عجب من رجب ( الجمعة 1442/7/7هـ )

يوسف العوض
1442/07/04 - 2021/02/16 05:09AM

الخطبة الأولى:

أَيّهَا الْمُسْلِمُونَ : فَضَّلَ اللَّهُ الْأَيَّامَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَالشُّهُورَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ،وَهَذَا التفضيلُ والِاخْتِيَارُ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ الْخَلْقِ وَالِاخْتِيَار : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) وَمِمَّا اخْتَارَ سُبْحَانَه الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) قَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ : (خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ بِالذِّكْرِ وَنَهَى عَنْ الظُّلْمِِ فِيهَا تشريفًا لَهَا ، وَإِنْ كَانَ منهيًا عَنْهُ فِي كُلِّ الزَّمَانِ ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ ، أَي لَا تَظْلِمُوا فِي الْأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَنْفُسَكُم وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : (فلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ شهرًا أَيْ كُلُّ الشُّهُور ، وَلَيْس الْأَرْبَعَةَ فَقَطْ .

أَيّهَا الْمُسْلِمُونَ : بِهَذَا التَّفْضِيلِ أَقْبَلَ عَلَيْنَا شَهْرٌ مِنْ الْأَشْهُرِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فِيهَا الْقِتَالَ وهو شَهْرُ رَجَب وَقد كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَعْلَمُون قِيمَةَ هَذَا الشَّهْرِ وَيُعَظِّمُونَه ، ومن العجبِ ما جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بِاهْلِة قال:( أنّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمّ انْطَلَقَ فَأتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ ، فَقَال : يَارَسُولَ اللَّه أمَا تَعْرِفُنِي ؟ قَال : وَمَنْ أنْتَ ؟ قَال : أنَا الْبَاهِليّ الّذي جِئْتُكَ عَامَ الأوّلَ ، قَال : فَمَا غَيّرَكَ وَقَدُ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ ؟ قُلْتُ مَا أكَلْتُ طَعَاماً مُنْذُ فَارَقْتُكَ إلاّ بِلَيْلٍ ، فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَ عَذّبْتَ نَفْسَكَ ثُمّ قَال : صُمْ شَهْرَ الصّبْرِ وَيَوْماً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَال : زِدْني فإنّ بِي قُوّةً ، قَال : صُمْ يَوْمَيْنِ قَال : زِدْنِي ، قَال : صُمْ ثَلاَثَةَ أيّامٍ قَال : زِدْنِي ، قَال : صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنَ الْحُرْمِ وَاتْرُكْ ،وَقال بِأصَابِعِهِ الثّلاَثَةِ فَضَمَّهَا ثُمّ أرْسَلَهَا) صُمْ مِنَ الْحُرْمِ أي : الأشهرُ الحُرم ، وهَذَا الحديثُ هُوَ كُلُّ مَا وَرَدَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ مِمَّا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاج وماعداه كُلُّهَا أُمُورٌ مُحْدَثَةٌ ، لَمْ تَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .

الخطبة الثانية:

أَيّهَا الْمُسْلِمُونَ : تخِصِّيصُ رَجَب بِصَلَاةِ الرَّغائب أَوِ الاحْتِفَالِ بِلَيْلَةِ سبعٍ وعشرين مِنْه ويَزْعُمُون أَنَّهَا لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ وَالمِعْراجِ ، كُلُّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لَا يَجُوزُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ ، وَقَد نبَّه عَلَى ذَلِكَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَنْ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ بِدْعَةٌ ، وَهِيَ مَا يَفْعَلُهُ بعضُ النَّاسُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ ، وَهَكَذَا الِاحْتِفَال بِلَيْلَةِ سبعٍ وعشرين اعتقادًا أَنَّهَا لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ وَالمِعْراجُ ، كُلُّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَيْلَةُ الإسْراءِ وَالمِعْراجِ لَم تُعلم عَيْنُهَا ، وَلَو عُلمت لَمْ يَجُزْ الِاحْتِفَالُ بِهَا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَم يَحْتَفِل بِهَا وَهَكَذَا خُلَفَاؤُه الرَّاشِدُون وَبَقِيَّةُ أَصْحَابِه وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ سُنَّةً لسبقونا إلَيْهَا .
وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي أَتْبَاعِهِمْ وَالسَّيْرِ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ : (مَن أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ ردّ) مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَمَعْنَى فَهُو ردّ أَي : مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ .

أَيّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَا بَأْسَ بِهَا فِي رَجَبٍ ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ ، وَكَانَ السَّلَفُ يَعْتَمِرُونَ فِي رَجَبٍ ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ (اللطائف) . 
رزقَ اللهُ الجميعَ الإخلاصَ في عبادتِه، واتِّباعَ سنَّةِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلم وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين.

 

المشاهدات 757 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا