عثمان رضي الله عنه
صالح عبد الرحمن
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي لا مانع لما وهب، ولا معطيَ لما سلب، هيأ قلوب أوليائه للإيمان وكتب، وسهل لهم في جانب طاعته كل نَصَب، فلم يجدوا في سبيل خدمته أدنى تعب.
أحمده على ما منحنا من فضله ووهب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اصطفاه الله , صلى الله عليه وعلى صحبه أبي بكر الفائق في الفضائل والرتب، وعلى عمر الذي فر الشيطان منه وهرب، وعلى عثمان ذي النورين التقي النقي الحسب، وعلى علي صهره وابن عمه في النسب، وعلى بقية أصحابه الذين اكتسبوا في الدين أعلى فخر ومكتسَب، وعلى التابعين لهم بإحسان ما أشرق النجم وغرب،
وسلم تسليماً.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ، فَلا نَجَاةَ لَنا إلاَّ بِتَقْوى اللهِ وَذَلِكَ بِفِعْلِ أَوَامِرِ رَبِّنا وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ
. ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾
هو أحدُ العشرةِ المبشَّرين، وخامسُ السابقينَ الأوَّلين. كَانَ رَابِعُ أَرْبَعَةً دَخَلُوا فِي الإسْلامِ، إنَّهُ أَمِيرُ البرَرَةِ ، نَعَمْ إنَّهُ ذُو النُّورَينِ، وَصَاحِبُ الهِجْرَتَينِ، وَمَنْ اشتَرى الجَنَّةَ مَرَّتَينِ! الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ عُثْمَانُ الخَيرِ وَالحَيَاءِ، وَالصِّدْقِ وَالإِيمَانِ، وَالبَذْلِ وَالتَّضْحِيَةِ، إنَّهُ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرضَاهُ، أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَثَالِثُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.
ماذا عسانا أن نقولَ عن رجلٍ خصَّه النبي صلى الله عليه وسلم من بين الناس بثنتينِ من بناتِه، وفلذات كبده، فكان له مع نبي الله أقربُ نسبٍ، وأكرمُ سبب، حتى لُقِّبَ بذي النورين.
سمع عثمانُ القرآن غضَّاً طرياً من فم النبي صلى الله عليه وسلم، وتشوَّق لآيات التنزيل سماعاً، وحفظاً، وعملاً، فكان عثمانُ أحدَ الصحابةِ القلائلِ الذين حفظوا القرآنَ كاملاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
كيف لا وهو الذي روى للأمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلَّم القرآنَ وعلمه).
قدم رسولُ الله –ص - المدينةَ وليس فيها ماءٌ يُستعذبُ غيرَ بِئْرِ رُوْمَه، وأرضُ المدينةِ حَرَّةٌ حَارةٌ، وحاجةُ النَّاس للماءِ شديدة، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: من يَشتري بئر رومه فيجعلُ دَلْوَهُ على دلاءِ المسلمين بخيرٍ له منها في الجَنَّة، فاشتراها عثمان.
ضاق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يشتري بُقْــعَةَ آلِ فلانٍ فيزيدُها في المسجدِ بخيرٍ له منها في الجنة، فكان لها عثمان.
استنفر رسول الله الناس لغزوة تبوك، في وقت الحر، والسفر بعيد، والعدد كبير، فحض ورغب على النفقة، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستحثهم على البذل.
وخطب النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مسجده داعياً للنفقة، فقال عثمان: عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا.
ثم حثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال عثمان: عَلَيَّ مِائَةُ أُخرى بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا.
ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم من منبره، ثم صعد فحث على النفقة،، فقال عثمان: عَلَيَّ مِائَةُ أُخرى بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا.
ثم جاء الرجل المعطاء عثمان بسبع مائة أوقية، فصبها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه بعد ذلك بخمسين فرساً.
ثم جاءه مرة أخرى بألف دينار فنثرها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وهو يقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم، ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم.
نعم... لقد عرف ابن عفَّان كيف يجمع المال، ولكنَّه أيضاً عرف جيِّداً كيف يجعل هذا المال جسراً لرضى من رزقه المال.
إنه والله جودُ من يستعذب الإنفاق
ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم
قلت ما سمعتم وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلى أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ وإمَامِ المُرْسَلِينَ، وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَأَصْحَابِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ، َوعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُم بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أما بعد :
اجتمعت عصابة مارقة ظالمة يتزعمها عبد الله بن سبأ هدفها التأليب على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه والتحريض عليه وإسقاط ولايته ولو بالقوة
وفي شهر ذي القعدة من السنة الخامسة والثلاثين حاصرت هذه العصابة المارقة عثمان في بيته أكثر من شهر وقطعوا عنه الماء والطعام وتوعدوه بالقتل.
وفي آخر ليلة من حياة عثمان استيقظ في السحر فقَالَ لامرأته: إنَّ الْقَوْمَ يَقْتُلُونَنِي، قُلْتُ: كَلاَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: إِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالُوا: إنَّك تُفْطِرُ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ.
فأصبح صائماً، ثم دعا الرجلُّ الحيِّي بسراويل فشدها على عورته حتى لا يتكشف إذا قتل، وأقبل على القرآن يتلوه.
فجاء أشقى المعارضين فتسلقوا داره، ولم يرعوا حرمة البيت، ولا توقير شيخ جاوز الثمانين، فضربه أحدهم، ثم خنقه آخر، ثم ضربت يده بالسيف فقطعت أصابعه،
فقال عثمان لهم: والله إنها لأول يدٍ كتبت المفصل.
قال ابن كثير: وثبت أن أول قطرة من دمه سقطت على قوله تعالى: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
مات عثمان شهيداً يوم الجمعة وقد بلغ من العمر اثنتان وثمانون سنة , ودفن في البقيع في المدينة المنورة
فرحم الله عثمان ورضي عنه
وجمعنا الله به مع سائر الصحابة الكرام ..