(عداوة الشيطان ومكائده ووسائل الخلاص منه) - مستفادة من خطب بعض المشائخ الكرام

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيراً إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شراً إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد أوصيكم ونفسي بتقوى الله (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ).

أيها المؤمنون عباد الله :إن الله سبحانه وتعالى لحكمته البالغه ابتلى الإنسان بعدو لا يفارقه طرفة عين، ولا يغفل عنه، يبذل جهده في معاداته في كل حال، ولا يدع أمرًا يضره به وقدر على إيصاله إليه إلا أوصله إليه، ذلكم العدو أيها الكرام الشيطان الرجيم وإنَّ عداوته للإنسان قديمة ومتأصِّلة ، وكيدَه ومكره به مستحكِمٌ ومتجذِّر ؛ يبغي بالإنسان الغوائل ويتربص به الدوائر ، ويأتيه من كل طريق وسبيل كيداً ومكراً وصدًّا وإغواء ، وأزًّا إلى المعاصي والذنوب ، وسوقاً إلى ارتكاب المحرمات والآثام ، وصدًّا عن طاعة الرب الملك العلام .

وفي القرآن -أيها المؤمنون- آيٌ كثيرة تزيد على المائة والخمسين فيها بيان عدواة الشيطان للإنسان والتحذير منه وبيان خُبثه وشره ووجوب مجاهدته.

قال سبحانه في بيان عدواته: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) وقال سبحانه (إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا).

وأخبرنا جل في علاه أنَّ الشيطان في إغوائه للإنسان يخطو به خطواتٍ تلو خطوات إلى أن يوقعه في حمأة الفساد وعظيم الكبائر والذنوب قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة:208].

قال البغوي- رحمه الله -: «أي: لا تسلكوا الطُّرُقَ التي يدعوكم إليها الشيطان، فإنه يُورِدُكُم موارِدَ العَطَبِ» [2].

وأخبرنا ربنا جل في علاه أن هذا العدو الخطير يرانا ولا نراه ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف:27] قال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: «إن عدواً يراك ولا تراه لشديد المؤنة، إلا من عصم الله».

إذن تحذير ربِّ العالمين لعبادِه من هذا العدوِّ المبينِ كثيرٌ مستفيضٌ في كتابِ الله تعالى، وما ذلك إلا لِما لهذا العدوِّ القويِّ من صَوْلةٍ وجوْلةٍ، فإنه لعنه اللهُ مصدرُ كلِّ فتنةٍ وبلاءٍ ومنبعُ كلِّ شرٍّ وعناءٍ، وقد أخذَ على نفسِه الميثاقَ أن يضلَّ بني آدمَ، وأن يطرُقَ لذلك كلَّ بابٍ، وأن يسلكَ كلَّ سبيل قال الله تعالى حاكياً عنه: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ وقال في موضع آخر: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾.

فيا عباد الله ما من طريقٍ من طرقِ البرِّ والطاعة إلا والشيطانُ قاعدٌ لكم عليه بالمرصادِ يزهدكم فيه وينفِّركم عنه، وما من سبيلٍ من سبل الشرِّ والمعصيةِ إلا وعدوكم منتصبٌ عليه يدعوكم إليه ويزينه لكم ويجمله في أعينِكم، فإياكم، إياكم، إياكم، أن تطيعوه أو تصغوا إليه؛ فإن عاقبةَ ذلك إلى الخسرانِ في الدنيا والآخرةِ، قال الله تعالى عن الشيطانِ: ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير﴾.

أيها المؤمنون عباد الله : وكيد الشيطان للإنسان ومكره به وحيَله في صدِّه وإغوائه يكون بوسائل كثيرة وأساليب متعددة ومتنوعه من أعظمها وأشدها شرًا، وأقواها تأثيرًا، الوسوسة وهي أظهر صفات الشيطان، وأصل كل معصية وبلاء، والوسوسة هي ما يلقيه الشّيطان في القلب إما تزينا للمعصية والذنب  فيوسوس الشيطان إلى العبد بالذنب ويصوره له ويزينه حتى يقع فيه أو تثبيطا وإفسادا للطاعه فيوسوس للعبد إن كان في طاعة حتى يفسدها عليه ومن ذلك أنه يعرض للناس في صلاتهم ليفسدها عليهم، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: « إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ، أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى؟»[5].

