عثمان بن عفان قدوة لشباب الأمة
الشيخ السيد مراد سلامة
أما بعد :
أمة الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم نعيش في هذا اليوم مع عثمان الحيي التقي ذو النورين ، وصاحب الهجرتين، والمصلي إلى القبلتين، وزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ عثمان الكريم المعطاء، الذي ما تعرض الإسلام لهجمة إلا ووجدت لتلك الأزمة عثمانها المعطاء، يجود بكل ما يملك بمنتهى الجود والكرم والسخاء،
من هو عثمان يا شباب الأمة كثير من الشباب لا يعرف تلك الشخصية العبقرية الكريمة و لكنه يعرف أسماء اللاعبين و الفنانين و يتهافت على التشبه بهم في ملبسهم و كلامهم و أخلاقهم
هل تعرفون من هو عثمان ؟
هو أبو عبد الله عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية القرشي الأموي أمير المؤمنين . ذو النورين ثالث الخلفاء الراشدين وأحد المبشرين بالجنة ورابع من دخل في الإسلام .
أولئك آبائي فجئني بمثلهم **** إذا جمعتنا ياجرير المجامع
عثمان رضي الله عنه تستحي منه الملائكة
أمة الإسلام يا شباب الحق أقولها بحق أين حياؤكم من الله تعالى ؟
أين حياءكم يامن تشبهتم باليهود و بالنصارى في زيهم لبسوا المرقع فلبستموه لبسوا الضيق فلبستموه كشفوا عن عن عوراتهم فكشفتم عن عوراتكم ،نشروا الرذيلة و دعوا إلى التبرج والسفور فأصبح أبناء و بنات من الأمة لهم أبواق فعلى الشاشات و الفضائيات يحارب العفاف و الفضيلة و قد سكتوا وركنوا إلى كل رذيلة
ها هو جدكم عثمان بن عفان شاب تستحي منه الملائكة و يستحي منه رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُضْطَجِعًا فِى بَيْتِى كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَسَوَّى ثِيَابَهُ - قَالَ مُحَمَّدٌ وَلاَ أَقُولُ ذَلِكَ فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ - فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ « أَلاَ أَسْتَحِى مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِى مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ ».([1])
عثمان الجنة رضي الله عنه
عثمان المبشر بالجنان على لسان النبي العدنان صلى الله عليه وسلم عن أَبُي مُوسَى الأَشْعَرِىُّ -في الحديث و ذكر- فَجَاءَ إِنْسَانٌ فَحَرَّكَ الْبَابَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ - قَالَ - وَجِئْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصِيبُهُ ». قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ ادْخُلْ وَيُبَشِّرُكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصِيبُكَ – ([3])
إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن منك ما يعجبك
عثمان الشهادة –رضي الله عنه
و لقد كان يعلم عثمان انه من الشهداء و هو يمشي على الأرض بشره صاحب البشرى صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُدًا ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَان.([4])
عثمان الجواد و البذل و السخاء رضي الله عنه
أيها الشباب أيها الأغنياء أيها الأثرياء أين انتم من جود وكرم عثمان رضي الله عنه من سخر ماله لا من أجل الشهوات و النزوات و إنما سخرها في رضى رب الأرض و السماوات
عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنِ الْقُشَيْرِىِّ قَالَ : شَهِدْتُ الدَّارَ وَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالإِسْلاَمَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ فَقَالَ :« مَنْ يَشْتَرِى بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا مَعَ دِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِى الْجَنَّةِ ». فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِى َأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونَنِى أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ قَالُوا اللَّهُمَّ : نَعَمْ قَالَ : أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالإِسْلاَمَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ يَشْتَرِى بُقْعَةَ آلِ فُلاَنٍ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِى الْجَنَّةِ ». فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ مَالِى أَوْ قَالَ مِنْ صُلْبِ مَالِى فَزِدْتُهَا فِى الْمَسْجِدِ فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونَنِى أَنْ أُصَلِّىَ فِيهَا قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِى تَجْهِيزِ جَيْشِ الْعُسْرَةِ وَقِصَّةِ ثَبِيرٍ.([5])
عثمان رجل لكل الأزمات رضي الله عنه
تجهيز عثمان رضي الله عنه لجيش العسرة
وبعد ثلاثة أعوام من عام الحديبية تترامى الأنباء إلى مسامع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هرقل ملك الروم يستعد لغزو المسلمين في المدينة المنورة نفسها، وكان الحر شديداً، وكان الصيف حاراً يصهر الجبال ويذيب الحجارة، ولو أن المسلمين خرجوا بإيمانهم للجهاد في سبيل الله تحت وطأة هذا الحر القاتل، وعلى هذه الصحراء الملتهبة المتأججة فأين السلاح؟! وأين العتاد؟! وأين النفقات التي يتطلبها القتال؟! وقام النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليحث أصحابه على الإنفاق في سبيل الله لتجهيز جيش العسرة، وتجد الأزمة مرة أخرى عثمانها المعطاء، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَفِي كُمِّهِ أَلْفُ دِينَارٍ ، فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَلَّى ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ : مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذَا أَبَدًا. ([6])
يا لها من شهادة! أيشهد رسول الله لـ عثمان بقوله: ( ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم )، ويأتي المجرمون والموتورون والمرجفون ليشهدوا على عثمان بالخيانة؟!
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ خَبَّابٍ ، قَالَ: شَهِدتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، وَهُو َيَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ , فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، عَلَيَّ مِئَةُ بَعِيرٍ , بِأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابهَا فِي سَبِيلِ اللهِ , ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ , فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ , فَقَالَ : يَا َرَسُولَ اللهِ ، ِللهِ عَلَيَّ مِئَتَا بَعِيرٍ ، بِأَحْلاسِهَا وَأَقْتَابهَا فِي سَبِيلِ اللهِ , ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ , فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ , فَقَالَ : يَاَ رَسُولَ الله ، ِللهِ عَلَيَّ ثَلاَثُمِئَةِ بَعِيرٍ , بِأَحْلاَسِهَا وَأَقتَابهَا فِي سَبِيلِ اللهِ , فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ عَنِ الْمِنْبَرِ , وَهُوَ يَقُولُ : مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ , مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ.([7]).
يا أحفاد أبي بكر ! ويا أحفاد عمر و عثمان و علي !
ونتعلم من عثمان رضي الله عنه مع الحياء الخشوع، فقد كان ابن عباس رضي الله عنه إذا قرأ: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } [الزمر:9] يقول: ذاك عثمان بن عفان ، وقال المروزي في كتابه قيام الليل : صح عن عثمان وصحح هذا السند ابن حجر في فتح الباري أنه قام بالقرآن في ركعة واحدة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر في الحرم، والقصة مفادها أنه دخل الحرم وهو متلثم لئلا يراه إلا الله، وهو أمير المؤمنين الخليفة الذي إليه السلطة العليا في الدولة الإسلامية، فدخل وكان يحفظ القرآن، فاقترب من المقام بعد صلاة العشاء فكبر، فقرأ القرآن من أوله، وانتهى ومؤذن الفجر يؤذن، في ركعة واحدة
عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ حِينَ قُتِلَ: «لَقَدْ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنَّهُ لَيُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ بِالْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ»
هاهو عثمان رضي الله عنه كان ينشر المصحف من بعد الفجر إلى صلاة الظهر، يقرأ ودموعه تنهمر على كتاب الله، فيقول له الناس: لو خففت عن نفسك، قال: [[ أما والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من القرآن ]].([8])
زهده و تواضعه رضي الله عنه
و لقد كان رضي الله عنه من أئمة الزهد و التواضع لله تعالى قال يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، أَنَّ الْحَسَنَ سُئِلَ عَنِ الْقَائِلِينَ، فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: «رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقِيلُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ» قَالَ: «وَيَقُومُ وَأَثَرُ الْحَصْبَاءِ فِي جَنْبِهِ» قَالَ: " فَيَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ " "([9])
، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، «أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُطْعِمُ النَّاسَ طَعَامَ الْإِمَارَةِ وَيَدْخُلُ إِلَى بَيْتِهِ فَأَكَلَ الْخَلَّ وَالزَّيْتَ»([10])
خوفه وبكاؤه
و لقد كان رضي الله عنه شديد الخوف من الله تعالى شديد الوجل فعَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ فَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ»([11])
عَبْدَ اللَّهِ الرُّومِيَّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَوْ أَنِّي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَا أَدْرِي إِلَى أَيِّهِمَا يُؤْمَرُ بِي لَاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ رَمَادًا قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ إِلَى أَيِّهِمَا أَصِيرُ»([12])
