت -يا عبد الله- مُبْتلى بالشيطان ونوّاب الشيطان وذرّيّة الشيطان وشياطين الإنس المنوّعين الكثيرين من بني جلدتك ومن غيرهم، فأنت مُبْتلى بهذه الأمور الكثيرة، وأنت على خطر في هذه الدار، والمحفوظ من حفظه الله"إهـ ، وتكون الشياطين من البهائم، قال صلى الله عليه وسلّم ( الكلب الأسود شيطان)، وقد أمر بقتله في رواية ( علَيْكُم بالأسْوَدِ البَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ؛ فإنَّه شَيطَانٌ ) رواه مسلم، وعداوةُ الشيطان للإنسان قديمة متأصِّلة، وكيدُه ومكرُه قديمٌ مستحكِمٌ ومتجذِّر، يبغي بالإنسان الغوائل ويتربّص به الدوائر، لا يُرضيه إلا كفر بني آدم، وليس بعد الكفر ذنب، يزيّن الشبهات، ويجمّل الشهوات، يغرس حبّ الدنيا بقلب وليّه فلا يعرف معروفاً، ولا ينُكر منكراً، فيتّبع هواه ولا يرى من الحقّ إلا ما وافق هواه، فاحذروا منْ حذّركم الله منه، الشيطانَ الرجيم وأعوانَه وذريّته، قال تعالى حكايةً عن إبليس اللعين ( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا، قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا، وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا) إخوة الإيمان : حذّرنا الله عزّوجل من عداوة الشيطان، وأرشدنا تعالى إلى ما يعْصمنا من مكائده ووساوسه، وأن كيْده ضعيفاً على عباده المتقين، ومن أعظم ما يعصِمنا من الشيطان، توحيدُ الله تعالى، وإخلاصُ العبادة لله، قال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، وقال تعالى حكايةً عن إبليس الرجيم: (قال فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ)، وعباد الله المخلَصِين المخلِصِين الذين أخْلصوا دينَهم وعبادتهَم لله وحده لا شريك الله، ومما يحصّن من مكائد الشيطان، التعوّذ بالله من شرّه، قال تعالى (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَاِن نَزْغٌ فَاْستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعَوَّذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ مِن هَمْزِه ونَفْخِه ونَفْثِه عند الاستفتاح في الصلاة، وتلاوة القرآن الكريم وسماعه تدفَع كيدَ الشيطان ووساوسه، بل حِصْنُك الحصين، قال صلى الله عليه وسلم: (من قرأَ آيةَ الكرسي كل ليلةٍ، لم يزَلْ عليه من الله حافظ، ولا يقْرَبْه شيطان حتى يُصبح)، وقال: (من قرأهما -أي: خواتم سورة البقرة- في ليلة كَفَتَاه)، وفي رواية: (لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام)، وقال صلى الله عليه وسلم ( وإن الشيطان يفرّ من البيت الذي يُسمَع فيه سورة البقرة)، ويَدفع كيدَ الشيطان مداومة ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار والدعاء، والتوبة إلى الله بعد الذنب، ففي الحديث الذي رواه أحمد وصححه الألباني: ( إِنَّ الشيطانَ قال :وعزّتك، يا ربِّ ! لَا أبْرَحُ أغوي عبادَكَ مَا دَامَتْ أرْواحُهُمْ في أجسادِهمْ، فقال الرَّبُّ عزَّ وجلّ: وعزَّتِي وجلَالي؛ لَا أزالُ أغْفِرُ لَهم ما استغْفَرُونِي)، وقال تعالى: (إِنَّ الذِينَ اتقوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)، ومما يدفع شرّ الشيطان وكيدَه، إذا دخل المسلم المسجد فقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، قال الشيطان: حُفِظ مني سائر اليوم" رواه أبو داود وصححه الألباني. من أعظم ما يَعْصٍمُ الإنسانَ من كيد الشيطان، التمسّك بهدي خير الأنام صلى الله عليه وسلّم ، فلا تنس عند دخول المنزل والخروج منه، وعند الأكل والشرب، وعند الدخول لبيت الخلاء، أن تتمسّك بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلّم حيث قال: (لا يأكلنّ أحد منكم بشماله، ولا يشربنّ بها؛ فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بها)، وقال: (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند عشائه، قال الشيطان لجنده: لا مبيت لكم الليلة ولا عَشَاء، فإن لم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر الله عند عشَائِه قال: أدركتم المبيت والعشَاء)، وأخبر صلى الله عليه وسلم (أن المسلم إذا خرج من منزله فقال: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قال له المَلَكْ: هُدِيت وكُفِيت، وتنحّى عنه الشيطان، وقال: ما لي برجلٍ قد هُدِي وكُفِي ووُقِي)، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه عندما يأتي الرجل زوجته فيقول: ( بسم الله، اللهم جنّبني الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتني، فإنه إن يُقَدَّر بينهما ولد لم يضرَّه الشيطان أبدًا)، وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: (بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخُبُث والخبائث)، (الخبُث)، هم ذُكْران الشياطين، و(الخبائث) إناثهم، نعوذ بالله منهم جميعاً، ومن أعظم ما يطرد الجنّ الأذان، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع الأذان، فإذا قُضِيَ الأذان أقبل، فإذا ثوِّب بها أدبر( رواه مسلم، وحذّر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الآباء وقت انتشارِ الجِنِّ والشَّياطينِ أن تُلِمَّ الشياطين بالأبناء فتصَرَعُهم وتتلبّسهم، فقال محّذّراً( إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ-أي مع إحمرار الشمس مع الغروب- فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا) فمن الحديث إنَّما الشَّيطانَ يَتسلَّطُ على المُفرِّطِ لا على المُتحرِّزِ، وقوتهم في الظلام أقوى من النور.  الخطبة الثانية: إخوة الإيمان: روى أبو داوود وصححه الألباني (أنَّ أبا بكرٍ الصدِّيقَ قال يا رسولَ اللهِ علِّمْني ما أقولُ إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ، قال يا أبا بكرٍ: قلِ اللهمَّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ، عالمَ الغيبِ والشهادةِ، لا إلهَ إلا أنتَ ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكَهُ، أعوذُ بكَ من شرِّ نفسي ومنْ شرِّ الشيطانِ وشِرْكهِ، وأنْ أقترفَ على نفسي سوءًا أوْ أجرَّهُ إلى مسلمٍ) عباد الله:  أخرجوا الصور والتماثيل والكلاب من بيوتكم، نظّفوا بيوتكم من الأوساخ والقاذورات، طيّبُوها بالطّيب والإيمان، طهّروها من الذنوب والآثام، طهّروها من مزامير الشيطان الغناء والرقص والمجون، فإنها حبيبة للشيطان بغيضةٌ للرحمن، اعلموا أن الحشوش والنّتَن وأماكنَ الذنوبِ والمعاصي مراتع الشياطين، حصّنوا أنفسكم وأبناءَكم وأحبابكم وأموالَكم بالرّقَى وذكرِ الله، ما ثبَتَ من كتاب الله، وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالسِّحْر حقّ، والعيْن حقّ، والشياطين تتسلّط وتنتشر على الناس وتتربّص بهم الدوائر، احذروا شياطين الإنس من دعاة الفتن في الدّين، لا يستهْوِينّكم الشيطانُ وجُنْده، فتكونوا من أصحاب السعير، احذروا أجهزة إعلام هذا الزمان من قنوات فضائية خليعة، ومواقع إنترنت تدعوا للكفر والسفور والإباحية، وبرامج تواصل متنوعة يقوم عليها أعظم شياطين الإنس درايةً وغواية، فالدنيا دار ابتلاء وامتحان، تذكروا قول الله تعالى( ألم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )  
المشاهدات 142 | التعليقات 0