ومن شر الشيطان وطرقه الإفساد بين المؤمنين بكل طريقة وحيلة، فيسعى لإفساد بين الأخ وأخيه، والزوج وزوجته وقد نزغ بين يوسف - عليه السلام - وإخوته، قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 100].

وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» [6]. قال النووي: وهذا الحديث من معجزات النبوة، ومعناه أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب ولكنه سعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتنة ونحوها [7].

 عباد الله: وإن اللَه تعالى قد دلَّنا برحمتِه وفضلِه إلى الأسلحِة التي يُوَاجَهُ بها كيد هذا العدوِّ المتربصِ، وهي أسلحةٌ كثيرة منتشرةٌ في كتابِ الله وسنةِ رسوله.

*ومن أعظمِ هذه الأسلحة التي تنجِّي العبدَ من غوائلِ الشيطان وشرِّه وعداوتِه: الإخلاصَ لله تعالى، فإن أهل الإخلاص محفوظون بحفظِ الله تعالى.

ولما علم إبليس أنه لا سبيل على أهل الإخلاص استثناهم من شرطته التي اشترطها للغواية والإهلاك، فقال تعالى: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص:

*ومن وسائلِ ردِّ كيدِ عدوكم وإفسادِ سعيه في إضلالِكم الاستعاذةَ بالله العظيمِ، ذي الوجه الكريم والسلطانِ العظيمِ من الشيطانِ الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ، وهذه الاستعاذة ُالتي تتردَّدُ على ألسنتِنا هي طلبُ العوذِ من الله تعالى، أي: طلبُ الامتناعِ بالله والاعتصامُ به والالتجاءُ إليه من شرِّ الشيطان، ولذلك أنزلَ الله علينا في كتابه سورتين خاصتين بطلبِ الحفظِ من كيدِ الشيطان وشر عداوتهِ: سورة الفلق، وسورة الناس.

روى أبو داود في سننه من حديث عقبة بن عامر- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمره بقراءة المعوذتين وقال له: «يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا» [15].

قال ابن القيم رحمه الله: " والناسُ محتاجون إلى هاتين السورتين ". 

فيقرأهما الإنسان ويتحصن بهما حين يصبح وحين يمسي وعند النوم، وأدبار الصلوات، ويرقى بهما نفسه وغيره.

 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 عباد الله أيها المؤمنون:

*وإن مما يردُّ عنكم كيدَ الشيطانِ ويبطلُ عملَه كثرةَ ذكرِ اللهِ تعالى فذكرُ اللهِ تعالى من أعظمِ أسبابِ دفعِ تسلطِ الشياطينِ، فإن الشيطان يخنِسُ عند ذكرِ الله تعالى، ويتضاءلُ ويضمحِلُّ، بل يهرب وينهزمُ، فذِكر الله تعالى أثقلُ شيءٍ علي، والذكر هو الحرزُ المتين والحصن الحصين الذي يحفظُ به العبدُ نفسَه من الشيطانِ الرجيمِ، فيحرص العبد على ذكر الله في كل حين ويداوم على الأذكار الحافظة له من الشيطان ولاسيما التهليل مائة مرة: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ* لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ»[16].

وكذلك يحافظ على التسمية عند الخروج من البيت، وعند الجماع، وعند الدخول إلى الخلاء، وعند الطعام: روى مسلم في صحيحه من حديث جابر- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ»[17][18].

*ومما يدفع كيد الشيطان عن الإنسان قراءته للقران آناء الليل وأطراف النهار ولاسيما قراءة سورة البقرة فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» [13].

ومما يقرأ آية الكرسي عند النوم: روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - في قصة قبضه على الشيطان.. وفي آخر الحديث علَّمه أن يقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فلما أخبر أبو هريرة النبي- صلى الله عليه وسلم - بذلك قال: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ» [14].

هذه بعض الوسائل التي ذكرَها الله تعالى لمواجهةِ هذا العدوِّ الماردِ، فاحرصوا عليها واستزيدوا منها، أعاننا الله وإياكم على ذلك.

هذا وصلُّوا وسلِّموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).