عبد الله بن سبأ اليهودي هو من أثار الفتنة على عثمان
نشأت الفتنة على يد اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ المكنى بـ ابن السوداء ، هذا الرجل الذي دخل في الإسلام في ظروف غامضة! وانتحل الإسلام، وادعى حرصه وغيرته الشديدة على قيمه وحدوده وحرماته! وانطلق ابن السوداء إلى المدينة المنورة؛ ليدرس أحوال المدينة في صمت وخبث ودهاء، وليتسمع أخبار الأمصار والأقاليم، وليرسم خطته بإحكام وإتقان، ولما انتهى من رسم الخطة انطلق في الأمصار وفي البلاد؛ لينفث سمومه الكبيرة! ووجدت هذه السموم بعض الآذان الصاغية من الموتورين! وهؤلاء لا يخلو منهم زمان ولا مكان، حتى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وانطلق هذا الرجل الخبيث بهذه العبارة الخطيرة، وبهذه الفتنة الكبيرة التي بدأها بالطعن في خلافة عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وقال عبارته الشهيرة: إن لكل رسول وصياً، وإن علياً وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عثمان وثب على الأمة، وأخذ الحق من صاحبه! هذه هي بداية الفتنة، وانطلق في البلاد والأمصار، فبدأ بالبصرة، ثم ذهب إلى الكوفة، ثم إلى الشام، ثم إلى مصر، ونجح ابن السوداء في أن يستقطب بعض الموتورين من ضعفاء النفوس وأصحاب أمراض القلوب، واتفقوا جميعاً تحت هذه المظلة التي تخدع الكثير والكثير في كل زمان ومكان! ومما قال لهم محبباً لمنهجهم: تظاهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -انظروا إلى المنهج!- لتستميلوا الناس إليكم! وابدءوا بالطعن في أمرائكم، وقولوا: إن علياً وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عثمان قد اعتدى عليه، وأخذ الحق من صاحبه، فانهضوا؛ لتردوا الحق إلى أهله! واتفق هؤلاء على أن يلتقوا جميعاً بالمدينة المنورة، وخرجوا وقد تظاهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبلغوا الناس أنهم ما خرجوا إلا للقاء عثمان رضي الله عنه وأرضاه؛ ليستعفوا بعض عماله، ووصلوا إلى المدينة المنورة في أعداد تقل قليلاً عن ثلاثة آلاف رجل، في الوقت الذي كان فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في البعوث والغزوات، بل ومنهم من خرج إلى حج بيت الله الحرام.
ولما سمع عثمان الخبر أرسل إليهم رجلين من بني مخزوم من رجاله، فوصل الرجلان إلى القوم فعلما حقيقة الأمر، وأن القوم ما خرجوا إلا لأمرين: إما لخلع عثمان ، أو لقتله.
رد عثمان على الشبه التي نقموا عليه بها
وأُخبر عثمان بذلك، فجمع عثمان الناس في المسجد، وقام على المنبر خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وأخبرهم بحقيقة القوم، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار: اقتلهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: ( من دعا إلى نفسه أو إلى أحد وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله، واقتلوه )، أتدرون ماذا قال الحيي التقي النقي؟ لقد قال: (كلا، بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهلنا، ولا نقتل أحداً حتى يرتكب حداً أو يبدي كفراً) ثم بدأ عثمان يرد على المسائل التي نقموا عليه فيها، ويرد اتهامات القوم، ويرد إشاعات الناس؛ لأنهم قالوا: إنه خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وأتم الصلاة في المزدلفة في الحج وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقصر الصلاة و أبو بكر و عمر ، فقال عثمان : (أما وإني قد أتيت بلداً فيه أهلي فأتممت الصلاة لذلك -وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه- ثم التفت إلى القوم وقال: أكذلك هو؟ قالوا: اللهم نعم.
ثم قال عثمان : وقالوا: بأنني أحميت الحمى -أي: كثرت أموالي وكثرت المراعي الخاصة بي- أما والله لقد وليت عليكم وليس في العرب من هو أكثر مني بعيراً وشاة، وأنا اليوم لا أملك بعيراً ولا أملك شاة إلا بعيرين اثنين لحجي، أكذلك هو؟ قالوا: اللهم نعم.
قال عثمان : واتهموني بأنني أكثرت العطاء لـ عبد الله بن أبي سرح ، ووالله! ما أفأت عليه إلا بما أفاء الله عليه من قبل، وإلا بما فعله أبو بكر و عمر ، أكذلك هو؟ قالوا: اللهم نعم.
وقال عثمان : واتهموني بأن القرآن كان صحفاً فجعلت القرآن كتاباً واحداً، ووالله! إن القرآن لكتاب واحد نزل من عند واحد ولم أفعل إلا ما فعله صاحباي: أبو بكر و عمر ، أكذلك هو؟ قالوا: اللهم نعم.
وقال عثمان : واتهموني بأني أحب أهلي وأعطيهم من مال المسلمين، أما والله! إن حبي لهم لم يملني معهم على جور، وإنما أقمت حقوق الله عليهم، وأما عطائي لهم فمن مالي، ووالله إنني إلى يومي هذا ما أكلت من مال المسلمين، وإنما آكل إلى اليوم من خالص مالي!).([13])
وفند عثمان رضي الله عنه هذه الشبهات، وهذه الأقاويل والافتراءات، وهذه الادعاءات، وهل نصدق أحداً بعد عثمان رضي الله عنه وأرضاه؟!
عدم دفاع عثمان عن نفسه وورعه عن إراقة الدماء
إخوة الإسلام لقد كان عثمان رضي الله عنه شديد الخوف من الله تعالى يخاف ان تراق دماء المسلمين فذهب بعض الصحابة إلى عثمان رضي الله عنه؛ ليعرضوا عليه الأمر في خفية، فقالوا: يا خليفة رسول الله! أرسل إلى البلاد أن يبعثوا إليك مدداً لقتال هؤلاء، أتدرون ماذا قال؟! قال بيقين وثبات عجيبين: (ما أحب أن ألقى الله وفي عنقي قطرة دم لامرئ مسلم) يا سبحان الله! فأشاروا عليه مشورة ثانية فقالوا: فلتخرج إلى الشام إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه؛ فإن الأمر في الشام على خير ما يرام.
فقال: (والله! ما كنت بالذي يختار جواراً على جوار رسول الله) فأشاروا عليه أمراً ثالثاً أشار به معاوية فقال: أرسل إليك جيشاً من الفرسان لحفظ حياتك؟! أتدرون ماذا قال؟! قال: (يزاحمون أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار في المدينة؟!([14]).
فقال معاوية : إذاً: ستغتال! فقال عثمان : (حسبي الله ونعم الوكيل!) الله أكبر!
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد:
مقتل عثمان رضي الله عنه
وفي الليلة الموعودة أيها الأحباب! يأتيه حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه ويقول: يا عثمان ! أفطر عندنا غداً كما
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: حُصِرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي دَارِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ لِي: أَيْقِظْنِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ السَّحَرِ فَأَتَيْتُهُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ السَّحَرِ قُلْتُ: أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، السَّحُورُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَقَالَ هَكَذَا وَمَسَحَ جَبْهَتَهُ فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، قَطَعْتَ عَلَيَّ رُؤْيَا كُنْتُ فِيهَا رَأَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: إِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا غَدًا، فَقُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ "([15])، واطمأن عثمان ، وعلم أن الحياة إلى زوال، وأن الحياة إلى فناء، فابن الثمانين ماذا يريد بعد ذلك؟! وهو الذي تربى في مدرسة النبوة، وهو الذي كان يردد دائماً قوله تعالى: { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً } [الكهف:45]، فاطمأن عثمان ، وعاد إلى كتاب الله الذي خطه بيمينه المباركة، فجعل يقرأ؛ ليخالط القرآن روحه، وليخالط القرآن دمه كما خالطت آيات القرآن روحه من قبل.
