( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ... )

مبارك العشوان 1
1445/11/01 - 2024/05/09 02:28AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ  وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )

هَذَا هُوَ حَالُ الدُّنَيَا؛ وَهَذَا هُوَ حَالُ المُؤْمِنِ فِيهَا؛ عِبَادَةٌ فِي السَّرَّاءِ؛ وَعِبَادَةٌ فِي الضَّرَاءِ [ الشُّكْرُ وَالصَّبْرُ ]

عِبَادَ اللهِ: يُبْتَلَى العِبَادُ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ بِالخَيْرِ وَالشَّرِّ  وَالغِنَى وَالفَقْرِ، وَالعَافِيَةِ وَالضُّرِّ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ  } [الأنبياء  35 ]

يُبْتَلَى العِبَادُ بِنِعَمٍ تَتْرَى؛ وعَلَيهِمْ شُكْرُهَا.

نِعَمٌ دِيْنِيَّةٌ، وَنِعَمٌ دُنْيَوِيَّةٌ، نِعَمٌ فِي الأَنْفُسِ، وَفِي الْأَهْلِ وَفِي الْأَوْلَادِ، وَفِي الْأَمْوَالِ.

خَلَقَنَا اللهُ فَسَوَّانَا فَعَدَلَنَا، صَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنا، أَخْرَجَنَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لَا نعْلَمُ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَنَا السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ؛ خَلَقَ لَنَا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، وَسَخَّرَ لَنَا كُلَّ شَيءٍ؛ قَالَ تَعَالَى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }[إبراهيم 32-34]

أَرْسَلَ إِلَيْنَا أَفْضَلَ رُسُلِهِ وَخَاتَمُهُمْ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ أَشْرَفَ كُتُبِهِ، أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَأَتمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، وَرَضِيَ لَنَا الْإِسْلَامَ دِيْنًا.

نِعَمٌ لَا يُمْكِنُ إِحْصَاؤُهَا؛ فَلْنَجْتَهِدْ فِي شُكْرِهَا؛ وَلْيُبْشِرْ مَنْ شَكَرَ بِجَزَاءِ الشَّاكِرِينَ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران 144 ]  وَقَالَ تَعَـالَى: { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ }[آل عمران  145 ]  يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ جَزَاءَهُمْ؛ لِيَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى كَثْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَلِيُعْلَمَ أَنَّ الجَزَاءَ عَلَى قَدْرِ الشُّكْرِ  قِلَّةً وَكَثْرَةً وَحُسْنًا. اهـ

لِنَشْكُرْ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا؛ يَحْفَظْ عَلَيْنَا نِعَمَهُ، وَيَزِيدَنَا مِنْ فَضْلِهِ؛ نَعْتَرِفُ بِنِعَمِهِ تَعَالَى، وَنُثْنِي عَلَيْهِ بِهَا، وَنَسْتَعْمِلُهَا فِي طَاعَتِهِ، وَنَجْتَنِبُ مَعْصِيَتَهُ.

عَبِادَ اللهِ: أَمَّا عَنِ الصَّبْرِ عَلَى الضَّرَّاءِ؛ فَإِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ مُعَرَّضٌ لِلْبَلَاءِ؛ مُعَرَّضٌ لِلْمَصَائِبِ؛ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَصْلَحِ العِبَادِ؛ وَهُوَ مَوْعُودٌ بِعَظِيمِ الأَجْرِ إِذَا صَبَرَ؛ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ  الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ  أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [ البقرة 155- 157 ]  وَيَقُولُ تَعَالَى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر 10]

وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ ) [ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ]

 وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]

وَالصَّبْرُ؛ كَمَا قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ التَّسَخُّطِ بِالمَقْدُورِ، وَحَبْسُ اللِّسَانِ عَنِ الشَّكْوَى، وَحَبْسُ الجَوَارِحِ عَنِ المَعْصِيَةِ؛ كَاللَّطْمِ وَشَقِّ الثِّيَابِ وَنَتْفِ الشَّعْرِ وَنَحْوِه. اهـ .

بَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَلْنَتَّقِ اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَلْيَكُنْ هَذَا حَالُنَا مَعَ كُلِّ قَدَرٍ قَدَّرَهُ اللهُ، شُكْرٌ فِي السَّرَّاءِ، وَصَبْرٌ عَلَى البَلَاءِ.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ الأَسْبَابِ؛ لِجَلْبِ المَصَالِحِ، وَدَفْعِ المَضَارِّ، أَوْ رَفْعِهَا.  

وَلْنَحْذَرْ - وَفَّقَكُمُ اللهُ - حَالَ مَنْ يَجْحَدُ النِّعَمَ، مَنْ إِذَا شَبِعَ بَطَرَ، وَإِذَا اسْتَغْنَى طَغَى، وَإِذَا عُوفِي غَفِلَ وَلَهَى وَعَصَى.

لْنَحْذَرْ حَالَ مَنْ يَجْزَعُ عِنْدَ البَلَاءِ، وَيَتَسَخَّطُ عِنْدَ المَصَائِبِ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّـــمَ؛ مُحَـذِّرًا: ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ ) [ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ]

أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ إذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإذَا ابتُلِيَ صَبَرَ، وَإذِا أذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب 56]

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

المرفقات

1715210875_عجبا لأمر المؤمن .pdf

1715210892_عجبا لأمر المؤمن.docx

المشاهدات 958 | التعليقات 0