ودخل هؤلاء الموتورون على عثمان من دار أخرى إلى جوار داره، فلم يلبث أن رآهم أمام عينيه، فلم يتلفت ولم ينتبه! وإنما انكب على كتاب الله يقرأ آيات الله، ويرتل قرآن الله جل وعلا، فانقض عليه الوقح الغافقي ، ونظر إلى عثمان وبيده حديدة، فضرب عثمان بالحديدة في رأسه! وركل المصحف برجله! فاستدار المصحف وعاد بين يدي عثمان مرة أخرى، ويأبى إلا أن يخالط دماءه كما خالط روحه وقلبه! فبالله عليكم! أهؤلاء قوم يريدون الله والدار الآخرة، وهم يركلون كتاب الله بأرجلهم! ويدعون أنهم يريدون الله ورسوله؟!! ويأتي التجيبي -عليه من الله ما يستحقه- بالسيف مخترطاً ليضعه في بطن عثمان رضي الله عنه! فتأتي زوجته الصادقة المخلصة؛ لتخلص زوجها، فيقطع هذا الوغد يدها! ويضع السيف في بطن عثمان رضي الله عنه وأرضاه، فيقتله! ويأتي الأحمق الآخر عمر بن الحمق ليطعن عثمان رضي الله عنه بعد هذا كله تسع طعنات في صدره! ويقول: طعنته ثلاثاً لله! وستاً لما كان في صدري عليه! ولو صدق عدو الله لقال: طعنته تسع طعنات لما كان في صدري عليه، ويأتي واحد منهم؛ ليجرد البيت من كل شيء حتى الملاءة التي كانت تلتف بها نائلة رضي الله عنها، فيأخذ الملاءة من على جسدها، فتظهر عظامها، ويظهر جسدها، فيقول الخبيث الوقح: ما أعظم عظامها! فتقول المرأة الذكية النقية: يا سبحان الله! إن القوم لا يريدون الله والدار الآخرة، وإنما يريدون الدنيا، فهل هناك رجل يريد الله والدار الآخرة يقول هذه القولة الخبيثة في زوج خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويزداد ورعهم الكاذب والخبيث، فيقفون على الطرقات؛ ليمنعوا عثمان أن يدفن في مقابر المسلمين، وقالوا: عثمان لا يدفن في البقيع، ولا يدفن في مقابر المسلمين! أيها الأوغاد عثمان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب بئر رومة، ومجهز جيش العسرة، وزوج أم كلثوم و رقية لا يدفن في مقابر المسلمين؟!! نعم! إنه الورع الكاذب المدعى! والورع المفترى؛ لأنهم تظاهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليستميلوا الناس إليهم، ويدفن عثمان في حش كوكب في مكان خلف البقيع، ولما تولى معاوية رضي الله عنه أدخله في مقابر المسلمين في البقيع، وأمر الناس بالدفن حول قبر عثمان رضي الله عنه وأرضاه.
عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ: " خَرَجْتُ مَعَ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ سَنَةَ قُتِلَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ فَمَرَرْنَا بِالْمَدِينَةِ فَرَأَيْنَا الْمُصْحَفَ الَّذِي قُتِلَ وَهُوَ فِي حِجْرِهِ فَكَانَتْ أَوَّلُ قَطْرَةٍ قُطِرَتْ مِنْ دَمِهِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137] قَالَتْ عَمْرَةُ: فَمَا مَاتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ سَوِيًّا "([16])
وهكذا نال عثمان رضي الله عنه وسام الشهادة الذي بشره به رسول الله صلى الله عليه وسلم
الدعاء ........................................................................
[1] -أخرجه مسلم "2401" في فضائل الصحابة ، وأبو يعلى "4815"
[2] - الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 104)
[3] - صحيح مسلم ـ (7/ 118)
[4] - أخرجه البخاري "3686" في فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب، وأبو داود "4651"
[5] - رواه الترمذي 3704 والنسائي 235/ 6 وانظر صحيح البخاري 406/ 5-407 مع فتح الباري.
[6] - الترمذي في سننه ج 5/ ص 626 حديث رقم: 3701 فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (1/ 515)
[7] - أخرجه عبد بن حميد (311و"التِّرمِذي"3700
[8] - الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 105)
[9] - الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 105)
[10] - الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 106)
[11] - الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 106)
[12] - الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 106)
[13] - تاريخ الأمم والملوك (4/ 343-348). فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه (4/ 44-46)
[14] - سلسلة مصابيح الهدى (8/ 12)
[15] - الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 105)
[16] - الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 105) سلسلة مصابيح الهدى (8/ 12)
المرفقات
بن-عفان-قدوة-لشباب-الأمة
بن-عفان-قدوة-لشباب-الأمة
بن-عفان-قدوة-لشباب-الأمة-2
بن-عفان-قدوة-لشباب-الأمة-2